أحد أسئلة الحياة الصعبة هو موضوع المرض! من عدّة سنوات تعرفت على قس عن طريق صديق مشترك. اتصلت به ودعاني لكي أزور كنيسته وأعظ. تراسلنا عدّة مرّات وخلال تلك المرحلة عرفت أنّه مصاب بمرض السرطان. خادم أمين للرّب ويقود كنيسة ناشطة ومباركة وقد استخدمه الرّب كثيرا. ولكنّ المرض فاجأه، وكان يتعالج. كان مقرر لي أن أعظ في كنيسته في نهاية شهر آذار. وصلت إلى أميركا في بداية شهر آذار وفي الأسبوع الأوّل أُخبرتُ أنّه قد فارق الحياة وانتقل ليكون مع الرّب. ذهبت إلى كنيسته ووعظت ولكنّه لم يكن هناك. لم أتعرّف عليه وجهًا لوجه. بعد سنة أصيب ابنه بمرض السرطان ومات أيضا بنفس المرض. خادم للرب – كنيسة محتاجة له – ما زال بعمر العطاء – ابنه متزوّج حديثا ولديه أطفال وامرأة أرملة – ألم يكن بمقدار الرّب أن يتدخّل ويمنع هذا؟ سؤال محيّر! سؤال محيّر لأنه ينبع من صرخة كل إنسان يعاني من المرض! ومن لا يعاني من المرض؟ من لا يعاني من الألم؟ موضوع المرض موضوع حساس جدّا لأنّه يتعلّق بحاجة الإنسان الأساسيّة. لذلك موضوع المرض هو أكثر موضوع فيه استغلال ديني للناس … كل الأديان تستغل هذا الموضوع الإنساني والعاطفي لكي تجتذب الناس إليها ولكي تمتصّ منهم المال او الولاء تحت شعار الشفاء الإلهي. لذلك من الضروري أن نعرف ما تعلمه كلمة الرّب عن المرض في حياة المؤمن
والواضح من كلمة الرّب أن المرض هو موضوع عام في حياة الناس. وقد عانت من المرض والضعف الجسدي شخصيات روحيّة عريقة في كلمة الرّب. من أبرز تلك الشخصيات، بولس الرسول. الغريب أنّ بولس كان لديه موهبة لشفاء الآخرين، ولكنّه هو نفسه عانى من المرض والألم والضعف الجسدي. يكتب بولس من اختباره لكنيسة كورنثوس بخصوص مرضه وتعاملات الرّب معه. من اختبار بولس، يمكننا أن نجيب على عدّة أسئلة تهمّنا: لماذا يمرض المؤمن؟ هل هناك بعد شيطاني في أمراضنا؟ هل يجب أن نصلي لأجل الشفاء من المرض؟ هل يتدخّل الرّب بشفائنا؟
نقرأ من كلمة الرّب ما جاء في رسالة بولس الرسول لكنيسة كورنثوس من اختباره الشخصي بخصوص هذا الموضوع 2 كو 12: 7-10
وَلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ لِيَلْطِمَنِي، لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ. 8مِنْ جِهَةِ هذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى الرَّبِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي. 9فَقَالَ لِي: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ». فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ. 10لِذلِكَ أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ وَالاضْطِهَادَاتِ وَالضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ
أولا. حتميّة الأمراض الجسديّة
:المرض هو واقع في حياة البشر بسبب تأثير الخطيّة العام
لقد كان بولس مصابا بمرض جسدي أليم جدا أشعره بضعفه ومحدوديته. المؤمن يمرض وغير المؤمن يمرض بنفس الحالات ولنفس الأسباب. المرض هو أمر يتشارك به كل الناس. ولكن ماذا عن الخطيّة؟ ألا توجد أمراض بسبب الخطيّة. طبعًا، توجد أمراض يصاب بها أشخاص بسبب خطيّة يمارسونها
مثلا: المخدرات. أو سرطان الرئة عند المدخنين. أعلنت منظمة الصحة العالميّة أن الدخان يؤدي إلى موت 6 ملايين شخص سنويّا. أو السيدا عند الزناة. يقدر عدد وفيات مرض السيدا بـمليونين ونصف (2.5 مليون). نعم، توجد أمراض مرتبطة بخطايا معيّنة
ولكن ماذا عن التأديب؟ ألا يمكن للمؤمن أن يمرض بسبب تأديب الرّب له؟ عندما ندرس موضوع
