هل الله موجود؟

إنّ السؤال عن وجود الله يشبه إلى حدٍّ ما السؤال عن وجود الهواء.

فرغم أنّنا لا نرى الهواء ولكنّنا نرى تأثيره، هكذا أيضًا الله. فنحن لا نرى الله بعيوننا، ولكنّنا نرى تأثيره في الخليقة والكون الذي نعيش فيه. فالنّظام الشّمسي الذي يسير بدقّة مدهشة، والتنوّع المذهل في مملكتي الحيوانات والنبات، وفرادة وتمايز الإنسان عن باقي الكائنات الحيّة، تعلن لنا جميعها حقيقة وجود الله. 

يستطيع العقل البشري أن يقرأ كلّ ما يدور من حوله من خلال الحواس. أظهرت دراسة أُجريت في جامعة كاليفورنيا-سان ديغو بأنّ العقل البشري يستوعب يوميًّا ما يزيد عن ٣٤ جيكابيت من المعلومات التي يراها ويسمعها ويتفاعل معها. ويستطيع في خلال أجزاء من الثانية أن يغربل المعلومات التي يستلمها، ويتّخذ القرارات المناسبة، ثمّ يأمر أعضاء الجسد كافة للتجاوب والتصرّف بما هو مناسب معها. ويعوزنا الكثير من المجلدات لكي نكتب عن العين، والأذن، والقلب، والحمض النووي وكل ما هو مبدع ومدهش في جسدنا العجيب.

فالخليقة تعلن وجود الخالق. وهذا منسجم تمامًا مع المنطق البشري. فكما أنّ وراء كلّ اختراع يوجد مخترع، ووراء كلّ تصميم هناك مصمّم، فوراء الخليقة هناك خالق قد أبدع الكون كلّه.

وبحسب علم المنطق، فإن المخترع لا يستطيع أن يخترع أمرًا أعظم منه إنما أقلّ منه. فمثلاً استطاع الإنسان أن يخترع الكمبيوتر الذي يتضمّن عناصر موجودة عند مخترعه، مثل الذاكرة للحفظ، والقدرة المحدودة على التحليل والاستنتاج … والخ. وعندما نستخدم الكمبيوتر نُدهش بالإنسان الذي اكتشفه وطوّره. فالكمبيوتر يعلن لنا عن وجود مخترع عظيم له. هكذا أيضا الخليقة تعلن لنا وجود خالق عظيم وراءه.

لا يستطيع الإنسان أن يخترع شيئًا أعظم منه، بل أدنى منه. فقبل أن يقوم الإنسان بأي اختراع، يتصوّر الأمر في ذهنه ويجسّده ثم يحاول تنفيذه. فوجود الكمبيوتر يعلن لنا وجود كائن أعظم منه استطاع أن يخترعه. هكذا أيضا خليقة الله وجسد الإنسان، فهما يعلنا لنا حقيقة وجود كائن أعظم من الإنسان. فإن كان الإنسان يرى بعينيه فلا بدّ أن يكون من صنعه يرى بعينيه أيضًا. وإن كان الإنسان له القدرة على التفكير والتحليل واتخاذ القرارات، فلا بدّ أن يكون الذي صنعه يفكّر ويحلّل ويتّخذ القرارات. وإن كان الإنسان له القدرة على الكلام والتعبير عن رأيه، فلا بدّ أن يكون من صنعه له القدرة على الكلام والتعبير عن رأيه.

لذلك يعلن المنطق البشري بأنّ وراء الخليقة هناك خالق قد خلق الإنسان، وبالتالي هو أعظم من الإنسان، وله قدرات تفوق الإنسان. وإن كان الإنسان له القدرة على التواصل والتعبير عن ذاته، فكذا الخالق أيضا له القدرة على التواصل والتعبير عن ذاته، وقد أعلن عن نفسه للبشر بإعلان سبّاق لكل حكمة وفلسفة بشريّة، ألا وهو الكتاب المقدّس. وفي الآية الأولى من الكتاب المقدّس يعلن الوحي: “فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ.” (تك 1:1). نحن نعرف أن الله موجود ونستطيع أن نعرف فكره وإرادته لأنّه أعلن لنا عن ذاته في الكتاب المقدّس. وفي ملء الزمان أعلن الله لنا عن ذاته بتجسد المسيح لفداء الإنسان وخلاصه الأبدي. يستطيع الإنسان من خلال الكتاب المقدّس وايمانه بالرّب يسوع المسيح أن يختبر ليس فقط وجود الله ولكن العلاقة الشخصيّة مع الله.