إنجيل يوحنا
1 في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله.
2 هذا كان في البدء عند الله.
3 كلّ شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء ممّا كان.
4 فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور النّاس،
5 والنّور يضيء في الظّلمة، والظّلمة لم تدركه.
6 كان إنسان مرسل من الله اسمه يوحنّا.
7 هذا جاء للشّهادة ليشهد للنّور، لكي يؤمن الكلّ بواسطته.
8 لم يكن هو النّور، بل ليشهد للنّور.
9 كان النّور الحقيقيّ الّذي ينير كلّ إنسان آتيا إلى العالم.
10 كان في العالم، وكوّن العالم به، ولم يعرفه العالم.
11 إلى خاصّته جاء، وخاصّته لم تقبله.
12 وأمّا كلّ الّذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه.
13 الّذين ولدوا ليس من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله.
14 والكلمة صار جسدا وحلّ بيننا، ورأينا مجده، مجدا كما لوحيد من الآب، مملوءا نعمة وحقّا.
15 يوحنّا شهد له ونادى قائلا: «هذا هو الّذي قلت عنه: إنّ الّذي يأتي بعدي صار قدّامي، لأنّه كان قبلي».
16 ومن ملئه نحن جميعا أخذنا، ونعمة فوق نعمة.
17 لأنّ النّاموس بموسى أعطي، أمّا النّعمة والحقّ فبيسوع المسيح صارا.
18 الله لم يره أحد قطّ. الابن الوحيد الّذي هو في حضن الآب هو خبّر.
19 وهذه هي شهادة يوحنّا، حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويّين ليسألوه: «من أنت؟»
20 فاعترف ولم ينكر، وأقرّ: «إنّي لست أنا المسيح».
21 فسألوه: «إذا ماذا؟ إيليّا أنت؟» فقال: «لست أنا». «ألنّبيّ أنت؟» فأجاب: «لا».
22 فقالوا له: «من أنت، لنعطي جوابا للّذين أرسلونا؟ ماذا تقول عن نفسك؟»
23 قال: «أنا صوت صارخ في البرّيّة: قوّموا طريق الرّبّ، كما قال إشعياء النّبيّ».
24 وكان المرسلون من الفرّيسيّين،
25 فسألوه وقالوا له: «فما بالك تعمّد إن كنت لست المسيح، ولا إيليّا، ولا النّبيّ؟»
26 أجابهم يوحنّا قائلا: «أنا أعمّد بماء، ولكن في وسطكم قائم الّذي لستم تعرفونه.
27 هو الّذي يأتي بعدي، الّذي صار قدّامي، الّذي لست بمستحقّ أن أحلّ سيور حذائه».
28 هذا كان في بيت عبرة في عبر الأردنّ حيث كان يوحنّا يعمّد.
29 وفي الغد نظر يوحنّا يسوع مقبلا إليه، فقال: «هوذا حمل الله الّذي يرفع خطيّة العالم!
30 هذا هو الّذي قلت عنه: يأتي بعدي، رجل صار قدّامي، لأنّه كان قبلي.
31 وأنا لم أكن أعرفه. لكن ليظهر لإسرائيل لذلك جئت أعمّد بالماء».
32 وشهد يوحنّا قائلا: «إنّي قد رأيت الرّوح نازلا مثل حمامة من السّماء فاستقرّ عليه.
33 وأنا لم أكن أعرفه، لكنّ الّذي أرسلني لأعمّد بالماء، ذاك قال لي: الّذي ترى الرّوح نازلا ومستقرّا عليه، فهذا هو الّذي يعمّد بالرّوح القدس.
34 وأنا قد رأيت وشهدت أنّ هذا هو ابن الله».
35 وفي الغد أيضا كان يوحنّا واقفا هو واثنان من تلاميذه،
36 فنظر إلى يسوع ماشيا، فقال: «هوذا حمل الله!».
37 فسمعه التّلميذان يتكلّم، فتبعا يسوع.
38 فالتفت يسوع ونظرهما يتبعان، فقال لهما: «ماذا تطلبان؟» فقالا: «ربّي، الّذي تفسيره: يا معلّم، أين تمكث؟»
39 فقال لهما: «تعاليا وانظرا». فأتيا ونظرا أين كان يمكث، ومكثا عنده ذلك اليوم. وكان نحو السّاعة العاشرة.
40 كان أندراوس أخو سمعان بطرس واحدا من الاثنين اللّذين سمعا يوحنّا وتبعاه.
41 هذا وجد أوّلا أخاه سمعان، فقال له: «قد وجدنا مسيّا» الّذي تفسيره: المسيح.
42 فجاء به إلى يسوع. فنظر إليه يسوع وقال: «أنت سمعان بن يونا. أنت تدعى صفا» الّذي تفسيره: بطرس.
43 في الغد أراد يسوع أن يخرج إلى الجليل، فوجد فيلبّس فقال له: «اتبعني».
44 وكان فيلبّس من بيت صيدا، من مدينة أندراوس وبطرس.
45 فيلبّس وجد نثنائيل وقال له: «وجدنا الّذي كتب عنه موسى في النّاموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الّذي من النّاصرة».
46 فقال له نثنائيل: «أمن النّاصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟» قال له فيلبّس: «تعال وانظر».
47 ورأى يسوع نثنائيل مقبلا إليه، فقال عنه: «هوذا إسرائيليّ حقّا لا غشّ فيه».
48 قال له نثنائيل: «من أين تعرفني؟» أجاب يسوع وقال له: «قبل أن دعاك فيلبّس وأنت تحت التّينة، رأيتك».
49 أجاب نثنائيل وقال له: «يا معلّم، أنت ابن الله! أنت ملك إسرائيل!»
50 أجاب يسوع وقال له: «هل آمنت لأنّي قلت لك إنّي رأيتك تحت التّينة؟ سوف ترى أعظم من هذا!»
51 وقال له: «الحقّ الحقّ أقول لكم: من الآن ترون السّماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان».
1 وفي اليوم الثّالث كان عرس في قانا الجليل، وكانت أمّ يسوع هناك.
2 ودعي أيضا يسوع وتلاميذه إلى العرس.
3 ولمّا فرغت الخمر، قالت أمّ يسوع له: «ليس لهم خمر».
4 قال لها يسوع: «ما لي ولك يا امرأة؟ لم تأت ساعتي بعد».
5 قالت أمّه للخدّام: «مهما قال لكم فافعلوه».
6 وكانت ستّة أجران من حجارة موضوعة هناك، حسب تطهير اليهود، يسع كلّ واحد مطرين أو ثلاثة.
7 قال لهم يسوع: «املأوا الأجران ماء». فملأوها إلى فوق.
8 ثمّ قال لهم: «استقوا الآن وقدّموا إلى رئيس المتّكإ». فقدّموا.
9 فلمّا ذاق رئيس المتّكإ الماء المتحوّل خمرا، ولم يكن يعلم من أين هي، لكنّ الخدّام الّذين كانوا قد استقوا الماء علموا، دعا رئيس المتّكإ العريس
10 وقال له: «كلّ إنسان إنّما يضع الخمر الجيّدة أوّلا، ومتى سكروا فحينئذ الدّون. أمّا أنت فقد أبقيت الخمر الجيّدة إلى الآن!».
11 هذه بداية الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل، وأظهر مجده، فآمن به تلاميذه.
12 وبعد هذا انحدر إلى كفرناحوم، هو وأمّه وإخوته وتلاميذه، وأقاموا هناك أيّاما ليست كثيرة
13 وكان فصح اليهود قريبا، فصعد يسوع إلى أورشليم،
14 ووجد في الهيكل الّذين كانوا يبيعون بقرا وغنما وحماما، والصّيارف جلوسا.
15 فصنع سوطا من حبال وطرد الجميع من الهيكل، الغنم والبقر، وكبّ دراهم الصّيارف وقلّب موائدهم.
16 وقال لباعة الحمام: «ارفعوا هذه من ههنا! لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة!».
17 فتذكّر تلاميذه أنّه مكتوب: «غيرة بيتك أكلتني».
18 فأجاب اليهود وقالوا له: «أيّة آية ترينا حتّى تفعل هذا؟»
19 أجاب يسوع وقال لهم: «انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيّام أقيمه».
20 فقال اليهود: «في ستّ وأربعين سنة بني هذا الهيكل، أفأنت في ثلاثة أيّام تقيمه؟»
21 وأمّا هو فكان يقول عن هيكل جسده.
22 فلمّا قام من الأموات، تذكّر تلاميذه أنّه قال هذا، فآمنوا بالكتاب والكلام الّذي قاله يسوع.
23 ولمّا كان في أورشليم في عيد الفصح، آمن كثيرون باسمه، إذ رأوا الآيات الّتي صنع.
24 لكنّ يسوع لم يأتمنهم على نفسه، لأنّه كان يعرف الجميع.
25 ولأنّه لم يكن محتاجا أن يشهد أحد عن الإنسان، لأنّه علم ما كان في الإنسان.
1 كان إنسان من الفرّيسيّين اسمه نيقوديموس، رئيس لليهود.
2 هذا جاء إلى يسوع ليلا وقال له: «يا معلّم، نعلم أنّك قد أتيت من الله معلّما، لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات الّتي أنت تعمل إن لم يكن الله معه».
3 أجاب يسوع وقال له: «الحقّ الحقّ أقول لك: إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله».
4 قال له نيقوديموس: «كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ؟ ألعلّه يقدر أن يدخل بطن أمّه ثانية ويولد؟»
5 أجاب يسوع: «الحقّ الحقّ أقول لك: إن كان أحد لا يولد من الماء والرّوح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله.
6 المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الرّوح هو روح.
7 لا تتعجّب أنّي قلت لك: ينبغي أن تولدوا من فوق.
8 الرّيح تهبّ حيث تشاء، وتسمع صوتها، لكنّك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هكذا كلّ من ولد من الرّوح».
9 أجاب نيقوديموس وقال له: «كيف يمكن أن يكون هذا؟»
10 أجاب يسوع وقال له: «أنت معلّم إسرائيل ولست تعلم هذا!
11 الحقّ الحقّ أقول لك: إنّنا إنّما نتكلّم بما نعلم ونشهد بما رأينا، ولستم تقبلون شهادتنا.
12 إن كنت قلت لكم الأرضيّات ولستم تؤمنون، فكيف تؤمنون إن قلت لكم السّماويّات؟
13 وليس أحد صعد إلى السّماء إلاّ الّذي نزل من السّماء، ابن الإنسان الّذي هو في السّماء.
14 «وكما رفع موسى الحيّة في البرّيّة هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان،
15 لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة.
16 لأنّه هكذا أحبّ الله العالم حتّى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبديّة.
17 لأنّه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلص به العالم.
18 الّذي يؤمن به لا يدان، والّذي لا يؤمن قد دين، لأنّه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد.
19 وهذه هي الدّينونة: إنّ النّور قد جاء إلى العالم، وأحبّ النّاس الظّلمة أكثر من النّور، لأنّ أعمالهم كانت شرّيرة.
20 لأنّ كلّ من يعمل السّيّآت يبغض النّور، ولا يأتي إلى النّور لئلاّ توبّخ أعماله.
21 وأمّا من يفعل الحقّ فيقبل إلى النّور، لكي تظهر أعماله أنّها بالله معمولة».
22 وبعد هذا جاء يسوع وتلاميذه إلى أرض اليهوديّة، ومكث معهم هناك، وكان يعمّد.
23 وكان يوحنّا أيضا يعمّد في عين نون بقرب ساليم، لأنّه كان هناك مياه كثيرة، وكانوا يأتون ويعتمدون.
24 لأنّه لم يكن يوحنّا قد ألقي بعد في السّجن.
25 وحدثت مباحثة من تلاميذ يوحنّا مع يهود من جهة التّطهير.
26 فجاءوا إلى يوحنّا وقالوا له: «يا معلّم، هوذا الّذي كان معك في عبر الأردنّ، الّذي أنت قد شهدت له، هو يعمّد، والجميع يأتون إليه»
27 أجاب يوحنّا وقال: «لا يقدر إنسان أن يأخذ شيئا إن لم يكن قد أعطي من السّماء.
28 أنتم أنفسكم تشهدون لي أنّي قلت: لست أنا المسيح بل إنّي مرسل أمامه.
29 من له العروس فهو العريس، وأمّا صديق العريس الّذي يقف ويسمعه فيفرح فرحا من أجل صوت العريس. إذا فرحي هذا قد كمل.
30 ينبغي أنّ ذلك يزيد وأنّي أنا أنقص.
31 الّذي يأتي من فوق هو فوق الجميع، والّذي من الأرض هو أرضيّ، ومن الأرض يتكلّم. الّذي يأتي من السّماء هو فوق الجميع،
32 وما رآه وسمعه به يشهد، وشهادته ليس أحد يقبلها.
33 ومن قبل شهادته فقد ختم أنّ الله صادق،
34 لأنّ الّذي أرسله الله يتكلّم بكلام الله. لأنّه ليس بكيل يعطي الله الرّوح.
35 الآب يحبّ الابن وقد دفع كلّ شيء في يده.
36 الّذي يؤمن بالابن له حياة أبديّة، والّذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله».
1 فلمّا علم الرّبّ أنّ الفرّيسيّين سمعوا أنّ يسوع يصيّر ويعمّد تلاميذ أكثر من يوحنّا،
2 مع أنّ يسوع نفسه لم يكن يعمّد بل تلاميذه،
3 ترك اليهوديّة ومضى أيضا إلى الجليل.
4 وكان لا بدّ له أن يجتاز السّامرة.
5 فأتى إلى مدينة من السّامرة يقال لها سوخار، بقرب الضّيعة الّتي وهبها يعقوب ليوسف ابنه.
6 وكانت هناك بئر يعقوب. فإذ كان يسوع قد تعب من السّفر، جلس هكذا على البئر، وكان نحو السّاعة السّادسة.
7 فجاءت امرأة من السّامرة لتستقي ماء، فقال لها يسوع: «أعطيني لأشرب»
8 لأنّ تلاميذه كانوا قد مضوا إلى المدينة ليبتاعوا طعاما.
