يوجد أربعة أنواع من النّاس تقريبًا في الحياة: الإنسان الكماليّ، الإنسان المرِح، الإنسان المسالم والإنسان الطّموح. الإنسان الطّموح هو الّذي يطغى على حياته عامل تحقيق الإنجازات في الحياة، الإنسان المرح هو الّذي يطغى على حياته الفكاهة والمرح فيأخذ كلّ شيء بمرح، الإنسان المسالم هو الّذي يطغى على حياته عنصر المسالمة وهو إجمالاً هادئ لا يهمه إلّا أن يكون الكلّ راضٍ على حياته والإنسان الكماليّ هو الّذي يطغى على حياته عنصر الكماليّة وهو يريد أن يكون كلّ شيء كاملاً في حياته وحياة الآخرين وهذا الشّخص عندما يعمل أيّ أمر يحاول أن يعمله بشكل كامل. إجمالاً، من الصّعب جدّا أن ترضي الإنسان الكمالي إذ هو دائمًا يسعى للكمال ودائمًا يرى النّواقص في الآخرين. وإنّ كان الإنسان الكماليّ يرى النّواقص في الآخرين، فكيف يمكن لله الكامل بأن يجد إنسانًا حسب قلبه؟
لقد تكرّرت عبارة وجد الله رجلاً حسب قلبه عدّة مرّات في الكتاب المقدّس. وأشهر من قيل عنه هذه العبارة هو داود الملك والنّبي. فماذا قصد الله بأنّه وجد داود ابن يسّى حسب قلبه؟
وكيف يمكن لي أن أكون مؤمنًا بحسب قلب الرّبّ؟
أع 13: 22، عندما وعظ بولس في مجمع انطاكية بيسيديّة لليهود في رحلته التّبشيريّة الأولى قائلاً: “ثُمَّ عَزَلَهُوَأَقَامَ لَهُمْ دَاوُدَ مَلِكًا، الَّذِي شَهِدَ لَهُ أَيْضًا، إِذْ قَالَ: وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِي، الَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي.” (أع 13: 22)
هذه الحادثة تشير إلى المرحلة الّتي رفض فيها الرّبّ شاول من الملك والمذكورة في 1صم 13: 13 و14، “فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: «قَدِ انْحَمَقْتَ! لَمْ تَحْفَظْ وَصِيَّةَ الرَّبِّ إِلهِكَ الَّتِي أَمَرَكَ بِهَا، لأَنَّهُ الآنَ كَانَ الرَّبُّ قَدْ ثَبَّتَ مَمْلَكَتَكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ. وَأَمَّا الآنَ فَمَمْلَكَتُكَ لاَ تَقُومُ. قَدِ انْتَخَبَ الرَّبُّ لِنَفْسِهِ رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِهِ، وَأَمَرَهُ الرَّبُّ أَنْ يَتَرَأَّسَ عَلَى شَعْبِهِ. لأَنَّكَ لَمْ تَحْفَظْ مَا أَمَرَكَ بِهِ الرَّبُّ” (1صم 13: 13و 14)
في هذا الآية كان صموئيل يوبّخ شاول الملك لأنّه استهان بوصيّة الرّبّ وكان يخبره بمخطّطه باختيار الرّبّ لنفسه شابًا (هو داود) الّذي هو حسب قلبه. فماذا تعني هذه العبارة، أن يكون المؤمن بحسب قلب الرّبّ ؟
المقارنة في النصّين هي بين ملكين الأوّل اسمه شاول والثّاني اسمه داود. شاول كان رجلاً يعيش بحسب أهواءه وشهواته ونزواته وأما داود فكان يعيش بحسب قلب الرّبّ. الحادثة الّتي أظهرت صفات شاول، عندما كسر وصيّة الرّبّ ونصّب نفسه كاهنًا يقدّم الذّبيحة ولم ينتظر الرّب وتوقيته، ولكنّه اتخذ قراراه بأنانيّته. لقد تمحورت حياة شاول حول مشيئته الخاصة. بالنّسبة لشاول لقد كان الله جزءًا من حياته، وأمّا بالنّسبة لداود فقد كان الله كلّ حياته
ماذا وجد الله في داود؟ وجد رجلاً بحسب قلبه! ماذا تعني هذه العبارة؟ يفسر لنا الوحي هذه الحقيقة في أعمال 13: 22: “وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِي، الَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي.” (أع 13: 22)
بكل بساطة المؤمن الّذي هو حسب قلب الله هو المؤمن الّذي يعيش حياته بهدف واحد وحيد، أن يصنع مشيئة الله.كما قال بولس الرّسول: “لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ.” (في 1: 21)
المؤمن الّذي هو حسب قلب الله ليس المؤمن الكامل الّذي لا يخطئ ولكنّه المؤمن الّذي ينمو نحو الكمال الرّوحي ويسير في مشيئة الرّبّ وفي طريقه في كلّ يوم من حياته
يعني أن أعيش حياة يوميّة بالنّظرة إلى كلمة الله. اسمعوا ما قاله صموئيل لشاول: “قَدِ انْحَمَقْتَ! لَمْ تَحْفَظْ وَصِيَّةَ الرَّبِّ إِلهِكَ الَّتِي أَمَرَكَ بِهَا، لأَنَّهُ الآنَ كَانَ الرَّبُّ قَدْ ثَبَّتَ مَمْلَكَتَكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ. وَأَمَّا الآنَ فَمَمْلَكَتُكَ لاَ تَقُومُ. قَدِ انْتَخَبَ الرَّبُّ لِنَفْسِهِ رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِهِ، وَأَمَرَهُ الرَّبُّ أَنْ يَتَرَأَّسَ عَلَى شَعْبِهِ. لأَنَّكَ لَمْ تَحْفَظْ مَا أَمَرَكَ بِهِ الرَّبُّ” (1صم 13: 13و 14)
