المحبة الفريدة التي تجلّت بالمسيح

نسمع الكثير عن المحبة في عصرنا الحاضر. أشعار – أغاني – تعابير – كلمات كلها عن المحبة. فالمحبة مهمّة في حياة الإنسان. ولكن كلمة محبة لا تعني دائمة الأمر نفسه. “أنا أحب الصيد” مختلفة عن “أنا أحب زوجتي”. ممكن أن يحب أحد الصيد لكن يذهب إلى رحلة صيد مرة كل 5 سنين … ولكن الشخص الذي يحب امرأته يحب أن يكون معها في كل لحظة. نوعيّة المحبة ومعناها وتطبيقها يختلف بين ظرف والتاني. أنا “أحب الشوكولا” تختلف عن “أنا أحب أخي”. محبة عن محبة تفرق … وحب عن حبّ يختلف. ولما نفتكر بالرّب لا يمكن إلا أن نفتكر بالمحبة “لأن الله محبة

عندما نفتكر بشخص المسيح، لا يمكن إلا أن نفتكر بالمحبة، لأن بالمسيح تجلّت المحبّة. ولأنّ الكتاب المقدّس هو كلمة الله، هو يتكلّم عن المحبة، ويتضّمن عدّة أنواع من المحبة. لذا، علينا أن نفرّق بين أنواع المحبة في حياة الإنسان، وسنتعمّق بالمحبة الفريدة التي قدمها المسيح لنا والتي يريدنا الرّب أن نشاركها مع الآخرين. المحبة هي من أهمّ الكلمات الواردة في الكتاب المقدّس لأن الحياة الروحيّة كلّها تلخّص بكلمة محبّة. محبة للرب ومحبة للآخر. هناك مقاطع كثيرة تتحدث عن المحبة في الكتاب المقدّس

فما هي معاني كلمة محبة في اللغة اليونانيّة؟ وما هي الاستخدامات التي ذكرت في العهد الجديد؟ وكيف تجلت المحبة الفريدة بالمسيح يسوع ربّنا؟

نقرأ آية واحدة من كلمة الله من 1يو 4: 8، “وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ.” (1يو 4: 8)

أولا. أنواع المحبة في حياة الإنسان

المحبة العائليّة بين أفراد العائلة الواحدة “ستورج”، هي المحبة التي تظهر بالفطرة بين أعضاء العائلة الواحدة. هي المحبة من الأم لولدها ومن الأخ لأخيه وأخته، والأخت لأخوتها وأخواتها. هي المحبة التي لا تشترط الانسجام والتفاهم وهي غير مبنيّة على الظروف. هي محبة أفراد العائلة الواحدة لبعضهم البعض. استخدمت هذه الكلمة في ” … غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ، بِلاَ فَهْمٍ وَلاَ عَهْدٍ وَلاَ حُنُوٍّ وَلاَ رِضىً وَلاَ رَحْمَةٍ.” (رو 1: 30و31) – “بِلاَ حُنُوٍّ، بِلاَ رِضًى، ثَالِبِينَ، عَدِيمِي النَّزَاهَةِ، شَرِسِينَ، غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ” (2تيم 3: 3) – كلمة “حنو” هنا تشير إلى المشاعر الطبيعيّة بالمحبة تجاه الأهل والعائلة. هذه الكلمة اليونانية لـ “المحبة” تستخدم في علاقة المؤمنين مع بعضهم البعض. رو 12: 10 “وَادِّينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ، مُقَدِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْكَرَامَةِ.” (رو 12: 10). الكلمة المستخدمة هنا “وادين” هي هذه المحبة العائليّة التي تنشأ بين المؤمنين. هذه المحبة غير المبنيّة على الإعجاب. ليس من الضروري أن تعجب بمؤمن لكي تحبّه، أنت تحبّه لأنّه مولود من الله. الكلمة الثانية التي تستخدم في الآية هي فيلادلفيا التي هي مترجمة “المحبة الأخويّة

محبة بين الأصدقاء “فيليو”، وهي محبة فيها الكثير من المشاعر لأنّها مبنيّة على الإعجاب والتفاهم والأمور المشتركة. هي محبة اختياريّة لا تُفرض على الإنسان بل تنبع من اقتناعه وقراره الفردي. فنحن نختار الأصدقاء ونحبهم بناء على معطيات معيّنة. وأحيانا كثيرة، عندما تتغيّر القناعات أو الظروف، تتغيّر مشاعرنا وتتبدّل، ومعها يتغيّر أصدقائنا. هذه المحبة هي نتيجة احترام وتقدير ومحبة الآخرين لنا. هي ناتجة عن صفات موجودة في الآخر تجعلك تحبّه. هذه المحبة مهمّة لأنّها تتضمّن الود والإحساس والتعبير. لذلك استخدم الرّب في العهد الجديد هذه الكلمة 25 مرّة، كما استخدم كلمات مرتبطة بها مثل كلمة فيلادلفيا التي تعني “المحبة الأخويّة” خمسة مرّات. “مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي،” (متى 10: 37). واستخدمت مرّة للإشارة إلى محبة العالم “… أَما تعلمون أن محبة العالم عداوة للّٰه. فمَنْ أراد ان يكون محبًّا للعالم فقد صار عدوًّا للّٰه .” (يع 4: 4)

