يغمرنا السّلام حين نعلم أنّ الرّبّ هو من يبني كنيسته … هو سيّد الكنيسة ورأسها وهو من يسهر على بنيانها … هذا يعطي الطّمأنينة بأنّ الكنيسة هي بأمان لأنّ الرّبّ يسهر على كنيسته. ولكن هذه الحقيقة إذ نتفحصها على ضوء كلمة الرّبّ ندرك بأنّ الرّبّ يبني كنيسته بأَيْدٍ بشريّة … نعم الرّبّ يبني كنيسته من خلال أولاده المؤمنين …أنت الأداة التي من خلالها يبني الرّبّ كنيسته … لكي ندرس هذه الحقيقة وطريقة بنيان الرّبّ لكنيسته علينا أن نقرأ في سفر أعمال الرسل عن الكنيسة التي أسّسها الرّبّ يسوع والّتي بناها بأيدي المؤمنين به بقوّة الرّوح القدس. كيف يبني الرّبّ كنيسته؟
لفهم هذا الموضوع على المؤمن أولاً معرفة أهداف الكنيسة (لماذا هي موجودة؟) وكيف يستخدم الرّبّ أولاده في البنيان؟
مكتوب عن حياة الكنيسة الأولى في أورشليم بحسب ما جاء في سفر أعمال الرسل 2: 41-47
“41فَقَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ، وَاعْتَمَدُوا، وَانْضَمَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ.42وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ، وَالشَّرِكَةِ، وَكَسْرِ الْخُبْزِ، وَالصَّلَوَاتِ. 43وَصَارَ خَوْفٌ فِي كُلِّ نَفْسٍ. وَكَانَتْ عَجَائِبُ وَآيَاتٌ كَثِيرَةٌ تُجْرَى عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ. 44وَجَمِيعُ الَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعًا، وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا. 45وَالأَمْلاَكُ وَالْمُقْتَنَيَاتُ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَقْسِمُونَهَا بَيْنَ الْجَمِيعِ، كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ احْتِيَاجٌ. 46وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ يُواظِبُونَ فِي الْهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ الْخُبْزَ فِي الْبُيُوتِ، كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ، 47مُسَبِّحِينَ اللهَ، وَلَهُمْ نِعْمَةٌ لَدَى جَمِيعِ الشَّعْبِ. وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ
لفهم كيفيّة بناء الرّبّ لكنيسته، علينا أن نفهم ما هي غاية الكنيسة؟
أولاً. الرّب يبني كنيسته من خلال إعلانه الواضح عن غاية الكنيسة
:كنيسة المسيح لها غاية محدّدة. والمسيح قد حدّد غاية الكنيسة وأهدافها. وتتلخّص بستّة أمور رئيسيّة لوجود الكنيسة
لعبادة الرّبّ –
الله يطلب أشخاص يسجدون له بالرّوح والحق (يو 4: 23)
العبادة تحتوي على: وعظ وصلاة (اع 2: 42) وترنيم (اف 5:19) وعطاء (1كو16: 2)
لممارسة الفرائض المعطاة من الرّبّ –
:الكنيسة هي مكان لممارسة الفرائض الّتي أوصى بها الرّبّ
المعموديّة (متّى 28: 19) – بالمعموديّة ينضمّ المؤمن إلى الكنيسة-
مائدة الرّب (1كو 11: 23) – مائدة الرّبّ تتذكّر الكنيسة خلاص المسيح-
لبنيان المؤمنين –
:الكنيسة هي مكان لبناء المؤمنين
لنمو الأفراد المؤمنين روحيًّا (رو 14: 19)-
لتدريبهم في مواهبهم (اف 4: 12)-
للشركة بين المؤمنين –
الكنيسة هي مكان للشركة الرّوحيّة بين الأخوة المؤمنين: (أعمال 2: 42)