الحياة في مشيئة الله هي أن تعيش حياتك وفي يدك خريطة هي كلمة الله. تنظر إلى الخريطة بكلّ خطوة تريد أن تسيرها وفي كلّ قرار في حياتك وأيضًا لتصحيح أيّ خطأ يطرأ عليها. يعني مؤمن يعيش حياة تتمحور حول الله
هناك فرق بين شخص يكون الله على جدول أعماله، وبين المؤمن الّذي جدول أعماله هو ما يريده الله
هناك فرق بين شخص يعطي جزءًا من حياته للرّب، ومؤمن يعطي كلّ حياته للرّبّ
هناك فرق بين مَن يخصّص وقتًا للرّبّ وشخص يستخدم كلّ وقته للرّبّ
الفرق هو بين الإنسان الّذي تتمحور حياته حول ذاته والإنسان الّذي تتمحور حياته حول الله، هذا هو الفرق بين شاول وداود
شاول الملك: يتمحور حول نفسه، يريد أن يفعل ما يريحه، يريد أن ينفذ أفكاره ومخطّطاته، لا يستشير الرّبّ، شخص يكسر وصايا الله لمصلحته الشّخصيّة
داود الملك: حياته تتمحور حول الرّبّ. حياة هدفها ما يريده الله. وقته ليحقق ما يريده الله. قراراته تتمحور حول ما يريده الرّبّ وعبادته تتمحور حول شخص الرّبّ
بعبارة واحدة: أن تكون مؤمنًا حسب قلب الرّبّ هو أن تكون مؤمنًا تصنع كلّ مشيئة الرّبّ في حياتك بحسب حقّه المعلن في الكتاب المقدّس
:كيف ظهر هذا الأمر في حياة داود
أولاً. إيمانه وثقته بالرّبّ
يواجه خطاياه بثقته وايمانه بالمسيح وهذه خطوة الخلاص ويواجه تحديّات الحياة والتّجارب والحروب الرّوحيّة أيضًا بثقته وايمانه بالرّبّ كما يواجه ضعفه الرّوحيّ وخطاياه بثقة بغفران الرّبّ
ثانيًا. غيرته على اسم الرّبّ
لديه غيرة على اسم الرّبّ كما في حربه مع جوليات الجبار، ورغبة بأن يظهر اسم الرّبّ للعالم وأن يرى اسم الرّبّ ممجّدًا
وبحسب العهد الجديد المؤمن هو الّذي يطمح بأن يرى النّاس المسيح فيه “يروا اعمالكم الحسنة ويمجّدوا أباكم الّذي في السموات يعني إظهار اسم يسوع
ثالثًا. شوقه لعبادة الرّبّ
داود ومزامير العبادة “يَا اَللهُ، إِلهِي أَنْتَ. إِلَيْكَ أُبَكِّرُ. عَطِشَتْ إِلَيْكَ نَفْسِي، يَشْتَاقُ إِلَيْكَ جَسَدِي فِي أَرْضٍ نَاشِفَةٍ وَيَابِسَةٍ بِلاَ مَاءٍ” (مز 63: 1) “فَرِحْتُ بِالْقَائِلِينَ لِي: «إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ نَذْهَبُ». (مز 122: 1)
لا خوف على مؤمن يعرف أن يعبد الله وهذا الصّنف قد يبدو نادرا
رابعًا. طاعته لإعلانات الرّبّ
طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ. لكِنْ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ مَسَرَّتُهُ، وَفِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَارًا وَلَيْلاً.” (مز 1: 1و2)
يعني طوبى للرّجل الّذي يعرف وصايا الرّبّ ويطيعها وعندما يخطئ أو ينحرف يرجع بالتّوبة إليه
يوجد حرب روحيّة لكي لا نطيع الرّبّ أمّا المؤمن الّذي بحسب قلب الله يحارب حربه الرّوحيّة حتى لو أصيب أحيانًا
يوجد فرق بين شخص في المعركة وشخص خارج المعركة أمّا المؤمن فهو في ساحة المعركة
وعبارة قلبه كامل لا تعني أنّه كامل ولكن أن تكون رغباته وأشواقه وتصميمه وأولوياته في مشيئة الرّبّ
وعبارة عمل المستقيم لا تعني أنّه كامل ولكنّه كان يسير بكمال في مشيئة الرّبّ وعندما يخطئ كان يعود إلى مشيئة الرّبّ
خامسا. تكريسه الكامل للرّبّ
سيصنع كلّ مشيئتي يعني تكريسه كامل للرّبّ في كلّ نواحي حياته وفي كلّ وقته. عاش داود 70 سنة، كلّ حياته، كلّ قدرته وكلّ طاقاته كانت في مشيئة الرّبّ. لو كان داود عائشًا في أيامنا لكان أينما بحثت عنه تجده في عمل الرّبّ وفي خدمته مع المؤمنين
أخيرًا،”أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلهِي سُرِرْتُ، وَشَرِيعَتُكَ فِي وَسَطِ أَحْشَائِي” (مز 40: 8). أمام كلّ واحد منّا خيارًا: إمّا أن نعيش حياة تتمحور حول المسيح أو أن نعيش حياة تتمحور حول ذاتنا. إمّا أن نجعل الله جزءًا من حياتنا أو نجعل كلّ حياتنا جزءًا من مخطّط الله، إمّا أن نستخدم الله لتحقيق مصالحنا أو أن نفني حياتنا لتحقيق مصالحه ومقاصده
وفي الختام، تستطيع أن تكون مؤمنًا حسب قلب الرّبّ عندما تحسم صراع الذّات، وتصمم أن تعيش لمشيئة الله المعلنة في الكلمة الإلهيّة