عقيدة التبرير

إحدى الأمور الجميلة في الحياة هي عندما يحظى أحد بورثة تكون مفاجأة. قرأت قصة عن شخص فقير، كان يجتهد لكي يعيل عائلته، وفي إحدى الأيام جاءه اتصال من محامٍ يعلمه بأنّه قد ورث من أحد أقرباءه مبلغ كبيرة من المال. أمر مبهج ومفرح

أعرف كنيسة بأميركا حدث فيها حريق بأحد أجزائها. فجاءت سيارة الإطفاء وأنقذوا الموقف. بعد أسبوع كان راعي الكنيسة واقف خارجا وهو ينظر المبنى ويفكر ويصلي بكيف سيرممون المبنى. وهو في هذا الحال، جاء رجل بسيارته ودخل موقف الكنيسة ونزل، وقال لراعي الكنيسة “كنت أمرّ من هنا ورأيت ما حدث في مبنى الكنيسة. وضع الرّب على قلبي أن أقدم مبلغ من المال لترميم المبنى وسوف أسدد كل ما ستترتب من مصاريف أيضا.” كثيرين منكم قد يفكروا ” لكان أمر رائع لم حدث هذا معي

لكن أود أن أشاركه هو أن الأمر الذي حدث معنا هو أعظم من الورثة. بعمل المسيح يسوع على الصليب صار لنا أكثر بكثير من أي عطاء قد نحصل عليه في العالم. لكي نفهم هذه الحقيقة علينا أن نفهم ونتعمّق بعقيدة التبرير

عقيدة التبرير هي عقيدة أساسيّة في كلمة الله. وهي معلنة بعمق ووضوح في رسالة رومية. وقد كتبت رسالة رومية لشرح الإنجيل وتسليط الضوء على عظمة فداء المسيح. لقد أراد بولس الرسول أن يفهم المؤمنين أهميّة تبرير المسيح لهم، ليثمّنوا وليقدروا فداء المسيح، الأمر الذي ينعكس على حياتهم العمليّة بفرح التكريس والأمانة للرّب

فدعونا نقرأ من كلمة الرّب ما جاء في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية والأعداد 24-26  

“مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ. لإِظْهَارِ بِرِّهِ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ، لِيَكُونَ بَارًّا وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الإِيمَانِ بِيَسُوعَ .” (رو 3: 24-26)

أولا.  معنى التبرير

إنّ كلمة برّ تعني البراءة. تعني النقاوة التامة. تعني صفحة بيضاء بدون أي نقطة سوداء حتى لو وضعتها تحت الميكروسكوب. تعني الخلو من أي عيب وأي خطيّة. وهذا غريب عنّا نحن البشر. لأننا نعلم أننا لسنا أبرارا. نحن خطاة. لذلك يقول الكتاب: “مُتَبَرِّرِينَ”. التبرير هو ما يحدث مع المؤمن. نحن لسنا أبرارا ولكنّنا متبررين. نحن خطاة، وصفحة حياتنا ملطخة بالنقاط السوداء، إن لم تكن كلّها سوداء بسبب خطايانا

مباشرة قبل هذه الآية يذكر الوحي هذه الكلمات، “إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ” (رو 3: 23)

.يوجد أمر لا يمكن أن نحصل عليه بذواتنا؛ نحن نحتاج لأن يبررنا أحد

هل تعلم، بأنّ إحدى الكلمات الروحيّة الأكثر بحثًا على موقع جوجل هي كلمة “غفران”؟ التبرير هو “الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ “. الإنسان يشعر بخطاياه، ويريد أن يجد لها حلاّ. عقيدة التبرير هي تعاملات الله معنا لكي يعلن براءتنا ونظافتنا وخلوّنا من أي خطيّة

وهذا السؤال الذي حيّر الإنسان! كيف يمكن أن أخلص من خطاياي؟

.والجواب هو بالتبرير، أنت تحتاج أن تبرّر

ثانيا. ثمن التبرير

كم هو الثمن الذي يجب أن أدفعه لكي أحصل على التبرير. يعلن الله في الكتاب المقدّس أنّ ثمن هذا التبرير مجانيّ. إسمع ما يقول الكتاب: “متبررين مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ”. أدت محاولات الإنسان لتبرير نفسه لابتداع طرق مختلفة تتمحور بمجملتها حول الثمن الغالي للتبرير: لكي تنظف صفحة حياتك وتختبر غفران الخطايا عليك أن تقدم مالك لعمل الخير … عليك أن تعذب جسدك … عليك أن تصلي وتصوم … لذلك يخبرونك عن أشخاص ضحوا وتنسكوا وحرموا نفوسهم من مباهج الحياة لكي يتبرروا … يقولون لك: إنّ ثمن الخلاص باهظ. لكن الله يعلن أنّ التبرير هو هبّة مجانيّة يريد أن يمنحك إياها الرّب. لاحظ كلمة مجّانا … التي تعني مجانا … أي مجانا تريد الخلاص يمكنك أن تحصل عليه مجّانا … هو متوفر مجانا

“وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا.” (رؤ 17: 22)

مكتوب أنّه عطيها الله مجّانا. لاحظ كلمة بنعمته. “متبررين مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ”. تشير كلمة بنعمته إلى هبة لا يستحقها الإنسان، ولكنّها مقدمة له مجّانا

ثالثا. كلفة التبرير

.على الرغم من أنّ التبرير الذي يريد أن يمنحه الله هو مجاني، ولكنّه ليس رخيصا، وهو ليس بلا كلفة

“بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً”. الثمن غالي جدّا. هو الفداء الذي صنعه يسوع المسيح على الصليب. الفداء يشير إلى البدل. افتديت أنت بدم يسوع المسيح. لاحظ كلمة كفارة … لقد كفّر يسوع المسيح عن خطاياك. أمام محاولات الإنسان الفاشلة لتبرير نفسه … أرسل الله ربّنا يسوع المسيح للموت على الصليب وليفتدينا وليكفّر عن خطايانا، والثمن غالي جدّا … التبرير مجاني ولكنّ ثمنه عظيم

رابعا. شرط التبرير

.كيف أحصل على التبرير؟ سؤال مهمّ. هناك شرط وحيد للتبرير هو: الإيمان بالمسيح المخلّص، صانع التبرير

الإيمان هو أن تثق بمخطط الله وتقبله. مكتوب، “بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ”عليك أن تقبل ما فعله يسوع لأجلك بثقة وإيمان. تقبل أن دمّ يسوع الذي سفك على الصليب يطهرك من خطاياك. تقبل الذبيحة التي قدمت لتبريرك. لاحظ ما يتابع بولس الرسول ليقوله: “لِيَكُونَ بَارًّا وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الإِيمَانِ بِيَسُوعَ .” من هو الذي يتبرّر؟ الذي يؤمن بيسوع المسيح. كل ما عليك أن تفعله هو أن تقبل يسوع بالإيمان. أن تأتي إلى يسوع بالإيمان وأن تأخذ الخلاص

خامسا. إعلانات التبرير

التبرير يعلن لنا صفات الله المجيدة. التبرير يعلن برّ الله. يقول الكتاب: “لإِظْهَارِ بِرِّهِ” ويتابع ليقول: “لإِظْهَارِ بِرِّهِ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ”. التبرير يعلن لنا برّ الله. الله بار أي بلا خطيّة … ولذا يستحيل على لإنسان أن يتبرر أمامه بأعماله. والله بار وبالتالي هو يحاسب الخطيّة ويعاقب الخطيّة

البرّ هو المستوى المطلوب للتبرر أمام الله، أي الكمال المطلق. هذا يجعلك أمام خيار واحد، إمّا أن تتبرّر بدم يسوع المسيح … أم تسير نحو الفشل الروحي ودينونة الله العادلة

.الله بار … هذه طبيعته … هو لا يتغيّر …  لذلك فإن المنفذ الوحيد لمواجهة الله والخلاص هو قبول برّه وإلا سنواجه عدالته

سادسا. مصدر التبرير

الله نفسه هو مصدر التبرير. يقول الكتاب: “مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ” والأمر ليس سهلا، لأن الخطيّة هي موجهة بالإساس تجاه الله. لذلك يقول: “بِإِمْهَالِ اللهِ.” الله هو صاحب السلطان. يحق له أن يديننا ويحق له أن يهلكنا، ولكنّه اختار أن يدفع الثمن الغالي ويخلصنا

مكتوب، “لإِظْهَارِ بِرِّهِ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ، لِيَكُونَ بَارًّا وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الإِيمَانِ بِيَسُوعَ.” (رو 3: 24-26)

.الله هو المبرّر، وكل ما علينا أن نفعله نحن هو أن نأتي إليه ونطلب التبرير منه بقبول مخططه الخلاصي بالمسيح

سابعا. غنى التبرير

وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الإِيمَانِ بِيَسُوعَ” ومن هو المستفيد بكل هذه العمليّة؟ المؤمن المتواضع الذي قد انكسر أمام المسيح وطلب غفران خطاياه بالإيمان وقبل عطية الخلاص والحياة الأبديّة. يمكنك أن تستفيد من غنى الله وتحصل على هبة الحياة الأبديّة مجانا

غنى التبرير يفوق كل غنى بشري زائل، لأنّه الغنى الحقيقي الذي ينقذك من العذاب الأبدي ويعطيك ميراث أبدي مع ربّ المجد في السماء. هذا هو الغنى الحقيقي. بتبرير المسيح تحصل على الغنى الحقيقي

.في الختام،المال يمكن أن يفرجك للحظات … ولكن تبرير الله هو فرجك الأبدي

الإنسان يحتاج إلى برّ المسيح، لأنّه الوسيلة الوحيدة للخلاص الأبدي