الإنسان يترك تأثيرًا على النّاس من حوله، والمؤمن يترك تأثيرًا على الكنيسة. تارةً لا يكون التّأثير إيجابيًّا، وطورًا يكون روحيًّا، إيجابيًّا وبنّاء. خلال السّنوات الماضية في الخدمة، شهدت اختبارات عديدة، لم يكن فيها تأثير بعض المؤمنين روحيًّا على الآخرين في الكنيسة. والسّؤال المطروح هنا عن كيفيّة التّحذّر من أن يكون تأثيري سلبي على حياة الآخرين وعلى حياة الكنيسة؟ نقرأ في رسالة يوحنّا الثّالثة، أنّه كان يوجد مؤمن ملتزم اسمه ديوتريفوس وله موقع روحيّ في الكنيسة وكان موهوبًا وذات تأثير روحيّ على الآخرين، ولكن للأسف كان تأثيره سلبيًّا على حياة الكنيسة. يكتب يوحنّا عن هذا الشّخص لغايوس لكي يتحذّر من تصرفاته
وهذه بعض التّحذيرات لحياتنا الّتي تنبّهنا أولاً من أخطاء ممكن أن نقع فيها نحن فلا نكون بركة في الكنيسة. وتنبّهنا أيضًا من أشخاص آخرين قد يسيئوا إلى الكنيسة، وبالتّالي هي لكي ننمو ونساعد الآخرين على النّمو أيضا
رسالة يوحنا الثالثة:”1اَلشَّيْخُ، إِلَى غَايُوسَ الْحَبِيبِ الَّذِي أَنَا أُحِبُّهُ بِالْحَقِّ. 2أَيُّهَا الْحَبِيبُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحًا وَصَحِيحًا، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ. 3لأَنِّي فَرِحْتُ جِدًّا إِذْ حَضَرَ إِخْوَةٌ وَشَهِدُوا بِالْحَقِّ الَّذِي فِيكَ، كَمَا أَنَّكَ تَسْلُكُ بِالْحَقِّ. 4لَيْسَ لِي فَرَحٌ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ أَسْمَعَ عَنْ أَوْلاَدِي أَنَّهُمْ يَسْلُكُونَ بِالْحَقِّ. 5أَيُّهَا الْحَبِيبُ، أَنْتَ تَفْعَلُ بِالأَمَانَةِ كُلَّ مَا تَصْنَعُهُ إِلَى الإِخْوَةِ وَإِلَى الْغُرَبَاءِ، 6الَّذِينَ شَهِدُوا بِمَحَبَّتِكَ أَمَامَ الْكَنِيسَةِ. الَّذِينَ تَفْعَلُ حَسَنًا إِذَا شَيَّعْتَهُمْ كَمَا يَحِقّ ِللهِ، 7لأَنَّهُمْ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ خَرَجُوا، وَهُمْ لاَ يَأْخُذُونَ شَيْئًا مِنَ الأُمَمِ. 8فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقْبَلَ أَمْثَالَ هؤُلاَءِ، لِكَيْ نَكُونَ عَامِلِينَ مَعَهُمْ بِالْحَقِّ.9كَتَبْتُ إِلَى الْكَنِيسَةِ، وَلكِنَّ دِيُوتْرِيفِسَ، الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الأَوَّلَ بَيْنَهُمْ، لاَ يَقْبَلُنَا. 10مِنْ أَجْلِ ذلِكَ، إِذَا جِئْتُ فَسَأُذَكِّرُهُ بِأَعْمَالِهِ الَّتِي يَعْمَلُهَا، هَاذِرًا عَلَيْنَا بِأَقْوَال خَبِيثَةٍ. وَإِذْ هُوَ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِهذِهِ، لاَ يَقْبَلُ الإِخْوَةَ، وَيَمْنَعُ أَيْضًا الَّذِينَ يُرِيدُونَ، وَيَطْرُدُهُمْ مِنَ الْكَنِيسَةِ. 11أَيُّهَا الْحَبِيبُ، لاَ تَتَمَثَّلْ بِالشَّرِّ بَلْ بِالْخَيْرِ، لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ الْخَيْرَ هُوَ مِنَ اللهِ، وَمَنْ يَصْنَعُ الشَّرَّ، فَلَمْ يُبْصِرِ اللهَ. 