الشاب والحياة الاجتماعية

الحياة مع المسيح هي حياة مميّزة، لأننا نعيش مع المسيح ربّ السلام والفرح، وإله كل نعمة. ولكن الحياة مع المسيح غريبة أيضًا، لأننا نعيشها في وسط عالم مليء بالشّر. نحن نعيش للمسيح ولكن ما زلنا نعيش في العالم. لدينا التزامات روحيّة مع المسيح ولكن في الوقت نفسه لدينا التزامات ماديّة في العالم. نحن أولاد ملكوت الله، ولكن ما زلنا نعيش في العالم أيضًا. نحن جزء من مجتمع. المجتمع الذي نعيش فيه يتألف من أقربائنا، جيراننا، زملائنا في العمل أو في الدراسة، أبناء منطقتنا، والوطن الذي نعيش فيه. كل هذه الأمور تشكّل حياتنا الاجتماعية

على الرغم من أننا مؤمنون ونقضي معظم وقتنا مع إخوتنا المؤمنين، في الوقت نفسه، توجد أمور مشتركة بيننا وبين المجتمع الأوسع الذي نعيش فيه. هناك صراع في ذهن المؤمن حول علاقته مع المجتمع من حوله

أدى هذا الصراع إلى نشوء حركة التنسّك في القرن الثالث في صحراء مصر، ظنّا بأن المسيحي يجب أن ينعزل عن الحياة الاجتماعية لكي يتفرّغ للحياة الروحيّة

ولكن ما هو قصد الرّب للمؤمن؟ كيف يريدنا الرّب أن نوفّق بين حياتنا الروحيّة والحياة الاجتماعية التي نعيشها؟

لم يخفِ الرّب يسوع المسيح هذه الحقيقة عن أولاده. بل أعلن في موعظته على الجبل وفي تعاليم كثيرة مدونة في العهد الجديد للمؤمنين عن هذه الأمور جميعها. وفي موعظته على الجبل، أشار الرّب إلى أهميّة دور المؤمن في المجتمع ووضع الضوابط لها.

نقرأ كلمات الرّب يسوع في متى 5: 13-16

أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ. 14أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل، 15وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ. 16فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.” (متى 5: 13-16)

أولا. المؤمن يعيش في المجتمع

:الرّب يسوع المسيح يدعونا لكي نعيش حياة الإيمان في وسط العالم

“…يشبّه الرّب يسوع المسيح المؤمن بالملح: “أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ –

“. يشبه الرّب يسوع المسيح المؤمن بالنور: “أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ –

“يشبه الرّب يسوع المؤمن بالمدينة الموضوعة على جبل: “لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل –

يشبه الرّب يسوع المؤمن بالسراج الذي يضيء في البيت: “وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ

هذا كلّه ليقول الرّب للمؤمن: عليك أن تعيش حياتك الاجتماعية في العالم. علينا أن نعيش مع عائلاتنا وأقربائنا وجيراننا وزملائنا في العمل وأن نحدد علاقتنا بهم. علينا أن نعيش في المجتمع وأن نشترك بتحدياته الاقتصادية والسياسيّة والطبيعيّة. علينا أن نخضع للحكام وأن نحترم القوانين

ثانيا. المؤمن يعيش في المجتمع بنكهة مختلفة

“أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ”

نحن ملح الأرض. الملح يستخدم في الطعام – هو يمزج مع الطعام لكي يعطي نكهة فريدة للطعام. والمؤمن كذلك، موجود لكي يعطي نكهة المسيح في العالم. هذه النكهة مختلفة

.في المجتمع القاسي المؤمن هو نكهة المحبة

.في المجتمع المضطرب المؤمن هو نكهة السلام

.في المجتمع النجس المؤمن هو نكهة القداسة

ثالثا. المؤمن يعيش في المجتمع بأهداف مختلفة

 أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل، وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ

المؤمن هو نور المسيح في العالم.كما نضع النور في منازلنا لهدف أن ننير الظلام، هكذا وضعنا الرّب لننير وسط ظلمة العالم.قصد الله لنا أن نكون أنوار في العالم. نحن في المجتمع ولكن لدينا أهداف مختلفة

