دور الروح القدس في تغيير تصرّف المؤمن

كن قدوة في التصرّف” هي وصيّة للمؤمن في العهد الجديد. فالإناء لا بد أن ينضج بما فيه، ولا بدّ للمؤمن المتجدد أن يفيض إلى الخارج بسلوك مقدّس. توجد بالطبع مسؤوليّة فردية تقع على عاتق المؤمن بعمليّة التغيير هذه، من خلال ثلاثة خطوات عمليّة للتغيير في حياتنا. فعلى المؤمن أوّلا أن يخلع “من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور” وعليه ثانيا، أن يتجدد بروح ذهنه، وعليه ثالثا، أن يلبس “الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البرّ وقداسة الحق

 ولكن المدهش في الحياة الروحيّة هو العنصر المساعد للمؤمن. تكمن روعة الحياة الروحيّة بوجود الروح القدس في حياة المؤمن.  هذا الروح القدس المبارك الأقنوم الثالث من الثالوث، المساوي للآب وللابن في الجوهر يسكن في المؤمن. هذا الروح المحيي وهذا الروح الخالق يسكن في المؤمن. ذهبت أحد السيدات إلى الساعاتي وقالت له، “ساعتي معطلة وقد قضيت الساعات وأنا أحاول تصليحها. فذهب إلى الغرفة الخلفيّة وأصلح الساعة وعاد إليها. فقالت له كيف استطعت أن تصلح الساعة بهذه السرعة؟ فقال لها لقد غيّرت البطاريّة. قالت له أيّة بطارية؟ لقد اقتنيت هذه الساعة لمدة خمسة سنوات ولم أعلم أنّ فيها بطاريّة. كنت في كل يوم أعبئها على يدي مثل الأيام القديمة

يوجد دور عظيم للروح القدس في حياتنا كمؤمنين. ويجب على المؤمن أن يدرك هذا الدور. فدعونا ننطلق من رسالة غلاطية 5: 16-26 ونقرأ توجيهات الرّب لنا

وَإِنَّمَا أَقُولُ: اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ. 17لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ. 18وَلكِنْ إِذَا انْقَدْتُمْ بِالرُّوحِ فَلَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ. 19وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ، الَّتِي هِيَ: زِنىً عَهَارَةٌ نَجَاسَةٌ دَعَارَةٌ 20عِبَادَةُ الأَوْثَانِ سِحْرٌ عَدَاوَةٌ خِصَامٌ غَيْرَةٌ سَخَطٌ تَحَزُّبٌ شِقَاقٌ بِدْعَةٌ 21حَسَدٌ قَتْلٌ سُكْرٌ بَطَرٌ، وَأَمْثَالُ هذِهِ الَّتِي أَسْبِقُ فَأَقُولُ لَكُمْ عَنْهَا كَمَا سَبَقْتُ فَقُلْتُ أَيْضًا: إِنَّ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هذِهِ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ. 22وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ 23وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ. ضِدَّ أَمْثَالِ هذِهِ لَيْسَ نَامُوسٌ. 24وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ. 25إِنْ كُنَّا نَعِيشُ بِالرُّوحِ، فَلْنَسْلُكْ أَيْضًا بِحَسَبِ الرُّوحِ. 26لاَ نَكُنْ مُعْجِبِينَ نُغَاضِبُ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَنَحْسِدُ بَعْضُنَا بَعْضًا

إن أحد أسباب فشل المؤمن في التغيّر اليومي هو اعتماده على ذاته وعدم إدراكه لعظمة الروح القدس الذي يسكن في قلبه.  فالروح القدس هو مصدر الطاقة الأساسيّة للحياة الروحيّة. فعندما يتحمّل المؤمن مسؤوليّته يخلع الإنسان العتيق ويتجدد في ذهنه ويلبس الإنسان الجديد هناك دور عظيم للروح للقدس في حياته. فما هو دور الروح القدس في كل مرحلة من مراحل التغييّر الروحي؟

أولا. ما هو دور الروح القدس المساعد في خلع الإنسان العتيق؟

الروح القدس يبكت على الخطيّة: “وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ” (يو 16: 8). وإن الروح القدس الذي يبكت العالم على الخطيّة يبكت المؤمن أيضا على خطاياه. الروح القدس لا يدع المؤمن يرتاح على خطاياه. هو الذي يقلقنا لكي يأتي بنا إلى التوبة.  هو يحثنا على خلع الإنسان العتيق مع أعماله. هو الذي يشخص المرض الروحي في حياتنا.  لهذا قال داود: “أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟” (مز 139: 7). الروح القدس هو من يبكتنا على خطايانا لكي نتخذ القرار بالتوبة والرجوع عنها