الكنيسة هي المجتمع المثالي ليعيش الإنسان في جوٍّ من القداسة العمليّة وللشركة بين المؤمنين
للخدمة الرّوحيّة –
:الكنيسة هي مكان للخدمة
الرّبّ يطلب من المؤمن أن يخدم (1 بط 4: 10)
الرّوح القدس يقسّم المواهب على المؤمنين (1 كو 12: 11)
هدف المواهب هو بناء الكنيسة (اف 4:12)
للكرازة بإنجيل المسيح في العالم –
:الكنيسة موجودة للكرازة بالإنجيل
المسيح سلّم المأموريّة العظمى للكنيسة (متّى 28: 19-20)-
الكنيسة تذيع الإنجيل في العالم (1 تس 1: 8)-
الكنيسة التي تختبر عمل الرّبّ العظيم فيها هي كنيسته، تفهم قصده لها، وتلتزم بالقصد الإلهي
إن أراد المؤمن أن يرى عجائب تحدث في الكنيسة، عليه أن يكون ملتزم بقصد الرّبّ للكنيسة. في العدد 43،”وَصَارَ خَوْفٌ فِي كُلِّ نَفْسٍ. وَكَانَتْ عَجَائِبُ وَآيَاتٌ كَثِيرَةٌ تُجْرَى عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ. “في العدد 47، “47مُسَبِّحِينَ اللهَ، وَلَهُمْ نِعْمَةٌ لَدَى جَمِيعِ الشَّعْبِ. وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ
ثانيًا. الرّبّ يبني كنيسته من خلال وحدة شعبه حول مخطّطه
.”وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ يُواظِبُونَ فِي الْهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ”
:ولكن إبليس ويحاول أن يهاجم الكنيسة من خلال ضرب أهداف الكنيسة
ضرب عبادة الرّبّ الصّحيحة: التّشويه في العبادة في الكنائس التّقليديّة، وحتّى في بعض الكنائس الإنجيليّة
!ضرب ممارسة الفرائض المطلوبة: معموديّة الخلاص! مائدة الرّب: سرّ –
!ضرب بنيان المؤمنين، وضرب المؤسسة الإلهيّة –
!ضرب الشرّكة بين المؤمنين والعائلة الروحيّة –
!الخدمة الرّوحيّة: الإكليروس وعامة الشّعب –
!ضرب الكرازة في العالم وإقناع النّاس أنّها لا تحتاج للإنجيل بل للأعمال الصّالحة –
إبليس يحاول أن يضرب الكنيسة وأن يلهيها بأمور ثانويّة لكي يحرفها عن غايتها ويشلّ حركتها. وأيضًا في الكنائس الكتابيّة يحاول إبليس دائمًا أن يشتّت المؤمنين عن هذه الأمور الأساسيّة. لِذا، المؤمنون مطالبون أن يتّحدوا معًا حول أهداف الرّبّ الكتابيّة للكنيسة
المؤمنون في أورشليم كانوا معًا … لاحظوا عدد 44
وَجَمِيعُ الَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعًا، وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا. 45وَالأَمْلاَكُ وَالْمُقْتَنَيَاتُ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَقْسِمُونَهَا بَيْنَ الْجَمِيعِ، كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ احْتِيَاجٌ. 46وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ يُواظِبُونَ فِي الْهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ الْخُبْزَ فِي الْبُيُوتِ، كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ
ووحدة شعب الرّبّ حول الأهداف تتطلّب خضوع الفرد والتّخلّي عن حقوقه وصلاحياته وامتيازاته لخير مخطط الرّبّ في الكنيسة. فالوحدة تتطلّب التّضحية بالأمور الثّانويّة. لأنّ الكنيسة تبنى على أشخاص يضحّون بأنفسهم وآرائهم ومخطّطاتهم وذواتهم لكي يتحقق قصد الرّبّ المبارك. فهذه الحياة هي الّتي تكلّم عنها بولس في رسالته لكنيسة فيلبّي قائلاً: “فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، حَتَّى إِذَا جِئْتُ وَرَأَيْتُكُمْ، أَوْ كُنْتُ غَائِبًا أَسْمَعُ أُمُورَكُمْ أَنَّكُمْ تَثْبُتُونَ فِي رُوحٍ وَاحِدٍ، مُجَاهِدِينَ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ لإِيمَانِ الإِنْجِيلِ”. (في 1: 28)
أن يعيش المؤمن كما يحق لإنجيل المسيح يعني أن يعيش مع إخوته في وحدة حالٍ وانسجامٍ تامٍّ ويجاهد معهم بجهاد مبارك لإيمان الإنجيل. فإنّ الرّبّ قد شبّه كنيسته بالجسد والمؤمنين بالأعضاء. كما شبّهها بالجيش والمؤمنين بالجنود
المؤمن هو عضو في الجسد، أي الكنيسة، يعني أنّه جنديّ ليسوع المسيح … وبالتّالي لن يقدر أن يحقّق قصد الرّبّ لحياته خارج الجسد ويربح المعركة لوحده… وأيضًا لا يقدر أن يكون في صراع مع الأعضاء في الجسد … ولا يستطيع أن يربح المعركة بمحاربته للجنود الآخرين الذين معه … فعليه أن يتحد بالفكر والهدف الكتابي ليحقّق قصد الرّبّ لحياته. كما يحتاج لوحدة حالٍ مع شعب الرّبّ لتحقيق الهدف
ثالثًا. الرّبّ يبني كنيسته من خلال المؤمن بالسّهر الرّوحي
لأن الكنيسة هي مجموعة من المؤمنين البشر، يحاول إبليس عن يضعفها ويشلّ حركتها ويحاول أن يقضي عليها. فيشنّ عليها حربًا قويّة: حربًا خارجيّةً بالاضطهاد … وهذا لا ينتهي … ولكنّه لا يضعف الكنيسة، وحربًا داخليّةً من خلال الضّعف الرّوحي
:بسهر المؤمن على حياة القداسة
أوّل مشكلة داخليّة واجهت الكنيسة هي خطيّة حنانيا وسفيرة … الخطيّة من داخل الكنيسة. وكان على الكنيسة ن تنقّي نفسها … كان على القياديين في الكنيسة، وتحت إرشاد الرّوح القدس، أن يختاروا القداسة دائما … والأهمّ بالموضوع هو المشكلة الثّانية الّتي واجهت الكنيسة. وهي التّذمر والتّشكّي وعدم الرّضى من الأرامل واليونانيّات على العبرانيّات في أعمال الرسل 6. فعندما كبرت الكنيسة ، ازدادت احتمالات الانحراف عن المخطط الأساسي. وطبعًا إبليس انتهز الفرصة لضرب الكنيسة وانحرافها عن الهدف الأساسي. ولكن الرّبّ جهّز الكنيسة لهذه المعركة
وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ تَكَاثَرَ التَّلاَمِيذُ، حَدَثَ تَذَمُّرٌ مِنَ الْيُونَانِيِّينَ عَلَى الْعِبْرَانِيِّينَ أَنَّ أَرَامِلَهُمْ كُنَّ يُغْفَلُ عَنْهُنَّ فِي الْخِدْمَةِ الْيَوْمِيَّةِ. 2فَدَعَا الاثْنَا عَشَرَ جُمْهُورَ التَّلاَمِيذِ وَقَالُوا:«لاَ يُرْضِي أَنْ نَتْرُكَ نَحْنُ كَلِمَةَ اللهِ وَنَخْدِمَ مَوَائِدَ. 3فَانْتَخِبُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ سَبْعَةَ رِجَال مِنْكُمْ، مَشْهُودًا لَهُمْ وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ، فَنُقِيمَهُمْ عَلَى هذِهِ الْحَاجَةِ. 4وَأَمَّا نَحْنُ فَنُواظِبُ عَلَى الصَّلاَةِ وَخِدْمَةِ الْكَلِمَةِ». 