نحن عملاء المسيح في العالم. نعمل لمصلحة المسيح في العالم. نحن سفراء للمسيح! “إِذًا نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ.” (2كو 5: 20)

أنت تحتاج إلى أن تكون بعلاقة جيّدة اجتماعيًّا مع أقربائك وجيرانك ومجتمعك لكي تريهم في حياتك نور المسيح. المشكلة تكمن عندما ينسى المؤمن ما هو هدف حياته؛ فيطفئ اللمبة

أعرف شخص مؤمن، بأي محضر يكون فيه، دائمًا حديثه حول السياسة، ويصف فلان ويمدح فلان، ويجادل ويشارع الناس من أجل الزعماء. إنه مضيّع هدف حياته، وكل من كهذا المؤمن هو عثرة في العالم. المؤمن الذي يعرف أهدافه يبني علاقات مع الآخرين لهدف … ألا وهو إنارة العالم بحقيقة المسيح

رابعا. المؤمن يعيش في المجتمع بغاية مختلفة

“فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ”

ما هي غاية حياة المؤمن؟ أن يمجّد الله. علينا أن نضيء بنور المسيح، وأن نعمل أعمال مباركة لكي يرجع المجد للرّب. “فَإِذَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئًا، فَافْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ اللهِ.” (1كو 10: 31)

علينا أن نمجّد الله في حياتنا. ونحن نمجّد الله في حياتنا عندما نكون في المجتمع ولكن نتصّرف بحسب وصايا الرّب، التي غالبًا ما تعاكس حياة العالم، فيظهر مجد الرّب في حياتنا

خامسا. المؤمن يعيش في المجتمع بولاء مختلف

“فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ”

…العالم من حولنا مليء بالتحزبات – الأحزاب السياسيّة، والتحزب لأفكار وفلسفات

.المؤمن ليس من أهل التحزّب، ولكن من أهل الوحدة

.المؤمن يجب أن يعيش في العالم، ولكن بولاء مطلق للرّب

لا يقدر أن يعيش المؤمن بولاء مزدوج – المسيح والزعيم فلان أو المسيح و … أو المسيح والحزب الفلاني… الولاء هو للمسيح فقط. يمكن للمؤمن أن ينتخب بحسب قناعاته في صندوق الاقتراع … ولكن أن ينتسب إلى زعيم … أو إلى قضيّة أخرى غير الإنجيل فهذا ليس ولاؤنا كمؤمنين. المؤمن يعيش في العالم بولاء واحد وحيد للرّب يسوع المسيح

سادسًا. المؤمن يعيش في المجتمع بأولويات مختلفة

لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ. (متى 6: 33)

أولويات المؤمن مختلفة عن أولويات العالم. أولويات العالم للعمل والمعاش والراحة والرفاهيّة. أولويات المؤمن لملكوت الرّب. نحن نعيش في العالم ولكن علينا أن نتذكّر أن أولوياتنا مختلفة

سابعا. المؤمن يعيش في المجتمع وقلبه في السماءز

.المؤمن لا يضع رجاءه وقلبه على هذا العالم

وَالَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَ هذَا الْعَالَمَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَعْمِلُونَهُ. لأَنَّ هَيْئَةَ هذَا الْعَالَمِ تَزُولُ.” (1كو 7: 31)”

.المؤمن يضع قلبه على أمور الرّب ويسير غريبًا في الأرض

فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ” (في 3: 20)”

.نحن نعيش في الأرض ولكن قلبنا في السماء. رجاؤنا ليس في العالم … لن يتحسّن العالم … لن يتغيّر

.المؤمن موجود في هذا العالم لفترة مؤقّتة. موجودون هذا العالم ولكن قلوبنا في السماء

في الختام، يجب أن نعيش في المجتمع، ولكن يجب أيضًا أن نحافظ على نكهتنا في المجتمع وأن نكون سفراء المسيح في المجتمع