العبارة الشائعة في نهاية كل عام هي: “مرّت السنة بسرعة…” – ” لم نشعر بمرورها …”. وفعلا، يوجد أناس لا يشعرون بمرور السنة، بل تمر بطرفة عين. سنة بعد سنة تمر من حياتنا. بعض السنوات، نشعر أنهّا سنوات ناجحة ونتمنى أن تتكرّر … وبعض السنوات الأخرى، نشعر أنّها سنوات أحزان ويأس وفشل ونتمنى لو لا تتكرّر، وقد نقول “تُذكر ولا تُعاد”. كتب المرنم قائلًا: “تمر السنين وتفضل أمين يا ربي وإلهي الأمين والمعين
شخص وحيد ثابت لا يتغيّر مع السنين هو الرّب إلهنا، ومخلصنا يسوع المسيح. والرّب يريد أن يكلّل سنين حياتنا بالنجاح والبركة، لأنّه هو إله كل بركة
ولكن كيف يمكن أن يحدث هذا الأمر؟ كيف يمكن أن نختبر أيام ذات معنى في حياتنا؟ كيف يمكن أن نضيف سنوات جميلة إلى حياتنا؟
ولكي ندخل إلى عمق هذا الموضوع، نتأمل بحياة بولس الرسول، وهو في مرحلة صعبة جدا من حياته، إذ كان مسجونا في سجن في رومية، مقيّد اليدين، يواجه تحديات الاضطهاد، وتعييرات بعض المؤمنين، وغيرة الآخرين من خدمته، وتعاليم خاطئة، ويعاني من البعد عن أحبائه. وبينما هو في ذلك الوضع الأليم، استطاع أن يعيش حياة ذات معنى. كيف استطاع ذلك؟ نقرأ من الرسالة إلى أهل فيلبي 3: 12-14
“12لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلاً، وَلَكِنِّي أَسْعَى لَعَلِّي أُدْرِكُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضاً الْمَسِيحُ يَسُوعُ. 13أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلَكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئاً وَاحِداً: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ. 14أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ
أولا. رؤية روحيّة ثاقبة
كتب بولس من سجن روما كلمات التشجيع والتعزية والدعم إلى مؤمني فيلبي مشاركا، من اختباره الشخصي، عن حياته الرائعة مع المسيح. وعلى الرغم من وجود بولس في السجن في تلك الأثناء، محدود الحركة، ومسلوب من حريّته البشريّة، إنّما كان يرى أمورًا عظيمة لا ترى بالعين المجرّدة. كان يرى كل ما يجري في حياته من منظار الرّب. لقد رأى أن للرّب خطّة في ضيقاته وفي سجنه. لقد رأى عظمة دعوة الله العليا له. لقد أدرك ببصيرته الروحيّة أن للرّب هدف ومشيئة في حياته. لقد إستطاع أن يرى الجعالة، أي الجائزة، والأكاليل السماويّة أمامه، لأنه كان ينظر بعين الإيمان. كتب قائلا
“. لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلاً، وَلَكِنِّي أَسْعَى لَعَلِّي أُدْرِكُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضاً الْمَسِيحُ يَسُوعُ”
هل أنت تسعى في السجن يا بولس؟ نعم، لأني أرى أمورا عظيمة للرّب في هذا المكان. كتب قائلا: “14أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ
إستطاع أن ينتبه إلى دعوة الله العليا له، التي هي أن يكون نورًا للمسيح في أي مكان وجد فيه. لقد رأى بعيون الإيمان أنّ للرّب قصد في حياته وأن دعوته العليا هي أن يكون خادما للمسيح في ذلك المكان. البصيرة البشريّة تطلب راحة الجسد، أما البصيرة الروحيّة فتطلب مجد الرّب. البصيرة البشريّة تطلب الكرامة والمجد الأرضيين، أما البصيرة الروحيّة فتطلب مجد الرّب وكرامته ومخططه في الحياة. لا يمكن أن نعيش حياة الإيمان، بنظرة بشريّة محدودة
:كما ذكر بولس لكنيسة كورنثوس
وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى. لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ.” (2 كو 4:18)”
ثانيا. مفاهيم روحيّة صحيحة
“لَعَلِّي أُدْرِكُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضاً الْمَسِيحُ يَسُوعُ.” أن يكون لدينا مفاهيم صحيحة حول الخلاص: الخلاص هو دعوة للملكوت وللخدمة وللتكريس وللالتزام. وحول الكنيسة: دورك في جسد المسيح. مفاهيم حول العائلة: عائلات تمجد الرّب. المسيح خلصك لهدف
(أف2 :10) “.لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا”
لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ للهِ.” (1 كو 6: 10)”
.إياك وخطيّة العناد. العناد هو أن تتمسك بفكرة خاطئة وتسمح لها بأن تسيطر على حياتك
لأَنَّ التَّمَرُّدَ كَخَطِيَّةِ الْعِرَافَةِ، وَالْعِنَادُ كَالْوَثَنِ وَالتَّرَافِيمِ. لأَنَّكَ رَفَضْتَ كَلاَمَ الرَّبِّ رَفَضَكَ مِنَ الْمُلْكِ” (1 صم 15:23)
ثالثا. طموحات روحيّة نامية
لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلاً، وَلَكِنِّي أَسْعَى لَعَلِّي أُدْرِكُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضاً الْمَسِيحُ يَسُوعُ. أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ
الطموحات الروحيّة هي نتيجة طبيعيّة للنمو. الطموحات الروحيّة تتطلب عدم اكتفاء بالواقع، والسعي وراء أهداف روحية وتحقيق المزيد والمزيد من الإنجازات في حقل الرب
رابعا. أولويّات روحيّة ثابتة
“أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ”
كان لبولس أولويّة لدعوة الله العليا في حياته. كان السعي نحو الأمور الروحية المتعلقة بدعوته هي الأمور التي تحتل الأهمية الأكبر في حياته، والتي تشغل القسم الأكبر من وقته
خامسا. أهداف روحيّة واضحة
“وَلَكِنِّي أَسْعَى لَعَلِّي أُدْرِكُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضاً الْمَسِيحُ يَسُوعُ”
علينا أن نضع أهداف روحيّة لحياتنا. أنا خلال هذا العام أريد أن أحقق: 1. – 2. – 3. – 4. – من أجل الرب. وضع أهداف واضحة وعملية في حياتنا هي من أهم الأمور التي تخوّلنا أن نعيش بافتداء للوقت وبرؤى واضحة يمكن أن نرجع ونركز أنظارنا عليها، كي لا ننهمك بأمور الحياة ونضيّع المسار والدعوة التي يريدنا الرب أن نعيش لأجلها
سادسا. مخططات روحيّة ناجحة
“وَلَكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئاً وَاحِداً: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ”
المخططات تساعدني لكي أحقق الأهداف. نحن طبعا في مخطط الرّب. ولكن هذا لا ينفي دورنا ومسؤوليتنا الفرديّة. لا تستطيع أن تضع أهداف وتطلب من الرّب أن يحققها لك. عليك أن تتحمل مسؤوليّتك
لقد إنتبه بولس الرسول أن هناك ما قد يعيق تقدمه إلى الأمام. لذلك وضع خطّة في حياته، أن ينسى ما هو وراء ويمتد إلى ما هو قدّام. ماذا يعني بولس بأن ينسى ما هو وراء؟ هل ينسى اختباراته وماضيه؟ طبعا لا. لأنّ هذا ما سبق وكتب عنه. ماذا يريد أن ينسى بولس من حياته؟ هو يريد أن ينسى كل ما يعثره من التقدم إلى الأمام. هو يريد أن ينسى من حياته كل ما قد يعيق تقدمه إلى الأمام. هذا قد يكون لإنجازات الماضية، التي قد توقعنا في فخ الاكتفاء بما حققناه وأن نتقاعد بعمر مبكر. هذا قد يكون أيضا الخطايا التي سقطنا فيها في الماضي، والتي فيها خذلنا الرّب، والتي قد تمنعنا من التقدم. هذا قد يكون اختبارات الخدمة المريرة والجراحات الإليمة والتي قد تعيق تقدمنا في الخدمة
سابعا. تعهدات روحيّة دائمة
” أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ”
ضع تعهداتك أمام الرّب، وسمرها بوجه إبليس، واسقِها بدموع الصلاة. تعهد بأن تقرأ كلمة الرّب كل يوم، بأن تبني مذبح عائلي وتصلي مع عائلتك، بأن تلتزم بالاجتماعات، بأن تخدم الرّب بمواهبك، بأن تكون أمينًا في عطائك
في الختام، تستطيع أن تعطي معنى لكل يوم من حياتك. لا يوجد معنى للحياة بعيدا عن الرّب. لن تجد معنى لحياتك بعيدا عن دعوة المسيح العليا ومشيئته الصالحة لحياتك. سمعت قصّة رجل آمن في الكنيسة. كان دائما منزعج ومنتقد. من فترة لأخرى يتخذ مواقف من الكنيسة، فيذهب الإخوة لكي يراضوه. بعد فترة لم يعد يرضى بالتراضي، فترك الكنيسة وجلس في بيته 40 سنة. وبعد أربعين سنة فاق على وضعه ورجع واعتذر من الإخوة وجدد عهوده مع الرّب في شيخوخته. لما وقف أمام الكنيسة واعتذر، قال: أنا أضعت عمري. هل تريد أن تعيش حياة لها معنى؟ الحياة التي لها معنى هي حياة التزام مع المسيح
لن تجد معنى لحياتك بعيدا عن دعوة المسيح العليا ومشيئته الصالحة لحياتك