9 فقالت له المرأة السّامريّة: «كيف تطلب منّي لتشرب، وأنت يهوديّ وأنا امرأة سامريّة؟» لأنّ اليهود لا يعاملون السّامريّين.
10 أجاب يسوع وقال لها: «لو كنت تعلمين عطيّة الله، ومن هو الّذي يقول لك أعطيني لأشرب، لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حيّا».
11 قالت له المرأة: «يا سيّد، لا دلو لك والبئر عميقة. فمن أين لك الماء الحيّ؟
12 ألعلّك أعظم من أبينا يعقوب، الّذي أعطانا البئر، وشرب منها هو وبنوه ومواشيه؟»
13 أجاب يسوع وقال لها: «كلّ من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا.
14 ولكن من يشرب من الماء الّذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الّذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبديّة».
15 قالت له المرأة: «يا سيّد أعطني هذا الماء، لكي لا أعطش ولا آتي إلى هنا لأستقي».
16 قال لها يسوع: «اذهبي وادعي زوجك وتعالي إلى ههنا»
17 أجابت المرأة وقالت: «ليس لي زوج». قال لها يسوع: «حسنا قلت: ليس لي زوج،
18 لأنّه كان لك خمسة أزواج، والّذي لك الآن ليس هو زوجك. هذا قلت بالصّدق».
19 قالت له المرأة: «يا سيّد، أرى أنّك نبيّ!
20 آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون إنّ في أورشليم الموضع الّذي ينبغي أن يسجد فيه».
21 قال لها يسوع: «يا امرأة، صدّقيني أنّه تأتي ساعة، لا في هذا الجبل، ولا في أورشليم تسجدون للآب.
22 أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أمّا نحن فنسجد لما نعلم . لأنّ الخلاص هو من اليهود.
23 ولكن تأتي ساعة، وهي الآن، حين السّاجدون الحقيقيّون يسجدون للآب بالرّوح والحقّ، لأنّ الآب طالب مثل هؤلاء السّاجدين له.
24 الله روح. والّذين يسجدون له فبالرّوح والحقّ ينبغي أن يسجدوا».
25 قالت له المرأة: «أنا أعلم أنّ مسيّا، الّذي يقال له المسيح، يأتي. فمتى جاء ذاك يخبرنا بكلّ شيء».
26 قال لها يسوع: «أنا الّذي أكلّمك هو».
27 وعند ذلك جاء تلاميذه، وكانوا يتعجّبون أنّه يتكلّم مع امرأة. ولكن لم يقل أحد: «ماذا تطلب؟» أو «لماذا تتكلّم معها؟»
28 فتركت المرأة جرّتها ومضت إلى المدينة وقالت للنّاس:
29 «هلمّوا انظروا إنسانا قال لي كلّ ما فعلت. ألعلّ هذا هو المسيح؟».
30 فخرجوا من المدينة وأتوا إليه.
31 وفي أثناء ذلك سأله تلاميذه قائلين: «يا معلّم، كل»
32 فقال لهم: «أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم».
33 فقال التّلاميذ بعضهم لبعض: «ألعلّ أحدا أتاه بشيء ليأكل؟»
34 قال لهم يسوع: «طعامي أن أعمل مشيئة الّذي أرسلني وأتمّم عمله.
35 أما تقولون: إنّه يكون أربعة أشهر ثمّ يأتي الحصاد؟ ها أنا أقول لكم: ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول إنّها قد ابيضّت للحصاد.
36 والحاصد يأخذ أجرة ويجمع ثمرا للحياة الأبديّة، لكي يفرح الزّارع والحاصد معا.
37 لأنّه في هذا يصدق القول: إنّ واحدا يزرع وآخر يحصد.
38 أنا أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه. آخرون تعبوا وأنتم قد دخلتم على تعبهم».
39 فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السّامريّين بسبب كلام المرأة الّتي كانت تشهد أنّه: «قال لي كلّ ما فعلت».
40 فلمّا جاء إليه السّامريّون سألوه أن يمكث عندهم، فمكث هناك يومين.
41 فآمن به أكثر جدّا بسبب كلامه.
42 وقالوا للمرأة: «إنّنا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن، لأنّنا نحن قد سمعنا ونعلم أنّ هذا هو بالحقيقة المسيح مخلّص العالم».
43 وبعد اليومين خرج من هناك ومضى إلى الجليل،
44 لأنّ يسوع نفسه شهد أن: «ليس لنبيّ كرامة في وطنه».
45 فلمّا جاء إلى الجليل قبله الجليليّون، إذ كانوا قد عاينوا كلّ ما فعل في أورشليم في العيد، لأنّهم هم أيضا جاءوا إلى العيد.
46 فجاء يسوع أيضا إلى قانا الجليل، حيث صنع الماء خمرا. وكان خادم للملك ابنه مريض في كفرناحوم.
47 هذا إذ سمع أنّ يسوع قد جاء من اليهوديّة إلى الجليل، انطلق إليه وسأله أن ينزل ويشفي ابنه لأنّه كان مشرفا على الموت.
48 فقال له يسوع: «لا تؤمنون إن لم تروا آيات وعجائب»
49 قال له خادم الملك: «يا سيّد، انزل قبل أن يموت ابني».
50 قال له يسوع: «اذهب. ابنك حيّ». فآمن الرّجل بالكلمة الّتي قالها له يسوع، وذهب.
51 وفيما هو نازل استقبله عبيده وأخبروه قائلين: «إنّ ابنك حيّ».
52 فاستخبرهم عن السّاعة الّتي فيها أخذ يتعافى، فقالوا له: «أمس في السّاعة السّابعة تركته الحمّى».
53 ففهم الأب أنّه في تلك السّاعة الّتي قال له فيها يسوع: «إنّ ابنك حيّ». فآمن هو وبيته كلّه.
54 هذه أيضا آية ثانية صنعها يسوع لمّا جاء من اليهوديّة إلى الجليل.
1 وبعد هذا كان عيد لليهود، فصعد يسوع إلى أورشليم.
2 وفي أورشليم عند باب الضّأن بركة يقال لها بالعبرانيّة «بيت حسدا» لها خمسة أروقة.
3 في هذه كان مضطجعا جمهور كثير من مرضى وعمي وعرج وعسم، يتوقّعون تحريك الماء.
4 لأنّ ملاكا كان ينزل أحيانا في البركة ويحرّك الماء. فمن نزل أوّلا بعد تحريك الماء كان يبرأ من أيّ مرض اعتراه.
5 وكان هناك إنسان به مرض منذ ثمان وثلاثين سنة.
6 هذا رآه يسوع مضطجعا، وعلم أنّ له زمانا كثيرا، فقال له: «أتريد أن تبرأ؟»
7 أجابه المريض: «يا سيّد، ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرّك الماء. بل بينما أنا آت، ينزل قدّامي آخر».
8 قال له يسوع: «قم. احمل سريرك وامش».
9 فحالا برئ الإنسان وحمل سريره ومشى. وكان في ذلك اليوم سبت.
10 فقال اليهود للّذي شفي: «إنّه سبت! لا يحلّ لك أن تحمل سريرك».
11 أجابهم: «إنّ الّذي أبرأني هو قال لي: احمل سريرك وامش».
12 فسألوه: «من هو الإنسان الّذي قال لك: احمل سريرك وامش؟».
13 أمّا الّذي شفي فلم يكن يعلم من هو، لأنّ يسوع اعتزل، إذ كان في الموضع جمع.
14 بعد ذلك وجده يسوع في الهيكل وقال له: «ها أنت قد برئت، فلا تخطئ أيضا، لئلاّ يكون لك أشرّ».
15 فمضى الإنسان وأخبر اليهود أنّ يسوع هو الّذي أبرأه.
16 ولهذا كان اليهود يطردون يسوع، ويطلبون أن يقتلوه، لأنّه عمل هذا في سبت.
17 فأجابهم يسوع: «أبي يعمل حتّى الآن وأنا أعمل».
18 فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه، لأنّه لم ينقض السّبت فقط، بل قال أيضا إنّ الله أبوه، معادلا نفسه بالله.
19 فأجاب يسوع وقال لهم: «الحقّ الحقّ أقول لكم: لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئا إلاّ ما ينظر الآب يعمل. لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك.
20 لأنّ الآب يحبّ الابن ويريه جميع ما هو يعمله، وسيريه أعمالا أعظم من هذه لتتعجّبوا أنتم.
21 لأنّه كما أنّ الآب يقيم الأموات ويحيي، كذلك الابن أيضا يحيي من يشاء.
22 لأنّ الآب لا يدين أحدا، بل قد أعطى كلّ الدّينونة للابن،
23 لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب. من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الّذي أرسله.
24 «الحقّ الحقّ أقول لكم: إنّ من يسمع كلامي ويؤمن بالّذي أرسلني فله حياة أبديّة، ولا يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة.
25 الحقّ الحقّ أقول لكم: إنّه تأتي ساعة وهي الآن، حين يسمع الأموات صوت ابن الله، والسّامعون يحيون.
26 لأنّه كما أنّ الآب له حياة في ذاته، كذلك أعطى الابن أيضا أن تكون له حياة في ذاته،
27 وأعطاه سلطانا أن يدين أيضا، لأنّه ابن الإنسان.
28 لا تتعجّبوا من هذا، فإنّه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الّذين في القبور صوته،
29 فيخرج الّذين فعلوا الصّالحات إلى قيامة الحياة، والّذين عملوا السّيّئات إلى قيامة الدّينونة.
30 أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئا. كما أسمع أدين، ودينونتي عادلة، لأنّي لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الّذي أرسلني.
31 «إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي ليست حقّا.
32 الّذي يشهد لي هو آخر، وأنا أعلم أنّ شهادته الّتي يشهدها لي هي حق.
33 أنتم أرسلتم إلى يوحنّا فشهد للحقّ.
34 وأنا لا أقبل شهادة من إنسان، ولكنّي أقول هذا لتخلصوا أنتم.
35 كان هو السّراج الموقد المنير، وأنتم أردتم أن تبتهجوا بنوره ساعة.
36 وأمّا أنا فلي شهادة أعظم من يوحنّا، لأنّ الأعمال الّتي أعطاني الآب لأكمّلها، هذه الأعمال بعينها الّتي أنا أعملها هي تشهد لي أنّ الآب قد أرسلني.
37 والآب نفسه الّذي أرسلني يشهد لي. لم تسمعوا صوته قطّ، ولا أبصرتم هيئته،
38 وليست لكم كلمته ثابتة فيكم، لأنّ الّذي أرسله هو لستم أنتم تؤمنون به.
39 فتّشوا الكتب لأنّكم تظنّون أنّ لكم فيها حياة أبديّة. وهي الّتي تشهد لي.
40 ولا تريدون أن تأتوا إليّ لتكون لكم حياة.
41 «مجدا من النّاس لست أقبل،
42 ولكنّي قد عرفتكم أن ليست لكم محبّة الله في أنفسكم.
43 أنا قد أتيت باسم أبي ولستم تقبلونني. إن أتى آخر باسم نفسه فذلك تقبلونه.
44 كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجدا بعضكم من بعض، والمجد الّذي من الإله الواحد لستم تطلبونه؟
45 «لا تظنّوا أنّي أشكوكم إلى الآب. يوجد الّذي يشكوكم وهو موسى، الّذي عليه رجاؤكم.
46 لأنّكم لو كنتم تصدّقون موسى لكنتم تصدّقونني، لأنّه هو كتب عنّي.
47 فإن كنتم لستم تصدّقون كتب ذاك، فكيف تصدّقون كلامي؟».
1 بعد هذا مضى يسوع إلى عبر بحر الجليل، وهو بحر طبريّة.
2 وتبعه جمع كثير لأنّهم أبصروا آياته الّتي كان يصنعها في المرضى.
3 فصعد يسوع إلى جبل وجلس هناك مع تلاميذه.
4 وكان الفصح، عيد اليهود، قريبا.
5 فرفع يسوع عينيه ونظر أنّ جمعا كثيرا مقبل إليه، فقال لفيلبّس: «من أين نبتاع خبزا ليأكل هؤلاء؟»
6 وإنّما قال هذا ليمتحنه، لأنّه هو علم ما هو مزمع أن يفعل.
7 أجابه فيلبّس: «لا يكفيهم خبز بمئتي دينار ليأخذ كلّ واحد منهم شيئا يسيرا».
8 قال له واحد من تلاميذه، وهو أندراوس أخو سمعان بطرس:
9 «هنا غلام معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان، ولكن ما هذا لمثل هؤلاء؟»
10 فقال يسوع: «اجعلوا النّاس يتّكئون». وكان في المكان عشب كثير، فاتّكأ الرّجال وعددهم نحو خمسة آلاف.
11 وأخذ يسوع الأرغفة وشكر، ووزّع على التّلاميذ، والتّلاميذ أعطوا المتّكئين. وكذلك من السّمكتين بقدر ما شاءوا.
12 فلمّا شبعوا، قال لتلاميذه: «اجمعوا الكسر الفاضلة لكي لا يضيع شيء».
13 فجمعوا وملأوا اثنتي عشرة قفّة من الكسر، من خمسة أرغفة الشّعير، الّتي فضلت عن الآكلين.
14 فلمّا رأى النّاس الآية الّتي صنعها يسوع قالوا: «إنّ هذا هو بالحقيقة النّبيّ الآتي إلى العالم!»
15 وأمّا يسوع فإذ علم أنّهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكا، انصرف أيضا إلى الجبل وحده.
16 ولمّا كان المساء نزل تلاميذه إلى البحر،
17 فدخلوا السّفينة وكانوا يذهبون إلى عبر البحر إلى كفرناحوم. وكان الظّلام قد أقبل، ولم يكن يسوع قد أتى إليهم.
18 وهاج البحر من ريح عظيمة تهبّ.
19 فلمّا كانوا قد جذّفوا نحو خمس وعشرين أو ثلاثين غلوة، نظروا يسوع ماشيا على البحر مقتربا من السّفينة، فخافوا.
20 فقال لهم: «أنا هو، لا تخافوا!».
21 فرضوا أن يقبلوه في السّفينة. وللوقت صارت السّفينة إلى الأرض الّتي كانوا ذاهبين إليها.
