مَن صلب المسيح؟

أسبوع الآلام وصلب يسوع المسيح كان من أبشع الصّور الّذي ارتسمت بالتّاريخ البشري. في أسبوع الآلام نرى الخيانة ونرى الألم. يسوع يحاكم ويجلد ويضرب ويعذّب. دون سبب قانونيّ لذلك. الجموع الّتي لم ترَ من يسوع إلّا المحبة والشّفاء والمعجزات، تصرخ وتقول “اصلبه اصلبه”. يسوع يحمل صليبه ويمضي نحو الجلجثة. وهناك تُدقّ المسامير، وتسيل الدّماء، وسط استهزاء الجموع والجنود. هناك يطلب ماءً ولا يعطى إلّا الخلّ. هناك يقتسمون ثيابه ويقترعون عليها. وأخيرًا يسوع المسيح البار القدّوس ينكّس الرّأس ويموت

لا يوجد أقسى من هذا شعب! ولا يوجد أفظع من هذه الجريمة! رجال الدّين الّذين كان يجب يحضّروا النّاس لمجيء المسيح، قادوهم ليطالبوا بصلب يسوع البار

هل يمكن لجريمة كهذه أن تبقى بدون حساب؟

جريمة موت المسيح هي من أفظع الجرائم في التّاريخ البشري، الّتي لم تتّخذ فيها التّحقيقات مجراها. ولم يصدر فيها حكم ولم يذنَّب فيها مجرم هي جريمة قتل يسوع المسيح على الصّليب

كمؤمنين يجب ألّا نقبل بالصّمت عن المجرم بل سنفتح التّحقيق لنعرف مَن صلب البار

للوهلة الأولى يبدو الجواب سهلاً ولكن التّعمق في التّحقيق قد يوصل الإنسان لتغيير مجرى حياته

سننطلق من سجل توثيقيّ للحدث في الكتاب المقدّس. سوف ندقّق في المعلومات ونتأكّد من صحّتها ونقارنها. لأنّه لا يمكن لجريمة كهذه أن تمرّ بدون حساب

“وَكَانَ اسْتِعْدَادُ الْفِصْحِ، وَنَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. فَقَالَ لِلْيَهُودِ: «هُوَذَا مَلِكُكُمْ!». فَصَرَخُوا: «خُذْهُ! خُذْهُ! اصْلِبْهُ!» قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟» أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ: «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرَ!». فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ. فَأَخَذُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ. فَخَرَجَ وَهُوَ حَامِلٌ صَلِيبَهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «مَوْضِعُ الْجُمْجُمَةِ» وَيُقَالُ لَهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ «جُلْجُثَةُ»” (يو 19: 14-17)

:القراءة للّنصوص الكتابيّة تظهر لنا بأن

أوّلاً. اليهود صلبوا المسيح

إذا تجوّلنا في شوارع أورشليم في زمن المسيح وسألنا النّاس مَن صلب المسيح؟ يأتي الجواب البديهي الأوّل، “اليهود هم مَن صلبوا المسيح

قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «فَمَاذَا أَفْعَلُ بِيَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ؟» قَالَ لَهُ الْجَمِيعُ: «لِيُصْلَبْ!» … فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْب وَقَالُوا: «دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا».” (متى 27: 22و25)

.اليهود هم مَن صلبوا المسيح

يكتب بولس الرّسول قائلا: “لأَنَّكُمْ تَأَلَّمْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا مِنْ أَهْلِ عَشِيرَتِكُمْ تِلْكَ الآلاَمَ عَيْنَهَا، كَمَا هُمْ أَيْضًا مِنَ الْيَهُودِ، الَّذِينَ قَتَلُوا الرَّبَّ يَسُوعَ … ” (1تس 2: 14)

.رغم أنّ المسيح شفاهم وأقام موتاهم وأشبعهم وعلّمهم… لكنّ اليهود صلبوه

ولكن هل من متورطين آخرين؟

.تحقيقات سريعة تُظهر بأنّ الرّومان أيضًا كانوا متورطين بصلب المسيح

ثانيًا. الرّومان صلبوا المسيح

فَصَرَخُوا: «خُذْهُ! خُذْهُ! اصْلِبْهُ!» قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟» أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ: «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرَ!».” (يو 19: 15)

فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَانًا أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلْطَانًا أَنْ أُطْلِقَكَ؟»(يو 19: 10)

وَلاَ هِيرُودُسُ أَيْضًا، لأَنِّي أَرْسَلْتُكُمْ إِلَيْهِ. وَهَا لاَ شَيْءَ يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ صُنِعَ مِنْهُ.” (لو 23: 15)

لقد مات يسوع بناءً على أمر رومانيّ. فقد فحص من هيرودس وبيلاطس وعرفوا أنّه لم يفعل أمر يستحقّ الموت. ولكن رغم ذلك اسلموه ليصلب

من الواضح أن رؤوس كبيرة من السّلطة الرّومانيّة كانت متورطة بقتل المسيح. إنّ تهمة قتل المسيح لا تتوقف على اليهود لأنّه كما يبدو بالدّليل والبرهان بأنّ الرّومان كانوا مشاركين بقتل يسوع المسيح، رغم معرفتهم بأنّه بار. وهنا تتزايد أهميّة إظهار الحقيقة