12دِيمِتْرِيُوسُ مَشْهُودٌ لَهُ مِنَ الْجَمِيعِ وَمِنَ الْحَقِّ نَفْسِهِ، وَنَحْنُ أَيْضًا نَشْهَدُ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ شَهَادَتَنَا هِيَ صَادِقَةٌ. 13وَكَانَ لِي كَثِيرٌ لأَكْتُبَهُ، لكِنَّنِي لَسْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكَ بِحِبْرٍ وَقَلَمٍ. 14وَلكِنَّنِي أَرْجُو أَنْ أَرَاكَ عَنْ قَرِيبٍ فَنَتَكَلَّمَ فَمًا لِفَمٍ. 15سَلاَمٌ لَكَ. يُسَلِّمُ عَلَيْكَ الأَحِبَّاءُ. سَلِّمْ عَلَى الأَحِبَّاءِ بِأَسْمَائِهِمْ
يكتب الوحي آيات قليلة ولكنّها معبّرة عن ديوتريفوس الّذي كان له التّأثير السّلبيّ على الكنيسة. (3يو1: 9-11)
يوجد عدّة نواحٍ في حياة ديوتريفس يجب أن نتحذّر منها. هذا وكلّ واحدة من هذه النّواحي قد تكون مؤشّر خطر على حياتنا. مؤمن ملتزم في الكنيسة ولكن… (9كَتَبْتُ إِلَى الْكَنِيسَةِ، وَلكِنَّ دِيُوتْرِيفِسَ) كم كان حزينًا يوحنّا وهو يكتب هذه الكلمة “ولكن …” وبالتّأكيد ديوتريفوس لم يبدأ هكذا في حياة الإيمان. لكنّه وصل إلى هذا المستوى الرّوحيّ، ومن المؤسف بينما نرى مؤمنين يزدادون نموًّا وقداسةً في حياة الإيمان، نلاحظ أيضًا مؤمنين يتراجعون في حياة الإيمان، وكلّما ازدادت سنوات الإيمان ازدادوا قساوةً وجسديّة. ولقد كان ديوتريفوس هذا النّوع من المؤمنين. لذلك كتب لنا الوحي لكي نتحذّر
أولاً. تحذّر من التّزعّم
أي مؤمن يحبّ أن يكون الأوّل: (9 الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الأَوَّلَ بَيْنَهُمْ …) ومثل أم ابني زبدي الّتي تريد أن يكونا الأولين بين الرّسل (حِينَئِذٍ تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ أُمُّ ابْنَيْ زَبْدِي مَعَ ابْنَيْهَا، وَسَجَدَتْ وَطَلَبَتْ مِنْهُ شَيْئًا. فَقَالَ لَهَا: «مَاذَا تُرِيدِينَ؟» قَالَتْ لَهُ: «قُلْ أَنْ يَجْلِسَ ابْنَايَ هذَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنِ الْيَسَارِ فِي مَلَكُوتِكَ».) جواب يسوع كان واضحا: “وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا …” كنيسة المسيح لا يوجد فيها أوّل وثاني وثالث … ولكن فيها إخوة وأخوات يعيشون بمحبّة المسيح ويحترمون مواهب بعضهم البعض. لذلك عندما يأتي الشّعور، “لماذا هو وليس أنا … أنا أريد أن أكون الأوّل … أنا …” هذا الشّعور هو مؤشر خطر، فلن تستطيع أن تكون بركة بهذا الفكر وعليك أن تتحذّر منه
ثانيًا. تحذّر من الأنانيّة
.” الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الأَوَّلَ بَيْنَهُمْ …” ماذا يعني أن أكون أنا الأوّل؟ يعني ليس هو … بل أنا
