إن إحدى ميزات الزمن الذي نعيش فيه، هي رفض الحقيقة ورفض الواقع. من فترة تقابلت مع شاب، مات أخوه في المهجر، ولكنّهم لم يخبروا والدته الكبيرة في السنّ. فهي تظنّ أنّ ابنها ما زال حيّا. وعندما تسألهم عنه، يجاوبونها بسلسلة أكاذيب مشجعة ومعزّية وأخبار تحبّ أن تسمعها. بالنسبة إليهم، الحقيقة صعبة. ومن الأسهل التعايش مع الوهم والكذب والضلال
العديد من الناس يعيشون مع الوهم والكذب والضلال في حياتهم العمليّة وحياتهم الاجتماعية وحياتهم العائليّة وحياتهم الروحيّة. يهربون من الحقيقة، لأنّ الحقيقة قد تكون مرّة وصعبة. الحقيقة قد تتطلّب التغيير والمواقف. تسمع شخصًا يقول لك: “لا أريد أن أعرف الحقيقة”. وفي هذا الوضع تصبح الشهادة للحقّ صعبة. فكيف تشهد للحقّ في الوقت الذي فيه يسرّ الناس بالكذب؟ وكيف تشهد للحقّ في زمن يفضّل فيه الناس العيش بالوهم؟ كيف تشهد للحقّ في زمن يفضّل فيه الناس العيش بالضلال؟
هذا هو الوضع والجو الذي عاش فيه أحد أنبياء العهد القديم الذي يدعى ميخا. ليس هو ميخا الذي كتب سفر ميخا. ولكن “ميخا بن يملة” الذي عاش في زمن آخاب ويهوشافاط. كانت أيام آخاب مظلمة روحيّا. وكانت الشهادة للحق صعبة. في ذلك الوقت طلب من ميخا أن يشهد للحقّ. فكيف يشهد للحقّ في ذلك الزمن الرديء؟ ذلك الزمن الذي يشبه زمننا. هذا الزمن الذي نعيش فيه، يفضّل الكثير من الناس التعايش مع الكذب والوهم والضلال، وخاصة على الصعيد الروحي. سنرى من حادثة من حياة النبي ميخا بن يملة، الظروف والتحديات والنتيجة للشهادة للحق في الزمن الرديء
أمّا نصّ قراءتنا فهو من 1 أخ 22
أولاً. القصة تبدأ في قصر آخاب الملك، عند زيارة يهوشافاط ملك يهوذا له
ثلاث سنوات لم يكن حرب بين آرام وجيش آخاب. وبعد ثلاث سنوات نزل يهوشافاط ملك يهوذا لزيارة آخاب. آخاب كان سياسي ماهر استطاع أن يخدع يهوشافاط. يهوشافاط كان ملك صالح ولكنّه لم يكن ملك كامل. كان صهر آخاب. فزاره، وأثناء الزيارة طلب منه أن يساعده في الحرب
و قال لِيَهُوشَافَاطَ: «أَتَذْهَبُ مَعِي لِلْحَرْبِ إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ؟» فَقَالَ يَهُوشَافَاطُ لِمَلِكِ إِسْرَائِيلَ: «مَثَلِي مَثَلُكَ. شَعْبِي كَشَعْبِكَ، وَخَيْلِي كَخَيْلِكَ». تجاوب يهوشافاط الملك مع آخاب. ولكنه طلب منه طلبًا مزعجًا جدًّا بالنسبة إليه: “ثُمَّ قَالَ يَهُوشَافَاطُ لِمَلِكِ إِسْرَائِيلَ: «اسْأَلِ الْيَوْمَ عَنْ كَلاَمِ الرَّبِّ “. دعنا نرى ما يريده الرّب. اسأل اليوم عن كلام الرّب
ثانيًا. آخاب يحضر 400 نبي لكي يستشيرهم
أحضر آخاب 400 نبيّ لكي يستشيرهم. والواضح أن آخاب كان عنده 400 نبيّ من الذين يجارونه بضلاله. 400 نبي كاذبين وغشّاشين. إنّهم أنبياء ولكن ليسوا انبياء للرّب. أنبياء يقولون لآخاب ما يحبّ أن يسمعه. هم جماعة “صفّيقة” لا يريدون إحزان آخاب الشرير. فيصادقونه على شرّه
“فَجَمَعَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ الأَنْبِيَاءَ، نَحْوَ أَرْبَعِ مِئَةِ رَجُل وَقَالَ لَهُمْ: «أَأَذْهَبُ إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ لِلْقِتَالِ أَمْ أَمْتَنِعُ؟» فَقَالُوا: «اصْعَدْ فَيَدْفَعَهَا السَّيِّدُ لِيَدِ الْمَلِكِ».400 نبي يقولون له أنّ يصعد وسينجح ويربح. وكأن الحقّ يتأثّر بالأكثريّة
ثالثًا. يهوشافاط يطلب نبيًّا من الرّب
يهوشافاط كان ملكًا روحيًّا. لاحظ بأن الـ 400 نبي لم يتكلموا باسم الرّب. وهنا كان الطلب الثاني الصعب على آخاب، “فَقَالَ يَهُوشَافَاطُ: «أَمَا يُوجَدُ هُنَا بَعْدُ نَبِيٌّ لِلرَّبِّ فَنَسْأَلَ مِنْهُ؟» طلب يهوشافاط نبي واحد. كان يعلم يهوشافاط بأن نبيًّا واحدًا من الله يعلن ما يقوله الله يكون كاف. طلب يهوشافاط شاهدًا يشهد للحقّ في ذلك الزمن الرديء. “فَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِيَهُوشَافَاطَ: «إِنَّهُ يُوجَدُ بَعْدُ رَجُلٌ وَاحِدٌ لِسُؤَالِ الرَّبِّ بِهِ، وَلكِنِّي أُبْغِضُهُ لأَنَّهُ لاَ يَتَنَبَّأُ عَلَيَّ خَيْرًا بَلْ شَرًّا، وَهُوَ مِيخَا بْنُ يَمْلَةَ». فَقَالَ يَهُوشَافَاطُ: «لاَ يَقُلِ الْمَلِكُ هكَذَا». 9فَدَعَا مَلِكُ إِسْرَائِيلَ خَصِيًّا وَقَالَ: «أَسْرِعْ إِلَيَّ بِمِيخَا بْنِ يَمْلَةَ». 10وَكَانَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوشَافَاطُ مَلِكُ يَهُوذَا جَالِسَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى كُرْسِيِّهِ، لاَبِسَيْنِ ثِيَابَهُمَا فِي سَاحَةٍ عِنْدَ مَدْخَلِ بَابِ السَّامِرَةِ، وَجَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ يَتَنَبَّأُونَ أَمَامَهُمَا. 11وَعَمِلَ صِدْقِيَّا بْنُ كَنْعَنَةَ لِنَفْسِهِ قَرْنَيْ حَدِيدٍ وَقَالَ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: بِهذِهِ تَنْطَحُ الأَرَامِيِّينَ حَتَّى يَفْنَوْا». 12وَتَنَبَّأَ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ هكَذَا قَائِلِينَ: «اصْعَدْ إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ وَأَفْلِحْ، فَيَدْفَعَهَا الرَّبُّ لِيَدِ الْمَلِكِ
رابعًا. الرسول يدعو ميخا بن يملة محاولاً استمالته
وَأَمَّا الرَّسُولُ الَّذِي ذَهَبَ لِيَدْعُوَ مِيخَا فَكَلَّمَهُ قَائِلاً: «هُوَذَا كَلاَمُ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ بِفَمٍ وَاحِدٍ خَيْرٌ لِلْمَلِكِ، فَلْيَكُنْ كَلاَمُكَ مِثْلَ كَلاَمِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ». 14فَقَالَ مِيخَا: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، إِنَّ مَا يَقُولُهُ لِيَ الرَّبُّ بِهِ أَتَكَلَّمُ
خامسًا. مجيء النبي ميخا بن يملة إلى محضر الملوك
:ميخا يعرف أنّ آخاب يحبّ الضّلال، فجاوبه بلهجة تهكميّة