المحبة العاطفيّة بين الزوجيّن “إيروس”، هي علاقة المحبة الجسديّة التي قدسها الله في الزواج. هذه المحبة التي يسيء العالم استخدامها اليوم، كانت معروفة عند اليونان وكانت كثيرة الاستخدام في الكتابات اليونانيّة. ورغم شيوع هذا المعنى للمحبة عند اليونان، ولكن العهد الجديد لم يستخدم هذه الكلمة بتاتا. مفهوم هذه المحبة موجود في سفر نشيد الأنشاد

المحبة الإلهيّة التي تجسدت بالمسيح “أغابي”، هذه العبارة استخدمت في اللغة اليونانيّة للإشارة إلى المحبة العمليّة النابعة من طبيعة الإنسان وهي غير مبنيّة على استحقاق الآخر أو ما تشعر تجاهه. هذه الكلمة كانت حبر على ورق حتى تجسد المسيح وأظهر معناها. هذه المحبة تبقى فاعلة حتى لو لم تقابل بالمحبة واللطف، أو تقابل بالجفاء وحتى بالمقاومة. هذه المحبة هي لمنفعة الشخص الذي تحبّه. استخدام المحبة هذه محدود جدّا خارج الكتاب المقدّس. استخدمت هذه الكلمة للمحبة أكثر من 320 مرّة في العهد الجديد. الكلمة كانت موجودة ولكنّها كانت غير قابلة للتطبيق قبل تجسد المسيح. مفهوم المحبة هذه تجلّت في المسيح. فما هي هذه المحبة؟ ما هي محبّة الأغابي؟

ثانيا. المحبة التي تجلّت في المسيح

هي المحبة العاملة والباذلة والمضحية لخير الآخر. “لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.” (يو 3: 16)الله لم يرَ في العالم شيء يُحبّ ولم يرَ في الإنسان شيء يُحبّ، ولكنّه أحب العالم

محبة نابعة من طبيعة الله: “أحب الله العالم” -محبة الأغابي نابعة من إله المحبة. يعني نبع ماء سيعطي ماء. بئر بترول يعطي بترول … البحر الميّت يعطي مباه مالحة … الإناء ينضح بما فيه … الله محبة، وهو ينضح بالمحبة، بغض النظر عن استحقاق الإنسان. نحن كبشر ما عندنا محبّة، إناءنا فارغ، هذا سبب كل مشاكل الإنسان، أنّه يفتقد المحبة الداخليّة. نحن نحب عن مصلحة وبناء على استحقاق الآخر. إذا تشك في أ، ليس لنا محبّة … أنزل يوم الأحد الى الحضانة عندنا بالكنيسة وانتظر الأولاد طيلة فترة الاجتماع … هؤلاء الأولاد الذين هم رمز البراءة في العالم يفتقدون المحبة في طبيعتهم … وكذلك كل البشر. لذلك نحن نحتاج إلى الولادة الجديدة لكي يصبح عندنا محبة. ولكن الله هو محبة … يفيض بالمحبة

محبة عاملة لخير الآخر: “حتى بذل ابنه الوحيد” – ماذا فعل الله عندما رأى الإنسان بشره وفساده وبؤسه وتعاسته ويأسه وفراغه؟ بذل ابنه الوحيد. هي محبة عاملة تتحرك لكي تسدد حاجة الآخر

هي محبة مضحية ومكلفة جدا: “بذل ابنه الوحيد” – مات على الصليب.  “لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ.” (يو 15: 13) وضع نفسه لأجلنا. “وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا.” (رو 5: 8)

هذه هي المحبة الفريدة التي تجلّت في شخص المسيح. هذه هي المحبة التي يريد الرّب أن يزرعها في قلبك. قد تقول لي “هذا الله وهو يستطيع أن يحب بهذه المحبة! أنا لا أستطيع”. ولكني أقول لك أنّ هذا ما يريد الرّب أن يزرعه في قلبك

