نصرة المؤمن بقيامة المسيح

يختبر الإنسان في حياته لحظات نصرة، كالنجاح في المدرسة، في العمل أو في الرياضة؛ ولكن وللأسف هي لحظات قليلة في الحياة فالرابح اليوم قد يكون الخاسر غداً والحياة مليئة بالنكسات والمفشلات ولكن الحزن الأكبر هو عندما تكون فرص النصرة معدومة كما في حالة المرض. والمرض هو جزء من التحديات الجسديّة، إنما المشكلة الأعمق هي المشكلة الروحيّة التي لا يستطيع إنسان أن ينتصر عليها والتي تختصر بالخطيّة والموت. قد يحقق الإنسان بعض الانتصارات الوقتيّة على المرض، ولكن يستحيل أن يحقق الإنسان أي انتصار على الموت. كما يستحيل على الإنسان أن يخطط لحياته الأبديّة. لمعالجة هذه المشكلة، جاء المسيح إلى العالم وليعطي الإنسان النصرة والغلبة الزمنيّة والأبديّة

إن تجسد وموت وقيامة المسيح هي الإنجيل، أي الخبر السار. يوجد خبر سار للإنسان أنّه بالمسيح يسوع فتحت صفحة جديدة في التاريخ البشري، لكي تعطى النصرة الزمنيّة والأبديّة لكل من يؤمن بالمسيح. فكيف تؤثر قيامة المسيح على نصرة المؤمن؟

كو الأولى 15: 51-58

“51هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا، وَلكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ، 52فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ. 53لأَنَّ هذَا الْفَاسِدَ لاَبُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ، وَهذَا الْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ. 54وَمَتَى لَبِسَ هذَا الْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ، وَلَبِسَ هذَا الْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ، فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ:«ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ». 55«أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟» 56أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ، وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ. 57وَلكِنْ شُكْرًا ِللهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. 58إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، كُونُوا رَاسِخِينَ، غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ، مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ

أولاً. نصرة المؤمن على فساده الجسدي

مشكلة الإنسان الأساسيّة هي فساده الجسدي، جسد الضعف، الألم والموت. صلب يسوع ومات ولكنّه قام من الأموت. قام يسوع بجسد ممجّد. بذلك الجسد ظهر لتلاميذه ولمدّة اربعين يوما خاطبهم وكلّمهم وعلمهم وحضّرهم ليذهبوا ألى العالم ويكرزوا بالإنجيل للخليقة كلّها، ليقولوا أن قيامته وضعت حدّاً لضعف الإنسان البشري هذا الضعف الذي وقف أمامه العلماء، والأطباء، والاقتصاديين، والسياسيين، وكل رجال الدين عاجزين. يكتب الرسول بولس في كورنثوس 15“51هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ …”  اذاً ما كان مجهولاً عند الناس تغيّر بفعل قيامة المسيح ويوجد إعلان جديد مبني على قيامة المسيح، “لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا، وَلكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ”. الموت لم يعد سيّد القرار في حياة المؤمن بالمسيح. يوجد نوعين من المؤمنين، منهم النوع الأوّل الذي هو قبل المجيء الثاني للمسيح واختطاف الكنيسة وهم الذين سيرقدون، ويوجد مؤمنين لن يروا الموت. ولكن الأمر المشترك بينهم هو أنّهم جميعاً سينالون أجساداً جديدة وممجدة كما يقول الكتاب، “52فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ. 53لأَنَّ هذَا الْفَاسِدَ لاَبُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ، وَهذَا الْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ

يا له من رجاء مجيد ويا لها من نصرة عظيمة، قريباً جدّاً بمجيء المسيح سينتهي عناء المؤمنين. قال الوحي للمؤمنين في كنيسة فيلبي، “فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ.” (في 3: 20و21). هناك في السماء سينتهي العناء، “وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ.” (رؤ 21: 4). والضمانة لذلك هي قيامة المسيح من الأموات

ثانيا. نصرة المؤمن على الموت الأبدي

عدو الإنسان الأساسي هو الموت. فساد جسدنا يؤدي بنا إلى الموت. الإنسان يحاول أن يطيل مدّة حياته من خلال الأبحاث والأدوية والطبّ. ولكن الموت هو عدو لا يمكن هزمه. لقد هزم الموت العظماء من البشر

ولكن يوجد خبر سار للمؤمن بالمسيح. لقد غلب يسوع الموت، ليعطي الحياة الأبديّة لكل من يؤمن به

“53لأَنَّ هذَا الْفَاسِدَ لاَبُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ، وَهذَا الْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ. 54وَمَتَى لَبِسَ هذَا الْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ، وَلَبِسَ هذَا الْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ، فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: «ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ». 55«أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟» 56أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ، وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ.” بالمسيح يسوع ابتُلع الموت ولم يعد بعد له سلطان ولا مهابة على حياة المؤمن. سيختبر بعض المؤمنون الموت الجسدي ولكن هذا أصبح رقاد في الجسد، ولا تأثير له على حياة المؤمن

