ما يورّث وما لا يورّث في المسيحيّة

مناسبة المعموديّة مميزة، بخاصة عندما تتضمّن أشخاص يعلنون عن التزامهم بالمسيح في عمر الشباب. نتذكّر اليوم وصيّة حكيم الكتاب المقدس الذي كتب “اذكر خالقك في أيام شبابك.”  كآباء وأمهات مؤمنين، نُسَر بأن نرى أولادنا يريدون أن يعيشوا للمسيح ليس بناء على طقوس وفرائض دينيّة ولكن بناء على خيارهم الشخصي. والكثير من هؤلاء الشباب ينحدرون من عائلات مؤمنة. هل هذا يعني أنّ الإيمان يورّث؟

والجواب هو نعم ولا. نعم الإيمان يورّث – وكلا الإيمان لا يورّث! كيف يمكن أن يكون هذا؟

ما هو الذي يورّث وما هو الذي لا يورّث في المسيحيّة؟ الرّب يسوع المسيح كان واضحا عندما أخبر عن هذه الحقيقة لتلاميذه. “وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. 16مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ.” (مر 16: 15و16)

أولا. ما يورّث في المسيحيّة

“.وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا”

:نستطيع أن نورّث أولادنا حقائق الإنجيل

لقد أوصانا الرّب أن نكرز بالإنجيل! أي أن نشارك إيماننا مع الآخرين. هذا الإيمان هو المعتقد، بماذا نؤمن؟ نؤمن بأن الإنسان خاطي بطبيعته – ونؤمن بأنّ الإنسان عاجز عن أن يخلص نفسه -ولذلك جاء يسوع إلى العالم لكي يحمل خطيّتي ويخلصني – ونؤمن بأن كل من يقبل يسوع مخلصا على حياته تغفر خطاياه ويحصل على الحياة الأبديّة – نؤمن بأنّه يسكن فيه الروح القدس ويختمه لخلاص أبدي. هذا هو الإيمان بمعنى العقيدة الصحيحة. هذا هو إيمان المعلومات

عندما تكون الأم طباخة ماهرة، تستطيع الأمّ أن تورث ابنتها معلومات الطبخ الصحيحة. ولكنها لا تستطيع أن تجعلها طباخة ماهرة. ولكن تستطيع أن تعطيها الأساسيات التي تؤهلها لكي تكون طباخة ماهرة. هكذا المؤمن، لا يستطيع أن يورّث أولاده خلاص المسيح ولكن يستطيع أن يورث أولاده الحقائق الكتابيّة الصحيحة. عندما يتربى الإنسان في بيت غير مؤمن يرث إيمان آبائه. إذا الأب ملحد يورث أولاده هذه المعلومات – وإذا كان الأب متديّن بطريقة خاطئة، يورث أولاده حقائق إيمانيّة خاطئة. والأب المؤمن بالمسيح وبكلمة الرّب يورّث أولاده حقائق الإنجيل. عندما تقول كلمة الرّب: “15وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا.” – هذا يعطي الأهل المسؤوليّة بأن يكرزوا بالإنجيل لأولادهم

.ولكن هذا ليس الأمر الوحيد الذي نستطيع أن نورثه لأولادنا

:نستطيع أن نورّث أولادنا مثالا لتأثير الإنجيل

الإنجيل يغيّر حياة الإنسان. والمؤمن المتجدد يعيش حياة مختلفة. إن كان الإنجيل يغيّر فهذا يظهر في حياة المؤمنين. حين يتجدد أحد، الناس قد يقولون له “فيك شي مغيّر”، أذا راح إلى بيته أهله يقولون “فيك شي مغيّر” – لأن الإنجيل يغيّر. والتغيير يظهر في سلوكنا

أنا لم أسمع بيوم من حياتي أبي يسب ويشتم ويلعن … لأنّه تغيّر بقوّة الإنجيل. أنا لم أسمع بيوم من حياتي أبي يكذب … أو يشجعني على الكذب … لأنّه تغيّر بقوّة الإنجيل. أنا لم أرَ بيوم من حياتي أبي يشرب الخمر في بيتنا ويسكر … لأنّه تغيّر بقوّة الإنجيل. أنا لم أشهد بيوم من حياتي عن غياب أهلي عن اجتماعات الكنيسة. لقد قدّم أهلي في حياتهم، مثالا لقوّة الإنجيل. أنت مسؤول كأب وكأم أن تعيش حياة روحيّة مستقيمة وأن تورّث أولادك تأثير الإنجيل على حياتهم

