يوصي الأهل دائمًا أولادهم بالاهتمام والاعتناء ببعضهم البعض، وخاصة عندما يغيب الأهل عن البيت، “انتبه إلى إخوتك “، “انتبهوا إلى بعضكم “،” انتبه إلى أخيك “. أتذكّر أيّام الحرب سنة 1989، كان والدي قد سافر إلى أميركا سنة 1985. آنذاك كان القصف المدفعيّ كثيفًا على مناطقنا بقذائف لا تحصى ولا تعدّ والقتلى بالعشرات كل يوم. وكان القصف يتوقّف أحيانًا لساعتين بعد الظّهر ليُسمح لباخرة الرّكاب بالإبحار من مرفأ جونية نحو قبرص . عائلتنا كانت مقسومة ،الأب في أميركا ونحن في لبنان . وماذا سنفعل؟ أمي وإخوتي الصّغار كمال وهناء ،كان معهم تأشيرة دخول إلى أميركا، وكنّا ،أخي الأكبر أسعد وأنا، بدون تأشيرة دخول . وقد كان القرار صعبًا جدًّا. ماذا سنفعل؟ اتخذت عائلتنا القرار بسفر والدتي وكمال وهناء إلى أميركا. وبخلال أقلّ من أسبوع حُجزت تذاكر السّفر. في يوم السّفر انتظرنا لكي يتوقّف القصف المدفعيّ ، ونزل أسعد برفقة ابن جيراننا ليوصل أمّي إلى مرفأ جونيه. لم نكن نعرف إن كانوا سيصلون أم لا. لقد كان الخيار صعبًا . ولكن بنعمة الرّبّ وحمايته وصلت العائلة بأمان إلى مرفأ جونيه ومن ثمّ إلى أميركا ورجع أخي بسلام إلى البيت . نظرنا حولنا في البيت وإذ البيت فارغ. أخي وأنا لوحدنا في البيت. شابّان من العائلة بقيا في لبنان وحيدَين. قبل سفرها، أوصتنا أمّي قائلةً: “انتبها إلى بعضكما.” أسعد انتبه إلى أخيك “. “ريمون انتبه إلى أخيك “. ما لكما إلّا بعضكما، انتبها إلى بعضكما.” لا أعرف كم شخصًا أعطاه أبوه وكالةً لكي يهتمّ بإخوته خلال بعده عنهم. عندما تجدّدت علّمني الرّبّ هذه الحقيقة الّتي كان لها التّأثير الأوّل على دعوة الرّبّ لي للخدمة. أنا سمعت صوت الرّبّ مرارًا وتكرارًا في صفحات الكتاب المقدّس يقول لي:” أنا أوصيتك بإخوتك.” والرّبّ قد أعطاك مهمّةً عظيمةً أن تهتمّ بإخوتك إلى حين رجوعه
تُعتبر هذه من أهمّ المسؤوليّات الّتي أعطاها الرّبّ للمؤمن في العالم، أن يهتمّ بإخوته المؤمنين. هذه هي كنيسة العهد الجديد الّتي هي عائلة روحيّة. هذا ما يميّز الكنيسة الكتابيّة في العالم. إنّ الكنيسة الكتابيّة هي مجموعة مؤمنين يعيشون كعائلة مع بعضهم البعض، حياةً يسكب المؤمن فيها حياته بمثال المسيح في حياة الآخرين بمبدأ “أبي أوصاني بك”. العهد الجديد مليء بالآيات الّتي يوصي الرّبّ بها المؤمن أن يهتمّ بإخوته في المسيح. وتتكرّر عبارة “بعضنا بعضا” في أماكن عديد في صفحات العهد الجديد، دليلاً على المسؤوليّة الّتي وضعها الرّبّ على عاتقنا تجاه بعضنا البعض
فما هي مسؤوليّة المؤمنين بعضهم تجاه بعض؟
أولاً. أن يحبّوا بعضهم بعضًا
“يوحنا ٣٤:١٣ ” وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا
“يوحنا ١٢:١٥ “هذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ
“يوحنا ١٧:١٥ ” بِهذَا أُوصِيكُمْ حَتَّى تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا
“رومية ١٠:١٢ ” وَادِّينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ، مُقَدِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْكَرَامَةِ
“رومية ٨:١٣ “لاَ تَكُونُوا مَدْيُونِينَ لأَحَدٍ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِأَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، لأَنَّ مَنْ أَحَبَّ غَيْرَهُ فَقَدْ أَكْمَلَ النَّامُوسَ
تسالونيكي الأولى ٩:٤” وَأَمَّا الْمَحَبَّةُ الأَخَوِيَّةُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْفُسَكُمْ مُتَعَلِّمُونَ مِنَ اللهِ أَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا
بطرس الأولى ٢٢:١ “طَهِّرُوا نُفُوسَكُمْ فِي طَاعَةِ الْحَقِّ بِالرُّوحِ لِلْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ الْعَدِيمَةِ الرِّيَاءِ، فَأَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ
” يوحنا الأولى ١١:٣ “لأَنَّ هذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ: أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا
“يوحنا الأولى ٢٣:٣ “وَهذِهِ هِيَ وَصِيَّتُهُ: أَنْ نُؤْمِنَ بِاسْمِ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا كَمَا أَعْطَانَا وَصِيَّةً
” يوحنا الأولى ٧:٤ “أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ
” يوحنا الأولى ١١:٤ “أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِنْ كَانَ اللهُ قَدْ أَحَبَّنَا هكَذَا، يَنْبَغِي لَنَا أَيْضًا أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا
” يوحنا الأولى ١٢:٤ “اَللهُ لَمْ يَنْظُرْهُ أَحَدٌ قَطُّ. إِنْ أَحَبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، فَاللهُ يَثْبُتُ فِينَا، وَمَحَبَّتُهُ قَدْ تَكَمَّلَتْ فِينَا
يوحنا الثانية ٥:١ “وَالآنَ أَطْلُبُ مِنْكِ يَا كِيرِيَّةُ، لاَ كَأَنِّي أَكْتُبُ إِلَيْكِ وَصِيَّةً جَدِيدَةً، بَلِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَنَا مِنَ الْبَدْءِ: أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا
علينا أن نحبّ كلّ النّاس: أعداءنا ومضطهدينا والكلّ. ولكن عندما ندرس المحبّة الأخويّة تكون مميّزةً جدًّا. أبي وصاني بك وأعطاني مسؤوليّة أن أحبّك .كما أنّه أعطاك مسؤوليّة أن تحبّ إخوتك بمحبّة المسيح الباذلة الطّاهرة والخادمة
إلى جانب خزّان المياه الكبير يوجد أنبوب صغير ليقيس كميّة المياه الموجودة في داخل هذا الخزّان. محبّتنا لله لا تُنظر بالعين المجرّدة ولكنّها تُقاس بمحبّتنا لبعضنا البعض
ثانيًا. أن يقدّموا بعضهم بعضًا في الكرامة
“رومية ١٠:١٢ “وَادِّينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ، مُقَدِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْكَرَامَةِ
الإنسان في العالم يدعس على الآخر لكي يحقّق مبتغاه أمّا المؤمن يدعس على كرامته لكي يكرم الآخر
وَأَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي نَحْسِبُ أَنَّهَا بِلاَ كَرَامَةٍ نُعْطِيهَا كَرَامَةً أَفْضَلَ. وَالأَعْضَاءُ الْقَبِيحَةُ فِينَا لَهَا جَمَالٌ أَفْضَلُ.” (1كو 12: 23)
علّمني العالم أن أهين الآخر وأتكلّم عليه وأشوّه صورته وأفتّش عن ضعفاته ولكن أبي السّماويّ أوصاني أن أقدّم أخي بالكرامة. فعندما أتكلّم عن أخي أو أختي عليّ أن أقدّمهم بالكرامة
ثالثًا. أن يقبلوا بعضهم بعضًا
“رومية ٧:١٥ “لِذلِكَ اقْبَلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا قَبِلَنَا، لِمَجْدِ اللهِ
علّمني العالم أن أرفض كلّ شخص يختلف عنّي وأن أنتقده وأبحث عن نقاط الخلاف وأغيّره، وإن لم أستطع تغييره أرفضه وألغيه من حياتي. ولكن أبي أوصاني أن أقبل أخي كما هو
الكنيسة يوجد فيها أشخاص مختلفين بعضهم عن بعض، أمّا في العالم، النّاس تريد أن تغيّر بعضها لكي تقبل بعضها إن كان باللّباس أم الأكل أم التّرتيب … ولكن أبي أوصاني بأخي
رابعا. أن ينذر بعضهم بعضًا
رومية ١٤:١٥ “وَأَنَا نَفْسِي أَيْضًا مُتَيَقِّنٌ مِنْ جِهَتِكُمْ، يَا إِخْوَتِي، أَنَّكُمْ أَنْتُمْ مَشْحُونُونَ صَلاَحًا، وَمَمْلُوؤُونَ كُلَّ عِلْمٍ، قَادِرُونَ أَنْ يُنْذِرَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. ” علّمني العلم أنّ أخفي الحقيقة لكي أحافظ على مصالحي وعلاقاتي ولكن أبي أوصاني أن أنتبه إلى أخي. وعندما تراه يخطئ عليك مسؤولية تجاهه قدر المستطاع
كولوسي ١٦:٣ “لِتَسْكُنْ فِيكُمْ كَلِمَةُ الْمَسِيحِ بِغِنىً، وَأَنْتُمْ بِكُلِّ حِكْمَةٍ مُعَلِّمُونَ وَمُنْذِرُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، بِنِعْمَةٍ، مُتَرَنِّمِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ
عليّ قبول أخي حتّى بالأمور الّتي يختلف بها عنّي، وأقبله في كلّ الظّروف. وعندما أرى أخي في خطر روحيّ عليّ طلب حكمة ومشورة روحيّة ،لا أن أنتقده بل أن أتحلى بالمسؤوليّة تجاهه لأنذره
أخيرًا، على المؤمن طاعة وصية الرّبّ بالمحبّة الحقيقيّة العاملة والباذلة