الدخول إلى العمق في النهضة الروحيّة

الحياة مع الرّب حياة ملذّة وممتعة وحلوة … “فالمسيح أتى لكي تكون لنا حياة ويكون لنا أفضل” (يو 10: 10). الرّب يريد من المؤمن أن يعيش هذه الحياة الفضلى. هذه الحياة التي يعيش فيها المؤمن في العالم دون أن يتأثر بكل ما يجري في العالم … الرّب يريد أنّ المؤمن يعيش رأسه وقلبه وفكره ومشاعره بالسماء ورجليه على الأرض. ولكن هذه الحياة تحتاج إلى العمق الروحي. هذا العمق الروحي يأتي من النهضات المتتالية في حياة المؤمن. وبخاصة النهضات المتقدمة في حياة الإيمان. عندما يكون المؤمن منفتح لعمل الرّب في كل مراحل حياته

موسى اختبر نهضة رائعة في حياته بعد عمر الثمانين. كانت أهمّ نهضة في حياته بعد أن كسّر لوحي الشهادة بسبب خطيّة الشعب، بخيانتهم للرّب وصنع العجل الذهبي. هذه النهضة أدّت بموسى بأن يتشدّد ويصعد إلى الجبل مجدّدا ليأخذ الوصايا من جديد. قاد موسى الشعب في النهضة الروحيّة. هناك تاب الشعب وعاهدوا الرّب أن يكون هو في وسطهم. ولكن موسى لم يكتفِ، بل قرّر أن يدخل إلى العمق. ماذا يعني أن يدخل الإنسان المؤمن إلى العمق في النهضة الروحيّة؟

نقرأ ما حدث في خروج 33: 12- 23، “12وَقَالَ مُوسَى لِلرَّبِّ: «انْظُرْ. أَنْتَ قَائِلٌ لِي: أَصْعِدْ هذَا الشَّعْبَ، وَأَنْتَ لَمْ تُعَرِّفْنِي مَنْ تُرْسِلُ مَعِي. وَأَنْتَ قَدْ قُلْتَ: عَرَفْتُكَ بِاسْمِكَ، وَوَجَدْتَ أَيْضًا نِعْمَةً فِي عَيْنَيَّ. 13فَالآنَ إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَعَلِّمْنِي طَرِيقَكَ حَتَّى أَعْرِفَكَ لِكَيْ أَجِدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ. وَانْظُرْ أَنَّ هذِهِ الأُمَّةَ شَعْبُكَ». 14فَقَالَ: «وَجْهِي يَسِيرُ فَأُرِيحُكَ». 15فَقَالَ لَهُ: «إِنْ لَمْ يَسِرْ وَجْهُكَ فَلاَ تُصْعِدْنَا مِنْ ههُنَا، 16فَإِنَّهُ بِمَاذَا يُعْلَمُ أَنِّي وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ أَنَا وَشَعْبُكَ؟ أَلَيْسَ بِمَسِيرِكَ مَعَنَا؟ فَنَمْتَازَ أَنَا وَشَعْبُكَ عَنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ». 17فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «هذَا الأَمْرُ أَيْضًا الَّذِي تَكَلَّمْتَ عَنْهُ أَفْعَلُهُ، لأَنَّكَ وَجَدْتَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيَّ، وَعَرَفْتُكَ بِاسْمِكَ».18فَقَالَ: «أَرِنِي مَجْدَكَ». 19فَقَالَ: «أُجِيزُ كُلَّ جُودَتِي قُدَّامَكَ. وَأُنَادِي بِاسْمِ الرَّبِّ قُدَّامَكَ. وَأَتَرَاءَفُ عَلَى مَنْ أَتَرَاءَفُ، وَأَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ». 20وَقَالَ: «لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ». 21وَقَالَ الرَّبُّ: «هُوَذَا عِنْدِي مَكَانٌ، فَتَقِفُ عَلَى الصَّخْرَةِ. 22وَيَكُونُ مَتَى اجْتَازَ مَجْدِي، أَنِّي أَضَعُكَ فِي نُقْرَةٍ مِنَ الصَّخْرَةِ، وَأَسْتُرُكَ بِيَدِي حَتَّى أَجْتَازَ. 23ثُمَّ أَرْفَعُ يَدِي فَتَنْظُرُ وَرَائِي، وَأَمَّا وَجْهِي فَلاَ يُرَى

