الأمّ غالية جدّاً ومميّزة في نظر الرّبّ. كلّ واحد منّا مديون لأمّ حملته في أحشائها تسعة أشهر وحملته على يديها سنين وحملته في قلبها العمر كلّه. إنّما السؤال هو: من أين تأتي الأم بكل هذه القوّة، وبخاصة عندما تعيش وسط أزمات مستعصية؟ ولا يخفى على أحد اليوم أنّ كلّ أب وأمّ في يومنا هذا يعيشون بخوف وقلق على أولادهم. نحن نفتكر بحاضر أولادنا ونخاف عليهم من المرض والخطر، ونخاف أيضًا على مستقبلهم. كيف سيواجهون المستقبل؟ هل سيكمّلون دراستهم؟ هل سيجدون عمل؟ هل سيقدرون على الزّواج وتأسيس عائلة؟
نعيش وسط عالم متأزّم تتعرّض فيه الأمّ لضغوطات كثيرة، من المهم أن تتشجّع الأمّ من كلمة الرّبّ. يتكلم الكتاب المقدّس عن أمّ، كانت تعيش بأوضاع مثل أوضاعنا، ولكنّها اختبرت تعاملات خاصة من الرّبّ
اسم هذه الأمّ هاجر وهي جارية سارة وأمّ إسماعيل. كان إبراهيم وسارة قد كبرا في العمر ولم يكن لهم ولد. فخطرت الفكرة على ذهن سارة أن تعطي جاريتها لإبراهيم لكي ينجب منها ابنًا ليرثه. وهكذا حدث. أنجبت هاجر ابن إبراهيم الأوّل إسماعيل. وكبر ابنًا مدلّلًا في المنزل. ولكن بعد 13 سنة أعطى الرّبّ إبراهيم وسارة ابن الموعد إسحاق. فرح إبراهيم وسارة بإسحاق. ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان. بعد حوالي ثلاث سنوات حدث الصّدام بين ابن الموعد إسحاق وابن الجارية إسماعيل، وطلبت سارة من إبراهيم أن يطرد الجارية وابنها من المنزل. وهذا أحزن إبراهيم. ولكن الرّبّ طلب من إبراهيم أن يفعل هذا. فطُردت هاجر وابنها إسماعيل من بيت إبراهيم. ومن دفع الثمن الكبير؟ هاجر والدة إسماعيل
تكوين 21: 5-21
“5 وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ حِينَ وُلِدَ لَهُ إِسْحَاقُ ابْنُهُ. 6وَقَالَتْ سَارَةُ: «قَدْ صَنَعَ إِلَيَّ اللهُ ضِحْكًا. كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ يَضْحَكُ لِي». 8وَقَالَتْ: «مَنْ قَالَ لإِبْرَاهِيمَ: سَارَةُ تُرْضِعُ بَنِينَ؟ حَتَّى وَلَدْتُ ابْنًا فِي شَيْخُوخَتِهِ!». فَكَبِرَ الْوَلَدُ وَفُطِمَ. وَصَنَعَ إِبْرَاهِيمُ وَلِيمَةً عَظِيمَةً يَوْمَ فِطَامِ إِسْحَاقَ. 9وَرَأَتْ سَارَةُ ابْنَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ لإِبْرَاهِيمَ يَمْزَحُ 10فَقَالَتْ لإِبْرَاهِيمَ: «اطْرُدْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا لأَنَّ ابْنَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ
أولًا. واقع الأزمات المرّ في عالم ساقط
كان يوم فرح عظيم يوم ولد إسماعيل من هاجر. ولكن إسماعيل لم يكن ابن الموعد. حصل خطأ في حياة إبراهيم وسارة حين قرروا أن يساعدوا الرّبّ في تتميم وعده. فدخل إبراهيم على هاجر، فحبلت. وبدأت المنافسة. تقول كلمة الرّب: “فَدَخَلَ عَلَى هَاجَرَ فَحَبِلَتْ. وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ صَغُرَتْ مَوْلاَتُهَا فِي عَيْنَيْهَا.” (تك 16: 4). هذا أدى بسارة لأن تذلّ هاجر، فهربت هاجر في المرّة الأولى من بيت إبراهيم ولكن الرّبّ التقى بها وأمرها أن ترجع وتخضع لسارة. وهكذا كان. مرّت الأيام وولد إسحاق ابن الموعد