ثالثا. المحبة التي يريد الرّب أن يزرعها فيك

عندما قال الرّب يسوع المسيح “أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ …” (متى 5: 44). لم يتكلم عن لذة ومتعة محبة الأعداء. ولم يتكلم عن استحقاق الأعداء لمحبتنا. ولكنّه قال أحبوا أعداءكم بمحبة الأغابي

ولكن كيف تحصل على هذه المحبة؟

هذه المحبة تزرع في قلبك عندما ترتوي من محبة المسيح. عندما تختبر محبّة المسيح في قلبك. عندما تأتي إلى الصليب وتصرخ من قلبك ليسوع لكي يخلصك ويدخل حياتك.  “… لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا.” (رو 5: 5) في لحظة الإيمان بالمسيح تعطى الروح القدس الذي يسكب محبة الله في قلبك. “الَّذِي فِيهِ أَيْضًا أَنْتُمْ، إِذْ سَمِعْتُمْ كَلِمَةَ الْحَقِّ، إِنْجِيلَ خَلاَصِكُمُ، الَّذِي فِيهِ أَيْضًا إِذْ آمَنْتُمْ خُتِمْتُمْ بِرُوحِ الْمَوْعِدِ الْقُدُّوسِ” (اف 1: 13)

عندما تسمع الإنجيل وتتجاوب مع الإنجيل يأتي الروح القدس الذي وعد به المسيح ويختمك ويعطيك الطبيعة الجديدة ويسكب محبّة الله (الأغابي) في قلبك. “وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ” (غل 5: 22) هذه المحبة هي ثمر الروح القدس في حياتك. والمؤمن الذي يعيش بملء الروح القدس يفيض بهذه المحبة باستمرار. هذه المحبة غير موجودة في طبيعتنا ولكنّها تعطى لنا وتصبح جزء من طبيعتنا الجديدة بالمسيح: وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي الْمَحَبَّةِ …” (اف 3: 18)

المطلوب من المؤمن أن ينمو في هذه المحبة: “وَالرَّبُّ يُنْمِيكُمْ وَيَزِيدُكُمْ فِي الْمَحَبَّةِ بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيعِ، كَمَا نَحْنُ أَيْضًا لَكُمْ” (1تس 3: 12)

الرّب يريدنا أن نحب وصاياه بهذه المحبة: “إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ” (يو 14: 15)

الرّب يريدنا أن نحب إخوتنا بهذه المحبة: “وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا.” (يو 13: 34) “وَأَمَّا الْمَحَبَّةُ الأَخَوِيَّةُ (فيلادلفيا) فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْفُسَكُمْ مُتَعَلِّمُونَ مِنَ اللهِ أَنْ يُحِبَّ (اغابي) بَعْضُكُمْ بَعْضًا. فَإِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذلِكَ أَيْضًا لِجَمِيعِ الإِخْوَةِ الَّذِينَ فِي مَكِدُونِيَّةَ كُلِّهَا. وَإِنَّمَا أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَزْدَادُوا أَكْثَرَ” (1تس 4: 9و10).  “وَلكِنْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، لِتَكُنْ مَحَبَّتُكُمْ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ شَدِيدَةً، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا.” (1بط 4: 8)

هذه المحبة ضروريّة للنمو الروحي: “بَلْ صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ، نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ” (اف 4: 15)

هذه المحبة ضرورية لإرضاء الله: “وَاسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً للهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً.” (اف 5: 2)

هذه المحبة ضروريّة لحياتنا العائليّة: “أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا” (اف 5: 25)

هذه المحبة هي رباط الكمال: “وَعَلَى جَمِيعِ هذِهِ الْبَسُوا الْمَحَبَّةَ الَّتِي هِيَ رِبَاطُ الْكَمَالِ .” (كو 3: 14)

في الختام، في أيام المسيح عاش مسؤول يهودي اسمه شاول الطرسوسي حياة التديّن والالتزام والصلاة، ولكن ما كان ينقصه هو خلاص المسيح … قاده تدينه ليصبح أعظم مضطهد للكنيسة في زمن. على الرغم من تدينه والتزامه وصلواته كان ينقصه محبة الله.  وفي يوم من الأيام، على طريق دمشق، سمع صوت يسوع ربّ المجد … “شاول شاول لماذا تضطهدني؟”  في ذلك اليوم تجاوب شاول مع صوت محبة المسيح وتحول لبولس الرسول … في ذلك اليوم زرع المسيح في قلبه محبة الله المعجزيّة وحوّله من إنسان متديّن لإنسان مخلّص بدم المسيح … ولرجل يفيض بمحبة الله. الله موجود اليوم لكي يفيض بمحبته في قلبك، ويحوّلك لمصدر لمحبته في العالم

هذا هو هدف تجسد المسيح …هو يريد أن يصنع هذه المعجزة اليوم قبل الغد