:الدخول إلى عمق النهضة الروحيّة هي حالة

أولا. الكفاية الروحيّة بالرّب

الإنسان منذ ولادته يعيش حياة الاعتماد. في الصغر يعتمد على أهله وفي المدرسة يعتمد على الأستاذ وفي الكبر يبحث عمن يعتمد عليه. سأل موسى الرّب من وسط النهضة قائلا: … وَأَنْتَ لَمْ تُعَرِّفْنِي مَنْ تُرْسِلُ مَعِي!!!”.  لمرحلة في حياة موسى كان يطلب الاعتماد على الآخرين … عندما دعا الرّب موسى في العليقة، خاف موسى من دعوة الرّب وحاول التهرّب، والرّب وعده بأن يعطيه هارون ليكون مساعده. “أَلَيْسَ هَارُونُ اللاَّوِيُّ أَخَاكَ؟ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ يَتَكَلَّمُ، وَأَيْضًا هَا هُوَ خَارِجٌ لاسْتِقْبَالِكَ. فَحِينَمَا يَرَاكَ يَفْرَحُ بِقَلْبِهِ …” (خر 4: 14). وفعلا، كان هارون مساند موسى ومساعده.  ونحن نحتاج إلى أشخاص يضعهم الله في حياتنا.

ولكن النهضة الروحيّة تحصل في حياتنا عندما يخرج أولئك الأشخاص من علاقتنا مع الرّب، لتصبح علاقتنا قويّة ومباشرة ومكتفية بالرّب. يمكن أن يكون في بداية إيمانك شخص ما بشرك! أو الرّب استخدم مؤمنين في حياتك! أو الرّب استخدم راعي الكنيسة في حياتك! لكن ليس مخطط الرّب أن تبقى علاقتك بالرّب متأثرة بهم، لأنّه يوجد احتمال أن يضعف الآخرون، وربما في أماكن معيّنة ومواقف معيّنة يسقطون. نعم، سقط هارون في خطيّة صنع العجل الذهبي. والآن موسى متألم لأنّ بالنسبة له سند ضهره قد انكسر، ولكن النهضة ابتدأت عندما أدرك موسى أن الرّب كفايته

ذكر موسى قول الرّب له: “عَرَفْتُكَ بِاسْمِكَ، وَوَجَدْتَ أَيْضًا نِعْمَةً فِي عَيْنَيَّ.” سمع موسى صوت الرّب القائل: “وَجْهِي يَسِيرُ فَأُرِيحُكَ”. قال الرب لموسى، أنت تطلب أشخاص يسيرون معك … أنا أعطيك حضوري ووجهي. في ذلك المكان فهم موسى الرسالة، فقال للرّب: “إِنْ لَمْ يَسِرْ وَجْهُكَ فَلاَ تُصْعِدْنَا مِنْ ههُنَا

دخل موسى إلى حالة روحيّة جديدة في حياته، إسمها “كفاتي من الرّب”. إذا كنت تريد أن تدخل إلى عمق النهضة الروحيّة، عليك أن تصل إلى مرحلة شبع روحي من الرّب فيها الكفاية الإلهيّة. هذه هي الحالة التي وصل إليها بولس الرسول في خدمته حين قال: “لَيْسَ أَنَّنَا كُفَاةٌ مِنْ أَنْفُسِنَا أَنْ نَفْتَكِرَ شَيْئًا كَأَنَّهُ مِنْ أَنْفُسِنَا، بَلْ كِفَايَتُنَا مِنَ اللهِ، الَّذِي جَعَلَنَا كُفَاةً لأَنْ نَكُونَ خُدَّامَ عَهْدٍ جَدِيدٍ