22 وفي الغد لمّا رأى الجمع الّذين كانوا واقفين في عبر البحر أنّه لم تكن هناك سفينة أخرى سوى واحدة، وهي تلك الّتي دخلها تلاميذه، وأنّ يسوع لم يدخل السّفينة مع تلاميذه بل مضى تلاميذه وحدهم.
23 غير أنّه جاءت سفن من طبريّة إلى قرب الموضع الّذي أكلوا فيه الخبز، إذ شكر الرّبّ.
24 فلمّا رأى الجمع أنّ يسوع ليس هو هناك ولا تلاميذه، دخلوا هم أيضا السّفن وجاءوا إلى كفرناحوم يطلبون يسوع.
25 ولمّا وجدوه في عبر البحر، قالوا له: «يا معلّم، متى صرت هنا؟»
26 أجابهم يسوع وقال: «الحقّ الحقّ أقول لكم: أنتم تطلبونني ليس لأنّكم رأيتم آيات، بل لأنّكم أكلتم من الخبز فشبعتم.
27 اعملوا لا للطّعام البائد، بل للطّعام الباقي للحياة الأبديّة الّذي يعطيكم ابن الإنسان، لأنّ هذا الله الآب قد ختمه».
28 فقالوا له: «ماذا نفعل حتّى نعمل أعمال الله؟»
29 أجاب يسوع وقال لهم: «هذا هو عمل الله: أن تؤمنوا بالّذي هو أرسله».
30 فقالوا له: «فأيّة آية تصنع لنرى ونؤمن بك؟ ماذا تعمل؟
31 آباؤنا أكلوا المنّ في البرّيّة، كما هو مكتوب: أنّه أعطاهم خبزا من السّماء ليأكلوا».
32 فقال لهم يسوع: «الحقّ الحقّ أقول لكم: ليس موسى أعطاكم الخبز من السّماء، بل أبي يعطيكم الخبز الحقيقيّ من السّماء،
33 لأنّ خبز الله هو النّازل من السّماء الواهب حياة للعالم».
34 فقالوا له: «يا سيّد، أعطنا في كلّ حين هذا الخبز».
35 فقال لهم يسوع: «أنا هو خبز الحياة. من يقبل إليّ فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدا.
36 ولكنّي قلت لكم: إنّكم قد رأيتموني، ولستم تؤمنون.
37 كلّ ما يعطيني الآب فإليّ يقبل، ومن يقبل إليّ لا أخرجه خارجا.
38 لأنّي قد نزلت من السّماء، ليس لأعمل مشيئتي، بل مشيئة الّذي أرسلني.
39 وهذه مشيئة الآب الّذي أرسلني: أنّ كلّ ما أعطاني لا أتلف منه شيئا، بل أقيمه في اليوم الأخير.
40 لأنّ هذه هي مشيئة الّذي أرسلني: أنّ كلّ من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبديّة، وأنا أقيمه في اليوم الأخير».
41 فكان اليهود يتذمّرون عليه لأنّه قال: «أنا هو الخبز الّذي نزل من السّماء».
42 وقالوا: «أليس هذا هو يسوع بن يوسف، الّذي نحن عارفون بأبيه وأمّه؟ فكيف يقول هذا: إنّي نزلت من السّماء؟»
43 فأجاب يسوع وقال لهم: «لا تتذمّروا فيما بينكم.
44 لا يقدر أحد أن يقبل إليّ إن لم يجتذبه الآب الّذي أرسلني، وأنا أقيمه في اليوم الأخير.
45 إنّه مكتوب في الأنبياء: ويكون الجميع متعلّمين من الله. فكلّ من سمع من الآب وتعلّم يقبل إليّ.
46 ليس أنّ أحدا رأى الآب إلاّ الّذي من الله. هذا قد رأى الآب.
47 الحقّ الحقّ أقول لكم: من يؤمن بي فله حياة أبديّة.
48 أنا هو خبز الحياة.
49 آباؤكم أكلوا المنّ في البرّيّة وماتوا.
50 هذا هو الخبز النّازل من السّماء، لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت.
51 أنا هو الخبز الحيّ الّذي نزل من السّماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الّذي أنا أعطي هو جسدي الّذي أبذله من أجل حياة العالم».
52 فخاصم اليهود بعضهم بعضا قائلين: «كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكل؟»
53 فقال لهم يسوع: «الحقّ الحقّ أقول لكم: إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم.
54 من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبديّة، وأنا أقيمه في اليوم الأخير،
55 لأنّ جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق.
56 من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه.
57 كما أرسلني الآب الحيّ، وأنا حيّ بالآب، فمن يأكلني فهو يحيا بي.
58 هذا هو الخبز الّذي نزل من السّماء. ليس كما أكل آباؤكم المنّ وماتوا. من يأكل هذا الخبز فإنّه يحيا إلى الأبد».
59 قال هذا في المجمع وهو يعلّم في كفرناحوم.
60 فقال كثيرون من تلاميذه، إذ سمعوا: «إنّ هذا الكلام صعب! من يقدر أن يسمعه؟»
61 فعلم يسوع في نفسه أنّ تلاميذه يتذمّرون على هذا، فقال لهم: «أهذا يعثركم؟
62 فإن رأيتم ابن الإنسان صاعدا إلى حيث كان أوّلا!
63 الرّوح هو الّذي يحيي. أمّا الجسد فلا يفيد شيئا. الكلام الّذي أكلّمكم به هو روح وحياة،
64 ولكن منكم قوم لا يؤمنون». لأنّ يسوع من البدء علم من هم الّذين لا يؤمنون، ومن هو الّذي يسلّمه.
65 فقال: «لهذا قلت لكم: إنّه لا يقدر أحد أن يأتي إليّ إن لم يعط من أبي».
66 من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء، ولم يعودوا يمشون معه.
67 فقال يسوع للاثني عشر: «ألعلّكم أنتم أيضا تريدون أن تمضوا؟»
68 فأجابه سمعان بطرس: «يا ربّ، إلى من نذهب؟ كلام الحياة الأبديّة عندك،
69 ونحن قد آمنّا وعرفنا أنّك أنت المسيح ابن الله الحيّ».
70 أجابهم يسوع: «أليس أنّي أنا اخترتكم، الاثني عشر؟ وواحد منكم شيطان!»
71 قال عن يهوذا سمعان الإسخريوطيّ، لأنّ هذا كان مزمعا أن يسلّمه، وهو واحد من الاثني عشر.
1 وكان يسوع يتردّد بعد هذا في الجليل، لأنّه لم يرد أن يتردّد في اليهوديّة لأنّ اليهود كانوا يطلبون أن يقتلوه.
2 وكان عيد اليهود، عيد المظالّ، قريبا.
3 فقال له إخوته: «انتقل من هنا واذهب إلى اليهوديّة، لكي يرى تلاميذك أيضا أعمالك الّتي تعمل،
4 لأنّه ليس أحد يعمل شيئا في الخفاء وهو يريد أن يكون علانية. إن كنت تعمل هذه الأشياء فأظهر نفسك للعالم».
5 لأنّ إخوته أيضا لم يكونوا يؤمنون به.
6 فقال لهم يسوع: «إنّ وقتي لم يحضر بعد، وأمّا وقتكم ففي كلّ حين حاضر.
7 لا يقدر العالم أن يبغضكم، ولكنّه يبغضني أنا، لأنّي أشهد عليه أنّ أعماله شرّيرة.
8 اصعدوا أنتم إلى هذا العيد. أنا لست أصعد بعد إلى هذا العيد، لأنّ وقتي لم يكمل بعد».
9 قال لهم هذا ومكث في الجليل.
10 ولمّا كان إخوته قد صعدوا، حينئذ صعد هو أيضا إلى العيد، لا ظاهرا بل كأنّه في الخفاء.
11 فكان اليهود يطلبونه في العيد، ويقولون: «أين ذاك؟»
12 وكان في الجموع مناجاة كثيرة من نحوه. بعضهم يقولون: «إنّه صالح». وآخرون يقولون: «لا، بل يضلّ الشّعب».
13 ولكن لم يكن أحد يتكلّم عنه جهارا لسبب الخوف من اليهود.
14 ولمّا كان العيد قد انتصف، صعد يسوع إلى الهيكل، وكان يعلّم.
15 فتعجّب اليهود قائلين: «كيف هذا يعرف الكتب، وهو لم يتعلّم؟»
16 أجابهم يسوع وقال: «تعليمي ليس لي بل للّذي أرسلني.
17 إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التّعليم، هل هو من الله، أم أتكلّم أنا من نفسي.
18 من يتكلّم من نفسه يطلب مجد نفسه، وأمّا من يطلب مجد الّذي أرسله فهو صادق وليس فيه ظلم.
19 أليس موسى قد أعطاكم النّاموس؟ وليس أحد منكم يعمل النّاموس! لماذا تطلبون أن تقتلوني؟»
20 أجاب الجمع وقالوا: «بك شيطان. من يطلب أن يقتلك؟»
21 أجاب يسوع وقال لهم: «عملا واحدا عملت فتتعجّبون جميعا.
22 لهذا أعطاكم موسى الختان، ليس أنّه من موسى، بل من الآباء. ففي السّبت تختنون الإنسان.
23 فإن كان الإنسان يقبل الختان في السّبت، لئلاّ ينقض ناموس موسى، أفتسخطون عليّ لأنّي شفيت إنسانا كلّه في السّبت؟
24 لا تحكموا حسب الظّاهر بل احكموا حكما عادلا».
25 فقال قوم من أهل أورشليم: «أليس هذا هو الّذي يطلبون أن يقتلوه؟
26 وها هو يتكلّم جهارا ولا يقولون له شيئا! ألعلّ الرّؤساء عرفوا يقينا أنّ هذا هو المسيح حقّا؟
27 ولكنّ هذا نعلم من أين هو، وأمّا المسيح فمتى جاء لا يعرف أحد من أين هو».
28 فنادى يسوع وهو يعلّم في الهيكل قائلا: «تعرفونني وتعرفون من أين أنا، ومن نفسي لم آت، بل الّذي أرسلني هو حق، الّذي أنتم لستم تعرفونه.
29 أنا أعرفه لأنّي منه، وهو أرسلني».
30 فطلبوا أن يمسكوه، ولم يلق أحد يدا عليه، لأنّ ساعته لم تكن قد جاءت بعد.
31 فآمن به كثيرون من الجمع، وقالوا: «ألعلّ المسيح متى جاء يعمل آيات أكثر من هذه الّتي عملها هذا؟».
32 سمع الفرّيسيّون الجمع يتناجون بهذا من نحوه، فأرسل الفرّيسيّون ورؤساء الكهنة خدّاما ليمسكوه.
33 فقال لهم يسوع: «أنا معكم زمانا يسيرا بعد، ثمّ أمضي إلى الّذي أرسلني.
34 ستطلبونني ولا تجدونني، وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا».
35 فقال اليهود فيما بينهم: «إلى أين هذا مزمع أن يذهب حتّى لا نجده نحن؟ ألعلّه مزمع أن يذهب إلى شتات اليونانيّين ويعلّم اليونانيّين؟
36 ما هذا القول الّذي قال: ستطلبونني ولا تجدونني، وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا؟».
37 وفي اليوم الأخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلا: «إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب.
38 من آمن بي، كما قال الكتاب، تجري من بطنه أنهار ماء حيّ».
39 قال هذا عن الرّوح الّذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه، لأنّ الرّوح القدس لم يكن قد أعطي بعد، لأنّ يسوع لم يكن قد مجّد بعد.
40 فكثيرون من الجمع لمّا سمعوا هذا الكلام قالوا: «هذا بالحقيقة هو النّبيّ».
41 آخرون قالوا: «هذا هو المسيح!». وآخرون قالوا: «ألعلّ المسيح من الجليل يأتي؟
42 ألم يقل الكتاب إنّه من نسل داود، ومن بيت لحم، القرية الّتي كان داود فيها، يأتي المسيح؟»
43 فحدث انشقاق في الجمع لسببه.
44 وكان قوم منهم يريدون أن يمسكوه، ولكن لم يلق أحد عليه الأيادي.
45 فجاء الخدّام إلى رؤساء الكهنة والفرّيسيّين. فقال هؤلاء لهم: «لماذا لم تأتوا به؟»
46 أجاب الخدّام: «لم يتكلّم قطّ إنسان هكذا مثل هذا الإنسان!».
47 فأجابهم الفرّيسيّون: «ألعلّكم أنتم أيضا قد ضللتم؟
48 ألعلّ أحدا من الرّؤساء أو من الفرّيسيّين آمن به؟
49 ولكنّ هذا الشّعب الّذي لا يفهم النّاموس هو ملعون».
50 قال لهم نيقوديموس، الّذي جاء إليه ليلا، وهو واحد منهم:
51 «ألعلّ ناموسنا يدين إنسانا لم يسمع منه أوّلا ويعرف ماذا فعل؟»
52 أجابوا وقالوا له: «ألعلّك أنت أيضا من الجليل؟ فتّش وانظر! إنّه لم يقم نبيّ من الجليل».
53 فمضى كلّ واحد إلى بيته.
1 أمّا يسوع فمضى إلى جبل الزّيتون.
2 ثمّ حضر أيضا إلى الهيكل في الصّبح، وجاء إليه جميع الشّعب فجلس يعلّمهم.
3 وقدّم إليه الكتبة والفرّيسيّون امرأة أمسكت في زنا. ولمّا أقاموها في الوسط
4 قالوا له: «يا معلّم، هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات الفعل،
5 وموسى في النّاموس أوصانا أنّ مثل هذه ترجم. فماذا تقول أنت؟»
6 قالوا هذا ليجرّبوه، لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه. وأمّا يسوع فانحنى إلى أسفل وكان يكتب بإصبعه على الأرض.
7 ولمّا استمرّوا يسألونه، انتصب وقال لهم: «من كان منكم بلا خطيّة فليرمها أوّلا بحجر!»
8 ثمّ انحنى أيضا إلى أسفل وكان يكتب على الأرض.