تقول كلمة الرّب: “5 وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ حِينَ وُلِدَ لَهُ إِسْحَاقُ ابْنُهُ. 6وَقَالَتْ سَارَةُ: «قَدْ صَنَعَ إِلَيَّ اللهُ ضِحْكًا. كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ يَضْحَكُ لِي». 8وَقَالَتْ: «مَنْ قَالَ لإِبْرَاهِيمَ: سَارَةُ تُرْضِعُ بَنِينَ؟ حَتَّى وَلَدْتُ ابْنًا فِي شَيْخُوخَتِهِ
كان أمرًا مبهجًا ومفرحًا، وكان الأهل والأصدقاء وكلّ من يعرف ويسمع بالخبر يندهش ويضحك على سارة التي ترضع ابنًا في شيخوختها. وجاء اليوم الذي يدعى يوم الفطام، حيث كان يفطم الولد ويصنع وليمة. كان هذا يحدث في زمن إبراهيم ما بين 3 سنين وخمس سنين من عمر الولد. مما يعني بأن إسحاق كان عمره على الأقلّ 3 سنين، وإسماعيل كان عمره ما لا يقلّ عن 16 سنة
“فَكَبِرَ الْوَلَدُ وَفُطِمَ. وَصَنَعَ إِبْرَاهِيمُ وَلِيمَةً عَظِيمَةً يَوْمَ فِطَامِ إِسْحَاقَ. 9وَرَأَتْ سَارَةُ ابْنَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ لإِبْرَاهِيمَ يَمْزَحُ”
في ذلك الاحتفال الكبير، كانت عين سارة على ابنها إسحاق. وكان إسماعيل يمزح مع إسحاق. كل الناس كانوا يمزحون ويضحكون ولكن ذلك المشهد كان مختلفًا. رأت سارة بمنظار روحي المنافسة بين ابن الجارية وابن الموعد. رأت الخطر والتّشويش على مخطّط الرّبّ إن بقي اسماعيل في المنزل. وكان قرار صعبًا عليها حين طلبت من إبراهيم طرد الجارية وابنها. “10فَقَالَتْ لإِبْرَاهِيمَ: «اطْرُدْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا لأَنَّ ابْنَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ
كان هذا القرار ليريح سارة ولكنّه كان أصعب قرار بالنسبة إلى هاجر. ماذا ستفعل هاجر بابنها؟ كيف ستعيش؟ ماذا سيحدث الآن؟ واقع الحياة التي نعيشها والقرارات التي نتخذها والقرارات التي يتخذها الآخرون من حولنا، توصلنا إلى واقع اسمه واقع الأزمات. إبراهيم أخطأ، سارة أخطأت وهاجر أيضًا أخطأت. ولكن لا يستطيع ابن الجارية أن يرث مع إسحاق ابن الوعد. الأزمات تأتي إلى حياة أمّ كهاجر بسبب واقع الخطيّة التي تسود في العالم. الأمّ، وليس مثل قلب الأم، تواجه التّحديات من أوّل يوم زواج. تترك أهلها وتلتصق بزوجها وهنا يبدأ التّحدي. كيف أوفّق بين أهلي وزوجي وعائلته؟ تلد أولاد، وقبل أن يولد الولد يبدأ التّحدي. هل سيولد كاملًا أو مشوّها؟ ماذا سيحدث؟ ثم يولد الولد. هل سينمو الولد نموًّا طبيعيّا؟ هل سيعيش؟ ويا لها من ليال صعبة، ليالي السّهر الطّويلة والتّحديات والأمراض والحوادث. وما أن يكبر الولد حتى نتساءل: هل سينجح؟ هل سيتحمل المسؤوليّة؟ يكبر ويكبر همّه معه
في زمننا الحاضر، وبينما يلعب الأولاد ويضحكون، تراقب الأمّ أولادها وبين ضحكاتهم، تتساءل بألم: “كيف سيعيش أولادي في وسط هذا العالم الشّرير؟ كيف سيكبرون في هذا الوطن؟ هل سيقدرون على العمل؟ هل سيستطيعون أن يتزوجوا ويفتحوا بيوتًا وينجبوا أولادًا ويعيشوا حياة طبيعيّة؟ تحمل الأمّ همّ أولادها بسبب واقع الأزمات الّتي تعيشه. أحيانًا تدفع الأمّ ثمن أخطائها وأحيانًا تدفع ثمن أخطاء الآخرين وأحيانًا أخرى تدفع ثمن الظّلم الموجود في العالم. ولكن وحدها الأمّ تشعر بما تشعر به هاجر