:الدخول إلى عمق النهضة الروحيّة هي حالة

ثانيا. الحياة لرضى الرّب

بداية حياة الإيمان هي بداية الصراعات الروحيّة. معارك بين الولاء للرب والولاء للعائلة. معارك بين الحريّة من الخطيّة وسيطرة الخطيّة على حياتي. معارك بين حياة الالتزام الكنسي والتزاماتي الخاصة. يمرّ المؤمن ببداية حياته بحروب روحيّة قويّة. وتستقر حياة المؤمن من الكثير من المعارك عندما يتخذ مواقف جبارة لطاعة الرّب. ولكن النهضة الروحيّة في حياتنا هي حالة يصل إليها المؤمن. هي حالة يختبر فيها المؤمن أنّ كل ما في العالم باطل وأن ينبوع العالم فارغ لا يستطيع أن يرويه، وأن كل علاقاته وصداقاته مع الآخرين ليست سوى لوح ثلج يذوب بسهولة. وهي عندما يدرك الإنسان أن رضى الآخرين هو عملة بلا قيمة وهو شك بلا رصيد، وهي عندما يدرك بأن كل ما يهمّ في الحياة هو رضى الله. موسى وصل إلى هذه المرحلة التي فيها كان تصميمه أن يعيش في رضى الرّب وحده

:كانت لموسى الرغبة في الحفاظ على البركة –

فَالآنَ إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ”. قال له يا رب إن كنت فعلا قد وجدت نعمة في عينيك … أريد يا رب أن أحافظ على البركة

:كانت لموسى الرغبة في معرفة طرق الرّب –

فَعَلِّمْنِي طَرِيقَكَ”. كان موسى قد قطع الثمانين من عمره، وكان قد اختبر تعاملات مباشرة من الرّب. كان الرّب يحدثه وجها لوجه. هو الذي تلاقى بالرب على الجبل وأخذ الوصايا من الرّب.هذا الرجل كان لديه الرغبة بأن ينمو في طرق الرّب

:وليس ذلك فقط بل كانت لديه الرغبة في النمو بمعرفة الرّب –

.اسمعوا ما قال للرّب: “حَتَّى أَعْرِفَكَ لِكَيْ أَجِدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ.” بعمر الثمانين لديه الرغبة في النمو بمعرفة الرّب

:وليس ذلك فقط، بل أيضًا كانت لديه الرغبة بأن يكون بركة للآخرين –

وَانْظُرْ أَنَّ هذِهِ الأُمَّةَ شَعْبُكَ”. لم ينسَ لحظة مسؤوليته تجاه شعب الرّب”

كان شعار موسى في هذه المرحلة: حياة في رضى الرّب

في هذه الحالة يختبر المؤمن عظمة حضور الرّب في حياته. اسمع ما قاله الرّب لموسى: “14فَقَالَ: «وَجْهِي يَسِيرُ فَأُرِيحُكَ».” النهضة الروحيّة هي حالة فيها تريد أن ترضي الرّب في كل ما تفعل

:الدخول إلى عمق النهضة الروحيّة هي حالة

ثالثا. القرارات بقيادة الرّب

إحدى الجوانب المهمّة في حياتنا هي قرارات حياتنا. الإنسان دائما في صراع مع قراراته. المؤمن يتوظف بهذا العمل أو لا؟ يذهب إلى السهرة مع أصحابه أو لا؟ هذا اللباس يرضي الرّب أو لا؟ ولكن بعد ذلك تختلف الأسئلة. ما هي موهبتي؟ هل الرب يريدني أن أخدم بهذه الخدمة؟ هل هذا هو الشخص المناسب للزواج؟

ولما أصبح في وضع اقتصادي صعب، هل أغيّر وظيفتي؟ هل أسافر أو أبقى في لبنان؟

هذه قرارات مهمة في حياتنا … والقرارات هي مفترق طرق في حياة الإنسان. فإذا تتزوج شخص معيّن، ترتبط به كل أيام حياتك. إذا تسافر تتغير أمور كثيرة في حياتك. وإذا تقرر كمؤمن أن تحافظ على أصدقاء غير مؤمنين، تؤثر على حياتك

