الخلاص هو الخطوة الأولى في الحياة الروحيّة الصحيحة. الرّب يسوع المسيح جاء لكي يخلص ما قد هلك. ولكن من الخطأ أن نظنّ أنّ غاية الحياة الروحيّة هي الخلاص. فإنّ إحدى الحقائق الروحيّة الصادمة، هي أنّ غاية الحياة الروحيّة ليست الخلاص. الإنسان يركز في الحياة الروحيّة على الخلاص. ولكن غاية الحياة الروحيّة هي مخطط إلهي أعظم وأعمق من الخلاص ألا وهو الشركة مع الرّب. الخلاص هو المدخل إلى الشركة مع الرّب ولكنه ليس الغاية النهائيّة. هذا الأمر مبهج للبعض ولكنّه خبر مزعج لكثيرين. هو خبر مزعج لكثيرين لأن من يعتبر أنّ غاية الحياة الروحيّة هي الخلاص، ما زال يعيش في قمّة الأنانيّة، لأنّ كل همّه هو أن ينجو من الهلاك والعذاب الأبدي، والشركة مع الرّب ليست من أولوياته، ولا أن يرضي الرّب، ولا أن يعيش بقداسة. ولا همه أن يلتزم بجسد المسيح ويخدم شعب الرّب. كل همّه هو أن يخلص من الهلاك ويحصل على الحياة الأبديّة. هذا خبر يُفاجئ الكثيرين، لأن كثيرون من يظنون أنفسهم مخلصين، لأنّهم صلوا بيوم من الأيام صلاة التوبة والإيمان من شفاههم، ظانين أن هذه الصلاة هي التي أعطتهم الخلاص. ولكن في الواقع ليست لديهم شركة مع الرّب. مؤمن لا يعرف كيف يصلي؟ مؤمن لا يعرف كيف يمضي وقت مع الرّب؟ مؤمن يعيش بالخطيّة؟
الخلاص ليس غاية الحياة الروحيّة. إن غاية الحياة الروحيّة هي الشركة مع الرّب. الخلاص هو المدخل إلى الشركة مع الرّب. الخلاص هو نقطة البداية. وهذه النقطة، نقطة البداية، إذا كانت صحيحة تؤدي إلى الشركة مع الرّب. أنت تعرف أنّك مخلّص ليس من خلال الصلاة الشفهيّة التي سبق وقلتها، ولكن من خلال التغيير الذي أحدثه الروح القدس في حياتك تجاه الله. المخلّص هو الإنسان الذي قد انتقل من عداوة مع الله، إلى الشركة مع الله. هذه الشركة يعبّر عنها برغبة قلبيّة عميقة في النمو في معرفة الله
لا توجد شركة بين شخصين يجهلان بعضهما البعض. الشركة تتطلّب معرفة. والمؤمن المخلّص مدعو من الرّب أن ينمو في معرفته. فالنمو في معرفة الله هي حاجة أساسيّة عند المؤمن
نحن بطبيعتنا الساقطة كبشر لدينا صورة خاطئة عن الله. بالنسبة إلى بعض الناس الله هو صورة عن أبيهم الأرضي، فتشبه علاقتهم مع الله علاقتهم بأبيهم الأرضي. أما بالنسبة إلى البعض الآخر فلديهم صورة عن الله كإله غضوب ومتسلط ومنزعج في كل وقت ولا شيء يرضيه. وبالنسبة للبعض الآخر صورة الله تشبه ناظر المدرسة الذي يراقب الإنسان لكي يعاقبه ويحاسبه عندما يتجاوز الخط الأحمر. وبالنسبة للبعض الآخر صورة الله تشبه المدير المنشغل بأعماله وغير مهتم بالآخرين. ولآخرون صورة الله تشبه الرجل العجوز الذي يبدو لطيفا ومرحا ولكنه لا يفهمهم. أي صورة موجودة عن الله في فكرك؟
نحن مدعوون في رحلة الإيمان أن ننمو في معرفة الله. عدم النمو في معرفة الله هو سبب قلق المؤمن، حزن المؤمن، ارتباك المؤمن بأمور الحياة، خوف المؤمن، محبة المال، الحسد، روح التنافس
هذا جزء مهم من الحياة الجديدة مع المسيح، التي هي حياة الشركة مع الرّب. ضرورة النمو في معرفة الله هي حقيقة معلنة في صفحات الكتاب المقدّس. وعندما كتب بطرس الرسول رسالته الثانية ليحذر من الضلال ويحث المؤمنين على انتظار مجيء الرّب، ختم رسالته بدعوة للنمو في النعمة وفي معرفة الله