ثانيًا. سماح الرّب بالأزمات الّتي نمرّ بها
كان القرار صعبًا على الجميع، حتى أنّ إبراهيم استصعب الأمر. تقول كلمة الرّب عن ردّة فعل إبراهيم الأولى: “11فَقَبُحَ الْكَلاَمُ جِدّاً فِي عَيْنَيْ إِبْرَاهِيمَ لِسَبَبِ ابْنِهِ.” لم يكن الأمر سهلًا. لقد تعلّق إبراهيم بإسماعيل وكان رفيقه القريب وحبيبه المدلّل وابنه الوحيد لمدة 13 سنة. لذا لم يقبل الأمر في البداية. ولكن الرّبّ تدّخل. “12فَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: «لاَ يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ الْغُلاَمِ وَمِنْ أَجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ اسْمَعْ لِقَوْلِهَا لأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ
يوجد واقع بشري ويوجد واقع روحي. في الواقع البشري لقد أخطأ كلّ من إبراهيم وسارة. في الواقع الرّوحي إسحاق هو ابن الموعد. استخدم الرّبّ هذا التّشبيه في رسالة غلاطية غل 4: 23، “ لكِنَّ الَّذِي مِنَ الْجَارِيَةِ وُلِدَ حَسَبَ الْجَسَدِ، وَأَمَّا الَّذِي مِنَ الْحُرَّةِ فَبِالْمَوْعِدِ.” لا يقدر الإنسان المؤمن أن يوفّق بين مخّطط الجسد ومخطّط الرّبّ، أو بين مشيئة الجسد ومشيئة الرّبّ. كان لا بدّ من قرار جريء وحازم. حاول إبراهيم أن يوفّق بين قراراه الجسدي الخاطئ ومخطّط الرّبّ. ولكن الرّبّ كان واضحًا. عليك أن تدفع ثمن خطأك وتفعل الصّواب. عليك أن تطرد هاجر وإسماعيل كما قالت سارة. كيف أفعل هذا يا رب؟ أليس هذا ظلمًا؟
وهنا تدخّل الرّبّ بوعده لإبراهيم قائلًا، أنا سأعتني بهما. وهنا أعطى الرّبّ الوعد قائلا: “13وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضاً سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ».” كان أمرًا محزنًا أن تعرف هاجر أنّ الرّبّ الّذي سبق أن تعامل معها في البريّة من 17 سنة، ووعدها بالبركة، هو نفسه الّذي يسمح بهذه الظّروف في حياتها
كل ظرف في حياتنا ليس بمعزل عن سلطان الرّبّ وعن سماحه. عندما تتبع المسيح، هناك قرارات عائليّة صعبة. هل المسيح أوّلا أم هل العائلة أولا؟
أحيانًا الأمّ تتجدّد وتؤمن بالرّبّ وتسبّب ألماً للعائلة … أحيانًا الابن يتجدّد ويؤمن بالمسيح ويحدث ألم في حياة والدته …ماذا نفعل عندما تتعارض مشيئة الجسد مع مشيئة الرّبّ؟ عليك أن تتبع صوت الرّبّ وهو سيكون معك. سيأتي يوم في حياتك مثل هذا اليوم الّذي قال عنه المسيح، “فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ.” (متى 10: 35 و36) سيأتي يوم تسمع فيه صوت المسيح يقول لك: “مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي” (متى 10: 37)
تتألّم الأمّ اليوم في العالم، من جراء الإنجيل، نعم، وكلّ هذا بسماح من الرّبّ. لأن ابن الجارية لا يقدر أن يرث مع ابن الحرّة. الحياة الرّوحيّة تتطلّب قرارات جريئة. إن كان هناك ألم فليكن بحسب مشيئة الرّبّ كما قال الوحي في 1 بط 4: 19، ” فَإِذًا، الَّذِينَ يَتَأَلَّمُونَ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ، فَلْيَسْتَوْدِعُوا أَنْفُسَهُمْ، كَمَا لِخَالِق أَمِينٍ، فِي عَمَلِ الْخَيْرِ.” عندما تتألّمين لسبب ما، تذكّري أنّ الرّبّ يرى والرّبّ يسمح والرّبّ لديه قصد وسيكون معك في ظروفك