الروح القدس يعين ضعفنا بحسب مشيئة الله: “وَكَذَلِكَ الرُّوحُ أَيْضاً يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلَكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا. وَلَكِنَّ الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ يَعْلَمُ مَا هُوَ اهْتِمَامُ الرُّوحِ لأَنَّهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يَشْفَعُ فِي الْقِدِّيسِينَ” (رو 8: 26و27).  في لحظات الضعف الروحي، لا يقف الروح القدس موقف المتفرّج ولكنّه يتحرّك لكي يعين ضعفنا. هو من يسندنا في وقت الضعف. هو من يشفع بضعفاتنا وبصلواتنا. هو لا يشفع فينا أي يؤيد خطأنا ويشجعنا عليه، بل على العكس هو يعيننا “بحسب مشيئة الله”. هو لا يشفع فينا لكي نرتاح مع الإنسان العتيق ولكن هو يعين ضعفنا لكي نخلع الإنسان العتيق

لا توجد حجة مقبولة عند الله لكي لا يخلع المؤمن ثوبه العتيق. فالروح القدس مرسل من السماء لكي يبكتك ويعينك. كل ما عليك أن تفعله هو أن تتجاوب مع عمل الروح القدس في حياتك. عندما لا تتجاوب مع عمل الروح القدس تحدث المأساة الروحيّة في حياتك. ما هي هذه المأساة؟ إحزان الروح القدس. لذلك يوصينا الكتاب قائلا: “وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ.”(اف 4: 30). عندما يستمر المؤمن في السلوك بالخطيّة والعصيان والتمرد على كلمة الرب، يحزن الروح القدس. إن الروح القدس هو مصدر الطاقة للحياة الروحيّة. وعندما تحزن الروح القدس سوف تعاني من الضعف والفتور والمرارة الروحيّة. أما عندما تتجاوب مع عمل نعمته فلديك قوّة الله التي تعينك في خلع الإنسان العتيق مع أعماله

ثانيا. ما هو دور الروح القدس المساعد في تجديد ذهن المؤمن؟

وَأَمَّا الْمُعَزِّي الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ.” (يو 14: 26). هناك أمران أساسيّان يفعلهما الروح القدس في حياة المؤمن ليساعده في عمليّة النمو الذهني

الروح القدس يعلّمنا: “فهو يعلمكم كل شيء

وَأَمَّا أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ، بَلْ كَمَا تُعَلِّمُكُمْ هَذِهِ الْمَسْحَةُ عَيْنُهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهِيَ حَقٌّ وَلَيْسَتْ كَذِباً. كَمَا عَلَّمَتْكُمْ تَثْبُتُونَ فِيهِ.” (1 يو 2: 27). الروح القدس هو معلم الكنيسة الأوّل وهو الذي يساعد المؤمن لكي يفهم كلمة الله. وهو الذي يقيم معلمين في الكنيسة. وهو الذي ينيز ذهن المؤمن ويقوده في عمليّة التعلّم اليومي

الروح القدس يذكرنا: “يذكركم بكل ما قلته لكم

لا يكتفي الروح القدس بالتعليم ولكن لأن الإنسان بطبعه ينسى، يقوم الروح القدس بدور مهم جدا وهو تذكير المؤمنين بالحقائق الروحيّة. هو يذكرنا بوصايا الرب لكي نبقى على الطريق الصحيح ونتخذ المواقف الروحيّة الصائبة