التأديب الروحي، نعرف أن الله لا يؤدب انتقاما كما يظنّ البعض. هدف التأديب الروحي هو لكي يسترّد الرّب المؤمن إليه بالتوبة. ولكن إذا لم يتجاوب هذا المؤمن مع تأديب الرّب قد يؤدي به الأمر إلى الموت
مِنْ أَجْلِ هذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى، وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ” (1 كو 11: 30)”
ولكن هذا لا يعني أن كل مرض هو تأديب. نقرأ عن أبفروديتس حامل تقدمة كنيسة فيلبي إلى بولس والخادم الأمين الذي خاطر بحياته في سبيل الخدمة. تقول كلمةّ الرّب “فَإِنَّهُ مَرِضَ قَرِيبًا مِنَ الْمَوْتِ، لكِنَّ اللهَ رَحِمَهُ. وَلَيْسَ إِيَّاهُ وَحْدَهُ بَلْ إِيَّايَ أَيْضًا لِئَلاَّ يَكُونَ لِي حُزْنٌ عَلَى حُزْنٍ .” (في 2: 27). المولود الأعمى لم يكن عماه بسبب خطيّته ولا خطيّة أهله، “أَجَابَ يَسُوعُ: «لاَ هذَا أَخْطَأَ وَلا َأَبَوَاهُ، لكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللهِ فِيهِ.” (يو 9: 2). أيوب لم يتألّم بسبب خطاياه. بولس في النصّ أمامنا لم يمرض بسبب خطيّة فعلها
ولكن كيف تحدد إن كان المرض في حياة المؤمن هو تأديب من الرّب؟ المؤمن المؤدب هو يعرف. علينا أن نتذكّر بأنّ الرّب يتعامل مع المؤمن فرديًا. لذلك أنت لا تقدر أن تحكم على مؤمن آخر. ولكن المؤمن نفسه يعرف ما يحدث في حياته وهو يعرف إن كان مرضه تأديب من الرّب له أم لا
ثانيا. تأثيرات الأمراض الواقعيّة
:إبليس يهدف إلى استخدام الأمراض لكي يعيق عمل الله في حياتنا
الشيطان يريد أن يستخدم المرض الموجود في العالم لكي يعيق مخطط الله في حياتنا. الشيطان أحيانا يكون له يد، كما حدث في حياة أيوب. ولكن الشيطان ليس له القدرة بأن يتصرف بمعزل عن سماح الرّب له. لذلك فإن موضوع المؤمن ليس مع الشيطان. لذلك لا نرى بولس يعير الشيطان اهتمامًا في موضوع مرضه. ولكن بولس يشير إلى أن بمرضه كان يختبر إبليس يضربه في صميم حياته لكي يعيق تكريسه وأمانته للرّب. إبليس يستخدم الأمراض لكي يشككنا بمحبة الله وبأمانة الله وبصلاح الله. إبليس يستخدم ضعفاتنا الجسديّة لكي يعيقنا عن النمو والتقدم والتكريس
كنت مع قس في أميركا ولد في عائلة مؤمنة وإخوته جميعًا في الخدمة وأخواته متزوجات من خدّام للرب. إحدى أخواته فقدت زوجها بمرض. أدت هذه الحادثة الى ابتعادها عن الرّب وللمرارة في حياتها. إبليس يحاول أن يستغلّ الأمراض والتحديات الجسديّة لكي يعيق تقدمنا الروحي. إبليس يستخدم الأمراض لكي يضلّ الناس. لذلك فإن كل الأديان لديها أساليب شفائيّة مرتبطة بعبادتها وبرموزها. يستخدم إبليس الأمراض لكي يضلّ الناس
ثالثا. الصلاة للأمراض الزمنيّة
:الرّب يريدنا أن نصلي من أجل أمراضنا
تضرع بولس إلى الرّب. وعندما نصلي علينا أن نتوقع الإجابة نعم أو الإجابة انتظر أو الإجابة بكلا. في حالة بولس الرسول، صلى إلى الرّب ثلاثة مرات بتضرّع، ولكنّ الرّب لم يشفه بل أجابه بالنفي. أحيانا الرّب يشفي وكثيرا ما شفانا وأنقذنا من الموت. وأحيانا يطلب منّا الرّب أن ننتظر. وأحيانا يقول لنا كلا. ولكن لماذا يقول لنا كلا؟ لماذا يكون جواب الرّب لحياتنا بغير توقعاتنا؟ لأنّ الرّب له مخطط أوسع وأعظم لحياتنا
هذا ما اكتشفه بولس الرسول. اكتشف من حياة الصلاة أن هذا الضعف البشري هو سبب لتواضعه الروحي. واكتشف أن هذا الضعف البشري هو سبب لاختباره لنعمة الرّب السائرة معه. واكتشف أن هذا الضعف البشري هو أداة لعمل الله من خلال حياته
رابعا. الثقة بالعناية الإلهيّة
:علينا أن نثق بحكمة الله وبقوّة الله بينما نواجه تحديات المرض في حياتنا
.هل يهتمّ الله بي؟ نعم