وَلَمَّا أَتَى إِلَى الْمَلِكِ قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «يَا مِيخَا، أَنَصْعَدُ إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ لِلْقِتَالِ، أَمْ نَمْتَنِعُ؟» فَقَالَ لَهُ: «اصْعَدْ وَأَفْلِحْ فَيَدْفَعَهَا الرَّبُّ لِيَدِ الْمَلِكِ». 16فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «كَمْ مَرَّةٍ اسْتَحْلَفْتُكَ أَنْ لاَ تَقُولَ لِي إِلاَّ الْحَقَّ بِاسْمِ الرَّبِّ
:ميخا يعلن الحقّ من قبل الرّب
فَقَالَ: «رَأَيْتُ كُلَّ إِسْرَائِيلَ مُشَتَّتِينَ عَلَى الْجِبَالِ كَخِرَافٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا. فَقَالَ الرَّبُّ: لَيْسَ لِهؤُلاَءِ أَصْحَابٌ، فَلْيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى بَيْتِهِ بِسَلاَمٍ
:كانت هذه دينونة على آخاب، بأنّه سيموت ويدان من قبل الله في تلك المعركة
“فَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِيَهُوشَافَاطَ: “أَمَا قُلْتُ لَكَ إِنَّهُ لاَ يَتَنَبَّأُ عَلَيَّ خَيْرًا بَلْ شَرًّا؟
:ميخا يعلن دينونة الله على آخاب
وَقَالَ: «فَاسْمَعْ إِذًا كَلاَمَ الرَّبِّ: قَدْ رَأَيْتُ الرَّبَّ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَكُلُّ جُنْدِ السَّمَاءِ وُقُوفٌ لَدَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ. 20فَقَالَ الرَّبُّ: مَنْ يُغْوِي أَخْآبَ فَيَصْعَدَ وَيَسْقُطَ فِي رَامُوتَ جِلْعَادَ؟ فَقَالَ هذَا هكَذَا، وَقَالَ ذَاكَ هكَذَا. 21ثُمَّ خَرَجَ الرُّوحُ وَوَقَفَ أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: أَنَا أُغْوِيهِ. وَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: بِمَاذَا؟ 22فَقَالَ: أَخْرُجُ وَأَكُونُ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ. فَقَالَ: إِنَّكَ تُغْوِيهِ وَتَقْتَدِرُ، فَاخْرُجْ وَافْعَلْ هكَذَا. 23وَالآنَ هُوَذَا قَدْ جَعَلَ الرَّبُّ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِكَ هؤُلاَءِ، وَالرَّبُّ تَكَلَّمَ عَلَيْكَ بِشَرّ
:ميخا يُضرب لأجل قوله الحقّ على يد صدقيا رئيس أنبياء الضلال
فَتَقَدَّمَ صِدْقِيَّا بْنُ كَنْعَنَةَ وَضَرَبَ مِيخَا عَلَى الْفَكِّ وَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ عَبَرَ رُوحُ الرَّبِّ مِنِّي لِيُكَلِّمَكَ؟» 25فَقَالَ مِيخَا: «إِنَّكَ سَتَرَى فِي ذلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي تَدْخُلُ فِيهِ مِنْ مِخْدَعٍ إِلَى مِخْدَعٍ لِتَخْتَبِئَ
:ميخا يُسجن ويُعزل لأجل شهادته للحقّ
26فَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ: «خُذْ مِيخَا وَرُدَّهُ إِلَى آمُونَ رَئِيسِ الْمَدِينَةِ، وَإِلَى يُوآشَ ابْنِ الْمَلِكِ، 27وَقُلْ هكَذَا قَالَ الْمَلِكُ: ضَعُوا هذَا فِي السِّجْنِ، وَأَطْعِمُوهُ خُبْزَ الضِّيقِ وَمَاءَ الضِّيقِ حَتَّى آتِيَ بِسَلاَمٍ
“. فَقَالَ مِيخَا: «إِنْ رَجَعْتَ بِسَلاَمٍ فَلَمْ يَتَكَلَّمِ الرَّبُّ بِي». وَقَالَ: “اسْمَعُوا أَيُّهَا الشَّعْبُ أَجْمَعُون