ثالثًا. قرارات النّاس تؤثر على الأزمات التي تمرّ بها
لماذا يحدث هذا مع هاجر؟ بسبب الخيار الخاطئ الّذي اتخذ من 17 سنة. “12فَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: «لاَ يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ الْغُلاَمِ وَمِنْ أَجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ اسْمَعْ لِقَوْلِهَا لأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ.” نحن ننسى ولكنّ الواقع لا ينسى. سارة وإبراهيم وهاجر يدفعون ثمن قراراتهم الخاطئة. إسماعيل وإسحاق يدفعان ثمن قرار أهلهما الخاطئ. إذا كنت تريد أن توفّر دفع ثمن على نفسك وعائلتك وأولادك، اتخذ قرارات صحيحة في حياتك. وفّر على نفسك وعلى أولادك دفع ثمن أخطائك
أكبر ألم في حياة الأمّ عندما ترى أولادها يسيرون بعيدا عن الرّبّ. خذي قرارات صحيحة بالتزامك وكلامك ومحبتك وقداستك وكلّ قرار في حياتك لتجعلي المسيح والكنيسة والخدمة جذّابة لأولادك. لأنّنا في حياتنا نحصد ما نزرع
آلامنا وتحدّياتنا أحيانًا تأتي من قراراتنا الخاطئة وأحيانًا من قرارات آخرين أيضا. علينا أن ندرك بأن الأزمات ستأتي لا محال، ولكنك تستطيع أن تخفف من حدّة الآلام والتّحدّيات والأزمات في حياتك عندما تتّخذ قراراتك بناء على كلمة الرّبّ
“يَا ابْنِي، لاَ تَنْسَ شَرِيعَتِي، بَلْ لِيَحْفَظْ قَلْبُكَ وَصَايَايَ. فَإِنَّهَا تَزِيدُكَ طُولَ أَيَّامٍ، وَسِنِي حَيَاةٍ وَسَلاَمَةً. لاَ تَدَعِ الرَّحْمَةَ وَالْحَقَّ يَتْرُكَانِكَ. تَقَلَّدْهُمَا عَلَى عُنُقِكَ. اُكْتُبْهُمَا عَلَى لَوْحِ قَلْبِكَ، فَتَجِدَ نِعْمَةً وَفِطْنَةً صَالِحَةً فِي أَعْيُنِ اللهِ وَالنَّاسِ. تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ. فِي كُلِّ طُرُقِكَ اعْرِفْهُ، وَهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلَكَ.” (ام 3: 1-6)
.ليكن هذا المقطع شعارك في سلوكك وفي تربية أولادك
رابعا. الواقع المرّ للأزمات الّتي توجهنا
.إن واقع الأزمة هو أصعب بكثير من التّفكير أو الحديث عن الأزمة
هذا ما حدث: “14فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحاً وَأَخَذَ خُبْزاً وَقِرْبَةَ مَاءٍ وَأَعْطَاهُمَا لِهَاجَرَ وَاضِعاً إِيَّاهُمَا عَلَى كَتِفِهَا وَالْوَلَدَ وَصَرَفَهَا. فَمَضَتْ وَتَاهَتْ فِي بَرِّيَّةِ بِئْرِ سَبْعٍ
في ذلك الصّباح اتخذ إبراهيم أحد أصعب القرارات في حياته. قرارا سيؤلمه وسيؤلم هاجر واسماعيل. سيؤلم سارة واسحاق. ولكنّه القرار الصّحيح
ورغم أنّ إبراهيم كان رجلاً غنيًّا وكان يقدر أن يفعل أكثر من ذلك ولكنّه عرف بأن الرّبّ سيهتمّ بهاجر. كان يعرف ابراهيم أنّ عليه أن يقطع كل صلة بهاجر وإسماعيل حسب أمر الرّبّ. أعطاهم زادًا لرحلة قصيرة
.خبزًا وقربةً أي وعاءً من جلد كان يوضع فيه الماء. لم تكن تعلم هاجر ماذا ستفعل. تاهت في برية بئر سبع
“وَلَمَّا فَرَغَ الْمَاءُ مِنَ الْقِرْبَةِ طَرَحَتِ الْوَلَدَ تَحْتَ إِحْدَى الأَشْجَارِ …”