9 وأمّا هم فلمّا سمعوا وكانت ضمائرهم تبكّتهم، خرجوا واحدا فواحدا، مبتدئين من الشّيوخ إلى الآخرين. وبقي يسوع وحده والمرأة واقفة في الوسط.
10 فلمّا انتصب يسوع ولم ينظر أحدا سوى المرأة، قال لها: «يا امرأة، أين هم أولئك المشتكون عليك؟ أما دانك أحد؟»
11 فقالت: «لا أحد، يا سيّد!». فقال لها يسوع: «ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضا».
12 ثمّ كلّمهم يسوع أيضا قائلا: «أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظّلمة بل يكون له نور الحياة».
13 فقال له الفرّيسيّون: «أنت تشهد لنفسك. شهادتك ليست حقّا».
14 أجاب يسوع وقال لهم: «وإن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق، لأنّي أعلم من أين أتيت وإلى أين أذهب. وأمّا أنتم فلا تعلمون من أين آتي ولا إلى أين أذهب.
15 أنتم حسب الجسد تدينون، أمّا أنا فلست أدين أحدا.
16 وإن كنت أنا أدين فدينونتي حق، لأنّي لست وحدي، بل أنا والآب الّذي أرسلني.
17 وأيضا في ناموسكم مكتوب أنّ شهادة رجلين حق:
18 أنا هو الشّاهد لنفسي، ويشهد لي الآب الّذي أرسلني».
19 فقالوا له: «أين هو أبوك؟» أجاب يسوع: «لستم تعرفونني أنا ولا أبي. لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضا».
20 هذا الكلام قاله يسوع في الخزانة وهو يعلّم في الهيكل. ولم يمسكه أحد، لأنّ ساعته لم تكن قد جاءت بعد.
21 قال لهم يسوع أيضا: «أنا أمضي وستطلبونني، وتموتون في خطيّتكم. حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا»
22 فقال اليهود: «ألعلّه يقتل نفسه حتّى يقول: حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا؟».
23 فقال لهم: «أنتم من أسفل، أمّا أنا فمن فوق. أنتم من هذا العالم، أمّا أنا فلست من هذا العالم.
24 فقلت لكم: إنّكم تموتون في خطاياكم، لأنّكم إن لم تؤمنوا أنّي أنا هو تموتون في خطاياكم».
25 فقالوا له: «من أنت؟» فقال لهم يسوع: «أنا من البدء ما أكلّمكم أيضا به.
26 إنّ لي أشياء كثيرة أتكلّم وأحكم بها من نحوكم، لكنّ الّذي أرسلني هو حق. وأنا ما سمعته منه، فهذا أقوله للعالم».
27 ولم يفهموا أنّه كان يقول لهم عن الآب.
28 فقال لهم يسوع: «متى رفعتم ابن الإنسان، فحينئذ تفهمون أنّي أنا هو، ولست أفعل شيئا من نفسي، بل أتكلّم بهذا كما علّمني أبي.
29 والّذي أرسلني هو معي، ولم يتركني الآب وحدي، لأنّي في كلّ حين أفعل ما يرضيه».
30 وبينما هو يتكلّم بهذا آمن به كثيرون.
31 فقال يسوع لليهود الّذين آمنوا به: «إنّكم إن ثبتّم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي،
32 وتعرفون الحقّ، والحقّ يحرّركم».
33 أجابوه: «إنّنا ذرّيّة إبراهيم، ولم نستعبد لأحد قطّ! كيف تقول أنت: إنّكم تصيرون أحرارا؟»
34 أجابهم يسوع: «الحقّ الحقّ أقول لكم: إنّ كلّ من يعمل الخطيّة هو عبد للخطيّة.
35 والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد، أمّا الابن فيبقى إلى الأبد.
36 فإن حرّركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا.
37 أنا عالم أنّكم ذرّيّة إبراهيم. لكنّكم تطلبون أن تقتلوني لأنّ كلامي لا موضع له فيكم.
38 أنا أتكلّم بما رأيت عند أبي، وأنتم تعملون ما رأيتم عند أبيكم».
39 أجابوا وقالوا له: «أبونا هو إبراهيم». قال لهم يسوع: «لو كنتم أولاد إبراهيم، لكنتم تعملون أعمال إبراهيم!
40 ولكنّكم الآن تطلبون أن تقتلوني، وأنا إنسان قد كلّمكم بالحقّ الّذي سمعه من الله. هذا لم يعمله إبراهيم.
41 أنتم تعملون أعمال أبيكم». فقالوا له: «إنّنا لم نولد من زنا. لنا أب واحد وهو الله».
42 فقال لهم يسوع: «لو كان الله أباكم لكنتم تحبّونني، لأنّي خرجت من قبل الله وأتيت. لأنّي لم آت من نفسي، بل ذاك أرسلني.
43 لماذا لا تفهمون كلامي؟ لأنّكم لا تقدرون أن تسمعوا قولي.
44 أنتم من أب هو إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك كان قتّالا للنّاس من البدء، ولم يثبت في الحقّ لأنّه ليس فيه حق. متى تكلّم بالكذب فإنّما يتكلّم ممّا له، لأنّه كذّاب وأبو الكذّاب.
45 وأمّا أنا فلأنّي أقول الحقّ لستم تؤمنون بي.
46 من منكم يبكّتني على خطيّة؟ فإن كنت أقول الحقّ، فلماذا لستم تؤمنون بي؟
47 الّذي من الله يسمع كلام الله. لذلك أنتم لستم تسمعون، لأنّكم لستم من الله».
48 فأجاب اليهود وقالوا له: «ألسنا نقول حسنا: إنّك سامريّ وبك شيطان؟»
49 أجاب يسوع: «أنا ليس بي شيطان، لكنّي أكرم أبي وأنتم تهينونني.
50 أنا لست أطلب مجدي. يوجد من يطلب ويدين.
51 الحقّ الحقّ أقول لكم: إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يرى الموت إلى الأبد».
52 فقال له اليهود: الآن علمنا أنّ بك شيطانا. قد مات إبراهيم والأنبياء، وأنت تقول: إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يذوق الموت إلى الأبد.
53 ألعلّك أعظم من أبينا إبراهيم الّذي مات؟ والأنبياء ماتوا. من تجعل نفسك؟»
54 أجاب يسوع: «إن كنت أمجّد نفسي فليس مجدي شيئا. أبي هو الّذي يمجّدني، الّذي تقولون أنتم إنّه إلهكم،
55 ولستم تعرفونه. وأمّا أنا فأعرفه. وإن قلت إنّي لست أعرفه أكون مثلكم كاذبا، لكنّي أعرفه وأحفظ قوله.
56 أبوكم إبراهيم تهلّل بأن يرى يومي فرأى وفرح».
57 فقال له اليهود: «ليس لك خمسون سنة بعد، أفرأيت إبراهيم؟»
58 قال لهم يسوع: «الحقّ الحقّ أقول لكم: قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن».
59 فرفعوا حجارة ليرجموه. أمّا يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مجتازا في وسطهم ومضى هكذا.
1 وفيما هو مجتاز رأى إنسانا أعمى منذ ولادته،
2 فسأله تلاميذه قائلين: «يا معلّم، من أخطأ: هذا أم أبواه حتّى ولد أعمى؟».
3 أجاب يسوع: «لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه.
4 ينبغي أن أعمل أعمال الّذي أرسلني ما دام نهار. يأتي ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل.
5 ما دمت في العالم فأنا نور العالم».
6 قال هذا وتفل على الأرض وصنع من التّفل طينا وطلى بالطّين عيني الأعمى.
7 وقال له: «اذهب اغتسل في بركة سلوام» الّذي تفسيره: مرسل، فمضى واغتسل وأتى بصيرا.
8 فالجيران والّذين كانوا يرونه قبلا أنّه كان أعمى، قالوا: «أليس هذا هو الّذي كان يجلس ويستعطي؟»
9 آخرون قالوا: «هذا هو». وآخرون: «إنّه يشبهه». وأمّا هو فقال: «إنّي أنا هو».
10 فقالوا له: «كيف انفتحت عيناك؟»
11 أجاب ذاك وقال: «إنسان يقال له يسوع صنع طينا وطلى عينيّ، وقال لي: اذهب إلى بركة سلوام واغتسل. فمضيت واغتسلت فأبصرت».
12 فقالوا له: «أين ذاك؟» قال: «لا أعلم».
13 فأتوا إلى الفرّيسيّين بالّذي كان قبلا أعمى.
14 وكان سبت حين صنع يسوع الطّين وفتح عينيه.
15 فسأله الفرّيسيّون أيضا كيف أبصر، فقال لهم: «وضع طينا على عينيّ واغتسلت، فأنا أبصر».
16 فقال قوم من الفرّيسيّين: «هذا الإنسان ليس من الله، لأنّه لا يحفظ السّبت». آخرون قالوا: «كيف يقدر إنسان خاطئ أن يعمل مثل هذه الآيات؟» وكان بينهم انشقاق.
17 قالوا أيضا للأعمى: «ماذا تقول أنت عنه من حيث إنّه فتح عينيك؟» فقال: «إنّه نبيّ!».
18 فلم يصدّق اليهود عنه أنّه كان أعمى فأبصر حتّى دعوا أبوي الّذي أبصر.
19 فسألوهما قائلين: «أهذا ابنكما الّذي تقولان إنّه ولد أعمى؟ فكيف يبصر الآن؟»
20 أجابهم أبواه وقالا: «نعلم أنّ هذا ابننا، وأنّه ولد أعمى.
21 وأمّا كيف يبصر الآن فلا نعلم. أو من فتح عينيه فلا نعلم. هو كامل السّنّ. اسألوه فهو يتكلّم عن نفسه».
22 قال أبواه هذا لأنّهما كانا يخافان من اليهود، لأنّ اليهود كانوا قد تعاهدوا أنّه إن اعترف أحد بأنّه المسيح يخرج من المجمع.
23 لذلك قال أبواه: «إنّه كامل السّنّ، اسألوه».
24 فدعوا ثانية الإنسان الّذي كان أعمى، وقالوا له: «أعط مجدا لله. نحن نعلم أنّ هذا الإنسان خاطئ».
25 فأجاب ذاك وقال: «أخاطئ هو؟ لست أعلم. إنّما أعلم شيئا واحدا: أنّي كنت أعمى والآن أبصر».
26 فقالوا له أيضا: «ماذا صنع بك؟ كيف فتح عينيك؟»
27 أجابهم: «قد قلت لكم ولم تسمعوا. لماذا تريدون أن تسمعوا أيضا؟ ألعلّكم أنتم تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟»
28 فشتموه وقالوا: «أنت تلميذ ذاك، وأمّا نحن فإنّنا تلاميذ موسى.
29 نحن نعلم أنّ موسى كلّمه الله، وأمّا هذا فما نعلم من أين هو».
30 أجاب الرّجل وقال لهم: «إنّ في هذا عجبا! إنّكم لستم تعلمون من أين هو، وقد فتح عينيّ.
31 ونعلم أنّ الله لا يسمع للخطاة. ولكن إن كان أحد يتّقي الله ويفعل مشيئته، فلهذا يسمع.
32 منذ الدّهر لم يسمع أنّ أحدا فتح عيني مولود أعمى.
33 لو لم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئا».
34 أجابوا وقالوا له: «في الخطايا ولدت أنت بجملتك، وأنت تعلّمنا!» فأخرجوه خارجا.
35 فسمع يسوع أنّهم أخرجوه خارجا، فوجده وقال له: «أتؤمن بابن الله؟»
36 أجاب ذاك وقال: «من هو يا سيّد لأومن به؟»
37 فقال له يسوع: «قد رأيته، والّذي يتكلّم معك هو هو!».
38 فقال: «أومن يا سيّد!». وسجد له.
39 فقال يسوع: «لدينونة أتيت أنا إلى هذا العالم، حتّى يبصر الّذين لا يبصرون ويعمى الّذين يبصرون».
40 فسمع هذا الّذين كانوا معه من الفرّيسيّين، وقالوا له: «ألعلّنا نحن أيضا عميان؟»
41 قال لهم يسوع: «لو كنتم عميانا لما كانت لكم خطيّة. ولكن الآن تقولون إنّنا نبصر، فخطيّتكم باقية.
1 «الحقّ الحقّ أقول لكم: إنّ الّذي لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف، بل يطلع من موضع آخر، فذاك سارق ولصّ.
2 وأمّا الّذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف.
3 لهذا يفتح البوّاب، والخراف تسمع صوته، فيدعو خرافه الخاصّة بأسماء ويخرجها.
4 ومتى أخرج خرافه الخاصّة يذهب أمامها، والخراف تتبعه، لأنّها تعرف صوته.
5 وأمّا الغريب فلا تتبعه بل تهرب منه، لأنّها لا تعرف صوت الغرباء».
6 هذا المثل قاله لهم يسوع، وأمّا هم فلم يفهموا ما هو الّذي كان يكلّمهم به.
7 فقال لهم يسوع أيضا: «الحقّ الحقّ أقول لكم: إنّي أنا باب الخراف.
8 جميع الّذين أتوا قبلي هم سرّاق ولصوص، ولكنّ الخراف لم تسمع لهم.
9 أنا هو الباب. إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى.
10 السّارق لا يأتي إلاّ ليسرق ويذبح ويهلك، وأمّا أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل.
11 أنا هو الرّاعي الصّالح، والرّاعي الصّالح يبذل نفسه عن الخراف.
12 وأمّا الّذي هو أجير، وليس راعيا، الّذي ليست الخراف له، فيرى الذّئب مقبلا ويترك الخراف ويهرب، فيخطف الذّئب الخراف ويبدّدها.
13 والأجير يهرب لأنّه أجير، ولا يبالي بالخراف.
14 أمّا أنا فإنّي الرّاعي الصّالح، وأعرف خاصّتي وخاصّتي تعرفني،
15 كما أنّ الآب يعرفني وأنا أعرف الآب. وأنا أضع نفسي عن الخراف.
16 ولي خراف أخر ليست من هذه الحظيرة، ينبغي أن آتي بتلك أيضا فتسمع صوتي، وتكون رعيّة واحدة وراع واحد.
17 لهذا يحبّني الآب، لأنّي أضع نفسي لآخذها أيضا.