سادسًا. حدوث كلّ ما قاله الرّب بالتدقيق
29فَصَعِدَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوشَافَاطُ مَلِكُ يَهُوذَا إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ. 30فَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِيَهُوشَافَاطَ: «إِنِّي أَتَنَكَّرُ وَأَدْخُلُ الْحَرْبَ، وَأَمَّا أَنْتَ فَالْبَسْ ثِيَابَكَ». فَتَنَكَّرَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَدَخَلَ الْحَرْبَ
31وَأَمَرَ مَلِكُ أَرَامَ رُؤَسَاءَ الْمَرْكَبَاتِ الَّتِي لَهُ، الاثْنَيْنِ وَالثَّلاَثِينَ، وَقَالَ: «لاَ تُحَارِبُوا صَغِيرًا وَلاَ كَبِيرًا إِلاَّ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ وَحْدَهُ». 32فَلَمَّا رَأَى رُؤَسَاءُ الْمَرْكَبَاتِ يَهُوشَافَاطَ، قَالُوا: «إِنَّهُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ» فَمَالُوا عَلَيْهِ لِيُقَاتِلُوهُ، فَصَرَخَ يَهُوشَافَاطُ. 33فَلَمَّا رَأَى رُؤَسَاءُ الْمَرْكَبَاتِ أَنَّهُ لَيْسَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ رَجَعُوا عَنْهُ
34وَإِنَّ رَجُلاً نَزَعَ فِي قَوْسِهِ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ وَضَرَبَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ بَيْنَ أَوْصَالِ الدِّرْعِ. فَقَالَ لِمُدِيرِ مَرْكَبَتِهِ: «رُدَّ يَدَكَ وَأَخْرِجْنِي مِنَ الْجَيْشِ لأَنِّي قَدْ جُرِحْتُ». 35وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، وَأُوقِفَ الْمَلِكُ فِي مَرْكَبَتِهِ مُقَابِلَ أَرَامَ، وَمَاتَ عِنْدَ الْمَسَاءِ، وَجَرَى دَمُ الْجُرْحِ إِلَى حِضْنِ الْمَرْكَبَةِ. 36وَعَبَرَتِ الرَّنَّةُ فِي الْجُنْدِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَائِلاً: «كُلُّ رَجُل إِلَى مَدِينَتِهِ، وَكُلُّ رَجُل إِلَى أَرْضِهِ». 37فَمَاتَ الْمَلِكُ وَأُدْخِلَ السَّامِرَةَ فَدَفَنُوا الْمَلِكَ فِي السَّامِرَةِ. 38وَغُسِلَتِ الْمَرْكَبَةُ فِي بِرْكَةِ السَّامِرَةِ فَلَحَسَتِ الْكِلاَبُ دَمَهُ، وَغَسَلُوا سِلاَحَهُ. حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ
كل ما قاله الله في كتابه المقدس سيتم بحذافيره. العالم يسير نحو الدينونة بسبب الخطيّة … باب الخلاص الوحيد هو يسوع المسيح مخلصنا … من يؤمن بالمسيح ويقبله مخلصا على حياته يخلص، ومن لا يؤمن سيُدان … لو مهما تجبّر الشرير ولو مهما التوى رجال الدين ولو مهما كثر الضلال … الله لن يتغيّر وكلمته لن تتغيّر
.أخيرًا،أمام كثرة الضلال والمضليّن … يزرع الرّب أولاده المؤمنين في كل بقاع الأرض
.لقد زرعك الرّب في عملك ومحيطك وأعطاك سلطان كلمته … لتشهد للحقّ في هذا الزمن الرديء
…مقابل كل 400 نبي مضلّ وُجد واحد اسمه ميخا بن يملة
فهل يجد الرّب فيك هذا المؤمن؟