الموت قوي، له شوكة قويّة وكلمة شوكة تُفسّر كاللسعة وشوكة الموت هي الخطيّة. الخطيّة هي ما أدخل الموت إلى العالم فالإنسان يموت بسبب الخطيّة. وقوّة الخطيّة هي النّاموس لأنه إعلان الله الكامل الذي يظهر فشل الإنسان وعجزه إستحقاقه للهلاك. لذلك يحتاج الإنسان إلى مخلص يستطيع أن يتمم كل ناموس الله ويغلب الموت. جاء يسوع ربّ المجد من السماء، تمّم الناموس بجسده وكماله نزع قوّة الخطيّة، مات على الصليب فداء خطايانا وغلب الموت في اليوم الثالث، ليقدم الخلاص. قيامة المسيح هي أساس قيامتنا

.وهناك في السماء مع ربّ المجد، سينتهي العناء. بقيامة المسيح أعطى المؤمن  النصرة على الموت الأبدي

ثالثاً. نصرة المؤمن على يأسه اليومي

وضع الإنسان الروحي ينعكس على حياته. هذا العالم الذي نعيش فيه يعكس تعاسة الإنسان ويأسه في الحياة. والسبب هو تركيزه على ذاته مما يقوده إلى اليأس اليومي.الإنسان يعيش مغلوب ومكسور أمام حياة لا ترحم منذ صغره حتى شيبته ؛ في الجزء الأول من حياته يفني جسده لكي يجني المال، وفي الجزء الثاني من حياته يفني المال محاولاً أن يسترجع جزئاً من صحته .رغم كل مجده،  قال الملك سليمان: “ثُمَّ الْتَفَتُّ أَنَا إِلَى كُلِّ أَعْمَالِي الَّتِي عَمِلَتْهَا يَدَايَ، وَإِلَى التَّعَبِ الَّذِي تَعِبْتُهُ فِي عَمَلِهِ، فَإِذَا الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ، وَلاَ مَنْفَعَةَ تَحْتَ الشَّمْسِ.” (الجامعة 2: 11).و تابع في العدد 17 يقول “فَكَرِهْتُ الْحَيَاةَ، لأَنَّهُ رَدِيءٌ عِنْدِي، الْعَمَلُ الَّذِي عُمِلَ تَحْتَ الشَّمْسِ، لأَنَّ الْكُلَّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ.” يعيش الإنسان بصراع مع هذا اليأس

كتب بولس الرسول بوحي الروح القدس: إِنْ كَانَ الأَمْوَاتُ لاَ يَقُومُونَ، «فَلْنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ لأَنَّنَا غَدًا نَمُوتُ!».” (1كو 15: 32). وثم أتى يسوع المسيح ربّ المجد  أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ.” (2تيم 1: 10)

 تقول كلمة الرّب: لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولئِكَ الَّذِينَ­ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ­ كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ.” (عب 2: 14).جاء يسوع وقلع اليأس وأنار الحياة الأبديّة .وعندما يختبر الإنسان الخاطىء خلاص المسيح، يزيل عينيه عن فشله ويأسه ويضع كل ثقته على المسيح، ويصبح لسان حاله ما قاله بولس الرسول في العدد 57، “57وَلكِنْ شُكْرًا ِللهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ.” هذا هو التغيير الجذري الذي يحصل في حياة المؤمن في لحظة الخلاص. تتحول حياته إلى حياة شكر. هذا الشكر يتمحور حول شخص الرّب ويُترجم بالكلام، بالترنيم، بالتهليل، بالعطاء بالعبادة، بالشكر والتكريس… وعلى المؤمن أن ينزع عينيه عن نفسه حين يشعر باليأس أو الفشل أو الإحباط ويركز نظره على الرّب ليختبر الغلبة وحياة بقوّة القيامة. وهذاما اختبره بولس الرسول حين كتب قائلاً: لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ” (في 3: 10)

رابعاً. نصرة المؤمن على فشله الفعلي

الإنسان ليس مصاباً فقط باليأس ولكن أيضاً بالفشل لأن كل ما يعمله باطل، لا معنى للحياة إن كان القبر هو نهايتها ولكن قد جاء يسوع من السماءو أبطل الموت وأعطى معنى للحياة. قبل القيامة شعر تلاميذ المسيح بالإحباط و الفشل إنما بعد القيامة وجدوا المعنى الحقيقي . لن يجد الإنسان معنى لحياته بدون خلاص المسيح و لن يجد المؤمن معنى لحياته إن لم يعش في خدمة الرّب في كنيسة المسيح.“58إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، كُونُوا رَاسِخِينَ، غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ، مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ

معنى الحياة هي في حياة ملتزمة بمخطط الرّب ومشيئته و هجمات إبليس هدفها أن تبعد المؤمن عن الكنيسة وعن خدمة الرّب .الرب يريدنا أن نكون “ رَاسِخِينَ، غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ، مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ.” وعندما تأتي التجارب ننظر إلى عظمة قيامة المسيح والخلاص العظيم ونأخذ من قوّة القيامة لنستمر إلى يوم مجيئه

.إستمر بولس الرسول وهو يُجلد لأجل المسيح و بعدما انكسرت به السفينة بسبب قوّة القيامة

في الختام، قيامة المسيح هي جوهر الإنجيل. بقيامته يعطينا رجاء حياتنا الأبديّة ومعنى لحياتنا الزمنيّة.لقد قام المسيح لكي يعطينا نصرة القيامة في حياتنا، هذه النصرة لها البعد الأبدي بالنصرة على الموت وجسد الفساد و لها ترجمة عمليّة في حياة متحررة من اليأس والفشل ومليئة بالشكر والتكريس في خدمة الرّب