بطرس الثانية 3: 18، “وَلكِنِ انْمُوا فِي النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. لَهُ الْمَجْدُ الآنَ وَإِلَى يَوْمِ الدَّهْرِ
أولا. أهمية النمو في معرفة الله
يظهر الرسول بطرس للمؤمنين الذين يكتب إليهم أهميّة النمو في معرفة الرّب منذ السطر الأول من رسالته الثانية. “سِمْعَانُ بُطْرُسُ عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَرَسُولُهُ، إِلَى الَّذِينَ نَالُوا مَعَنَا إِيمَانًا ثَمِينًا مُسَاوِيًا لَنَا، بِبِرِّ إِلهِنَا وَالْمُخَلِّصِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: لِتَكْثُرْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ بِمَعْرِفَةِ اللهِ وَيَسُوعَ رَبِّنَا.” (2بط 1: 1و2). يتوجه بطرس للمؤمنين بالمسيح يسوع ليدعوهم ليختبروا عظمة نعمة الله وعظمة سلام الله قائلًا: ” لِتَكْثُرْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ “. ولكن كيف يمكن للمؤمن أن يختبر سلام الله ويختبر ملء حياة النعمة؟ أجاب قائلا: “ بِمَعْرِفَةِ اللهِ وَيَسُوعَ رَبِّنَا.” إن النمو في معرفة الرّب هو جوهري وأساسي لكي يختبر المؤمن بالمسيح ملء نعمة الله وسلامه في حياته. يحتاج المؤمن إلى أن ينمو في معرفة الله لكي يختبر النعمة والسلام
وينتقل بطرس الرسول بوحي الروح القدس مباشرة في العدد الثالث ليكتب قائلا: “كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ” (2بط 1: 3). لكي تختبر القوة والنصرة في حياتك الروحيّة عليك أن تنمو بمعرفة الذي دعاك بالمجد والفضيلة. عدم النمو في معرفة الذي دعاك يبقيك في الضعف والعجز والحزن والألم واليأس والفشل. من الضروري أن ننمو في معرفة الذي دعانا لكي نعيش حياة مرتفعة ولنختبر قوّة الله في حياتنا الروحيّة
في العدد 8 من هذا الإصحاح، يُتحدث عن الاجتهاد في معرفة الرّب قائلا: “لأَنَّ هذِهِ إِذَا كَانَتْ فِيكُمْ وَكَثُرَتْ، تُصَيِّرُكُمْ لاَ مُتَكَاسِلِينَ وَلاَ غَيْرَ مُثْمِرِينَ لِمَعْرِفَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ.” (2 بط 1: 8). التركيز على معرفة الرّب واختبار عظمة حضوره يؤدي إلى المزيد من النمو
في الإصحاح الثاني، يحذر بطرس الرسول من أزمة روحية تصيب كنائس الإيمان، بسبب وجود أشخاص يشبهون المؤمنين ولكن الأيام تكشف عدم صحة إيمانهم. يتحدث عن أشخاص، “لأَنَّهُ إِذَا كَانُوا، بَعْدَمَا هَرَبُوا مِنْ نَجَاسَاتِ الْعَالَمِ، بِمَعْرِفَةِ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، يَرْتَبِكُونَ أَيْضًا فِيهَا، فَيَنْغَلِبُونَ، فَقَدْ صَارَتْ لَهُمُ الأَوَاخِرُ أَشَرَّ مِنَ الأَوَائِلِ.” (2بط 2: 20). النمو في معرفة الرّب يعطي المؤمن تأكيد الخلاص. هناك من يظن نفسه مؤمنا، ومع معرفته للرّب وصفاته، يحاول أن يتجاوب ولكن تجاوبه لا يدوم. فيصل إلى مرحلة تنكشف فيها أوراقه، وعدم صحة اختباره. أما بالنسبة إلى المؤمن الذي ينمو في معرفة الرّب فهو كلما نما بمعرفة الله اختبر التغيّير إلى شبه المسيح