مرّة، جاء شاب إلى مكتبي قائلاً: “لماذا فلان يقود تأمّلاً وأنا لا؟” بهذه الرّوح، هذا الشّاب لن يكون بركة إلّا إذا قضى على أنانيّته أوّلاً. المحبّة الحقيقية لا تطلب ما لنفسها وليست أنانيّة. فهذه الأخيرة تفقد البركة من الكنيسة لأنّ الكنيسة المباركة تتألّف من أشخاص يفرغون ذواتهم من الأنانيّة لكي يقدّموا بعضهم البعض في الكرامة ويطلبون مجد الآخر ونجاحه
ثالثًا. تحذّر من روح التّنافس
الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الأَوَّلَ بَيْنَهُمْ”: محبّة ديوتريفوس أن يكون أوّلاً تحوّلت إلى تنافسٍ بينه وبين الآخرين. فقد تنافس مع يوحنّا الحبيب، وواجه رسالته والمرسلين الّذين أرسلهم، كما نافس غايوس. كم يكون روح التّنافس مؤذيًا داخل الكنيسة
في فريق كرة القدم، يوجد لاعبون على الهجوم، هؤلاء هم النّجوم الّذين تعرف أسماؤهم، كما يوجد مدافعون غالبًا لا يضعون أهدافا، ويوجد خط وسط. تخيّلوا أنّه يوجد لاعبان نادرًا ما يضعان أهدافًا ولكنّهما يكرّسان حياتهما لكي يعطيا الطّابة لشخص آخر ليضع الهدف. وفي اليوم الّذي فيه يبدأ التّنافس ضمن الفريق الواحد يبدأ الفريق بالانهزام
هكذا تكون الكنيسة فريقًا واحدًا بعدّة أدوار، وأمّا التّنافس فيقتلها. نعمل كفريق واحد مع بعضنا لمجد المسيح، بحسب الأدوار الّتي يعطينا إيّاها الرّبّ. أسماء تظهر وأخرى تختفي. ولكن الأهمّ هو مجد المسيح في الكنيسة. بروز روح التّنافس في حياتك يفقد البركة وبالتّالي علينا أن نقضي على هذه الرّوح
رابعًا. تحذّر من عدم قبول الآخرين
مؤمن لا يقبل الآخرين: “لاَ يَقْبَلُنَا. … لاَ يَقْبَلُ الإِخْوَةَ،” لقد أدّى تعجرف ديوتريفوس لرفضه لرسالة يوحنّا وتوجيهاته، ونقرأ أيضًا أنّه لا يقبل الإخوة. عدم قبول الآخرين يشكّل مشكلة كبيرة، فالإنسان عندما يكون متخلّفًا ومحدودًا يرفض قبول الآخرين، ويفتكر أن النّاس يجب أن تكون بهيئة واحدة كما أنّ الإنسان المسيطر يرفض قبول الآخرين حين لا يقدر أن يسيطر عليهم
.وأمّا الكنيسة، على العكس، فهي مجتمع يقبل الآخر والإخوة وكلّ شخص يقبل يسوع مخلّصًا على حياته
خامسًا. تحذّر من سوء التّصرف مع الآخرين
مؤمن يسيء تصرفه ” 10مِنْ أَجْلِ ذلِكَ، إِذَا جِئْتُ فَسَأُذَكِّرُهُ بِأَعْمَالِهِ الَّتِي يَعْمَلُهَا، 11أَيُّهَا الْحَبِيبُ، لاَ تَتَمَثَّلْ بِالشَّرِّ بَلْ بِالْخَيْرِ، لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ الْخَيْرَ هُوَ مِنَ اللهِ، وَمَنْ يَصْنَعُ الشَّرَّ، فَلَمْ يُبْصِرِ اللهَ
قناعات الإنسان تنعكس على تصرفاته، وقناعات ديوتريفوس انعكست أيضًا على تصرفاته حيث أصبحت أعماله مسيئة للآخرين، حتّى قال له يوحنا “فسأذكّره بأعماله الّتي يعملها
شخص تصرفاته سيّئة، يصيح ويتكلّم بنبرة بوجه الآخرين وإذا أُعطي مسؤوليّة يتسلط على الآخرين ويسيء بالكلام والفعل، يتعمّد أن لا يتحدث إليك، كما أنّ أعماله لا تمجّد الرّب وبالتّالي هو ليس بركة للآخرين في الكنيسة. فيجب على المؤمن ألّا يتصرّف بسوء، وأن يكون بركة بسلوكه