كان يومًا صعبًا بالنّسبة إليها. سُدّت كلّ الأفق، وبمنظارها البشري ليس لها قدرة على الإستمراريّة. وليس لها قوّة على إعالة ولدها ولا تأمين مستقبله ولا أبسط وسائل العيش … طرحت تحت إحدى الأشجار
“وَمَضَتْ وَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ بَعِيداً نَحْوَ رَمْيَةِ قَوْسٍ لأَنَّهَا قَالَتْ: «لاَ أَنْظُرُ مَوْتَ الْوَلَدِ». فَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ وَرَفَعَتْ صَوْتَهَا وَبَكَتْ”
على كلّ شخص في هذا المكان أن يدرك بأنّ الرّبّ وحده يعرف الدّموع الّتي ذرفتها أمّك وهي تفتكر بك وبصحتك وبنجاحك وبعلاقتك مع الرّبّ وبعملك وبزواجك وبمستقبلك … وحدها الأمّ تختبر هذا الاختبار
الأم هي من تعطي ابنها حياةً من صحتها وجسدها من قبل أن يبصر النّور، وهي وحدها الّتي تشعر بحاجات أولادها قبل أن يشعروا بها. هي الّتي تذرف الدّموع لأنّها تقف عاجزة أمام آلام الحياة، تحدّياتها وأزماتها. تتمنى الأمّ لو كانت تقدر أن تفعل أكثر لأولادها. ولكنّها محدودة، وأحيانًا تقف عاجزة
هذا وأنّها، في بعض الأحيان، تحمل ذنب الآخرين وذنب الظّروف، وأحيانًا أخرى يوجد أولاد يحمّلون أهلهم ذنب فشلهم في الحياة وعدم تحمّلهم هم لمسؤوليّتهم. عليك أن تعرف بأن أمّك محدودة في قدراتها وطاقاتها. وهي غير مسؤولة عن نجاحك في المدرسة مع أنّها مسؤولة أن تأخذك إلى المدرسة، كما أنّها ليست مسؤولة عن نجاحك في عملك بل هي مسؤولة أن تدربّك على تحمّل المسؤولية
أنصحك أيّتها الأمّ ألّا تعيشي بذنب لا دخل لك فيه وعندما تشتدّ قسوة الحياة عليك، استسلمي للرّبّ وارفعي طلبك له. كما فعلت هاجر، ورفعت صوتها وبكت
خامسًا. الرّبّ موجود لمعونة الأم في رحلتها الصّعبة
.في الوقت الّذي بكت فيه هاجر ورفعت سؤلها للرّبّ، سمع الرّب لها وتعامل مع ابنها إسماعيل
تقول كلمة الرّب: “17فَسَمِعَ اللهُ صَوْتَ الْغُلاَمِ.” غريب أنّ هاجر رفعت صوتها وبكت، فسمع الله صوت الغلام!!!نعم لقد كان إسماعيل أيضًا يصلّي
اسماعيل تربى على الإيمان وكان يصلّي لإله أبيه. لقد أعطى الرّبّ إسماعيل اختبارًا روحيًّا في ذلك المكان. ففي لحظة العطش والجوع والضّعف، صرخ اسماعيل من قلبه إلى الرّبّ. لا نعرف محتوى صلاته ولكنّه طلب معونة الرّبّ لحياته. فسمع الله صوت الغلام. وما عجزت هاجر أن تفعله، فعله الرّبّ
.في لحظة عجزك، اصرخي للرّبّ فهو المعين وهو السّند وهو القدير وهو المحبّ وهو من سيعينك في رحلتك الصّعبة
.الأم مدهشة … مدهشة … مدهشة جدًّا
عندما أحضّر لمؤتمر معيّن أكون فرحًا بنفسي عندما ينجح هذا المؤتمر. وينجح كلّ ما عملت عليه من تصميم للمنامة، إلى اختيار الطّعام ، وكيفيّة الحفاظ على النّظافة وترتيب الغرف واختيار الوعظ والوعّاظ
.فأنظر إلى حياة الأمّ وأرى أنّها تفعل كلّ يوم ما فعلته أنا بالمؤتمر 4 او 5 مرات بالسّنة
مدهشة الأمّ فيما تصمّم له كلّ يوم وتنفّذه، من اهتمام بعائلتها والنّوم والطّعام والتّنظيف والتّرتيب والأهمّ أنّها تهتمّ بالوعظ لكل فرد من أفراد العائلة …والأمّهات العظيمات المؤمنات، بعد كلّ هذا … يأتين إلى بيت الرّبّ ليخدمن شعب الرّبّ