.هل يقدر الرّب على شفائي؟ نعم
لماذا لا يشفيني ويريحني؟
إن الأرض الحاليّة ليست الرجاء الموعود، ولكنها أرض اللعنة والشقاء ونحن نعاني بسبب هذا. قد يشفيك الله مرة واثنين وثلاثة ومئة مرّة ولكن ما هي خاتمة الموضوع. ليس هذا هو الرجاء الذي جاء يسوع لكي يعطيه. هناك يوم اسمه يوم الاختطاف فيه سنأخذ الأجساد الممجدة “وَلَيْسَ هكَذَا فَقَطْ، بَلْ نَحْنُ الَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ الرُّوحِ، نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضًا نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا، مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّيَ فِدَاءَ أَجْسَادِنَا.” (رو 8: 23)
:الله لديه مخطط لحياتك وعليك أن تثق بحكمته وبقوّته
.هو قوي يقدر أن يشفيك، ولكنّه كليّ الحكمة لذلك أحيانًا لا يشفيك. لديه مشروع عظيم في حياة بولس
هو يريد أن يشكل بولس على شبه المسيح ويستخدمه لمجد اسمه. الله لديه مخطط في حياتي: “الذين سبق فعرفهم سبق فعيّنهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه” (رو 8: 29). ولأنّ بولس يعيش في الجسد والطبيعة القديمة تريد أن تسيطر عليه، سمح الرب في حياته بضعف بشري يجعله يلتجئ إلى الرب ويعيش حياة التكريس والأمانة له. أنت تقول أنّ الرّب لو أعطاني صحة لكان وضعي الروحي أفضل. عليك أن تقبل حكمة الرّب. جوابك خطأ ولذلك سمح الرّب بهذا الضعف في حياتك. عندما تصاب بمرض وتصلي إلى الرب ويجيبك بالنفي، عليك أن تصلي قائلًا أشكرك يا ربّ لأنك حكيم ولأنك لا تمتثل لعواطفي ومشاعري ولكنك تفعل ما يلزم لأجل خيري الروحي والأبدي. لقد رأى بولس البعد الروحي لمرضه وبأنّه أعطي له لكي يبقيه بتواضع وبمشيئة الرّب
خامسًا. اختبارات النعمة الروحيّة
:سيعطيك الرّب ما هو أغلى من الشفاء، نعمته الكافية
قال الرّب لبولس “تكفيك نعمتي”. بولس فهم الرسالة وحولها لنصرة وغلبة في حياته وفخر: “فَقَالَ لِي: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ». فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ. 10لِذلِكَ أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ وَالاضْطِهَادَاتِ وَالضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ
إن أهمّ ما يمكن أن يختبره المؤمن في المرض والألم هو نعمة الرّب العظيمة. منذ سنتين تقريبا دخل شيء جديد على حياتي. طنين الأذن. لا يوجد أزعج منها. صليت لأجل النعمة … أعطاني نعمته
.المرض والألم يذكرانا بمصدر القوّة الحقيقيّة التي هي الله –
.المرض والألم يجعلانا نختبر عمل المسيح العظيم في حياتنا –
.المرض والألم يجعلانا مثمرين أكثر في عمل الرّب –
.المرض والألم يبرزان جمال عمل الله في حياتنا –
المرض والألم يجعلانا نعيش حياة الصلاة والاقتراب إلى الرّب والاعتماد عليه –
المرض يجعلنا نختبر نعمته العظيمة في حياتنا. هذه النعمة التي ترافقنا في رحلة حياتنا الأرضيّة وتوصلنا بسلام إلى الشفاء الكامل بمجيء المسيح ثانية. يوجد يوم هو يوم فداء الأجساد حيث سنعطى الأجساد الممجدة، في يوم مجيء المسيح. وبينما نتحضّر لذلك اليوم، تكفينا نعمته الغالية
في الختام، لا يوجد أحد في هذا المكان لا يعاني من المرض. لهذا جاء يسوع إلى العالم! ليغيّر واقعنا الأليم
إبليس افتكر أنّه انتصر على الإنسان بدخول الخطيّة إلى العالم. ولكن المعادلة تغيّرت مع تجسد المسيح وموته وقيامته. المؤمن يواجه المرض، ولكن ليس كالسابق
المؤمن يواجه المرض والألم والموت بنصرة لأنه يسير مع ربّ النصرة والغلبة