هل بقي يسوع في القبر ثلاثة أيام كاملة؟

فَأَجابَ وَقَالَ لَهُمْ: «جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال. (مت12: 39-40)
بحسب هذه الآيات يعتقد البعض أن الرب يسوع كان يجب أن يبقى في القبر ثلاثة أيام كاملة أي يجب أن يمرّ على دفنه ثلاثة ليال كاملة قبل القيامة. فإذا كان قد قام صباح الأحد، فهو يكون بالتالي قد صُلب مساء الأربعاء وليس مساء الجمعة حتى يمكن أن تتم الأيام والليالي الثلاث الكاملة. وبناء على ذلك فإن ليلة الفصح لم تكن عشية يوم الخميس بل عشية الثلاثاء.

فما هو الردّ الكتابي على هذا التحليل؟

إن هذا التحليل يقود الى القول بأن يسوع، لو كان عليه أن يقوم بعد انقضاء ثلاثة أيام وثلاث ليال، قد قام في اليوم الرابع وليس في اليوم الثالث. ولكننا نقرأ في نفس انجيل متى أن البشير يستخدم أيضا تعبيراً مماثلاً عن موت وقيامة الرب يسوع في أكثر من مكان بقوله: ـ
متى ٢١:١٦ من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه انه ينبغي ان يذهب الى اورشليم ويتألم كثيرا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل، وفي اليوم الثالث يقوم.
متى ٢٣:١٧ فيقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم». فحزنوا جدا
متى ١٩:٢٠ ويسلمونه الى الامم لكي يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه، وفي اليوم الثالث يقوم.
متى ٦٤:٢٧ فمر بضبط القبر الى اليوم الثالث، لئلا يأتي تلاميذه ليلا ويسرقوه، ويقولوا للشعب: انه قام من الاموات، فتكون الضلالة الاخيرة أشر من الاولى!»ـ

ولو كان في فكر متى اختلاف بين تعبير البقاء في القبر ثلاثة أيام وثلاث ليال وبين تعبير القيامة في اليوم الثالث لكان قام بشرح ذلك. ولكن بالنسبة له فإن التعبيرين متشابهان ولم يرَ حاجة للتمييز بينهما. لماذا؟ أولاً، كان احتساب الوقت عند اليهود قديما يختلف عن يومنا هذا. فعند الساعة السادسة مساء بتوقيتنا اليوم كان يومهم ينتهي ويبدأ يوماً جديداً بساعات الليل ال 12، أما النهار عندهم فكان يبدأ بالساعة الأولى بعد انقضاء الليل والتي هي السادسة صباحا عندنا، لذلك كانت تسمية الساعات تختلف عما نحن معتادون عليه. ففي حادثة الصلب يذكر الكتاب أن الدنيا أظلمت بين الساعة السادسة والساعة التاسعة، أي بحسب توقيتنا بين الثانية عشر ظهرا والثالثة بعد الظهر.

ثانيا، كان أي جزء من اليوم يُحتسب على أنه يوم، فموت المسيح عند الساعة التاسعة من يوم الجمعة مع بقاء ثلاث ساعات لانقضاء اليوم كان يُعتبر اليوم الأول. ويوم السبت بكامله كان يوماً ثانياً، وفجر الأحد كان بعد عدة ساعات من بدء يوم الأحد وهو بالتالي يوما ثالثاً. وهكذا تكون قيامة الرب يسوع في اليوم الثالث منسجمة مع هذا التفسير. وإذا ذهبنا أبعد من ذلك في دراستنا نجد أن تعبير ثلاثة أيام في الكتاب المقدس لا يفترض انقضاء اليوم الثالث. نقرأ في سفر الملوك الأول في حادثة مواجهة يربعام بن نباط مع الملك رحبعام،” فَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إِلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَيْضًا ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَيَّ». فَذَهَبَ الشَّعْبُ.” (1مل 12: 5) ثم في نفس الاصحاح والآية 12:” فَجَاءَ يَرُبْعَامُ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَى رَحُبْعَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَمَا تَكَلَّمَ الْمَلِكُ قَائِلاً: «ارْجِعُوا إِلَيَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ».

وعن الحادثة نفسها نقرأ في أخبار الأيام الثاني والاصحاح 10:” فَقَالَ لَهُمُ: «ارْجِعُوا إِلَيَّ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ». فَذَهَبَ الشَّعْبُ.” ثم:” فَجَاءَ يَرُبْعَامُ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَى رَحُبْعَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَمَا تَكَلَّمَ الْمَلِكُ قَائِلاً: «ارْجِعُوا إِلَيَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ» (12). أما في حادثة أستير فنقرأ عن صوم أستير وشعبها لثلاثة أيام وثلاث ليال:” «اذْهَبِ اجْمَعْ جَمِيعَ الْيَهُودِ الْمَوْجُودِينَ فِي شُوشَنَ وَصُومُوا مِنْ جِهَتِي وَلاَ تَأْكُلُوا وَلاَ تَشْرَبُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لَيْلاً وَنَهَارًا. وَأَنَا أَيْضًا وَجَوَارِيَّ نَصُومُ كَذلِكَ. وَهكَذَا أَدْخُلُ إِلَى الْمَلِكِ خِلاَفَ السُّنَّةِ. فَإِذَا هَلَكْتُ، هَلَكْتُ». فَانْصَرَفَ مُرْدَخَايُ وَعَمِلَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَتْهُ بِهِ أَسْتِيرُ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَبِسَتْ أَسْتِيرُ ثِيَابًا مَلَكِيَّةً وَوَقَفَتْ فِي دَارِ بَيْتِ الْمَلِكِ الدَّاخِلِيَّةِ…..” (أستير 16:4 – 1:5).

إذا إن عبارة ثلاث أيام وثلاث ليال هي استعارة للدلالة على ثلاثة أيام ليس بالضرورة مكتملة ولكن متضمنة جزءاً من اليوم الأول، يوماً ثانياً بكامله، وجزءاً من اليوم الثالث. وبناء على ذلك فإن العبارة التي قالها يسوع عن آية يونان، ثم إعلانه عن قيامته في اليوم الثالث، تعبيران متشابهان لا تناقض بينهما وينطبقان على احتساب الصلب في يوم الجمعة والقيامة صباح الأحد. أضف إلى أن عبارة “لان يوم ذلك السبت كان عظيما” (يو19: 31) تعني أن هذا السبت الذي هو اليوم السابع في التوقيت اليهودي كان أيضا سبت الفصح بحسب ترتيب عيد الفصح والذي كان اليوم الأول من عيد الفطير، وهذا لا ينطبق على احتساب الصلب يوم الأربعاء.