18 ليس أحد يأخذها منّي، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضا. هذه الوصيّة قبلتها من أبي».
19 فحدث أيضا انشقاق بين اليهود بسبب هذا الكلام.
20 فقال كثيرون منهم: «به شيطان وهو يهذي. لماذا تستمعون له؟»
21 آخرون قالوا: «ليس هذا كلام من به شيطان. ألعلّ شيطانا يقدر أن يفتح أعين العميان؟».
22 وكان عيد التّجديد في أورشليم، وكان شتاء.
23 وكان يسوع يتمشّى في الهيكل في رواق سليمان،
24 فاحتاط به اليهود وقالوا له: «إلى متى تعلّق أنفسنا؟ إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهرا».
25 أجابهم يسوع: «إنّي قلت لكم ولستم تؤمنون. الأعمال الّتي أنا أعملها باسم أبي هي تشهد لي.
26 ولكنّكم لستم تؤمنون لأنّكم لستم من خرافي، كما قلت لكم.
27 خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها فتتبعني.
28 وأنا أعطيها حياة أبديّة، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي.
29 أبي الّذي أعطاني إيّاها هو أعظم من الكلّ، ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي.
30 أنا والآب واحد».
31 فتناول اليهود أيضا حجارة ليرجموه.
32 أجابهم يسوع: «أعمالا كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي. بسبب أيّ عمل منها ترجمونني؟»
33 أجابه اليهود قائلين: «لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف، فإنّك وأنت إنسان تجعل نفسك إلها»
34 أجابهم يسوع: «أليس مكتوبا في ناموسكم: أنا قلت إنّكم آلهة؟
35 إن قال آلهة لأولئك الّذين صارت إليهم كلمة الله، ولا يمكن أن ينقض المكتوب،
36 فالّذي قدّسه الآب وأرسله إلى العالم، أتقولون له: إنّك تجدّف، لأنّي قلت: إنّي ابن الله؟
37 إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي.
38 ولكن إن كنت أعمل، فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال، لكي تعرفوا وتؤمنوا أنّ الآب فيّ وأنا فيه».
39 فطلبوا أيضا أن يمسكوه فخرج من أيديهم،
40 ومضى أيضا إلى عبر الأردنّ إلى المكان الّذي كان يوحنّا يعمّد فيه أوّلا ومكث هناك.
41 فأتى إليه كثيرون وقالوا: «إنّ يوحنّا لم يفعل آية واحدة، ولكن كلّ ما قاله يوحنّا عن هذا كان حقّا».
42 فآمن كثيرون به هناك.
1 وكان إنسان مريضا وهو لعازر، من بيت عنيا من قرية مريم ومرثا أختها.
2 وكانت مريم، الّتي كان لعازر أخوها مريضا، هي الّتي دهنت الرّبّ بطيب، ومسحت رجليه بشعرها.
3 فأرسلت الأختان إليه قائلتين: «يا سيّد، هوذا الّذي تحبّه مريض».
4 فلمّا سمع يسوع، قال: «هذا المرض ليس للموت، بل لأجل مجد الله، ليتمجّد ابن الله به».
5 وكان يسوع يحبّ مرثا وأختها ولعازر.
6 فلمّا سمع أنّه مريض مكث حينئذ في الموضع الّذي كان فيه يومين.
7 ثمّ بعد ذلك قال لتلاميذه: «لنذهب إلى اليهوديّة أيضا».
8 قال له التّلاميذ: «يا معلّم، الآن كان اليهود يطلبون أن يرجموك، وتذهب أيضا إلى هناك».
9 أجاب يسوع: «أليست ساعات النّهار اثنتي عشرة؟ إن كان أحد يمشي في النّهار لا يعثر لأنّه ينظر نور هذا العالم،
10 ولكن إن كان أحد يمشي في اللّيل يعثر، لأنّ النّور ليس فيه».
11 قال هذا وبعد ذلك قال لهم: «لعازر حبيبنا قد نام. لكنّي أذهب لأوقظه».
12 فقال تلاميذه: «يا سيّد، إن كان قد نام فهو يشفى».
13 وكان يسوع يقول عن موته، وهم ظنّوا أنّه يقول عن رقاد النّوم.
14 فقال لهم يسوع حينئذ علانية: «لعازر مات.
15 وأنا أفرح لأجلكم إنّي لم أكن هناك، لتؤمنوا. ولكن لنذهب إليه!».
16 فقال توما الّذي يقال له التّوأم للتّلاميذ رفقائه: «لنذهب نحن أيضا لكي نموت معه!».
17 فلمّا أتى يسوع وجد أنّه قد صار له أربعة أيّام في القبر.
18 وكانت بيت عنيا قريبة من أورشليم نحو خمس عشرة غلوة.
19 وكان كثيرون من اليهود قد جاءوا إلى مرثا ومريم ليعزّوهما عن أخيهما.
20 فلمّا سمعت مرثا أنّ يسوع آت لاقته، وأمّا مريم فاستمرّت جالسة في البيت.
21 فقالت مرثا ليسوع: «يا سيّد، لو كنت ههنا لم يمت أخي!
22 لكنّي الآن أيضا أعلم أنّ كلّ ما تطلب من الله يعطيك الله إيّاه».
23 قال لها يسوع: «سيقوم أخوك».
24 قالت له مرثا: «أنا أعلم أنّه سيقوم في القيامة، في اليوم الأخير».
25 قال لها يسوع: «أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا،
26 وكلّ من كان حيّا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد. أتؤمنين بهذا؟»
27 قالت له: «نعم يا سيّد. أنا قد آمنت أنّك أنت المسيح ابن الله، الآتي إلى العالم».
28 ولمّا قالت هذا مضت ودعت مريم أختها سرّا، قائلة: «المعلّم قد حضر، وهو يدعوك».
29 أمّا تلك فلمّا سمعت قامت سريعا وجاءت إليه.
30 ولم يكن يسوع قد جاء إلى القرية، بل كان في المكان الّذي لاقته فيه مرثا.
31 ثمّ إنّ اليهود الّذين كانوا معها في البيت يعزّونها، لمّا رأوا مريم قامت عاجلا وخرجت، تبعوها قائلين: «إنّها تذهب إلى القبر لتبكي هناك».
32 فمريم لمّا أتت إلى حيث كان يسوع ورأته، خرّت عند رجليه قائلة له: «يا سيّد، لو كنت ههنا لم يمت أخي!».
33 فلمّا رآها يسوع تبكي، واليهود الّذين جاءوا معها يبكون، انزعج بالرّوح واضطرب،
34 وقال: «أين وضعتموه؟» قالوا له: «يا سيّد، تعال وانظر».
35 بكى يسوع.
36 فقال اليهود: «انظروا كيف كان يحبّه!».
37 وقال بعض منهم: «ألم يقدر هذا الّذي فتح عيني الأعمى أن يجعل هذا أيضا لا يموت؟».
38 فانزعج يسوع أيضا في نفسه وجاء إلى القبر، وكان مغارة وقد وضع عليه حجر.
39 قال يسوع: «ارفعوا الحجر!». قالت له مرثا، أخت الميت: «يا سيّد، قد أنتن لأنّ له أربعة أيّام».
40 قال لها يسوع: «ألم أقل لك: إن آمنت ترين مجد الله؟».
41 فرفعوا الحجر حيث كان الميت موضوعا، ورفع يسوع عينيه إلى فوق، وقال: «أيّها الآب، أشكرك لأنّك سمعت لي،
42 وأنا علمت أنّك في كلّ حين تسمع لي. ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت، ليؤمنوا أنّك أرسلتني».
43 ولمّا قال هذا صرخ بصوت عظيم: «لعازر، هلمّ خارجا!»
44 فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة، ووجهه ملفوف بمنديل. فقال لهم يسوع: «حلّوه ودعوه يذهب».
45 فكثيرون من اليهود الّذين جاءوا إلى مريم، ونظروا ما فعل يسوع، آمنوا به.
46 وأمّا قوم منهم فمضوا إلى الفرّيسيّين وقالوا لهم عمّا فعل يسوع.
47 فجمع رؤساء الكهنة والفرّيسيّون مجمعا وقالوا: «ماذا نصنع؟ فإنّ هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة.
48 إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به، فيأتي الرّومانيّون ويأخذون موضعنا وأمّتنا».
49 فقال لهم واحد منهم، وهو قيافا، كان رئيسا للكهنة في تلك السّنة: «أنتم لستم تعرفون شيئا،
50 ولا تفكّرون أنّه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشّعب ولا تهلك الأمّة كلّها!».
51 ولم يقل هذا من نفسه، بل إذ كان رئيسا للكهنة في تلك السّنة، تنبّأ أنّ يسوع مزمع أن يموت عن الأمّة،
52 وليس عن الأمّة فقط، بل ليجمع أبناء الله المتفرّقين إلى واحد.
53 فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه.
54 فلم يكن يسوع أيضا يمشي بين اليهود علانية، بل مضى من هناك إلى الكورة القريبة من البرّيّة، إلى مدينة يقال لها أفرايم، ومكث هناك مع تلاميذه.
55 وكان فصح اليهود قريبا. فصعد كثيرون من الكور إلى أورشليم قبل الفصح ليطهّروا أنفسهم.
56 فكانوا يطلبون يسوع ويقولون فيما بينهم، وهم واقفون في الهيكل: «ماذا تظنّون؟ هل هو لا يأتي إلى العيد؟»
57 وكان أيضا رؤساء الكهنة والفرّيسيّون قد أصدروا أمرا أنّه إن عرف أحد أين هو فليدلّ عليه، لكي يمسكوه.
1 ثمّ قبل الفصح بستّة أيّام أتى يسوع إلى بيت عنيا، حيث كان لعازر الميت الّذي أقامه من الأموات.
2 فصنعوا له هناك عشاء. وكانت مرثا تخدم، وأمّا لعازر فكان أحد المتّكئين معه.
3 فأخذت مريم منا من طيب ناردين خالص كثير الثّمن، ودهنت قدمي يسوع، ومسحت قدميه بشعرها، فامتلأ البيت من رائحة الطّيب.
4 فقال واحد من تلاميذه، وهو يهوذا سمعان الإسخريوطيّ، المزمع أن يسلّمه:
5 «لماذا لم يبع هذا الطّيب بثلاثمئة دينار ويعط للفقراء؟»
6 قال هذا ليس لأنّه كان يبالي بالفقراء، بل لأنّه كان سارقا، وكان الصّندوق عنده، وكان يحمل ما يلقى فيه.
7 فقال يسوع: «اتركوها! إنّها ليوم تكفيني قد حفظته،
8 لأنّ الفقراء معكم في كلّ حين، وأمّا أنا فلست معكم في كلّ حين».
9 فعلم جمع كثير من اليهود أنّه هناك، فجاءوا ليس لأجل يسوع فقط، بل لينظروا أيضا لعازر الّذي أقامه من الأموات.
10 فتشاور رؤساء الكهنة ليقتلوا لعازر أيضا،
11 لأنّ كثيرين من اليهود كانوا بسببه يذهبون ويؤمنون بيسوع.
12 وفي الغد سمع الجمع الكثير الّذي جاء إلى العيد أنّ يسوع آت إلى أورشليم،
13 فأخذوا سعوف النّخل وخرجوا للقائه، وكانوا يصرخون: «أوصنّا! مبارك الآتي باسم الرّبّ! ملك إسرائيل!»
14 ووجد يسوع جحشا فجلس عليه كما هو مكتوب:
15 «لا تخافي يا ابنة صهيون. هوذا ملكك يأتي جالسا على جحش أتان».
16 وهذه الأمور لم يفهمها تلاميذه أوّلا، ولكن لمّا تمجّد يسوع، حينئذ تذكّروا أنّ هذه كانت مكتوبة عنه، وأنّهم صنعوا هذه له.
17 وكان الجمع الّذي معه يشهد أنّه دعا لعازر من القبر وأقامه من الأموات.
18 لهذا أيضا لاقاه الجمع، لأنّهم سمعوا أنّه كان قد صنع هذه الآية.
19 فقال الفرّيسيّون بعضهم لبعض: «انظروا! إنّكم لا تنفعون شيئا! هوذا العالم قد ذهب وراءه!».
20 وكان أناس يونانيّون من الّذين صعدوا ليسجدوا في العيد.
21 فتقدّم هؤلاء إلى فيلبّس الّذي من بيت صيدا الجليل، وسألوه قائلين: «يا سيّد، نريد أن نرى يسوع»
22 فأتى فيلبّس وقال لأندراوس، ثمّ قال أندراوس وفيلبّس ليسوع.
23 وأمّا يسوع فأجابهما قائلا: «قد أتت السّاعة ليتمجّد ابن الإنسان.
24 الحقّ الحقّ أقول لكم: إن لم تقع حبّة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير.
25 من يحبّ نفسه يهلكها، ومن يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها إلى حياة أبديّة.
26 إن كان أحد يخدمني فليتبعني، وحيث أكون أنا هناك أيضا يكون خادمي. وإن كان أحد يخدمني يكرمه الآب.
27 الآن نفسي قد اضطربت. وماذا أقول؟ أيّها الآب نجّني من هذه السّاعة؟. ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه السّاعة
28 أيّها الآب مجّد اسمك!». فجاء صوت من السّماء: «مجّدت، وأمجّد أيضا!».
29 فالجمع الّذي كان واقفا وسمع، قال: «قد حدث رعد!». وآخرون قالوا: «قد كلّمه ملاك!».
30 أجاب يسوع وقال: «ليس من أجلي صار هذا الصّوت، بل من أجلكم.
31 الآن دينونة هذا العالم. الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجا.
32 وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليّ الجميع».
33 قال هذا مشيرا إلى أيّة ميتة كان مزمعا أن يموت.
34 فأجابه الجمع: «نحن سمعنا من النّاموس أنّ المسيح يبقى إلى الأبد، فكيف تقول أنت إنّه ينبغي أن يرتفع ابن الإنسان؟ من هو هذا ابن الإنسان؟»
35 فقال لهم يسوع: «النّور معكم زمانا قليلا بعد، فسيروا ما دام لكم النّور لئلاّ يدرككم الظّلام. والّذي يسير في الظّلام لا يعلم إلى أين يذهب.