ثالثًا. الظّلم صلب المسيح

وعندما ترى أنظمة دينيّة وسياسيّة مشتركة بالجريمة فمن يجب سَجنه. مَن يحاكم مَن؟

وبينما نتابع التّحقيق، وردت كلمة ظلم. أحد الأشخاص قال “الظّلم صلب المسيح

صحيح إنّ الظّلم صلب المسيح، إذ نقرأ في كلمة الرّبّ “ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ” (أش 53: 7)

موت المسيح فيه ظلم. لو حوكِم بعدلٍ لما كان صُلِب المسيح، ولكنّ الظّلم والظّالمين صلبوا المسيح لأنّه ما عمل ولا أيّة خطيّة.  فقد وقف أمام الجميع وقال: “مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟” (يو 8: 46)

.إذن موته كان ظُلمًا

رابعًا. الضّعف صلب المسيح

وفي مجرى التّحقيق، وردت كلمة ضعف. فهل صُلب المسيح لأنّه ما كان يقدر أن يدافع عن نفسه؟ وهل لو قدر أن يدافع عن نفسه ولو كان تلاميذه مسلّحين أقوياء، لما كان قد صلب؟

ولكن بالتّحقيقات تبيّن أنّ هذه الفرضيّة خاطئة. فالمسيح قال لبطرس عندما استخدم سيفه: “أَتَظُنُّ أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ؟” (متى 26: 53)

وفي وقت آخر قال: “لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا. هذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي». (يو 10: 18)

وهذا دفع بنا للسؤال التّالي: كيف ممكن للمسيح هو يضع نفسه؟

خامسًا. محبة الله صلبت المسيح

وهذا قادنا للمزيد من البحث. وكانت الحقيقة الصّادمة! فمحبة الله صلبت المسيح! “لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.” (يو 3: 16)

.أمعقول أنّ الله له علاقة بموت المسيح. هذه الحقيقة الصّادمة أنّ الآب أرسل الابن ليموت على الصّليب

.لماذا؟ لم يمكن لله أن يعمل هكذا عمل؟ وكان الجواب الصّادم

سادسًا. خطايانا صلبت المسيح

لنقرأ النبوّة: “وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا.” (أش 53: 5)

:وكتب بولس الرسول

الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا.” (رو 4: 25)

وَتَعْلَمُونَ أَنَّ ذَاكَ أُظْهِرَ لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا، وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ.” (1يو 3: 5)

إذن خطايانا صلبت المسيح. ولكن لماذا؟

سابعًا. مشيئة الله صلبت المسيح

.لأنّ الله لديه خطّة اسمها خطّة الخلاص. ولأنّ بدون موت المسيح لا يمكن أن يكون لنا كفّارة لخطايانا

الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِ خَطَايَانَا، لِيُنْقِذَنَا مِنَ الْعَالَمِ الْحَاضِرِ الشِّرِّيرِ حَسَبَ إِرَادَةِ اللهِ وَأَبِينَا” (غل 1: 4)

حسب إرادة الله! الله كان عنده مشيئة أن يموت المسيح لكي نخلص أنت وأنا. يوجد مخطط إلهيّ عظيم وراء صلب المسيح. يوجد سماء ويوجد حياة أبديّة. والإنسان لا يقدر أن يدخل السّماء والحياة الأبديّة بدون موت المسيح. كان يجب أن يموت المسيح حتّى يخلص الإنسان

.ومخطط الله هو أنّ الإنسان، من خلال الإيمان بالرّب يسوع المسيح وصلبه بدلاً عنه، يحصل على الحياة الأبديّة

ثامنًا. أنا صلبت المسيح

.لأنّ المسيح مات لأجلي. مات لكي يخلّصني. نعم ،أنا صلبت المسيح

بسبب خطاياي مات المسيح على الصّليب. هو صُلب لكي يعطيني فرصة الخلاص والحياة الأبديّة. “لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا».” (أع 10: 43)

.نتيجة هذا التّحقيق، عرفت أنّ بموت المسيح يجب لوم نفسي، لأن خطاياي صلبته وأنا مَن صلبه

وعرفت أنّ أعظم شيء أعمله هو أن أقدّر ما عمله على الصّليب وأسجد عند قدميه وأطلب منّه المسامحة والغفران وأتوّجه مخلّصًا على حياتي بالإيمان

تاسعًا. الخيانة صلبت المسيح

 !أزعجني شيء واجهني في هذا التّحقيق. فكرةً لم أذكرها قبلاً، فكّرت فيها: الخيانة

.هل ممكن أن تكون الخيانة صلبت المسيح

واحد من تلاميذ المسيح الذّين كانوا معه، اسمه يهوذا الإسخريوطي، سلّمه بقبلة. وأخذ مالاً ثمن ذلك ،وخان المسيح وأسلمه. “فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «يَا يَهُوذَا، أَبِقُبْلَةٍ تُسَلِّمُ ابْنَ الإِنْسَانِ؟»” (لو 22: 48)

ما هي الخيانة؟ هي أن تعيش في ببيئة مسيحيّة وتعرف كل هذه الأمور عن المسيح وتدير ظهرك بدون أن تأخذ موقف الإيمان والثّقة بالرّبّ يسوع المسيح

.في الختام، إنّ موت المسيح وقيامته تضعك أمام قرار

أمّا أن تقبل ما فعله المسيح لأجلك بالإيمان وتعيش حياتك له وأمّا أن تستهزئ وترفض تضحياته لأجلك