:نستطيع أن نورّث أولادنا تربية مبنيّة على الإنجيل

الإنجيل يغيّر حياتنا وطريقة تفكيرنا. وهذا ينعكس على تربيتنا لأولادنا. في بيت المؤمنين يتربّى الأولاد على كلمة الرّب. الأمانة – النزاهة – الطهارة – القداسة. أتذكر في إحدى ليالي كانون الثاني الباردة، كنّا في زيارة لعائلة في الحي الذي نسكن فيه. وأنا في تلك الزيارة أخذت لعبة صغيرة من بيت جيراننا، كناية عن شخص بلاستيك صغير. وعندما رجعنا إلى البيت وعرف والدي أني أخذته، لم يقبل إلا بأن يردّ المسروق في نفس الليلة. هذه الحادثة أثرت في حياتي.  أمر آخر أثّر في حياتي هو موضوع الكذب! ممنوع الكذب! حتى بالمزح كان الكذب ممنوع. كنت أغار أحيانا من أصدقائي الذين يكذبون ومن أهلم الذين كانوا يساعدوهم بالكذب. انحفرت في قلبي، أن والدي لا يرضى. ولكن بهذا كان والدي يورثني تربية مبنيّة على الإنجيل

:نستطيع أن نورّث أولادنا نموذجا عن الشركة مع الرّب بالإنجيل

.الإنجيل هو المدخل للشركة مع الرّب. عندما تقبل يسوع مخلصا تدخل في شركة وعلاقة مع الرّب

هنا ابتدأنا بالتكلّم بلغة غير مفهومة مع الإنسان غير المؤمن – أمجنون أنت، هذا عنده شركه مع الله؟ نعم المؤمن بالمسيح لديه شركة شخصيّة وبكل لحظة من حياته مع الرّب. نعم المؤمن يتكلم مع الرّب، والرّب يتكلم معه. وهناك علاقة حميمة وقويّة مع الرّب. نحن لا نستطيع أن نعطي هذه العلاقة لأولادنا ولكننا نستطيع أن نقدم نموذجا عنها. كان الجندي بالحرب وتعرض لإصابة – وهم حاملونه إلى المستشفى قال لهم “اتصلوا بأمي … كي تصلي من أجلي لأن أمي تتكلم مع الله مباشرة”. أنا لا أنسى المشهد الذي فيه رأيت والدي يجلس على الشرفة وهو يفتح الكتاب المقدّس ويقرأ به. أنا لا أنسى والدي عندما كان يقصده بعض الأصدقاء المؤمنين لكي يصعدوا إلى الجبل ليصلوا. نعم، تستطيع أن تورّث أولادك نموذجا علنيًا للشركة مع الرّب

:نستطيع أن نورّث أولادنا مجتمعا مبنيا على الإنجيل

يؤثر الإنجيل على علاقات الإنسان. فالإنجيل ينقلك من مجتمع العالم إلى مجتمع الإيمان. يتغيّر أصدقاؤك وتتغيّر معارفك، وتلتصق بشعب الرّب. المؤمن يعيش في مجتمع جديد فيه علاقات مع عائلات المؤمنين. مجتمع الأصدقاء الذي تكونه والذي يتربى أولادك في كنفه. مجتمع الكنيسة الذي فيه يعيش عائلات مع بعضهم البعض. أولادنا لعمر معيّن ملزمين بهذا المجتمع. وعندما يعيشوا بهذا المجتمع ويختبروا المحبة والأخوة والشركة المباركة مع الآخرين، وعندما نسهر نحن كعائلات على طهارة ونقاوة هذا المجتمع، نحن نورّث أولادنا هذه الأجواء المباركة

:نعم هناك أمور تورّث في المسيحيّة، ولكن توجد أمور لا يمكن توريثها في المسيحيّة

ثانيا. ما لا يورّث في المسيحيّة

“.مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ”