أما الاصحاح الثالث من رسالة بطرس الثانية فيتضمّن الكثير عن أهميّة النمو في معرفة الله. فقد لاحظ بطرس تشويش بعض المؤمنين من موضوع المجيء الثاني للمسيح. ولاحظ بطرس أيضًا أن هذا الموضوع يؤثر على تكريس المؤمنين وحياة القداسة. وبعد أن يجيبهم عن أسئلتهم يقدم لهم النصيحة الختامية بآخر كلمات كتبها الرسول بطرس قائلا: “وَلكِنِ انْمُوا فِي النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. لَهُ الْمَجْدُ الآنَ وَإِلَى يَوْمِ الدَّهْرِ.” (2بطر 3: 18). يحث بطرس الرسول المؤمنين على أن ينموا في النعمة وفي معرفة الرّب والمخلص يسوع المسيح، لكي يستطيعوا أن يعيشوا بقداسة ونصرة بانتظار المجيء الثاني للمسيح
النمو في معرفة الرّب هو أمر إلهي لأنه ضرورة في حياة المؤمن. عندما نقرأ وصيّة، ندرك أنّه يوجد أمر مهم جدا لحياتنا الروحيّة وللبركة الروحيّة. الرّب يأمرك قائلا: “ انْمُوا فِي النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ
ثانيا. كيفيّة النمو في معرفة الله
يستطيع الإنسان من خلال الطبيعة أن يدرك أمور عامة عن وجود الله وصفاته. ولكن المعرفة العميقة لله تأتي من خلال إعلان الله عن ذاته. يستحيل على الإنسان معرفة الله لولا إعلان الله المكتوب في الكتاب المقدّس
يشير الرسول بطرس في رسالته إلى هذه الحقيقة قائلا: “وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ، عَالِمِينَ هذَا أَوَّلاً: أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.” (2 بط 1: 19-21)
لقد أعلن الله عن ذاته من خلال نبوّة الكتاب التي أعلنها الله لنا بواسطة أناس الله القديسين المساقين من الروح القدس. من خلال الكلمة المعلنة في العهد القديم والجديد، نستطيع أن نعرف من هو الله وما هي صفاته وما هو مخططه ومشيئته. كلمة الله هي السراج المنير الذي يضيء طريقنا. هي الوسيلة التي من خلالها يعلن لنا لله عن ذاته
في 2 بط 1: 3و4، يعلن الوحي قائلا، “كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ، اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ” (2بط 1: 3و4). لكي ينمو الإنسان في معرفة الله الذي دعاه عليه أن يعرف المواعيد العظمى والثمينة المعلنة في صفحات الكتاب المقدّس
أما في الإصحاح الثالث، فيعلن لنا بطرس الرسول بالوحي قائلا: “هذِهِ أَكْتُبُهَا الآنَ إِلَيْكُمْ رِسَالَةً ثَانِيَةً أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، فِيهِمَا أُنْهِضُ بِالتَّذْكِرَةِ ذِهْنَكُمُ النَّقِيَّ، لِتَذْكُرُوا الأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا الأَنْبِيَاءُ الْقِدِّيسُونَ، وَوَصِيَّتَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ، وَصِيَّةَ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ.” (2بط 3: 1و2)
كيف يمكن أن نعرف الله؟ وكيف يمكن أن ننمو في معرفة الله؟ عندما نقرأ الأقوال التي قالها سابقا الأنبياء القديسون ووصيّة الرسل ووصيّة الرّب والمخلّص
إن إعلان الكتاب المقدس لنا بواسطة الأنبياء والرسل هو الوسيلة الوحيدة التي فيها أعلن الله لنا عن ذاته. يستحيل علينا أن نعرف الله بذاتنا ولكن يسهل علينا معرفة الله من خلال ما أعلنه لنا عن ذاته
