الرّب يريد من المؤمن أن يعيش في عزّه ودلاله. المسيح جاء لكي تكون لنا حياة ويكون لنا أفضل. (يو 10: 10) “… وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ”. المسيح جاء لكي يقيمنا من موتنا ويحيينا، لكي يغفر خطايانا ويبررنا، لكي يعطينا حضوره ورفقته معنا في حياتنا، لكي يعطينا قيادته لنا ومشيئته الصالحة في بريّة العالم. هو يريدنا أن نعيش بعزّه وبدلاله. يسمي الرّب هذه الحياة حياة المجد. هو يريدنا أن نعيش حياة المجد. وحياة المجد لا يمكن لنا أن نعيشها بدون رب المجد. هو مصدر المجد وهو مصدر الخير وهو مصدر البركات وهو مصدر السلام وهو مصدر الفرح وهو مصرد كل بركة روحيّة وزمنيّة في حياتنا. والخطأ الكبير يحدث عندما يظنّ الإنسان أنّه يستطيع أن يعيش حياة المجد بعيدا عن الرّب، أو أنّه يستطيع أن يعيش بمجد وعز وكرامة وفرح وسلام وبركات وشبع وكفاية بعيدا عن الرّب
هذا كان أفظع خطأ وقع فيه شعب الرّب في العهد القديم. وانزلق من حياة المجد إلى حياة البؤس. وقد وصف الله هذا الانزلاق الروحي في حياة شعبه في وحيه لأرميا النبي. وقد كشف الرّب عن حياة العزّ والدلال التي أرادها لشعبه، حياة المجد التي أرادها لأولاده. يتضمّن سفر أرميا العديد من المواعظ التي وعظها أرميا لشعب الله. ولكن ما نحن بصدد التأمل به هو عظة ارميا الأولى. في هذه العظة كشف الله عن مشاعره وقلبه وفكره تجاه شعبه. في هذه العظة نرى حزن الله وأسفه على شعب لا يعرف مصلحته. شعب أراد أن يرى الخير بعيدا عن إله الخير والبركات. شعب اختار لنفسه آلهة أخرى ليعبدها. ويكتب الرّب هذه الرسالة لشعب يهوذا قبل السبي لكي يدعوهم إليه بالتوبة والرجوع إلى حياة المجد
نقرأ ما جاء في سفر أرميا والإصحاح 2 الأعداد 1-3 و11-13
وَصَارَتْ إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قَائِلاً: 2«اذْهَبْ وَنَادِ فِي أُذُنَيْ أُورُشَلِيمَ قَائِلاً: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قَدْ ذَكَرْتُ لَكِ غَيْرَةَ صِبَاكِ، مَحَبَّةَ خِطْبَتِكِ، ذِهَابَكِ وَرَائِي فِي الْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَزْرُوعَةٍ. 3إِسْرَائِيلُ قُدْسٌ لِلرَّبِّ، أَوَائِلُ غَلَّتِهِ. كُلُّ آكِلِيهِ يَأْثَمُونَ. شَرٌّ يَأْتِي عَلَيْهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ» …. 11هَلْ بَدَلَتْ أُمّةٌ آلِهَةً، وَهِيَ لَيْسَتْ آلِهَةً؟ أَمَّا شَعْبِي فَقَدْ بَدَلَ مَجْدَهُ بِمَا لاَ يَنْفَعُ! 12اِبْهَتِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ مِنْ هذَا، وَاقْشَعِرِّي وَتَحَيَّرِي جِدًّا، يَقُولُ الرَّبُّ. 13لأَنَّ شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً
لخّص الرّب مشكلة الشعب في الأعداد 11-13 قائلا: “أَمَّا شَعْبِي فَقَدْ بَدَلَ مَجْدَهُ بِمَا لاَ يَنْفَعُ!” – “لأَنَّ شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً.” ولكن قبل أن يذكر الرّب لهم شرورهم، يذكر الرّب لهم أيام العزّ والدلال التي عاشوها معه. يذكر لهم الرّب حياة المجد التي اختبروها في مراحل من حياتهم. وذلك في الأعداد الثلاثة الأولى: “قَدْ ذَكَرْتُ لَكِ غَيْرَةَ صِبَاكِ، مَحَبَّةَ خِطْبَتِكِ، ذِهَابَكِ وَرَائِي فِي الْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَزْرُوعَةٍ. إِسْرَائِيلُ قُدْسٌ لِلرَّبِّ، أَوَائِلُ غَلَّتِهِ. كُلُّ آكِلِيهِ يَأْثَمُونَ. شَرٌّ يَأْتِي عَلَيْهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ
أولا. حياة الغيرة على اسم الرّب
وَصَارَتْ إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قَائِلاً: 2«اذْهَبْ وَنَادِ فِي أُذُنَيْ أُورُشَلِيمَ قَائِلاً: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قَدْ ذَكَرْتُ لَكِ غَيْرَةَ صِبَاكِ-أطلق شعبي ليعبدوني (سفر الخروج) … رشّ الدمّ … نجاة الأبكار. عندما أجابوا يشوع
فَأَجَابَ الشَّعْبُ وَقَالُوا: «حَاشَا لَنَا أَنْ نَتْرُكَ الرَّبَّ لِنَعْبُدَ آلِهَةً أُخْرَى، ١٧ لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَنَا هُوَ الَّذِي أَصْعَدَنَا وَآبَاءَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ، وَالَّذِي عَمِلَ أَمَامَ أَعْيُنِنَا تِلْكَ الآيَاتِ الْعَظِيمَةَ، وَحَفِظَنَا فِي كُلِّ الطَّرِيقِ الَّتِي سِرْنَا فِيهَا وَفِي جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَبَرْنَا فِي وَسَطِهِمْ. ١٨ وَطَرَدَ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِنَا جَمِيعَ الشُّعُوبِ، وَالأَمُورِيِّينَ السَّاكِنِينَ الأَرْضَ. فَنَحْنُ أَيْضًا نَعْبُدُ الرَّبَّ لأَنَّهُ هُوَ إِلهُنَا». المشكلة التي وقع فيها جيل السبي هي أنّهم تركوا اسم الله وهيكله ولكنّهم زغلوا في العبادة
اَلْكَهَنَةُ لَمْ يَقُولُوا: أَيْنَ هُوَ الرَّبُّ؟ وَأَهْلُ الشَّرِيعَةِ لَمْ يَعْرِفُونِي، وَالرُّعَاةُ عَصَوْا عَلَيَّ، وَالأَنْبِيَاءُ تَنَبَّأُوا بِبَعْل، وَذَهَبُوا وَرَاءَ مَا لاَ يَنْفَعُ. (ار 2: 8). قَائِلِينَ لِلْعُودِ: أَنْتَ أَبِي، وَلِلْحَجَرِ: أَنْتَ وَلَدْتَنِي. لأَنَّهُمْ حَوَّلُوا نَحْوِي الْقَفَا لاَ الْوَجْهَ، وَفِي وَقْتِ بَلِيَّتِهِمْ يَقُولُونَ: قُمْ وَخَلِّصْنَا. (ار 2: 27)
الغيرة على اسم الرّب هي الغيرة على الوفاء لشخص الله وحده، والغيرة على قداسة الله والغيرة على عبادة الله
ثانيا. حياة المحبة المسبيّة بالرّب
“… مَحَبَّةَ خِطْبَتِكِ…”
تحب الرّب إلهك من قلبك، هذا هو الالتزام الأوّل في الناموس، وهذا هو الالتزام الأوّل بالعهد الجديد أن تحب الرّب إلهك من كل قلبك وتحب قريبك كنفسك. أن ينبع كل شيء في حياتي من المحبّة، المحبة للرّب. وتاك المحبة تؤدي إلى الطاعة، إلى البشارة، محبة القريب، محبة الأعداء. المحبة هي الأساس
اُكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ أَفَسُسَ: «هذَا يَقُولُهُ الْمُمْسِكُ السَّبْعَةَ الْكَوَاكِبَ فِي يَمِينِهِ، الْمَاشِي فِي وَسَطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ الذَّهَبِيَّةِ: 2أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ وَتَعَبَكَ وَصَبْرَكَ، وَأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَحْتَمِلَ الأَشْرَارَ، وَقَدْ جَرَّبْتَ الْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ رُسُلٌ وَلَيْسُوا رُسُلاً، فَوَجَدْتَهُمْ كَاذِبِينَ. 3وَقَدِ احْتَمَلْتَ وَلَكَ صَبْرٌ، وَتَعِبْتَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي وَلَمْ تَكِلَّ. 4لكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ: أَنَّكَ تَرَكْتَ مَحَبَّتَكَ الأُولَى. 5فَاذْكُرْ مِنْ أَيْنَ سَقَطْتَ وَتُبْ، وَاعْمَلِ الأَعْمَالَ الأُولَى، وَإِّلاَّ فَإِنِّي آتِيكَ عَنْ قَرِيبٍ وَأُزَحْزِحُ مَنَارَتَكَ مِنْ مَكَانِهَا، إِنْ لَمْ تَتُبْ