اسمعوا ما قرره موسى: “15فَقَالَ لَهُ: «إِنْ لَمْ يَسِرْ وَجْهُكَ فَلاَ تُصْعِدْنَا مِنْ ههُنَا، 16فَإِنَّهُ بِمَاذَا يُعْلَمُ أَنِّي وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ أَنَا وَشَعْبُكَ؟ أَلَيْسَ بِمَسِيرِكَ مَعَنَا؟ فَنَمْتَازَ أَنَا وَشَعْبُكَ عَنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ

اسمعوا ما قاله الرب لموسى: “17فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «هذَا الأَمْرُ أَيْضًا الَّذِي تَكَلَّمْتَ عَنْهُ أَفْعَلُهُ، لأَنَّكَ وَجَدْتَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيَّ، وَعَرَفْتُكَ بِاسْمِكَ

.انتبهوا فالقرارات والخيارات الفرديّة، وخاصة في الظروف الصعبة، قد تكون سبب للخروج عن مشيئة الرّب

.النهضة الروحيّة، هي أن تصمّم أمام الرّب أن لا تسر خطوّة إن لم يسر وجه الرّب امامك

:الدخول إلى عمق النهضة الروحيّة هي حالة

رابعا. طلب مجد الرّب

.إن النهضة الروحيّة هي حالة فيها الإنسان يطلب مجد الرّب في كل ما يفعله، أي مؤمن يريد أن يرى مجد الرّب

اسمع ما قاله موسى: “18فَقَالَ: «أَرِنِي مَجْدَكَ».” الله يريك ما لا يقدر العالم أن يراه. الله يريك ما لا يقدر أحيانا مؤمنين آخرين أن يروه، “19فَقَالَ: «أُجِيزُ كُلَّ جُودَتِي قُدَّامَكَ. وَأُنَادِي بِاسْمِ الرَّبِّ قُدَّامَكَ.” هو يفعل هذا في سلطانه المطلق، “وَأَتَرَاءَفُ عَلَى مَنْ أَتَرَاءَفُ، وَأَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ».” توجد أمور نستطيع أن نتحملها وأمور أخرى لا نقدر أن نتحملها بمجد الرّب.  “20وَقَالَ: «لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ». الرب يعرف ويختار كيف يرينا مجده. “21وَقَالَ الرَّبُّ: «هُوَذَا عِنْدِي مَكَانٌ، فَتَقِفُ عَلَى الصَّخْرَةِ. 22وَيَكُونُ مَتَى اجْتَازَ مَجْدِي، أَنِّي أَضَعُكَ فِي نُقْرَةٍ مِنَ الصَّخْرَةِ، وَأَسْتُرُكَ بِيَدِي حَتَّى أَجْتَازَ. 23ثُمَّ أَرْفَعُ يَدِي فَتَنْظُرُ وَرَائِي، وَأَمَّا وَجْهِي فَلاَ يُرَى

لقد وصل موسى إلى مرحلة، يريد فيها أن يرى مجد الرّب … يريد أن مجد الرّب يسبي قلبه وعقله وفكره لدرجة أنّ تتأثر حياته بهذا المجد، ليصبح خياره الوحيد في الحياة أن يرى مجد الرّب في كل يحصل في حياته. المؤمن الذي يعيش النهضة الروحيّة هو مؤمن يطلب مجد الرّب في خلوته وفي عبادته وسلوكه وخدمته وعلاقاته وصداقاته وكلماته وأحاديثه ونظراته وكل ما يفعل … مؤمن يسأل الرّب قائلا: “أريد أن أرى مجدك

في الختام، الحياة مع الرّب فيها لذة ومتعة، ولكن لذة ومتعة الحياة مع الرّب هي في حياة العمق الروحي، وقلائل هم المؤمنين الذين يصلون إليها. النهضة هي خيار في حياة المؤمن … ليكن خيارنا النهضة … والدخول إلى عمق النهضة الروحيّة

:النهضة الروحيّة هي حالة يعيشها المؤمن لها أربعة جوانب

الرّب كفايتي-حياة في رضى الرّب-لا أسر إن لم يسر وجهك أمامي-أنا أطلب مجد الرّب في كل جوانب حياتي