ميلاد المسيح بين الخلاص والدّينونة

عيد الميلاد بالنّسبة إلى العالم هو عيد بهجة وسعادة وفرح. يربط النّاس الميلاد بالفرح والرّجاء … ولكن قلائل هم الّذين يعرفون الوجه الآخر للميلاد …قلائل هم الّذين يربطون ما بين ميلاد المسيح وخطّة الله أو ميلاد المسيح ومصير الإنسان الأبدي وميلاد المسيح والدّينونة

قرأت عن مركبة فضائيّة أطلقتها النّاسا الّتي هي الوكالة الفضائيّة الأولى في العالم. صنعت مركبة فضائيّة لدراسة الشّمس. طبعا، مركبة كهذه كلّفت ملايين الدّولارات … وأطلقت بمهمّتها … ونجحت في الاقتراب من الشّمس … كان مسيرها آلي لا يقودها إنسان ولكنّها تسيّر بواسطة الاتصال البعيد … بعد إعادتها من مهمّتها الأولى أُجريت لها الصّيانة وثم أُطلقت من جديد … ولكن في هذه المرة فقدت المركبة الاتصال بالمركز الرّئيسي وتاهت وضاعت في هذا الكون الفسيح … ولكن بعد سنتين وبعد جهد جهيد وُجدت المركبة … وأُعيد الاتصال بها …إنجاز مهمّ … لأنّ هذه المركبة صُنعت لهدف … ولكن الانحراف عن الهدف يعني الضّياع

الإنسان خُلق لهدف معيّن … والإنسان عندما ينحرف عن هدف خُلق لأجله ينحرف نحو الضّياع … ولكن المسيح جاء ليخلّص الإنسان ويردّه إلى هدف حياته … فإنّ تجسّد المسيح ليس مجرّد حدث أو مناسبة … هو مخطط الله لاسترداد الإنسان عن ضلاله … فالعهد القديم من الكتاب المقدّس يُعلن عن تيهان الإنسان وضياعه … ويتنبأ عن مهمّة الله الخلاصيّة لفدائه … اليهود في زمن المسيح، كما الكثير من الناس، لم يستطيعوا أن يفهموا عظمة مخطّط الله. لذلك كلّمهم عن هذه الحقيقة مرارًا وتكرارًا

.وقبل أن يمضي يسوع إلى الصّليب أوضح حقيقة ارتباط ميلاده بمخطّط الله والدّينونة الأخيرة

 لنقرأ من كلمة الرّب ما جاء في لوقا 20: 9-19  

“9وَابْتَدَأَ يَقُولُ لِلشَّعْبِ هذَا الْمَثَلَ:«إِنْسَانٌ غَرَسَ كَرْمًا وَسَلَّمَهُ إِلَى كَرَّامِينَ وَسَافَرَ زَمَانًا طَوِيلاً. 10وَفِي الْوَقْتِ أَرْسَلَ إِلَى الْكَرَّامِينَ عَبْدًا لِكَيْ يُعْطُوهُ مِنْ ثَمَرِ الْكَرْمِ، فَجَلَدَهُ الْكَرَّامُونَ، وَأَرْسَلُوهُ فَارِغًا. 11فَعَادَ وَأَرْسَلَ عَبْدًا آخَرَ، فَجَلَدُوا ذلِكَ أَيْضًا وَأَهَانُوهُ، وَأَرْسَلُوهُ فَارِغًا. 12ثُمَّ عَادَ فَأَرْسَلَ ثَالِثًا، فَجَرَّحُوا هذَا أَيْضًا وَأَخْرَجُوهُ. 13فَقَالَ صَاحِبُ الْكَرْمِ: مَاذَا أَفْعَلُ؟ أُرْسِلُ ابْنِي الْحَبِيبَ، لَعَلَّهُمْ إِذَا رَأَوْهُ يَهَابُونَ! 14فَلَمَّا رَآهُ الْكَرَّامُونَ تَآمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ قَائِلِينَ: هذَا هُوَ الْوَارِثُ! هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ لِكَيْ يَصِيرَ لَنَا الْمِيرَاثُ! 15فَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْكَرْمِ وَقَتَلُوهُ. فَمَاذَا يَفْعَلُ بِهِمْ صَاحِبُ الْكَرْمِ؟ 16يَأْتِي وَيُهْلِكُ هؤُلاَءِ الْكَرَّامِينَ وَيُعْطِي الْكَرْمَ لآخَرِينَ». فَلَمَّا سَمِعُوا قَالُوا:«حَاشَا!» 17فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ:«إِذًا مَا هُوَ هذَا الْمَكْتُوبُ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ 18كُلُّ مَنْ يَسْقُطُ عَلَى ذلِكَ الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ، وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ!» 19فَطَلَبَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ أَنْ يُلْقُوا الأَيَادِيَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، وَلكِنَّهُمْ 8 خَافُوا الشَّعْبَ، لأَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّهُ قَالَ هذَا الْمَثَلَ عَلَيْهِمْ