من أين تستمدّ الأمّ قوّتها؟ ممّا لا شكّ فيه “الرّب قوّتها …”وعندما تضعف الأمّ عليها التّذكُّر بأنّ الرّبّ هو قوّتها … ونصيحتي لك أيتها الأمّ أن لا تنتظري حتّى تضعفي، كوني قريبة من الرّبّ وخذي قوّة منه سلفة على الحساب … قولي للرّبّ قوّني اليوم وأريد منك سلفة للمفاجآت وأريد قوّتك في حياتي
.نصيحتي الأولى، أن تكوني قريبة من الرّبّ بعلاقتك معه وبقداستك وسلوكك الرّوحي
.نصيحتي الثّانية، ربّي أولادك على خوف الرّبّ، حتى عندما تعجزين أو تغيبين عنهم يستطيعون أن يلجأوا مباشرة إلى الرّبّ
.صرخ إسماعيل فسمع الرّبّ صراخه وسمع صلاته
“وَنَادَى مَلاَكُ اللهِ هَاجَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ لَهَا: «مَا لَكِ يَا هَاجَرُ؟ لاَ تَخَافِي لأَنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ لِصَوْتِ الْغُلاَمِ حَيْثُ هُوَ
.هذا الشّاب إسماعيل الّذي كان مطروحًا للموت، صار أُمّةً عظيمة. ليس بفضل هاجر ولكن بفضل الرّبّ
في الظّروف الصّعبة أو في الوضع الاقتصادي المخيف، تظنّين أنّ كلّ ما تقدرين عليه هو أن تصلّي. أريد أن أخبرك أن الصّلاة للرّبّ هو كلّ ما تحتاجينه … لأنّ الرّبّ هو إله الأمانة
لكلّ مؤمنة أقول: الرّبّ هو من أعانك في الماضي لتكوني أمًّا وهو سيعينك حتّى النّهاية. مستقبل أولادك بين يديه وهو الإله الأمين
“أرسل الرّبّ ملاكه من السّماء وقال لهاجر: “لاَ تَخَافِي لأَنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ لِصَوْتِ الْغُلاَمِ حَيْثُ هُوَ
…الرّب يقول لك لا تخافي أنا أرى أولادك وأسمع صوتهم
“…علّمي أولادك أن يصرخوا للرّبّ. هذه أكبر هدية تقدمينها لهم. “قَدْ سَمِعَ لِصَوْتِ الْغُلاَمِ حَيْثُ هُوَ
“ثم قال الرّب لهاجر: “18قُومِي احْمِلِي الْغُلاَمَ وَشُدِّي يَدَكِ بِهِ لأَنِّي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً
“وثمّ أعطاها اختبارًا شخصيًّا لتشجيعها، “19وَفَتَحَ اللهُ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ مَاءٍ فَذَهَبَتْ وَمَلَأَتِ الْقِرْبَةَ مَاءً وَسَقَتِ الْغُلاَمَ
.صلاتي أن يفتح الرّبّ عيوننا لنرى الوعود والبركات المذخّرة لنا في المسيح
.للرّبّ اختبار يومي مع أولاده، فهل تسير كلّ يوم معه كيما يمينه تعضدك
“20وَكَانَ اللهُ مَعَ الْغُلاَمِ فَكَبِرَ وَسَكَنَ فِي الْبَرِّيَّةِ وَكَانَ يَنْمُو رَامِيَ قَوْسٍ. 21وَسَكَنَ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ. وَأَخَذَتْ لَهُ أُمُّهُ زَوْجَةً مِنْ أَرْضِ مِصْرَ
.في الختام، الذي اعتقدت هاجر أنّه سيموت من الجوع والعطش، أصبح أمّة كبيرة بقوّة الرّبّ ومعونته
أمّهاتنا المؤمنات يا من تعشن في زمن الأزمات المستعصية، لا تنظرن من حولكن بحزن وأسف شديد وحيرة على المستقبل وإلى أولادكن بعجز، وتتمنين لو تستعطن فعل الأكثر لهم، انظرن إلى الرّبّ فهو قوّتكن وهو عونكن
نستطيع أن نركّز على الظّروف لنرى العجز والضّعف والفشل واليأس …ويمكننا أن ننظر إلى الرّبّ ليتفح عيوننا ونرى ينابيعه تنفجر ويده تقود ونرى أولادنا في ملء البركة يعيشون ويثمرون ليعلنوا اسم يسوع المسيح للعالم
لا تنظري /لا تنظر إلى لحظة اليأس … خذي /خذ قراراك بحكمة لمجد الرّب