من التديّن إلى الخلاص

نعيش في أيام غريبة جدّا. فالعالم الذي نعيش فيه مليء بالتناقضات. نحن نرى من حولنا كثرة اديان ومتدينين. ومن المفترض أنّ تخفف كثرة نسبة التدين من حدّة الشرّ. ولكن ما نراه من حولنا هو العكس، فمع ازدياد عدد المتدينين نلاحظ ارتفاع بالفساد والشرّ الموجود في العالم. وهذا أمر يحيّر الكثير من الناس

ولكن الرّب سبق وأوضح حقيقة مهمّة جدّا في الكتاب المقدس، وهي حقيقة الخلاص. وقد فصل الرّب ما بين التديّن والخلاص. وفي أحد الأيام وجد بولس الرسول خلال رحلته التبشيريّة أمرّا حيّره. وجد أشخاص متديّنين وملتزمين دينيّا ومسلكيّا. رسموا في فكره علامات استفهام

.ولكن الرّب اعطاه حكمة سماويّة لكي يميّز وضعهم الروحي

. يروي لنا الوحي الالهي هذه الحادثة في سفر اعمال الرسل والاصحاح 19 من 1 إلى 7

“فَحَدَثَ فِيمَا كَانَ أَبُلُّوسُ فِي كُورِنْثُوسَ أَنَّ بُولُسَ بَعْدَ مَا اجْتَازَ فِي النَّوَاحِي الْعَالِيَةِ جَاءَ إِلَى أَفَسُسَ. فَإِذْ وَجَدَ تَلاَمِيذَ 2سَأَلَهُمْ: «هَلْ قَبِلْتُمُ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمَّا آمَنْتُمْ؟» قَالُوا لَهُ: «وَلاَ سَمِعْنَا أَنَّهُ يُوجَدُ الرُّوحُ الْقُدُسُ». 3فَسَأَلَهُمْ: «فَبِمَاذَا اعْتَمَدْتُمْ؟» فَقَالُوا: «بِمَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا». 4فَقَالَ بُولُسُ: «إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ قَائِلاً لِلشَّعْبِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِالَّذِي يَأْتِي بَعْدَهُ أَيْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ». 5فَلَمَّا سَمِعُوا اعْتَمَدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ. 6وَلَمَّا وَضَعَ بُولُسُ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ فَطَفِقُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ وَيَتَنَبَّأُونَ. 7وَكَانَ جَمِيعُ الرِّجَالِ نَحْوَ اثْنَيْ عَشَرَ

التقى بولس الرسول ب12 شاب. كانوا أفراد متديّنين وملتزمين روحيّا. كان بولس ينادي بخلاص المسيح. كان ينادي بغفران الخطايا بدم يسوع المسيح. كان يدعو الناس للإيمان بالرّب يسوع المسيح. ولكن هؤلاء الشابان أثاروا حيرته. وتقول كلمة الرّب عن هؤلاء: “فَحَدَثَ فِيمَا كَانَ أَبُلُّوسُ فِي كُورِنْثُوسَ أَنَّ بُولُسَ بَعْدَ مَا اجْتَازَ فِي النَّوَاحِي الْعَالِيَةِ جَاءَ إِلَى أَفَسُسَ. فَإِذْ وَجَدَ تَلاَمِيذَ.” سبب حيرة بولس هو أنّ هؤلاء كانوا متدينين

كانوا يبدون كتلاميذ للرّب. المتديّن هو شخص يصلي ويصوم وهو ملتزم دينيّا وربّما يعيش بقيم ومبادئ أخلاقيّة معيّنة. سألهم عن الإيمان. فأجابوه نحن مؤمنين. كل الناس تقول أنّها مؤمنة وأنّها تؤمن. وهنا اعطى الروح القدس بولس سؤالين مهمّن ليحدّد نوعيّة هذا الإيمان

السؤال الأوّل هو: “هَلْ قَبِلْتُمُ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمَّا آمَنْتُمْ؟

 قَالُوا لَهُ: «وَلاَ سَمِعْنَا أَنَّهُ يُوجَدُ الرُّوحُ الْقُدُسُ».” هل قبلتم الروح القدس؟ انتبهوا إلى كلمة قبلتم. تشير إلى مسؤوليّة فرديّة وتجاوب فردي وقرار ذاتي. فهل قبلتم الروح القدس؟ هل ولدتم ولادة روحيّة من الله. هل ولدتم ولادة جديدة من الله؟ هذه الولادة التي هي اساس الخلاص بحيث قال المسيح لنيقوديموس “الحق الحق اقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله” (يو 3: 3). هكذا صرّح الوحي لكنيسة غلاطية التي واجهت اشخاصا متدينين “في المسيح يسوع يسوع ليس الختان ينفع شيئا ولا الغرلة بل الخليقة الجديدة” (غل 6: 15)