عندما نفشل في علاقاتنا مع الآخرين واستيعابنا للآخرين … اسأل نفسك: هل محبتي للرّب صحيحة؟ عندما تعجز عن القبول والمسامحة، عندما تتقاعس في الكرازة والتبشير، أنت بحاجة لتعود لمحبتنا الأولى
ثالثا. حياة الطاعة العمياء للرّب
“.ذِهَابَكِ وَرَائِي فِي الْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَزْرُوعَةٍ”
سير شعب الرّب معه في البريّة أربعين سنة … في أرض غير مزروعة. إله الأمانة لا ينسى. نحن ماذا نذكر من حياة الشعب في البريّة؟ التمرّد، العصيان، التذمّر. لكن لاحظوا الرّب ماذا يتذكّر. إلهنا إله إيجابي … لا ينسى تعب المحبّة: “لأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَالِمٍ حَتَّى يَنْسَى عَمَلَكُمْ وَتَعَبَ الْمَحَبَّةِ الَّتِي أَظْهَرْتُمُوهَا نَحْوَ اسْمِهِ، إِذْ قَدْ خَدَمْتُمُ الْقِدِّيسِينَ وَتَخْدِمُونَهُمْ.” (عب 6: 10)
الله يقدّر حياة الجهاد الروحي والطاعة له في كافة الظروف. هو لا ينظر إلى كمالنا ولا يتوقّع منّا الكمال. ولكنّه يتوقّع منّا أن نثق به لنطيعه طاعة عمياء. أيام في حياتك ظننت أن لا أحد يرى ويقدّر … الله لا ينسى كل موقف اتخذته لمجد اسمه، وكل موقف اضطهدت فيه، وكل ثمن دفعته في برية هذا العالم
رابعا. حياة الانفراز التام للرّب
“إِسْرَائِيلُ قُدْسٌ لِلرَّبِّ، أَوَائِلُ غَلَّتِهِ”
نحن مفرزين للرّب. هو فرزنا من العالم لنكون له. نحن علينا أن نعيش هذا الواقع. هو قدسنا. نحن علينا أن نعيش كقديسين
خامسا. حياة الاعتماد الكلي على الرّب
“كُلُّ آكِلِيهِ يَأْثَمُونَ. شَرٌّ يَأْتِي عَلَيْهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ”
حياة الاعتماد على الرب، وأن يكون هو سندنا الوحيد. إنما الخطر هو اعتماد الشعب على مصر وعلى غيرها من الممالك
سادسا. حياة الشهادة والكرازة للرّب
“وَصَارَتْ إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قَائِلاً: 2«اذْهَبْ وَنَادِ فِي أُذُنَيْ أُورُشَلِيمَ قَائِلاً: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ …”
لنكرز كما أوصى الرب إلهنا، ولنخبر، بأمانة، الجميع عن خلاصه والخبر السار الذي صار لنا بالمسيح
في الختام، الرّب يريدنا أن نعيش بعزّه ودلاله وببركته. وهذه الحياة المباركة مع الرّب لا يمكن أن نعيشها بعيدا عنه. الفخ الذي يقع فيه المؤمن هو محاولة إيجاد الشبع والكفاية بعيدا عن الرّب. الرّب يريدنا أن نعيش بعزّه ودلاله. هو يريدنا أن نعيش ببركته. أحلى ذكريات العائلة البشريّة عندما يكون الأولاد صغارا … براءة الأطفال. ولكن عندما يكبر الأولاد تصبح أوقات العائلة الجميلة رهن القرارات والخيارات التي يتخذها أفراد العائلة. لقد كانت السنين الأولى من حياة الإيمان ممتعة ومباركة ومجيدة … استمراريّة هذه الحياة هي رهن القرارات التي تتخذها أنت
ختم أرميا عظته قائلا: ” لكِنِ ارْجِعِي إِلَيَّ، يَقُولُ الرَّبُّ… ” (ار 3: 1)