العبادة قوّة في حياة المؤمن

في داخل كلّ إنسان، هناك رغبة لكي يكون قويًّا. الإنسان لا يحبّ الضّعف. وأيضًا الله لا يحب الضّعف. الله هو إله القوّة. وليس عيبًا إن كنت ترغب بأن تكون قويًّا. نحبّ أن نكون أقوياء صحيًّا، وجسديًّا

من فترة قرأت عن مأساة حصلت في حياة عائلة، كانت قد خرجت للتنزّه، في مصر. وهذه النّزهة تحوّلت الى مأساة. رجل وزوجته وابنه وابنته ذهبوا في نزهة. وبينما كانوا يتمشون على ضفاف أحد الأنهار سقط الولد. بدأ يتخبط بالمياه وقد كانت عميقة. نزل أبوه وراءه ليعينه وبعد لحظات اختفى الأب وابنه. صادف على الضّفة الأخرى من النّهر شاب يصوّر الحدث. حاولت المرأة أن تنزل ولكنّها ما لبثت أن صعدت لتمسك بابنتها الصغيرة، وبدأت تصرخ ولكن دون جدوى. اختفى زوجها وابنها، وبعد حين، انتشلوهما جثثًا هامدة

لم يكن للرجل القوّة الكافية لإنقاذ ابنه وإنقاذ نفسه. يا ليته كان له القوّة لكان فعل ذلك … فالإنسان يحتاج إلى القوّة. وكما يشتاق الإنسان للقوة الجسديّة، في داخل كل إنسان مؤمن بالمسيح الرّغبة للقوّة الرّوحيّة

فالمؤمن بالمسيح يرغب بأن يعيش حياة فيها قداسة ونصرة على الخطيّة! حياة فيها نشاط وخدمة روحيّة! أشواق لتمجيد الرّب! وبالتالي المؤمن يرغب بأن يختبر قوّة الله في حياته. الفرق بين القوّة الجسديّة والقوّة الروحيّة، هي أنّ القوّة الجسديّة الخارقة تبدو مستحيلة … ولكن القوّة الرّوحيّة متاحة للمؤمن بقوّة الرّوح القدس. ولكن كيف؟ وأين يجد المؤمن قوّةً لحياته الروحيّة؟

هناك عنصر جوهري في حصولنا على القوّة الروحيّة وهو العبادة. فالعبادة الصحيحة للرّب هي مصدر قوّة لحياة المؤمن. داود هو الملك والنّبي والمؤمن الذي اختبر قوّة العبادة في حياته. كان من أعظم شخصيّات الكتاب المقدّس واسمه أكثر اسم ذكر في الكتاب المقدّس. فقد ارتبط اسم داود بالمزامير التي تعكس قوّته نتيجة عبادته الصّحيحة للرّب

:في مزمور 138 نرى قوّة داود الملك ومصدرها

أَحْمَدُكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِي. قُدَّامَ الآلِهَةِ أُرَنِّمُ لَكَ. 2أَسْجُدُ فِي هَيْكَلِ قُدْسِكَ، وَأَحْمَدُ اسْمَكَ عَلَى رَحْمَتِكَ وَحَقِّكَ، لأَنَّكَ قَدْ عَظَّمْتَ كَلِمَتَكَ عَلَى كُلِّ اسْمِكَ. 3فِي يَوْمَ دَعَوْتُكَ أَجَبْتَنِي. شَجَّعْتَنِي قُوَّةً فِي نَفْسِي