5فَحَسُنَ هذَا الْقَوْلُ أَمَامَ كُلِّ الْجُمْهُورِ، فَاخْتَارُوا اسْتِفَانُوسَ، رَجُلاً مَمْلُوًّا مِنَ الإِيمَانِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ، وَفِيلُبُّسَ، وَبُرُوخُورُسَ، وَنِيكَانُورَ، وَتِيمُونَ، وَبَرْمِينَاسَ، وَنِيقُولاَوُسَ دَخِيلاً أَنْطَاكِيًّا. 6اَلَّذِينَ أَقَامُوهُمْ أَمَامَ الرُّسُلِ، فَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمِ الأَيَادِيَ. 7وَكَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ تَنْمُو، وَعَدَدُ التَّلاَمِيذِ يَتَكَاثَرُ جِدًّا فِي أُورُشَلِيمَ، وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الْكَهَنَةِ يُطِيعُونَ الإِيمَانَ.” (أع 6: 1-7)
:قيادة روحيّة في الكنيسة
وضع الرّبّ أولاً في الكنيسة رعاةً روحيين أمثال بطرس والتّلاميذ الأوائل. فالقيادة الرّوحيّة هي أساسيّة في بنيان الكنيسة.وثاني أهمّ عامل هم الشّمامسة أي مساعدي الرّعاة الّذين يفهمون قصد الله للكنيسة ويساعدون الرّعاة على ضبط أجواء الكنيسة ضمن الأهداف الموضوعة من الرب
:أعضاء نامين في القداسة والخدمة
الرّبّ يبني كنيسته عندما يكون هناك مؤمنون لديهم رغبةً بالنّمو الرّوحي وفي الخدمة
ختامًا،يبني الرّبّ كنيسته بأيدي المؤمنين يعني من خلالك أيضًا. على سبيل المثال، فريق كرة القدم الّذي يربح الكأس هو فريق يعرف الهدف من المباراة. ويدرك كلّ لاعبٍ فيه مسؤوليّته ودوره ، وكيفية اللّعب فيه بانسجامٍ وتناغمٍ ووحدة حالٍ مع الآخرين ، وفيه يخضع كلّ لاعبٍ لمخطط قائد الفريق . وعندما يربحون المباراة، يرفع الجميع الكأس، كأس الانتصار
وكذلك، إن هدفت كنيسة المسيح لرفع كأس النّصرة، فإنّها تحتاج إلى مؤمنين يفهمون قصد الرّبّ للكنيسة، يعيشون بوحدة حالٍ مع إخوتهم، ويخضعون لقائد الكنيسة الرّبّ يسوع المسيح. استنادًا على ما سبق، نعم المسيح يبني كنيسته. وهو يبنيها من خلالك
سنة 1988 في زمن حرب التّحرير، كانت عائلتنا مقسومة. فوالدي كان في أميركا ، ووالدتي وإخوتي وأنا كنّا في لبنان . كانت الحرب قويّة وبيتنا على الجبهة . كنّا ننام ونقوم لنرى من بقي حيّا. وكنّا نبتغي السّفر لنكون مع والدي في أميركا. ولكن المشكلة هي أنّ أمي وإخوتي الصّغار معهم تأشيرة دخول إلى أميركا أمّا أخي الكبير وأنا فلم يكن لدينا تأشيرة دخول. فماذا نفعل؟ ماذا تفعل والدتي؟… أخيرا، اتخذنا القرار بأن تسافر والدتي وإخوتي الصّغار ونبقى أخي الأكبر وأنا في لبنان … أتذكر ذلك اليوم الذي فيه غادرت أمّي المنزل والدّموع في عينيها. هي تذهب الى بلاد الغربة تاركةً وراءها شابين. واحد عمره ستّة عشرة سنة والآخر تسعة عشرة . نظرت أمّي إلى أخي وقالت له “انتبه إلى أخيك …”، ثمّ نظرت إليّ وتفوّهت بالعبارة نفسها: “انتبه إلى أخيك”، ومن ثمّ تابعت قائلةً: “ليس لكم إلّا بعضكم، انتبهوا على بعضكم” … مثل هذه الكلمات قالها الرّبّ لبطرس. حين سأله “أتحبّني؟” ثلاث مرّات وفي كلّ مرّة، قال ارع خرافي … لذا على كلّ منّا كإخوة تحمّل المسؤوليّة ضمن الكنيسة. وعندما تنبّأ الرّبّ عن اختباره المرّ، قال له: “متى رجعت ثبت إخوتك
“وأخيرًا هذا ما يقوله لك الرّبّ: “انتبه إلى أخيك … أخوك هنا ليس له غيرك
هكذا يبني الرّب كنيسته