سادسًا. تحذّر من النّميمة على الآخرين
مؤمن يخطئ بلسانه: “هَاذِرًا عَلَيْنَا بِأَقْوَال خَبِيثَةٍ. وَإِذْ هُوَ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِهذِهِ،” كان ديوتريفوس يتكلّم على يوحنّا الحبيب وعلى وحي روح الرّبّ، فأكبر أداة للبركة، وأكثر أداة لعدمها هي اللّسان، ولن يستطيع المؤمن أن يكون بركة بدون تكريس لسانه للرّبّ
سابعًا. تحذّر من جرّ الآخرين إلى الخطأ
“مؤمن يحثّ الآخرين على الخطأ: “وَإِذْ هُوَ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِهذِهِ، لاَ يَقْبَلُ الإِخْوَةَ، وَيَمْنَعُ أَيْضًا الَّذِينَ يُرِيدُونَ
.الإنسان لا يكتفي بعدم تأثيره بالبركة ولكنّه يحاول أن يجرّ الآخرين إلى الخطأ أيضًا
أحيانًا كثيرة، حين شخص ما لا يريد المشاركة بمشروع معيّن، يتّصل بالآخرين حتّى يشجعهم على عدم المشاركة أيضًا. بأحد المؤتمرات لاحظت أنّ شخصًا لم تعجبه اللّعبة ولا يريد اللّعب، فصار يشجّع الآخرين أيضًا كيلا يلعبوا. إنسان لا يريد الالتزام بكلمة الرّبّ بموضوع ما، يجرّ الآخرين وراءه الى الخطأ
ثامنًا. تحذّر من روح الشِّقاق
“مؤمن يشجع روح الشِّقاق: “وَإِذْ هُوَ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِهذِهِ، لاَ يَقْبَلُ الإِخْوَةَ، وَيَمْنَعُ أَيْضًا الَّذِينَ يُرِيدُونَ
.شخص يحاول أن يستميل أشخاصًا لجهته، وهذا سيؤدّي به لزرع روح الشّقاق وفقدان البركة
تاسعًا. التّحذّر من سوء استخدام مواهبك
وَيَطْرُدُهُمْ مِنَ الْكَنِيسَةِ”. يظهر أنّ ديوتريفوس كان لديه مواهب ومركز متقدّم في الكنيسة ولكنّه استخدم هذا المركز لكي يطرد المؤمنين الّذين يخالفونه الرّأي من الكنيسة. الرّبّ يعطي المؤمن موهبة لهدف ما، وعندما يستخدمها لهدف آخر، يخطئ ويفقد البركة من الكنيسة. اسأل دائما نفسك، هل موهبتك لخدمة الآخرين أم للتّسلط على الآخرين؟ هدم الكنيسة قد يحدث على يد أشخاص من داخل الكنيسة
عاشرًا. تحذّر من الكبرياء الرّوحيّ
مؤمن لديه روح الكبرياء: كان ديوتريفوس يرى نفسه مقياسًا للحقّ، وقد أدّى به كبرياؤه الرّوحيّ لرفض كلمة الرّبّ وهذا مرض قد يقع فيه المؤمن الّذي يخدم أو الّذي يعرف حقائق كتابية أعمق. يختم يوحنّا الحبيب حديثه عن ديوتريفوس بتحذير إلى غايوس يقول فيه: 11″أَيُّهَا الْحَبِيبُ، لاَ تَتَمَثَّلْ بِالشَّرِّ بَلْ بِالْخَيْرِ، لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ الْخَيْرَ هُوَ مِنَ اللهِ، وَمَنْ يَصْنَعُ الشَّرَّ، فَلَمْ يُبْصِرِ اللهَ.” كتب الرّبّ هذه الرّسالة ليس لكي يفضح ديوتريفوس أمامنا، ولكن لكي نتحذّر من الأمور الّتي لا تبني في الكنيسة
في النّهاية، إن كنت تريد أن تكون بنّاء في كنيسة المسيح عليك أن تتميّز بصفات غايوس وتتحذّر من صفات ديوتريفوس