36 ما دام لكم النّور آمنوا بالنّور لتصيروا أبناء النّور». تكلّم يسوع بهذا ثمّ مضى واختفى عنهم.
37 ومع أنّه كان قد صنع أمامهم آيات هذا عددها، لم يؤمنوا به،
38 ليتمّ قول إشعياء النّبيّ الذي قاله: «يا ربّ، من صدّق خبرنا؟ ولمن استعلنت ذراع الرّبّ؟»
39 لهذا لم يقدروا أن يؤمنوا. لأنّ إشعياء قال أيضا:
40 «قد أعمى عيونهم، وأغلظ قلوبهم، لئلاّ يبصروا بعيونهم، ويشعروا بقلوبهم، ويرجعوا فأشفيهم».
41 قال إشعياء هذا حين رأى مجده وتكلّم عنه.
42 ولكن مع ذلك آمن به كثيرون من الرّؤساء أيضا، غير أنّهم لسبب الفرّيسيّين لم يعترفوا به، لئلاّ يصيروا خارج المجمع،
43 لأنّهم أحبّوا مجد النّاس أكثر من مجد الله.
44 فنادى يسوع وقال: «الّذي يؤمن بي، ليس يؤمن بي بل بالّذي أرسلني.
45 والّذي يراني يرى الّذي أرسلني.
46 أنا قد جئت نورا إلى العالم، حتّى كلّ من يؤمن بي لا يمكث في الظّلمة.
47 وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه، لأنّي لم آت لأدين العالم بل لأخلّص العالم.
48 من رذلني ولم يقبل كلامي فله من يدينه. الكلام الّذي تكلّمت به هو يدينه في اليوم الأخير،
49 لأنّي لم أتكلّم من نفسي، لكنّ الآب الّذي أرسلني هو أعطاني وصيّة: ماذا أقول وبماذا أتكلّم.
50 وأنا أعلم أنّ وصيّته هي حياة أبديّة. فما أتكلّم أنا به، فكما قال لي الآب هكذا أتكلّم».
1 أمّا يسوع قبل عيد الفصح، وهو عالم أنّ ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم إلى الآب، إذ كان قد أحبّ خاصّته الّذين في العالم، أحبّهم إلى المنتهى.
2 فحين كان العشاء، وقد ألقى الشّيطان في قلب يهوذا سمعان الإسخريوطيّ أن يسلّمه،
3 يسوع وهو عالم أنّ الآب قد دفع كلّ شيء إلى يديه، وأنّه من عند الله خرج، وإلى الله يمضي،
4 قام عن العشاء، وخلع ثيابه، وأخذ منشفة واتّزر بها،
5 ثمّ صبّ ماء في مغسل، وابتدأ يغسل أرجل التّلاميذ ويمسحها بالمنشفة الّتي كان متّزرا بها.
6 فجاء إلى سمعان بطرس. فقال له ذاك: «يا سيّد، أنت تغسل رجليّ!»
7 أجاب يسوع وقال له: «لست تعلم أنت الآن ما أنا أصنع، ولكنّك ستفهم فيما بعد».
8 قال له بطرس: «لن تغسل رجليّ أبدا!» أجابه يسوع: «إن كنت لا أغسلك فليس لك معي نصيب».
9 قال له سمعان بطرس: «يا سيّد، ليس رجليّ فقط بل أيضا يديّ ورأسي».
10 قال له يسوع: «الّذي قد اغتسل ليس له حاجة إلاّ إلى غسل رجليه، بل هو طاهر كلّه. وأنتم طاهرون ولكن ليس كلّكم».
11 لأنّه عرف مسلّمه، لذلك قال: «لستم كلّكم طاهرين».
12 فلمّا كان قد غسل أرجلهم وأخذ ثيابه واتّكأ أيضا، قال لهم: «أتفهمون ما قد صنعت بكم؟
13 أنتم تدعونني معلّما وسيّدا، وحسنا تقولون، لأنّي أنا كذلك.
14 فإن كنت وأنا السّيّد والمعلّم قد غسلت أرجلكم، فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض،
15 لأنّي أعطيتكم مثالا، حتّى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضا.
16 الحقّ الحقّ أقول لكم: إنّه ليس عبد أعظم من سيّده، ولا رسول أعظم من مرسله.
17 إن علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه.
18 «لست أقول عن جميعكم. أنا أعلم الّذين اخترتهم. لكن ليتمّ الكتاب: الّذي يأكل معي الخبز رفع عليّ عقبه.
19 أقول لكم الآن قبل أن يكون، حتّى متى كان تؤمنون أنّي أنا هو.
20 الحقّ الحقّ أقول لكم: الّذي يقبل من أرسله يقبلني، والّذي يقبلني يقبل الّذي أرسلني».
21 لمّا قال يسوع هذا اضطرب بالرّوح، وشهد وقال: «الحقّ الحقّ أقول لكم: إنّ واحدا منكم سيسلّمني!».
22 فكان التّلاميذ ينظرون بعضهم إلى بعض وهم محتارون في من قال عنه.
23 وكان متّكئا في حضن يسوع واحد من تلاميذه، كان يسوع يحبّه.
24 فأومأ إليه سمعان بطرس أن يسأل من عسى أن يكون الّذي قال عنه.
25 فاتّكأ ذاك على صدر يسوع وقال له: «يا سيّد، من هو؟»
26 أجاب يسوع: «هو ذاك الّذي أغمس أنا اللّقمة وأعطيه!». فغمس اللّقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الإسخريوطيّ.
27 فبعد اللّقمة دخله الشّيطان. فقال له يسوع: «ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة».
28 وأمّا هذا فلم يفهم أحد من المتّكئين لماذا كلّمه به،
29 لأنّ قوما، إذ كان الصّندوق مع يهوذا، ظنّوا أنّ يسوع قال له: اشتر ما نحتاج إليه للعيد، أو أن يعطي شيئا للفقراء.
30 فذاك لمّا أخذ اللّقمة خرج للوقت. وكان ليلا.
31 فلمّا خرج قال يسوع: «الآن تمجّد ابن الإنسان وتمجّد الله فيه.
32 إن كان الله قد تمجّد فيه، فإنّ الله سيمجّده في ذاته، ويمجّده سريعا.
33 يا أولادي، أنا معكم زمانا قليلا بعد. ستطلبونني، وكما قلت لليهود: حيث أذهب أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا، أقول لكم أنتم الآن.
34 وصيّة جديدة أنا أعطيكم: أن تحبّوا بعضكم بعضا. كما أحببتكم أنا تحبّون أنتم أيضا بعضكم بعضا.
35 بهذا يعرف الجميع أنّكم تلاميذي: إن كان لكم حبّ بعضا لبعض».
36 قال له سمعان بطرس: «يا سيّد، إلى أين تذهب؟» أجابه يسوع: «حيث أذهب لا تقدر الآن أن تتبعني، ولكنّك ستتبعني أخيرا».
37 قال له بطرس: «يا سيّد، لماذا لا أقدر أن أتبعك الآن؟ إنّي أضع نفسي عنك!».
38 أجابه يسوع: «أتضع نفسك عنّي؟ الحقّ الحقّ أقول لك: لا يصيح الدّيك حتّى تنكرني ثلاث مرّات.
1 «لا تضطرب قلوبكم. أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي.
2 في بيت أبي منازل كثيرة، وإلاّ فإنّي كنت قد قلت لكم. أنا أمضي لأعدّ لكم مكانا،
3 وإن مضيت وأعددت لكم مكانا آتي أيضا وآخذكم إليّ، حتّى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا،
4 وتعلمون حيث أنا أذهب وتعلمون الطّريق».
5 قال له توما: «يا سيّد، لسنا نعلم أين تذهب، فكيف نقدر أن نعرف الطّريق؟»
6 قال له يسوع: «أنا هو الطّريق والحقّ والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلاّ بي.
7 لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضا. ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه».
8 قال له فيلبّس: «يا سيّد، أرنا الآب وكفانا».
9 قال له يسوع: «أنا معكم زمانا هذه مدّته ولم تعرفني يا فيلبّس! الّذي رآني فقد رأى الآب، فكيف تقول أنت: أرنا الآب؟
10 ألست تؤمن أنّي أنا في الآب والآب فيّ؟ الكلام الّذي أكلّمكم به لست أتكلّم به من نفسي، لكنّ الآب الحالّ فيّ هو يعمل الأعمال.
11 صدّقوني أنّي في الآب والآب فيّ، وإلاّ فصدّقوني لسبب الأعمال نفسها.
12 الحقّ الحقّ أقول لكم: من يؤمن بي فالأعمال الّتي أنا أعملها يعملها هو أيضا، ويعمل أعظم منها، لأنّي ماض إلى أبي.
13 ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجّد الآب بالابن.
14 إن سألتم شيئا باسمي فإنّي أفعله.
15 «إن كنتم تحبّونني فاحفظوا وصاياي،
16 وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزّيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد،
17 روح الحقّ الّذي لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنّه لا يراه ولا يعرفه، وأمّا أنتم فتعرفونه لأنّه ماكث معكم ويكون فيكم.
18 لا أترككم يتامى. إنّي آتي إليكم.
19 بعد قليل لا يراني العالم أيضا، وأمّا أنتم فترونني. إنّي أنا حيّ فأنتم ستحيون.
20 في ذلك اليوم تعلمون أنّي أنا في أبي، وأنتم فيّ، وأنا فيكم.
21 الّذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الّذي يحبّني، والّذي يحبّني يحبّه أبي، وأنا أحبّه، وأظهر له ذاتي».
22 قال له يهوذا ليس الإسخريوطيّ: «يا سيّد، ماذا حدث حتّى إنّك مزمع أن تظهر ذاتك لنا وليس للعالم؟»
23 أجاب يسوع وقال له: «إن أحبّني أحد يحفظ كلامي، ويحبّه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلا.
24 الّذي لا يحبّني لا يحفظ كلامي. والكلام الّذي تسمعونه ليس لي بل للآب الّذي أرسلني.
25 بهذا كلّمتكم وأنا عندكم.
26 وأمّا المعزّي، الرّوح القدس، الّذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلّمكم كلّ شيء، ويذكّركم بكلّ ما قلته لكم.
27 «سلاما أترك لكم. سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب.
28 سمعتم أنّي قلت لكم: أنا أذهب ثمّ آتي إليكم. لو كنتم تحبّونني لكنتم تفرحون لأنّي قلت أمضي إلى الآب، لأنّ أبي أعظم منّي.
29 وقلت لكم الآن قبل أن يكون، حتّى متى كان تؤمنون.
30 لا أتكلّم أيضا معكم كثيرا، لأنّ رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شيء.
31 ولكن ليفهم العالم أنّي أحبّ الآب، وكما أوصاني الآب هكذا أفعل. قوموا ننطلق من ههنا.
1 «أنا الكرمة الحقيقيّة وأبي الكرّام.
2 كلّ غصن فيّ لا يأتي بثمر ينزعه، وكلّ ما يأتي بثمر ينقّيه ليأتي بثمر أكثر.
3 أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الّذي كلّمتكم به.
4 اثبتوا فيّ وأنا فيكم. كما أنّ الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته إن لم يثبت في الكرمة، كذلك أنتم أيضا إن لم تثبتوا فيّ.
5 أنا الكرمة وأنتم الأغصان. الّذي يثبت فيّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير، لأنّكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا.
6 إن كان أحد لا يثبت فيّ يطرح خارجا كالغصن، فيجفّ ويجمعونه ويطرحونه في النّار، فيحترق.
7 إن ثبتّم فيّ وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم.
8 بهذا يتمجّد أبي: أن تأتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي.
9 كما أحبّني الآب كذلك أحببتكم أنا. اثبتوا في محبّتي.
10 إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبّتي، كما أنّي أنا قد حفظت وصايا أبي وأثبت في محبّته.
11 كلّمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم.
12 «هذه هي وصيّتي أن تحبّوا بعضكم بعضا كما أحببتكم.
13 ليس لأحد حبّ أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبّائه.
14 أنتم أحبّائي إن فعلتم ما أوصيكم به.
15 لا أعود أسمّيكم عبيدا، لأنّ العبد لا يعلم ما يعمل سيّده، لكنّي قد سمّيتكم أحبّاء لأنّي أعلمتكم بكلّ ما سمعته من أبي.
16 ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم، وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر، ويدوم ثمركم، لكي يعطيكم الآب كلّ ما طلبتم باسمي.
17 بهذا أوصيكم حتّى تحبّوا بعضكم بعضا.
18 «إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنّه قد أبغضني قبلكم.
19 لو كنتم من العالم لكان العالم يحبّ خاصّته. ولكن لأنّكم لستم من العالم، بل أنا اخترتكم من العالم، لذلك يبغضكم العالم.
20 اذكروا الكلام الّذي قلته لكم: ليس عبد أعظم من سيّده. إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم، وإن كانوا قد حفظوا كلامي فسيحفظون كلامكم.
21 لكنّهم إنّما يفعلون بكم هذا كلّه من أجل اسمي، لأنّهم لا يعرفون الّذي أرسلني.
22 لو لم أكن قد جئت وكلّمتهم، لم تكن لهم خطيّة، وأمّا الآن فليس لهم عذر في خطيّتهم.
23 الّذي يبغضني يبغض أبي أيضا.
24 لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالا لم يعملها أحد غيري، لم تكن لهم خطيّة، وأمّا الآن فقد رأوا وأبغضوني أنا وأبي.
25 لكن لكي تتمّ الكلمة المكتوبة في ناموسهم: إنّهم أبغضوني بلا سبب.
26 «ومتى جاء المعزّي الّذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحقّ، الّذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي.
27 وتشهدون أنتم أيضا لأنّكم معي من الابتداء.
1 «قد كلّمتكم بهذا لكي لا تعثروا.
2 سيخرجونكم من المجامع، بل تأتي ساعة فيها يظنّ كلّ من يقتلكم أنّه يقدّم خدمة لله.
3 وسيفعلون هذا بكم لأنّهم لم يعرفوا الآب ولا عرفوني.