يَحْمَدُكَ يَا رَبُّ كُلُّ مُلُوكِ الأَرْضِ، إِذَا سَمِعُوا كَلِمَاتِ فَمِكَ. 5وَيُرَنِّمُونَ فِي طُرُقِ الرَّبِّ، لأَنَّ مَجْدَ الرَّبِّ عَظِيمٌ. 6لأَنَّ الرَّبَّ عَال وَيَرَى الْمُتَوَاضِعَ، أَمَّا الْمُتَكَبِّرُ فَيَعْرِفُهُ مِنْ بَعِيدٍ. 7إِنْ سَلَكْتُ فِي وَسَطِ الضِّيْقِ تُحْيِنِي. عَلَى غَضَبِ أَعْدَائِي تَمُدُّ يَدَكَ، وَتُخَلِّصُنِي يَمِينُكَ. 8الرَّبُّ يُحَامِي عَنِّي. يَا رَبُّ، رَحْمَتُكَ إِلَى الأَبَدِ. عَنْ أَعْمَالِ يَدَيْكَ لاَ تَتَخَلَّ

أولاً. العبادة هي نمط حياة المؤمن

.كان داود يعيش حياة العبادة للربّ في كل لحظة من حياته

كان يحمد الرّبّ دائمًا: “أَحْمَدُكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِي

على المؤمن، الحمد والتّعظيم للرّب والترّكيز على عظمته ورؤية يده القادرة في كل لحظة من الحياة وكذلك رؤية مجده في كل ما يدور من حوله وحمده من كل القلب

كان داود يحمد الرّب من كل قلبه:” مِنْ كُلِّ قَلْبِي

فتكون العبادة من القلب والأعماق ومن كلّ الفكر والمشاعر والإرادة

كان يحمد الرّبّ أمام كل الآلهة:” قُدَّامَ الآلِهَةِ أُرَنِّمُ لَكَ

قدّام كلّ ما يأخذ الأولويّة في حياتي، والآلهة التي تحاول أن تأخذ مكان الله في حياتي، أمامها كلّها أسجد لك يا رب، وإن كان أمام وقتي وأمام اهتماماتي وعائلتي وعملي … يوجد أعظم من كلّ ما في حياتي وهو إلهي ومخلصي وربي.

كان داود يحمد الرّبّ في سجوده في الهيكل:” أَسْجُدُ فِي هَيْكَلِ قُدْسِكَ

كان يعبد الرّب ليس فقط في حياته الخاصة الفرديّة ولكن أيضًا بالعبادة الجماعيّة مع شعب الرّبّ حيث كان يعبد الرّب في خيمة الاجتماع. فهناك ضرورة للعبادة الفرديّة وهناك ضرورة للعبادة الجماعيّة

ثانيًا. العبادة تتمحور حول الله وصفاته المباركة

.كانت عبادة داود مركزة على شخص الله ومتمحورة حول صفاته المباركة

كان يحمد اسم الرّبّ: “وَأَحْمَدُ اسْمَكَ

اسم الله يعني شخص الله المعلن في الكتاب المقدّس. في كلّ مرّة نقرأ عن أحد أسماء الله في الكتاب المقدس نقرأ عن صفات عظيمة لدى إلهنا. الرّبّ يسوع المسيح بالنّبوة: ” وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ.” (أش 9: 6)

 كان يحمد الرّبّ على رحمته: “عَلَى رَحْمَتِكَ

أساس تعامل الله معنا هو رحمته الظّاهرة من الفرصة الجديدة التي أعطاها الرّبّ للخطاة

كان يحمد الرّبّ على حقّه: “وَحَقِّكَ

.أساس تعامل الله معنا هو حقّه، لأنّه إله الحق

.بالمسيح يسوع وفّق الله بين رحمته وحقّه

لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ” (تي 3: 5) “مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ” (1بط 1: 3)

ثالثًا. العبادة هي علاقة فرديّة مع الله

.كان داود يدرك أهميّة عناصر العبادة الصّحيحة

.الكلمة:” لأَنَّكَ قَدْ عَظَّمْتَ كَلِمَتَكَ عَلَى كُلِّ اسْمِكَ”: فعبادة الرّبّ بالكلمة الإلهيّة ، فالله يُسمعك صوته بالكلمة –