ويتابع بطرس بشرح هذا الموضوع في الاصحاح ذاته حين يقول، “وَاحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلاَصًا، كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا الْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضًا بِحَسَبِ الْحِكْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَهُ، كَمَا فِي الرَّسَائِلِ كُلِّهَا أَيْضًا، مُتَكَلِّمًا فِيهَا عَنْ هذِهِ الأُمُورِ، الَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ الْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ الثَّابِتِينَ، كَبَاقِي الْكُتُبِ أَيْضًا، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ.” (2بط 3: 15و16)
في رسالة بطرس الثانية، يوجد تأكيد على الوحي الإلهي لكتابات بولس الرسول، بحيث يعلن بطرس بعد أن قرأ رسائل بولس مصدر هذه الرسائل الإلهية. ويظهر لنا أن ما كتبه في الاصحاح الأوّل من الرسالة يشمل كتابات بولس التي لم تأتي بمشيئة إنسان بل من الروح القدس مباشرة
يمكنك أن تنمو في معرفة الله من خلال الكتاب المقدّس. بمعنى آخر، تستطيع أن تنمو بمعرفة الله من خلال الشركة مع الله من خلال الكتاب المقدّس. المسألة ليست مسألة معلومات، بل هي مسألة علاقة شخصيّة مع الرّب. عندما يختبر الإنسان نعمة الله الخلاصيّة، ويختبر غفران الخطايا بدم المسيح، بالإيمان تبدأ حياته الجديدة بعلاقة جديدة مع الرّب. هذه العلاقة مرتبطة بالكلمة. الله من خلال الكلمة يعلن عن ذاته للمؤمن
ولكن النمو في معرفة الله ليس مجرد معلومات. هو يبدأ بمعرفة المعلومات عن شخص الله. فعندما تدرس كلمة الله تتعلّم مثلا أن الله كلي القدرة. هذا جيّد. قد تحفظ العديد من الآيات والأحداث من الكتاب المقدّس حول عقيدة قدرة الله العظيمة. ولكن هذا لا يكفي. إنّها البداية
النمو في معرفة الله يجب أن يرتقي إلى مستوى آخر وهو أن تختبر قدرة الله العظيمة في حياتك. أن تختبر عمليّا ما يعني أن الله قادر على كل شيء. فقد تكون في مأزق صعب جدّا وتكون في خطر شديد، وتنظر إلى ما حدث مع دانيال في جب الأسود وتصرخ إلى الرّب بثقة، وتختبر تدّخل الله المعجزي في حياتك. تنتقل حينئذ من المعلومات التي تعرفها عن الله إلى مرحلة جديدة، فيها تختبر في حياتك ما تعلمته عن الله في الكتاب المقدّس. ولكن هذا لا يكفي، هذا يجب أن يرتقي إلى مستوى آخر بحيث تصبح معرفتك عن الله هي التي تحرّك كل خطوة في حياتك. في ذلك الوقت يصبح المسيح من يعيش فيك
ثالثا. متطلبات النمو في معرفة الله
مما لا شك فيه أن العديد من المؤمنين يختبرون النمو في معرفة المعلومات عن الله. كما ويختبر العديد من المؤمنين من حين إلى آخر تدخّل الله في حياتهم بطريقة أو بأخرى فيعرفونه بطريقة اختباريّة. ولكن قليلين هم المؤمنين الذين يصلون إلى المرحلة الثالثة، مرحلة الاتحاد بالرّب والاستسلام له بحيث يقولون مع بولس الرسول: “مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي .” (غل 2: 20)
فما هي متطلبات الدخول إلى العمق في معرفة الله؟ الدخول إلى العمق يتطلّب الرغبة الروحيّة والقرار القلبي الصادق لذلك. أهم سؤال يسأله المؤمن بعد التجديد هو: ما هي مشيئة الله لحياتي؟ وغالبا ما يدور المؤمن حول نفسه ويعيد السؤال نفسه ويعيش كل حياته يبحث عن مشيئة الله لحياته
.أما الحاجة الأولى للمؤمن فهو أن ينمو في معرفة الله، وعندما ينمو في معرفة الله تنكشف مشيئة الله له بوضوح
ولكن، قليلون هم من لديهم الرغبة في النمو في معرفة الله. وقليلون هم الذين هم على استعداد أن يعطوا الوقت والجهد لينموا في معرفة الله