4 لكنّي قد كلّمتكم بهذا حتّى إذا جاءت السّاعة تذكرون أنّي أنا قلته لكم. ولم أقل لكم من البداية لأنّي كنت معكم.
5 «وأمّا الآن فأنا ماض إلى الّذي أرسلني، وليس أحد منكم يسألني: أين تمضي؟
6 لكن لأنّي قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم.
7 لكنّي أقول لكم الحقّ: إنّه خير لكم أن أنطلق، لأنّه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزّي، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم.
8 ومتى جاء ذاك يبكّت العالم على خطيّة وعلى برّ وعلى دينونة:
9 أمّا على خطيّة فلأنّهم لا يؤمنون بي.
10 وأمّا على برّ فلأنّي ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضا.
11 وأمّا على دينونة فلأنّ رئيس هذا العالم قد دين.
12 «إنّ لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن.
13 وأمّا متى جاء ذاك، روح الحقّ، فهو يرشدكم إلى جميع الحقّ، لأنّه لا يتكلّم من نفسه، بل كلّ ما يسمع يتكلّم به، ويخبركم بأمور آتية.
14 ذاك يمجّدني، لأنّه يأخذ ممّا لي ويخبركم.
15 كلّ ما للآب هو لي. لهذا قلت إنّه يأخذ ممّا لي ويخبركم.
16 بعد قليل لا تبصرونني، ثمّ بعد قليل أيضا ترونني، لأنّي ذاهب إلى الآب».
17 فقال قوم من تلاميذه، بعضهم لبعض: «ما هو هذا الّذي يقوله لنا: بعد قليل لا تبصرونني، ثمّ بعد قليل أيضا ترونني، ولأنّي ذاهب إلى الآب؟».
18 فقالوا: «ما هو هذا القليل الّذي يقول عنه؟ لسنا نعلم بماذا يتكلّم!».
19 فعلم يسوع أنّهم كانوا يريدون أن يسألوه، فقال لهم: «أعن هذا تتساءلون فيما بينكم، لأنّي قلت: بعد قليل لا تبصرونني، ثمّ بعد قليل أيضا ترونني
20 الحقّ الحقّ أقول لكم: إنّكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح. أنتم ستحزنون، ولكنّ حزنكم يتحوّل إلى فرح.
21 المرأة وهي تلد تحزن لأنّ ساعتها قد جاءت، ولكن متى ولدت الطّفل لا تعود تذكر الشّدّة لسبب الفرح، لأنّه قد ولد إنسان في العالم.
22 فأنتم كذلك، عندكم الآن حزن. ولكنّي سأراكم أيضا فتفرح قلوبكم، ولا ينزع أحد فرحكم منكم
23 وفي ذلك اليوم لا تسألونني شيئا. الحقّ الحقّ أقول لكم: إنّ كلّ ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم.
24 إلى الآن لم تطلبوا شيئا باسمي. اطلبوا تأخذوا، ليكون فرحكم كاملا.
25 «قد كلّمتكم بهذا بأمثال، ولكن تأتي ساعة حين لا أكلّمكم أيضا بأمثال، بل أخبركم عن الآب علانية.
26 في ذلك اليوم تطلبون باسمي. ولست أقول لكم إنّي أنا أسأل الآب من أجلكم،
27 لأنّ الآب نفسه يحبّكم، لأنّكم قد أحببتموني، وآمنتم أنّي من عند الله خرجت.
28 خرجت من عند الآب، وقد أتيت إلى العالم، وأيضا أترك العالم وأذهب إلى الآب».
29 قال له تلاميذه: «هوذا الآن تتكلّم علانية ولست تقول مثلا واحدا.
30 الآن نعلم أنّك عالم بكلّ شيء، ولست تحتاج أن يسألك أحد. لهذا نؤمن أنّك من الله خرجت».
31 أجابهم يسوع: «ألآن تؤمنون؟
32 هوذا تأتي ساعة، وقد أتت الآن، تتفرّقون فيها كلّ واحد إلى خاصّته، وتتركونني وحدي. وأنا لست وحدي لأنّ الآب معي.
33 قد كلّمتكم بهذا ليكون لكم فيّ سلام. في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا: أنا قد غلبت العالم».
1 تكلّم يسوع بهذا ورفع عينيه نحو السّماء وقال: «أيّها الآب، قد أتت السّاعة. مجّد ابنك ليمجّدك ابنك أيضا،
2 إذ أعطيته سلطانا على كلّ جسد ليعطي حياة أبديّة لكلّ من أعطيته.
3 وهذه هي الحياة الأبديّة: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقيّ وحدك ويسوع المسيح الّذي أرسلته.
4 أنا مجّدتك على الأرض. العمل الّذي أعطيتني لأعمل قد أكملته.
5 والآن مجّدني أنت أيّها الآب عند ذاتك بالمجد الّذي كان لي عندك قبل كون العالم.
6 «أنا أظهرت اسمك للنّاس الّذين أعطيتني من العالم. كانوا لك وأعطيتهم لي، وقد حفظوا كلامك.
7 والآن علموا أنّ كلّ ما أعطيتني هو من عندك،
8 لأنّ الكلام الّذي أعطيتني قد أعطيتهم، وهم قبلوا وعلموا يقينا أنّي خرجت من عندك، وآمنوا أنّك أنت أرسلتني.
9 من أجلهم أنا أسأل. لست أسأل من أجل العالم، بل من أجل الّذين أعطيتني لأنّهم لك.
10 وكلّ ما هو لي فهو لك، وما هو لك فهو لي، وأنا ممجّد فيهم.
11 ولست أنا بعد في العالم، وأمّا هؤلاء فهم في العالم، وأنا آتي إليك. أيّها الآب القدّوس، احفظهم في اسمك الّذين أعطيتني، ليكونوا واحدا كما نحن.
12 حين كنت معهم في العالم كنت أحفظهم في اسمك. الّذين أعطيتني حفظتهم، ولم يهلك منهم أحد إلاّ ابن الهلاك ليتمّ الكتاب.
13 أمّا الآن فإنّي آتي إليك. وأتكلّم بهذا في العالم ليكون لهم فرحي كاملا فيهم.
14 أنا قد أعطيتهم كلامك، والعالم أبغضهم لأنّهم ليسوا من العالم، كما أنّي أنا لست من العالم،
15 لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشّرّير.
16 ليسوا من العالم كما أنّي أنا لست من العالم.
17 قدّسهم في حقّك. كلامك هو حق.
18 كما أرسلتني إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم،
19 ولأجلهم أقدّس أنا ذاتي، ليكونوا هم أيضا مقدّسين في الحقّ.
20 «ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط، بل أيضا من أجل الّذين يؤمنون بي بكلامهم،
21 ليكون الجميع واحدا، كما أنّك أنت أيّها الآب فيّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضا واحدا فينا، ليؤمن العالم أنّك أرسلتني.
22 وأنا قد أعطيتهم المجد الّذي أعطيتني، ليكونوا واحدا كما أنّنا نحن واحد.
23 أنا فيهم وأنت فيّ ليكونوا مكمّلين إلى واحد، وليعلم العالم أنّك أرسلتني، وأحببتهم كما أحببتني.
24 أيّها الآب أريد أنّ هؤلاء الّذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا، لينظروا مجدي الّذي أعطيتني، لأنّك أحببتني قبل إنشاء العالم.
25 أيّها الآب البارّ، إنّ العالم لم يعرفك، أمّا أنا فعرفتك، وهؤلاء عرفوا أنّك أنت أرسلتني.
26 وعرّفتهم اسمك وسأعرّفهم، ليكون فيهم الحبّ الّذي أحببتني به، وأكون أنا فيهم».
1 قال يسوع هذا وخرج مع تلاميذه إلى عبر وادي قدرون، حيث كان بستان دخله هو وتلاميذه.
2 وكان يهوذا مسلّمه يعرف الموضع، لأنّ يسوع اجتمع هناك كثيرا مع تلاميذه.
3 فأخذ يهوذا الجند وخدّاما من عند رؤساء الكهنة والفرّيسيّين، وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح.
4 فخرج يسوع وهو عالم بكلّ ما يأتي عليه، وقال لهم: «من تطلبون؟»
5 أجابوه: «يسوع النّاصريّ». قال لهم: «أنا هو». وكان يهوذا مسلّمه أيضا واقفا معهم.
6 فلمّا قال لهم: «إنّي أنا هو»، رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض.
7 فسألهم أيضا: «من تطلبون؟» فقالوا: «يسوع النّاصريّ».
8 أجاب يسوع: «قد قلت لكم: إنّي أنا هو. فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون».
9 ليتمّ القول الّذي قاله: «إنّ الّذين أعطيتني لم أهلك منهم أحدا».
10 ثمّ إنّ سمعان بطرس كان معه سيف، فاستلّه وضرب عبد رئيس الكهنة، فقطع أذنه اليمنى. وكان اسم العبد ملخس.
11 فقال يسوع لبطرس: «اجعل سيفك في الغمد! الكأس الّتي أعطاني الآب ألا أشربها؟».
12 ثمّ إنّ الجند والقائد وخدّام اليهود قبضوا على يسوع وأوثقوه،
13 ومضوا به إلى حنّان أوّلا، لأنّه كان حما قيافا الّذي كان رئيسا للكهنة في تلك السّنة.
14 وكان قيافا هو الّذي أشار على اليهود أنّه خير أن يموت إنسان واحد عن الشّعب.
15 وكان سمعان بطرس والتّلميذ الآخر يتبعان يسوع، وكان ذلك التّلميذ معروفا عند رئيس الكهنة، فدخل مع يسوع إلى دار رئيس الكهنة.
16 وأمّا بطرس فكان واقفا عند الباب خارجا. فخرج التّلميذ الآخر الّذي كان معروفا عند رئيس الكهنة، وكلّم البوّابة فأدخل بطرس.
17 فقالت الجارية البوّابة لبطرس: «ألست أنت أيضا من تلاميذ هذا الإنسان؟» قال ذاك: «لست أنا!».
18 وكان العبيد والخدّام واقفين، وهم قد أضرموا جمرا لأنّه كان برد، وكانوا يصطلون، وكان بطرس واقفا معهم يصطلي.
19 فسأل رئيس الكهنة يسوع عن تلاميذه وعن تعليمه.
20 أجابه يسوع: «أنا كلّمت العالم علانية. أنا علّمت كلّ حين في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود دائما. وفي الخفاء لم أتكلّم بشيء.
21 لماذا تسألني أنا؟ اسأل الّذين قد سمعوا ماذا كلّمتهم. هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قلت أنا».
22 ولمّا قال هذا لطم يسوع واحد من الخدّام كان واقفا، قائلا: «أهكذا تجاوب رئيس الكهنة؟»
23 أجابه يسوع: «إن كنت قد تكلّمت رديّا فاشهد على الرّديّ، وإن حسنا فلماذا تضربني؟»
24 وكان حنّان قد أرسله موثقا إلى قيافا رئيس الكهنة.
25 وسمعان بطرس كان واقفا يصطلي. فقالوا له: «ألست أنت أيضا من تلاميذه؟» فأنكر ذاك وقال: «لست أنا!».
26 قال واحد من عبيد رئيس الكهنة، وهو نسيب الّذي قطع بطرس أذنه: «أما رأيتك أنا معه في البستان؟»
27 فأنكر بطرس أيضا. وللوقت صاح الدّيك.
28 ثمّ جاءوا بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية، وكان صبح. ولم يدخلوا هم إلى دار الولاية لكي لا يتنجّسوا، فيأكلون الفصح.
29 فخرج بيلاطس إليهم وقال: «أيّة شكاية تقدّمون على هذا الإنسان؟»
30 أجابوا وقالوا له: «لو لم يكن فاعل شرّ لما كنّا قد سلّمناه إليك!»
31 فقال لهم بيلاطس: «خذوه أنتم واحكموا عليه حسب ناموسكم». فقال له اليهود: «لا يجوز لنا أن نقتل أحدا».
32 ليتمّ قول يسوع الّذي قاله مشيرا إلى أيّة ميتة كان مزمعا أن يموت.
33 ثمّ دخل بيلاطس أيضا إلى دار الولاية ودعا يسوع، وقال له: «أنت ملك اليهود؟»
34 أجابه يسوع: «أمن ذاتك تقول هذا، أم آخرون قالوا لك عنّي؟»
35 أجابه بيلاطس: «ألعلّي أنا يهوديّ؟ أمّتك ورؤساء الكهنة أسلموك إليّ. ماذا فعلت؟»
36 أجاب يسوع: «مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم، لكان خدّامي يجاهدون لكي لا أسلّم إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا».
37 فقال له بيلاطس: «أفأنت إذا ملك؟» أجاب يسوع: «أنت تقول: إنّي ملك. لهذا قد ولدت أنا، ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحقّ. كلّ من هو من الحقّ يسمع صوتي».
38 قال له بيلاطس: «ما هو الحقّ؟». ولمّا قال هذا خرج أيضا إلى اليهود وقال لهم: «أنا لست أجد فيه علّة واحدة.
39 ولكم عادة أن أطلق لكم واحدا في الفصح. أفتريدون أن أطلق لكم ملك اليهود؟».
40 فصرخوا أيضا جميعهم قائلين: «ليس هذا بل باراباس!». وكان باراباس لصّا.
1 فحينئذ أخذ بيلاطس يسوع وجلده.
2 وضفر العسكر إكليلا من شوك ووضعوه على رأسه، وألبسوه ثوب أرجوان،
3 وكانوا يقولون: «السّلام يا ملك اليهود!». وكانوا يلطمونه.
4 فخرج بيلاطس أيضا خارجا وقال لهم: «ها أنا أخرجه إليكم لتعلموا أنّي لست أجد فيه علّة واحدة».
5 فخرج يسوع خارجا وهو حامل إكليل الشّوك وثوب الأرجوان. فقال لهم بيلاطس: «هوذا الإنسان!».
6 فلمّا رآه رؤساء الكهنة والخدّام صرخوا قائلين: «اصلبه! اصلبه!». قال لهم بيلاطس: «خذوه أنتم واصلبوه، لأنّي لست أجد فيه علّة».