.الصّلاة: “فِي يَوْمَ دَعَوْتُكَ أَجَبْتَنِي”: الله يسمع صوت المؤمن بالصّلاة –

.العلاقة الفرديّة: “شَجَّعْتَنِي قُوَّةً فِي نَفْسِي “: الله يتعامل بطريقة فرديّة في حياة المؤمن فهو يقوي ويشجع –

رابعًا. العبادة تُظهِر لنا الحياة من منظار الله

 كان يدرك داود حاجة الآخرين إلى الرّبّ

كان يصلّي لأجل الآخرين: “يَحْمَدُكَ يَا رَبُّ كُلُّ مُلُوكِ الأَرْضِ إِذَا سَمِعُوا كَلِمَاتِ فَمِكَ”

كان يأمل بتعامل الله في حياة الآخرين: “وَيُرَنِّمُونَ فِي طُرُقِ الرَّبِّ”

 كان داود يعظم الرّبّ لأجل أعماله في حياته

كان يمجد الرب لأجل عظمته: “لأَنَّ مَجْدَ الرَّبِّ عَظِيمٌ.”

كان يمجد الرب لأجل حكمته: “لأَنَّ الرَّبَّ عَالٍ وَيَرَى الْمُتَوَاضِعَ. أَمَّا الْمُتَكَبِّرُ فَيَعْرِفُهُ مِنْ بَعِيدٍ.”

خامسًا. العبادة تفتح عينيك لترى حياتك في مخطط الله

 كان يمجد الرّبّ لأجل تعاملاته معه : “إِنْ سَلَكْتُ فِي وَسَطِ الضِّيقِ تُحْيِنِي. عَلَى غَضَبِ أَعْدَائِي تَمُدُّ يَدَكَ وَتُخَلِّصُنِي يَمِينُكَ. الرَّبُّ يُحَامِي عَنِّي

 “كان يضع طلباته أمام الرّبّ بثقة : “يَا رَبُّ رَحْمَتُكَ إِلَى الأَبَدِ. عَنْ أَعْمَالِ يَدَيْكَ لاَ تَتَخَلَّ

في بداية الموضوع قرأنا عن مأساة مرّت بها عائلة في مصر. كان رجل وزوجته وابنه وابنته في نزهة قرب أحد الأنهر عندما سقط الولد في ماء النّهر. نزل أبوه فغرق هو وابنه وماتا في النهر. يا ليت كان له القوّة الجسديّة الكافية لينجو هو وابنه. كيف كانت تبدلت حياة تلك العائلة لو كان لديهم القوّة الكافيّة للإنقاذ. ولكن هذا لم يتحقق فحصلت المأساة

القوة الجسديّة غير متوفرة في عالم الضّعف. ولكن القوّة الرّوحيّة متوفرة بعمل الله بنعمة المسيح وعمل الرّوح القدس. فيستطيع الضّعيف أن يقول: بطل أنا في الرّبّ. إذن عليك أن تكون قويًّا لئلا تغرق روحيًّا أنت وولدك وابنتك وزوجتك وكلّ من حولك. ويجب أن نضع نصب أعيننا العبادة الصّحيحة التي هي مصدر قوّة المؤمن. كما كان داود رجلًا قويًّا، ولكن مصدر قوّته كان الرب. فلقد كان داود قويًّا بإلهه

ختامًا، العبادة هي عنصر أساسي في قوّتنا الرّوحيّة.  فبالعبادة تجلس في محضر الرّب وتختبر قوّته وتمتلئ منها. نشّط حياتك الرّوحيّة بالعبادة في كل يوم. اصح في اللّيل واعبد الرّبّ، وفي النّهار اعبده. ولا تفوّت اجتماعًا، لكي تكون في محضر الرّبّ بالعبادة. وعندما تكون في اجتماع الكنيسة انسَ كل ما حولك واعبد الرّبّ

لأنّ العبادة الصّحيحة هي مصدر قوّتك الرّوحيّة