أولاً. الله لديه مخطط واضح في العالم

وَابْتَدَأَ يَقُولُ لِلشَّعْبِ هذَا الْمَثَلَ: «إِنْسَانٌ غَرَسَ كَرْمًا وَسَلَّمَهُ إِلَى كَرَّامِينَ وَسَافَرَ زَمَانًا طَوِيلاً

بِكُلِّ مَنْ دُعِيَ بِاسْمِي وَلِمَجْدِي خَلَقْتُهُ وَجَبَلْتُهُ وَصَنَعْتُهُ.” (أش 43: 7)

أنت مخلوق لهدف. ففي العالم أنت مفترض أن تكون وكيل الله وكلّ ما تملكه هو مسلّم من الله لك

قد أدرك بولس الرّسول هذه الحقيقة حين قال: “لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ للهِ.” (1كو 6: 20)

هل تعرف الفرق بين الطّاقة الّتي تُوَلّد من البترول والطّاقة الّتي تولّد من الشّمس؟ البترول: تبحث وتتعب لكي تحصل عليه وينتهي بسرعة وعليك ملأه مجدّدًا وهو مادّة ملوّثة وتقتل. أمَا الطّاقة الشّمسيّة: مجانيّة، دائمة، نظيفة وطاهرة

“وَهذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ. إِنْ قُلْنَا: إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي الظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ الْحَقَّ.” (1يو 1: 5)

ثانيًا. الإنسان تمرّد على مخطط الله

 10وَفِي الْوَقْتِ أَرْسَلَ إِلَى الْكَرَّامِينَ عَبْدًا لِكَيْ يُعْطُوهُ مِنْ ثَمَرِ الْكَرْمِ، فَجَلَدَهُ الْكَرَّامُونَ، وَأَرْسَلُوهُ فَارِغًا. 11فَعَادَ وَأَرْسَلَ عَبْدًا آخَرَ، فَجَلَدُوا ذلِكَ أَيْضًا وَأَهَانُوهُ، وَأَرْسَلُوهُ فَارِغًا. 12ثُمَّ عَادَ فَأَرْسَلَ ثَالِثًا، فَجَرَّحُوا هذَا أَيْضًا وَأَخْرَجُوهُ

كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا.” (أش 53: 6)

كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ. لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ. الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ. حَنْجَرَتُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ مَكَرُوا. سِمُّ الأَصْلاَلِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ. وَفَمُهُمْ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَمَرَارَةً. أَرْجُلُهُمْ سَرِيعَةٌ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ. فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسُحْقٌ. وَطَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ. لَيْسَ خَوْفُ اللهِ قُدَّامَ عُيُونِهِمْ». …إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ (رو 3: 10-18و23)

لم يجد الرّبّ في الإنسان الثّمر المطلوب. وقد أرسل الرّبّ أنبياء ووصايا … وكلّه قد فشل. وبشكل خاص في المقطع السّابق، خاطب الرّبّ رجال الدّين اليهود …ولكنهم فشلوا …وفي يومنا هذا، إنّ المؤسسات الدّينيّة الّتي تعنى بأمور الإنسان الرّوحيّة قد فشلت فشلاً ذريعًا بأن تغيّر في المجتمع

فأمام فشل الإنسان وتمرّده … تدخّل الله بإرسال ابنه

ثالثًا. الله أرسل ابنه الحبيب ليتمّم هذا المخطط

!فَقَالَ صَاحِبُ الْكَرْمِ: مَاذَا أَفْعَلُ؟ أُرْسِلُ ابْنِي الْحَبِيبَ، لَعَلَّهُمْ إِذَا رَأَوْهُ يَهَابُونَ

وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا.” (يو 1: 14)

وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ.” (1تيم 3: 16)

وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ. ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا: «يَا أَبَا الآبُ».” (غل 4: 4و5)

إنّ مخطّط الله الخلاصي هو بالفداء والتّبني وسكنى الرّوح القدس وعمله المبارك. فتجسّد المسيح كان ضرورة

والثمر يأتي من الثّبات في الكرمة “بِهذَا يَتَمَجَّدُ أَبِي: أَنْ تَأْتُوا بِثَمَرٍ كَثِيرٍ فَتَكُونُونَ تَلاَمِيذِي.” (يو 15: 8)

رابعًا. الإنسان يتآمر على مخطط الله برفضه للمسيح

فَلَمَّا رَآهُ الْكَرَّامُونَ تَآمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ قَائِلِينَ: هذَا هُوَ الْوَارِثُ! هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ لِكَيْ يَصِيرَ لَنَا الْمِيرَاثُ! 15فَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْكَرْمِ وَقَتَلُوهُ

 بالإجمال، رفض الكثير من الناس تجسّد المسيح. والّذين يخلصون هم قلائل في العالم.المسيح، “إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ (يو 1: 11). وبالنسبة لليهود فقد صمّموا على قتل المسيح … ظنًّا منهم أنّ موته ينهي عمله وظاهرته، وهم غير عالمين بأنّ موت المسيح هو في صلب مخطط الله الفدائي.

فنرى الإنسان يرفض المسيح ويتآمر عليه… وهذه مشكلة البشر

“اُذْكُرُوا الْكَلاَمَ الَّذِي قُلْتُهُ لَكُمْ: لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدِ اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ حَفِظُوا كَلاَمِي فَسَيَحْفَظُونَ كَلاَمَكُمْ.” (يو 15: 20)

خامسًا. رفض المسيح أصبح أساس دينونة الله للإنسان

فَمَاذَا يَفْعَلُ بِهِمْ صَاحِبُ الْكَرْمِ؟ 16يَأْتِي وَيُهْلِكُ هؤُلاَءِ الْكَرَّامِينَ وَيُعْطِي الْكَرْمَ لآخَرِينَ

هذه كانت إشارة واضحة لرفض الرّبّ لرجال الدّين اليهود، وللصّحفة الجديدة الّتي فتحها الرّبّ مع المسيح بتأسيس الكنيسة

فَلَمَّا سَمِعُوا قَالُوا: «حَاشَا!»  بالنّسبة لهم لا يمكن لله أن يفعل هذا … هم يتمرّدون ولكن الله لا يحق له بالتّدخل

فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: «إِذًا مَا هُوَ هذَا الْمَكْتُوبُ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ 18كُلُّ مَنْ يَسْقُطُ عَلَى ذلِكَ الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ، وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ

وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ: أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلأَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بِي.” (يو 16: 8و9)

وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً.” (يو 3: 19)

 فَطَلَبَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ أَنْ يُلْقُوا الأَيَادِيَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، وَلكِنَّهُمْ خَافُوا الشَّعْبَ، لأَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّهُ قَالَ هذَا الْمَثَلَ عَلَيْهِمْ

وَبَارَكَهُمَا سِمْعَانُ، وَقَالَ لِمَرْيَمَ أُمِّهِ: «هَا إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ.” (لو 2: 34)

في الختام، إنّنا نعيش في عصر صناعة الرّوبوتات … من وقت لآخر يتمّ إخراج فيلم سينمائي عن روبوت انحرف عن مساره وبدأ بتقتيل النّاس …ونرى الإنسان قد انحرف عن مسار حياته … وأصبح إنسان الشّر والخطيّة والقتل والشّهوة والزّنى والكذب

الفرق بن الرّوبوت والإنسان هو أنّ الرّوبوت هو آلة أمّا الإنسان فهو مخلوق حرّ الإرادة … والمسيح وُلد لكي يردّ الإنسان عن ضياعه وتيهانه …ولكي يصل حياتك بالنّور ويزلّل كلّ المعوّقات

أخيرًا، بهجة الميلاد ليست بأنّ المسيح وُلد …ولكن بهجة الميلاد هي بأن تخلص أنت بالمسيح الّذي وُلد ليفتديك

فهل ستسمح للرّب يسوع المسيح أن يصلك بالنّور ويُعيد لك الشّركة مع الله؟