الولادة الروحيّة تضمك إلى عائلة الله. لا تستطيع أن تفعل أي أمر لكي تصبح من عائلة “فلان”. هناك طريقة واحدة أن تولد من أب من عائلة “فلان”. عليك أن تولد من الله. “أما كل الذين قبلوه فاعطاهم سلطانا أن يصيروا اولاد الله أي المؤمنون باسمه. الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله” (يو 1: 12و13). ولكن كيف تولد ولادة روحيّة؟ بحسب السؤال الذي سأله بولس أن الولادة الروحيّة هي قبول عمل الروح القدس في حياتك. سالهم قائلا ” هل قبلتم الروح القدس؟” كلمة قبلتم تشير إلى خيار شخصي في حياة الانسان. الروح القدس لا يحلّ لا بالماء ولا بالميرون ولا بقوّة رجل الدين ولا بسحر ساحر. الروح القدس المبارك يحلّ في حياتك عندما تقبل عمل نعمة المسيح بملء إرادتك. عندما تفتح قلبك للمسيح وتقبل المسيح مخلصا لحياتك. في تلك اللحظة يحل الروح القدس في قلبك. هناك حاجة للقبول كما يقول الكتاب “أما كل الذين قبلوه …”مثال على ذلك ما حدث في بيت كرنيليوس عندما كان بطرس يخبر عن خدمة وموت وقيامة المسيح “فبينما بطرس يتكلم بهذه الأمور حلّ الروح القدس على جميع الذين كانوا يسمعون الكلمة” (اع 10: 44). هذا حدث في حياة خصي الحبشي عندما كان فيلبس يبشره بخلاص المسيح “أنا اؤمن أن يسوع المسيح هو ابن الله” (اع 8: 37). هنا تمّت المعجزة وولد الرب هذا الانسان ولادة روحيّة. الامر هيّن وليس صعب. كل ما عليك أن تفعله هو أن تفتح قلبك للمسيح وتقبل نعمة الله وعمل الروح القدس

اسأل نفسك اليوم لا إن كنت تقرأ الكتاب المقدس، ولا إن كنت تحب كنيستك، ولا إن كنت تواظب على حضور الاجتماعات، بل: هل قبلت الروح القدس؟ هل تشتاق لأن تكون في رضى الرب؟ أتريد أن ترضي الرب في حياتك؟ لا أحد يستطيع أن يرضي الرب من دون أن يولد من الروح القدس

لقد كان هؤلاء الشبان يعيشون حالة التديّن. انظروا إلى جوابهم: “ قَالُوا لَهُ: «وَلاَ سَمِعْنَا أَنَّهُ يُوجَدُ الرُّوحُ الْقُدُسُ”. وقد أراد الرّب أن ينقلهم إلى اختبار الخلاص. الرّب يريد أن ينقلك من التديّن إلى الخلاص

هذا هو الاختبار الذي يفصل بين الناس اليوم امام الله. إما المولود من الروح أو المولود من الجسد فقط. يقول الكتاب “المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح”. هل أنت مولود من الروح القدس؟

وهنا انتقل بولس إلى السؤال الثاني ليقول لسامعيه: “فبماذا اعتمدتم؟

بماذا اعتمدتم؟ الجواب: بمعمودية يوحنا. هنا جاء السؤال الثاني عن المعموديّة؟ فقالوا بمعموديّة يوحنا. المعموديّة هي اعلان ولاء. الذي اعتمد ليوحنا يعلن انتماءه ليوحنا وعهده بأن يسير على خطى يوحنا. والذي اعتمد للمسيح هو شخص يعلن ولاءه للمسيح. إن الذي يعتمد لا يعتمد رغبة باتّباع المسيح بل يعتمد لأنه صمم على أن يتبع المسيح. المعمودية المسيحيّة ليست هي الخلاص ولكنّها لا يمكن أن تنفصل عن اختبار الخلاص. هي اعلان ولاء للمسيح. “تلمذوهم وعمّدوهم …”. سألوا بطرس في يوم الخمسين فقال توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح. اول خطوة طاعة في حياة كل المؤمنين في الكتاب المقدس هي خطوة المعمودية. المعمودية لا تنفصل عن اختبار الخلاص لأنها رمز للخلاص. يقول بطرس الرسول “لأن مثاله يخلصنا أي المعمودية”. بالمعمودية أنت تعلن للعالم أن خلاصك مرتبط بموت وقيامة المسيح. لذا يقف المعمد في الماء كأنه ميّت ثم يغطس تحت الماء علامة الموت وثم  يقوم من تحت الماء علامة للقيامة من الموت. هو يمثل عمل المسيح ويرمز لما فعله المسيح عنه على الصليب. هو يعلن اتحاده مع المسيح “في شبه موته وشبه قيامته”. يقول الوحي “أم تجهلون أننا كل من أعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدفنا معه في المعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن ايضا في جدّة الحياة” (رو 6: 3و4).  المعمودية لا تنفصل عن اختبار الخلاص لأنها تكرس عهد القداسة. فعندما يعتمد الانسان يعلن أن انسانه القديم قد دفن مع المسيح وأن حياته مع المسيح هي حياة جديدة تتحدى الخطيّة.  لأجل هذا يجب أن يظهر ثمر الروح القدس في الانسان قبل أن يعتمد وليس بعد أن يعتمد. في بيت كرنيليوس سأل بطرس المؤمنين حوله “اترى يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن ايضا؟” (اع 10: 47). بالمعمودية أنت تنضم إلى كنيسة المسيح وتصبح عضوا في الجسد. “فقلبوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس .” “وكان الرب يضم كل يوم إلى الكنيسة الذين يخلصون”. إن الولاء للمسيح هو الولاء لجسده.  المعمودية ليست مسألة ثانويّة. لا يقوم الله بأي أمر بلا معنى. عندما وضع فريضة المعموديّة وضعها لأنها امتحان اختبار لجديّة الانسان المؤمن ومدى طاعته للرب. المعمودية لا تخلص احد. ولكن المعمودية في الكتاب المقدس لا تنفصل عن اختبار الخلاص. ولذا سأل بطرس هذا السؤال الجوهري: بماذا اعتمدتم؟

باختصار ،سؤالان يحددان وضعك الروحي اليوم. هل قبلت الروح القدس؟ هل اعلنت عن ولائك للمسيح بمعموديّة علنيّة؟  12 شخص في ذلك اليوم انتقلوا من التديّن إلى الخلاص

عالمنا مليء بالمتدينين، ولكن المسيح جاء لكي يخلّص. هل أنت متديّن أم مخلّص؟


لسماع العظة الرجاء الضغط هنا