 تكمن المشكلة عندما لا يتجاوب المؤمن مع تعليم الروح القدس.  ماذا يحدث؟ كارثة اسمها إطفاء الروح القدس. عندما لا يتجاوب المؤمن مع كلمة الله ينطفأ الروح القدس. يقول الوحي “لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ. لاَ تَحْتَقِرُوا النُّبُوَّاتِ” (1تس 5: 19و20). يشبّه الروح القدس هنا بنار قويّة تريد أن تلهب حياتك وتشعل حياتك وتنير حياتك بضياء المسيح. ولكن عندما لا يتجاوب المؤمن مع تعليم كلمة الله أنت تطفئ الروح كمن يرمي ماء على النار. ولاحظ التعبير الذي يستخدمه الوحي “لا تحتقروا النبوات”. هل من الممكن أن يحتقر المؤمن كلمة الرب؟ طبعًا. قال المسيح لتلاميذه: “لا تطرحوا درركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزقكم” (متى 7: 6). ماذا يفعل الروح القدس بمؤمن يدوس كلمته؟ ماذا يفعل الرب بمؤمن يحتقر النبوات؟ ينطفئ الروح القدس ولا يعود يتعامل مع هذا الشخص. الروح القدس هو مصدر الطاقة للحياة الروحيّة. هو يعمل على تعليمنا وتذكيرنا باستمرار لكي يقودنا في عمليّة تجديد الذهن. لكي يتغيّر فكرنا إلى فكر المسيح

ثالثًا. ما هو دور الروح القدس المساعد في لبس الإنسان الجديد؟

الروح القدس يقود المؤمن: “لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ.” (رو 8: 14). الروح القدس يريد أن يقود حياتك في عمليّة النهضة والنصرة.  هذه القيادة لا يمكن أن تكون مزدوجة بيننا وبين الروح القدس، بل يجب علينا أن نستسلم لقيادته. عندما تستسلم لقيادة الروح القدس، تصبح حرّا من الخطيّة لأن الروح القدس لا يخطئ. هو روح الحق وروح القداسة وروح البر. عندما تسمح للروح القدس أن يقود حياتك يعينك في لبس الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق 

الروح القدس يقوّي المؤمن: “لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ»” (أع 1: 8).  عندما تسمح للروح القدس بأن يقود حياتك، يمنحك القوّة لكي تسلك بالبر. يعطيك قوّة لكي تشهد عن المسيح. يعطيك قوّة لكي تعيش بصدق وأمانة وإخلاص. وهذا ما نحتاج إليه نحن. كثيرا ما يكون لدينا النيّة ولكن لا تكون لدينا القوّة. يأتي الروح القدس لكي يعطينا هذه القوّة. هذه القوّة تأتي نتيجة خضوعنا للروح القدس

الروح القدس يملأ المؤمن: “وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا.” (أع 4: 31). هذا هو الاختبار المبارك الذي يحتاج إليه كل إنسان، اختبار الملء الروحي. “لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح” (اف 5: 18). عندما تتجاوب مع عمل الروح القدس في حياتك تمتلئ بالروح القدس وعندما تمتلئ تفيض. بماذا تفيض؟ بثمر الروح القدس. “وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ.” (غل 5: 22و23)

لكي نعيش حياة روحيّة تمجد الله نحن نحتاج إلى استسلام تام لقيادة الروح القدس. يجب أن نستغني عن حكمتنا وآرائنا الشخصيّة، يجب أن نتخلى عن طرقنا وأساليبنا، يجب أن نتخلى عن خبرتنا ومواقفنا ويجب أن نخضع للروح القدس من خلال طاعتنا الكاملة لصوته والانصياع التام لمشيئته

في الختام، روى أحدهم قصّة فلاح وجد في أحد الأيام بيضة نسرّ. ولما تعذّر عليه إرجاعها إلى عشّها، وضعها في قنّ الدجاج. ربي ذلك النسر وكبر وهو يأكل الشعير وينقد في الأرض بحثا عن طعامه. كان يطير كالدجاج متنقلا ببطء. كبر هذا النسر مع الدجاج وفي أحد الايام نظر إلى العلاء ليرى نسرا يحلق في فلك السماء. قال آه ما أعظم ذلك الطير، عجبا ما هو؟ فأجابته الدجاجات قائلات، “لا تفتكر به إذ أنّه يستحيل على الدجاج الوصول إليه”. طأطأ النسر المدجّن رأسه إلى الأرض باحثا عما يأكله، ومات وهو مفتكر أنّه دجاجة عاجزة. هكذا يعيش بعض المؤمنين في عبوديّة الإنسان العتيق في الوقت الذي يحلّق فيه آخرون في أجواء الحياة الروحيّة رافعين أجنحة كالنسور

تستطيع أن تطير وتستطيع أن تحلّق وتستطيع أن تنتصر وتستطيع أن تتغلب على اليأس والفشل والاضطهاد والمرض

تستطيع عندما تستسلم لعمل الروح القدس في حياتك