7 أجابه اليهود: «لنا ناموس، وحسب ناموسنا يجب أن يموت، لأنّه جعل نفسه ابن الله».
8 فلمّا سمع بيلاطس هذا القول ازداد خوفا.
9 فدخل أيضا إلى دار الولاية وقال ليسوع: «من أين أنت؟». وأمّا يسوع فلم يعطه جوابا.
10 فقال له بيلاطس: «أما تكلّمني؟ ألست تعلم أنّ لي سلطانا أن أصلبك وسلطانا أن أطلقك؟»
11 أجاب يسوع: « لم يكن لك عليّ سلطان البتّة، لو لم تكن قد أعطيت من فوق. لذلك الّذي أسلمني إليك له خطيّة أعظم».
12 من هذا الوقت كان بيلاطس يطلب أن يطلقه، ولكنّ اليهود كانوا يصرخون قائلين: «إن أطلقت هذا فلست محبّا لقيصر. كلّ من يجعل نفسه ملكا يقاوم قيصر!».
13 فلمّا سمع بيلاطس هذا القول أخرج يسوع، وجلس على كرسيّ الولاية في موضع يقال له «البلاط» وبالعبرانيّة «جبّاثا».
14 وكان استعداد الفصح، ونحو السّاعة السّادسة. فقال لليهود: «هوذا ملككم!».
15 فصرخوا: «خذه! خذه! اصلبه!» قال لهم بيلاطس: «أأصلب ملككم؟» أجاب رؤساء الكهنة: «ليس لنا ملك إلاّ قيصر!».
16 فحينئذ أسلمه إليهم ليصلب. فأخذوا يسوع ومضوا به.
17 فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الّذي يقال له «موضع الجمجمة» ويقال له بالعبرانيّة «جلجثة»،
18 حيث صلبوه، وصلبوا اثنين آخرين معه من هنا ومن هنا، ويسوع في الوسط.
19 وكتب بيلاطس عنوانا ووضعه على الصّليب. وكان مكتوبا: «يسوع النّاصريّ ملك اليهود».
20 فقرأ هذا العنوان كثيرون من اليهود، لأنّ المكان الّذي صلب فيه يسوع كان قريبا من المدينة. وكان مكتوبا بالعبرانيّة واليونانيّة والّلاتينيّة.
21 فقال رؤساء كهنة اليهود لبيلاطس: «لا تكتب: ملك اليهود، بل: إنّ ذاك قال: أنا ملك اليهود!».
22 أجاب بيلاطس: «ما كتبت قد كتبت».
23 ثمّ إنّ العسكر لمّا كانوا قد صلبوا يسوع، أخذوا ثيابه وجعلوها أربعة أقسام، لكلّ عسكريّ قسما. وأخذوا القميص أيضا. وكان القميص بغير خياطة، منسوجا كلّه من فوق.
24 فقال بعضهم لبعض: «لا نشقّه، بل نقترع عليه لمن يكون». ليتمّ الكتاب القائل: «اقتسموا ثيابي بينهم، وعلى لباسي ألقوا قرعة». هذا فعله العسكر.
25 وكانت واقفات عند صليب يسوع، أمّه، وأخت أمّه مريم زوجة كلوبا، ومريم المجدليّة.
26 فلمّا رأى يسوع أمّه، والتّلميذ الّذي كان يحبّه واقفا، قال لأمّه: «يا امرأة، هوذا ابنك».
27 ثمّ قال للتّلميذ: «هوذا أمّك». ومن تلك السّاعة أخذها التّلميذ إلى خاصّته.
28 بعد هذا رأى يسوع أنّ كلّ شيء قد كمل، فلكي يتمّ الكتاب قال: «أنا عطشان».
29 وكان إناء موضوعا مملوّا خلا، فملأوا إسفنجة من الخلّ، ووضعوها على زوفا وقدّموها إلى فمه.
30 فلمّا أخذ يسوع الخلّ قال: «قد أكمل». ونكّس رأسه وأسلم الرّوح.
31 ثمّ إذ كان استعداد، فلكي لا تبقى الأجساد على الصّليب في السّبت، لأنّ يوم ذلك السّبت كان عظيما، سأل اليهود بيلاطس أن تكسر سيقانهم ويرفعوا.
32 فأتى العسكر وكسروا ساقي الأوّل والآخر المصلوب معه.
33 وأمّا يسوع فلمّا جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه، لأنّهم رأوه قد مات.
34 لكنّ واحدا من العسكر طعن جنبه بحربة، وللوقت خرج دم وماء.
35 والّذي عاين شهد، وشهادته حق، وهو يعلم أنّه يقول الحقّ لتؤمنوا أنتم.
36 لأنّ هذا كان ليتمّ الكتاب القائل: «عظم لا يكسر منه».
37 وأيضا يقول كتاب آخر: «سينظرون إلى الّذي طعنوه».
38 ثمّ إنّ يوسف الّذي من الرّامة، وهو تلميذ يسوع، ولكن خفية لسبب الخوف من اليهود، سأل بيلاطس أن يأخذ جسد يسوع، فأذن بيلاطس. فجاء وأخذ جسد يسوع.
39 وجاء أيضا نيقوديموس، الّذي أتى أوّلا إلى يسوع ليلا، وهو حامل مزيج مرّ وعود نحو مئة منا.
40 فأخذا جسد يسوع، ولفّاه بأكفان مع الأطياب، كما لليهود عادة أن يكفّنوا.
41 وكان في الموضع الّذي صلب فيه بستان، وفي البستان قبر جديد لم يوضع فيه أحد قطّ.
42 فهناك وضعا يسوع لسبب استعداد اليهود، لأنّ القبر كان قريبا.
1 وفي أوّل الأسبوع جاءت مريم المجدليّة إلى القبر باكرا، والظّلام باق. فنظرت الحجر مرفوعا عن القبر.
2 فركضت وجاءت إلى سمعان بطرس وإلى التّلميذ الآخر الّذي كان يسوع يحبّه، وقالت لهما: «أخذوا السّيّد من القبر، ولسنا نعلم أين وضعوه!».
3 فخرج بطرس والتّلميذ الآخر وأتيا إلى القبر.
4 وكان الاثنان يركضان معا. فسبق التّلميذ الآخر بطرس وجاء أوّلا إلى القبر،
5 وانحنى فنظر الأكفان موضوعة، ولكنّه لم يدخل.
6 ثمّ جاء سمعان بطرس يتبعه، ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة،
7 والمنديل الّذي كان على رأسه ليس موضوعا مع الأكفان، بل ملفوفا في موضع وحده.
8 فحينئذ دخل أيضا التّلميذ الآخر الّذي جاء أوّلا إلى القبر، ورأى فآمن،
9 لأنّهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب: أنّه ينبغي أن يقوم من الأموات.
10 فمضى التّلميذان أيضا إلى موضعهما.
11 أمّا مريم فكانت واقفة عند القبر خارجا تبكي. وفيما هي تبكي انحنت إلى القبر،
12 فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين واحدا عند الرّأس والآخر عند الرّجلين، حيث كان جسد يسوع موضوعا.
13 فقالا لها: «يا امرأة، لماذا تبكين؟» قالت لهما: «إنّهم أخذوا سيّدي، ولست أعلم أين وضعوه!».
14 ولمّا قالت هذا التفتت إلى الوراء، فنظرت يسوع واقفا، ولم تعلم أنّه يسوع.
15 قال لها يسوع: «يا امرأة، لماذا تبكين؟ من تطلبين؟» فظنّت تلك أنّه البستانيّ، فقالت له: «يا سيّد، إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته، وأنا آخذه».
16 قال لها يسوع: «يا مريم» فالتفتت تلك وقالت له: «ربّوني!» الّذي تفسيره: يا معلّم.
17 قال لها يسوع: «لا تلمسيني لأنّي لم أصعد بعد إلى أبي. ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: إنّي أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم».
18 فجاءت مريم المجدليّة وأخبرت التّلاميذ أنّها رأت الرّبّ، وأنّه قال لها هذا.
19 ولمّا كانت عشيّة ذلك اليوم، وهو أوّل الأسبوع، وكانت الأبواب مغلّقة حيث كان التّلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود، جاء يسوع ووقف في الوسط، وقال لهم: «سلام لكم!»
20 ولمّا قال هذا أراهم يديه وجنبه، ففرح التّلاميذ إذ رأوا الرّبّ.
21 فقال لهم يسوع أيضا: «سلام لكم! كما أرسلني الآب أرسلكم أنا».
22 ولمّا قال هذا نفخ وقال لهم: «اقبلوا الرّوح القدس.
23 من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت».
24 أمّا توما، أحد الاثني عشر، الّذي يقال له التّوأم، فلم يكن معهم حين جاء يسوع.
25 فقال له التّلاميذ الآخرون: «قد رأينا الرّبّ!». فقال لهم: «إن لم أبصر في يديه أثر المسامير، وأضع إصبعي في أثر المسامير، وأضع يدي في جنبه، لا أومن».
26 وبعد ثمانية أيّام كان تلاميذه أيضا داخلا وتوما معهم. فجاء يسوع والأبواب مغلّقة، ووقف في الوسط وقال: «سلام لكم!».
27 ثمّ قال لتوما: «هات إصبعك إلى هنا وأبصر يديّ، وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا».
28 أجاب توما وقال له: «ربّي وإلهي!».
29 قال له يسوع: «لأنّك رأيتني يا توما آمنت! طوبى للّذين آمنوا ولم يروا».
30 وآيات أخر كثيرة صنع يسوع قدّام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب.
31 وأمّا هذه فقد كتبت لتؤمنوا أنّ يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه.
1 بعد هذا أظهر أيضا يسوع نفسه للتّلاميذ على بحر طبريّة. ظهر هكذا:
2 كان سمعان بطرس، وتوما الّذي يقال له التّوأم، ونثنائيل الّذي من قانا الجليل، وابنا زبدي، واثنان آخران من تلاميذه مع بعضهم.
3 قال لهم سمعان بطرس: «أنا أذهب لأتصيّد». قالوا له: «نذهب نحن أيضا معك». فخرجوا ودخلوا السّفينة للوقت. وفي تلك اللّيلة لم يمسكوا شيئا.
4 ولمّا كان الصّبح، وقف يسوع على الشّاطئ. ولكنّ التّلاميذ لم يكونوا يعلمون أنّه يسوع.
5 فقال لهم يسوع: «يا غلمان ألعلّ عندكم إداما؟». أجابوه: «لا!»
6 فقال لهم: «ألقوا الشّبكة إلى جانب السّفينة الأيمن فتجدوا». فألقوا، ولم يعودوا يقدرون أن يجذبوها من كثرة السّمك.
7 فقال ذلك التّلميذ الّذي كان يسوع يحبّه لبطرس: «هو الرّبّ!». فلمّا سمع سمعان بطرس أنّه الرّبّ، اتّزر بثوبه، لأنّه كان عريانا، وألقى نفسه في البحر.
8 وأمّا التّلاميذ الآخرون فجاءوا بالسّفينة، لأنّهم لم يكونوا بعيدين عن الأرض إلاّ نحو مئتي ذراع، وهم يجرّون شبكة السّمك.
9 فلمّا خرجوا إلى الأرض نظروا جمرا موضوعا وسمكا موضوعا عليه وخبزا.
10 قال لهم يسوع: «قدّموا من السّمك الّذي أمسكتم الآن».
11 فصعد سمعان بطرس وجذب الشّبكة إلى الأرض، ممتلئة سمكا كبيرا، مئة وثلاثا وخمسين. ومع هذه الكثرة لم تتخرّق الشّبكة.
12 قال لهم يسوع: «هلمّوا تغدّوا!». ولم يجسر أحد من التّلاميذ أن يسأله: من أنت؟ إذ كانوا يعلمون أنّه الرّبّ.
13 ثمّ جاء يسوع وأخذ الخبز وأعطاهم وكذلك السّمك.
14 هذه مرّة ثالثة ظهر يسوع لتلاميذه بعدما قام من الأموات.
15 فبعد ما تغدّوا قال يسوع لسمعان بطرس: «يا سمعان بن يونا، أتحبّني أكثر من هؤلاء؟» قال له: «نعم يا ربّ أنت تعلم أنّي أحبّك». قال له: «ارع خرافي».
16 قال له أيضا ثانية: «يا سمعان بن يونا، أتحبّني؟» قال له: «نعم يا ربّ، أنت تعلم أنّي أحبّك». قال له: «ارع غنمي».
17 قال له ثالثة: «يا سمعان بن يونا، أتحبّني؟» فحزن بطرس لأنّه قال له ثالثة: أتحبّني؟ فقال له: «يا ربّ، أنت تعلم كلّ شيء. أنت تعرف أنّي أحبّك». قال له يسوع: «ارع غنمي.
18 الحقّ الحقّ أقول لك: لمّا كنت أكثر حداثة كنت تمنطق ذاتك وتمشي حيث تشاء. ولكن متى شخت فإنّك تمدّ يديك وآخر يمنطقك، ويحملك حيث لا تشاء».
19 قال هذا مشيرا إلى أيّة ميتة كان مزمعا أن يمجّد الله بها. ولمّا قال هذا قال له: «اتبعني».
20 فالتفت بطرس ونظر التّلميذ الّذي كان يسوع يحبّه يتبعه، وهو أيضا الّذي اتّكأ على صدره وقت العشاء، وقال: «يا سيّد، من هو الّذي يسلّمك؟»
21 فلمّا رأى بطرس هذا، قال ليسوع: «يا ربّ، وهذا ما له؟»
22 قال له يسوع: «إن كنت أشاء أنّه يبقى حتّى أجيء، فماذا لك؟ اتبعني أنت!».
23 فذاع هذا القول بين الإخوة: إنّ ذلك التّلميذ لا يموت. ولكن لم يقل له يسوع إنّه لا يموت، بل: «إن كنت أشاء أنّه يبقى حتّى أجيء، فماذا لك؟».
24 هذا هو التّلميذ الّذي يشهد بهذا وكتب هذا. ونعلم أنّ شهادته حقّ.
25 وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع، إن كتبت واحدة واحدة، فلست أظنّ أنّ العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة. آمين.