:لا نستطيع أن نورّث أولادنا الخلاص

نستطيع أن نورّث أولادنا حقائق الإنجيل ولكننا لا نستطيع أن نورثهم الخلاص. تستطيع الأم أن تعطي كل وصفات طبخها الجيّد لابنتها، ولكن هذا لا يجعل منها طباخة ماهرة. الخلاص هو اختبار شخصي مع المسيح. مكتوب: “16مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ. ” …”من آمن” تشير إلى قرار الشخص الفرد. لا تستطيع عائلتك أن تخلصك ولا تستطيع كنيستك أن تخلصك. ما يخلصك هو قرارك الشخصي بأن تؤمن بالمسيح مخلصا شخصيا على حياتك. وبناء على إيمانك أنت تتخذ القرار بأن تعتمد. ليس من والده آمن! وليس من أمّه آمنت! من آمن خلص … ومن لم يؤمن يدن

بناء على قرارك من المسيح ستتحدد أبديّتك كلّها … إذا صدقت أنك خاطئ وأنك هالك وأنك تحتاج إلى خلاص وصرخت من قلبك ليسوع قائلا: “خلصني يا رب، أنا خاطئ وهالك، أنا أؤمن بك يا يسوع مخلّصًا وربًّا على حياتي”. الرّب يخلصك. لا يستطيع أهلك أن يخلّصوك. هذا قرارك الشخصي. من آمن وأعتمد. لسي من عمده أبوه … وليس من عمدته أمه … وليس من عمده رجل الدين … بل من يتخذ قرار المعموديّة هو الشخص نفسه. والمعموديّة ضروريّة ومهمة ولكنها ليست للخلاص. كما يقول الكتاب “ومن لم يؤمن يدن”. الخلاص مبني على الإيمان بالمسيح وحده وثم تأتي خطوة المعموديّة لتعلن الخلاص. لا أحد يستطيع أن يورّث أولاده الخلاص. الخلاص هو الإيمان الشخصي بالرّب يسوع المسيح

:لا نستطيع أن نورّث أولادنا الأخلاق

كما أن الخلاص هو فردي، فإن قرارات الحياة هي أيضا فرديّة. نحن نورّث أولادنا قيم الأخلاق، ونورثهم المثال عن الحياة الأخلاقيّة ونربيهم تربية أخلاقيّة. ولكن القرار النهائي في الحياة يعود لهم. لذلك من المهمّ بتربيتنا أن نساعد أولادنا لكي يتخذوا قرارات صائبة وليس أن نلقنهم مبادئنا. ومن المهم لكل واحد منّا أن يعرف أنّه مسؤول أمام الله عن حياته الأخلاقيّة. أنت مسؤول عن كل قرار تتخذه في حياتك

:لا نستطيع أن نورّث أولادنا الشركة مع الرّب

إن الشركة مع الرّب هي العلاقة بين المؤمن والرّب. نحن لا نستطيع أن نورث أولادنا هذه الشركة وقوّة هذه الشركة. لأن على أولادنا أن يتخذوا القرار بأن يكون لهم شركة مع الرّب

:لا نستطيع أن نورّث أولادنا التكريس

يستطيع المؤمن أن يقدّم المثال في حياته عن التكريس والخدمة. ولكنّه لا يستطيع أن يفرضه على أولاده. على الأولاد أن يتخذوا قرار التكريس

:لا نستطيع أن نورّث أولادنا حياة كنسيّة

.قد نستطيع أن نمنحهم بيئة كنسيّة مباركة. ولكن استمراريتها مرتبطة بقرارهم الشخصي

في الختام، لكل مؤمن أقول أنّك مبارك من عند الرّب … ولكل ولد وُلِد في عائلة مؤمنة أقول لك أنّ الرّب أعطاك امتياز مبارك. نحن نستطيع أن نخبرك عن الإنجيل وعن تأثيره في حياتنا ولكننا لا نقدر أن نعطيك الخلاص. الخلاص في المسيحيّة هو خيار الإنسان الفردي: “من آمن وأعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن

إن كان الخلاص هو خيار، هل أخذت هذا الخيار؟