إنّ النمو في معرفة الله لا يحصل بدون رغبة قلبيّة عميقة بداخلك. المسألة ليست مسألة معلومات فقط ولكن رغبة بأن تعرف الله. هذا ما حصل في حياة موسى بعد سنوات من السير وراء الرّب. أخيرا أدرك حاجته الروحيّة ـ فطلب من الرّب قائلا: “فَالآنَ إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَعَلِّمْنِي طَرِيقَكَ حَتَّى أَعْرِفَكَ لِكَيْ أَجِدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ. وَانْظُرْ أَنَّ هذِهِ الأُمَّةَ شَعْبُكَ». فَقَالَ: «وَجْهِي يَسِيرُ فَأُرِيحُكَ».” (خر 33: 13و14)
في العدد 18 قال له، “فَقَالَ: «أَرِنِي مَجْدَكَ».” وصل موسى إلى مرحلة أدرك فيها أن ما يحتاجه هو النمو في معرفة الله. كان تركيز موسى في البداية على الخدمة وعلى دخول أرض الموعد وعلى استلام الوصايا وعلى قيادة شعب الرّب وعلى الإنجازات الروحيّة. ولكن مع تقدم حياة الإيمان أدرك أن ما يحتاج إليه هو علاقة أقرب مع الرّب، وشبع أكثر من الرّب، ومعرفة أعمق لشخص الله. أدرك موسى أنّه يحتاج إلى اختبار مغيّر وهو اختبار النمو في معرفة الله
!هل لديك هذا الشوق والرغبة كمؤمن أن تصرخ من قلبك للرّب: أريد أن أعرفك بطريقة أفضل وأعمق! أرني مجدك
هذا ما حدث في حياة داود النبي حين كتب في المزمور 27: 4، “وَاحِدَةً سَأَلْتُ مِنَ الرَّبِّ وَإِيَّاهَا أَلْتَمِسُ: أَنْ أَسْكُنَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى جَمَالِ الرَّبِّ، وَأَتَفَرَّسَ فِي هَيْكَلِهِ.” كل ما أراده داود أمام اختبارات الحياة المرّة وحياة الخدمة الصعبة هو أن ينظر جمال الرّب ويتفرس في هيكله
كتب في المزمور 42: 1و2 التالي: “كَمَا يَشْتَاقُ الإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ الْمِيَاهِ، هكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا اللهُ. عَطِشَتْ نَفْسِي إِلَى اللهِ، إِلَى الإِلهِ الْحَيِّ. مَتَى أَجِيءُ وَأَتَرَاءَى قُدَّامَ اللهِ؟” كان داود يشتاق إلى الله ويعطش لكي يرتوي منه ويرغب في المثول أمامه والشركة معه
كتب في المزمور 63: 1-4، “يَا اَللهُ، إِلهِي أَنْتَ. إِلَيْكَ أُبَكِّرُ. عَطِشَتْ إِلَيْكَ نَفْسِي، يَشْتَاقُ إِلَيْكَ جَسَدِي فِي أَرْضٍ نَاشِفَةٍ وَيَابِسَةٍ بِلاَ مَاءٍ. لِكَيْ أُبْصِرَ قُوَّتَكَ وَمَجْدَكَ. كَمَا قَدْ رَأَيْتُكَ فِي قُدْسِكَ. لأَنَّ رَحْمَتَكَ أَفْضَلُ مِنَ الْحَيَاةِ. شَفَتَايَ تُسَبِّحَانِكَ. هكَذَا أُبَارِكُكَ فِي حَيَاتِي. بِاسْمِكَ أَرْفَعُ يَدَيَّ
هل لديك هذا الشوق وهذه الرغبة القلبيّة؟ هذا ما ميّز حياة بولس الرسول. لقد كان لديه الشوق الدائم والمستمر في أن ينمو في معرفة الله. كشف هذه الحقيقة في رسالته إلى فيلبي حين قال: “لكِنْ مَا كَانَ لِي رِبْحًا، فَهذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ خَسَارَةً. بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ” (في 3: 7و8)
هل لديك هذا الشوق الروحي؟ هذا الشوق إن وجد يتحوّل لرغبة في دراسة الكلمة ورغبة في العبادة ورغبة في الطاعة ورغبة في التغيّر إلى شبه المسيح
.في الختام، إنّ غاية الحياة الروحيّة هي الشركة مع الرّب، ومفتاح الشركة مع الرّب هو النمو في معرفة الله
ولكن هذا لا يأتي بالصدفة بل برغبة قلبية عميقة. هل تريد؟