إنجيل مرقس

1 بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله،
2 كما هو مكتوب في الأنبياء: «ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي، الّذي يهيّئ طريقك قدّامك.
3 صوت صارخ في البرّيّة: أعدّوا طريق الرّبّ، اصنعوا سبله مستقيمة».
4 كان يوحنّا يعمّد في البرّيّة ويكرز بمعموديّة التّوبة لمغفرة الخطايا.
5 وخرج إليه جميع كورة اليهوديّة وأهل أورشليم واعتمدوا جميعهم منه في نهر الأردنّ، معترفين بخطاياهم.
6 وكان يوحنّا يلبس وبر الإبل، ومنطقة من جلد على حقويه، ويأكل جرادا وعسلا برّيّا.
7 وكان يكرز قائلا: «يأتي بعدي من هو أقوى منّي، الّذي لست أهلا أن أنحني وأحلّ سيور حذائه.
8 أنا عمّدتكم بالماء، وأمّا هو فسيعمّدكم بالرّوح القدس».
9 وفي تلك الأيّام جاء يسوع من ناصرة الجليل واعتمد من يوحنّا في الأردنّ.
10 وللوقت وهو صاعد من الماء رأى السّماوات قد انشقّت، والرّوح مثل حمامة نازلا عليه.
11 وكان صوت من السّماوات: «أنت ابني الحبيب الّذي به سررت».
12 وللوقت أخرجه الرّوح إلى البرّيّة،
13 وكان هناك في البرّيّة أربعين يوما يجرّب من الشّيطان. وكان مع الوحوش. وصارت الملائكة تخدمه.
14 وبعدما أسلم يوحنّا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله
15 ويقول: «قد كمل الزّمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل».
16 وفيما هو يمشي عند بحر الجليل أبصر سمعان وأندراوس أخاه يلقيان شبكة في البحر، فإنّهما كانا صيّادين.
17 فقال لهما يسوع: «هلمّ ورائي فأجعلكما تصيران صيّادي النّاس».
18 فللوقت تركا شباكهما وتبعاه.
19 ثمّ اجتاز من هناك قليلا فرأى يعقوب بن زبدي ويوحنّا أخاه، وهما في السّفينة يصلحان الشّباك.
20 فدعاهما للوقت. فتركا أباهما زبدي في السّفينة مع الأجرى وذهبا وراءه.
21 ثمّ دخلوا كفرناحوم، وللوقت دخل المجمع في السّبت وصار يعلّم.
22 فبهتوا من تعليمه لأنّه كان يعلّمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة.
23 وكان في مجمعهم رجل به روح نجس، فصرخ
24 قائلا: «آه! ما لنا ولك يا يسوع النّاصريّ؟ أتيت لتهلكنا! أنا أعرفك من أنت: قدّوس الله!»
25 فانتهره يسوع قائلا: «اخرس! واخرج منه!»
26 فصرعه الرّوح النّجس وصاح بصوت عظيم وخرج منه.
27 فتحيّروا كلّهم، حتّى سأل بعضهم بعضا قائلين: «ما هذا؟ ما هو هذا التّعليم الجديد؟ لأنّه بسلطان يأمر حتّى الأرواح النّجسة فتطيعه!»
28 فخرج خبره للوقت في كلّ الكورة المحيطة بالجليل.
29 ولمّا خرجوا من المجمع جاءوا للوقت إلى بيت سمعان وأندراوس مع يعقوب ويوحنّا،
30 وكانت حماة سمعان مضطجعة محمومة، فللوقت أخبروه عنها.
31 فتقدّم وأقامها ماسكا بيدها، فتركتها الحمّى حالا وصارت تخدمهم.
32 ولمّا صار المساء، إذ غربت الشّمس، قدّموا إليه جميع السّقماء والمجانين.
33 وكانت المدينة كلّها مجتمعة على الباب.
34 فشفى كثيرين كانوا مرضى بأمراض مختلفة، وأخرج شياطين كثيرة، ولم يدع الشّياطين يتكلّمون لأنّهم عرفوه.
35 وفي الصّبح باكرا جدّا قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء، وكان يصلّي هناك،
36 فتبعه سمعان والّذين معه.
37 ولمّا وجدوه قالوا له: «إنّ الجميع يطلبونك».
38 فقال لهم: «لنذهب إلى القرى المجاورة لأكرز هناك أيضا، لأنّي لهذا خرجت».
39 فكان يكرز في مجامعهم في كلّ الجليل ويخرج الشّياطين.
40 فأتى إليه أبرص يطلب إليه جاثيا وقائلا له: «إن أردت تقدر أن تطهّرني»
41 فتحنّن يسوع ومدّ يده ولمسه وقال له: «أريد، فاطهر!».
42 فللوقت وهو يتكلّم ذهب عنه البرص وطهر.
43 فانتهره وأرسله للوقت،
44 وقال له: «انظر، لا تقل لأحد شيئا، بل اذهب أر نفسك للكاهن وقدّم عن تطهيرك ما أمر به موسى، شهادة لهم».
45 وأمّا هو فخرج وابتدأ ينادي كثيرا ويذيع الخبر، حتّى لم يعد يقدر أن يدخل مدينة ظاهرا، بل كان خارجا في مواضع خالية، وكانوا يأتون إليه من كلّ ناحية.

1 ثمّ دخل كفرناحوم أيضا بعد أيّام، فسمع أنّه في بيت.
2 وللوقت اجتمع كثيرون حتّى لم يعد يسع ولا ما حول الباب. فكان يخاطبهم بالكلمة.
3 وجاءوا إليه مقدّمين مفلوجا يحمله أربعة.
4 وإذ لم يقدروا أن يقتربوا إليه من أجل الجمع، كشفوا السّقف حيث كان. وبعد ما نقبوه دلّوا السّرير الّذي كان المفلوج مضطجعا عليه.
5 فلمّا رأى يسوع إيمانهم، قال للمفلوج: «يا بنيّ، مغفورة لك خطاياك».
6 وكان قوم من الكتبة هناك جالسين يفكّرون في قلوبهم:
7 «لماذا يتكلّم هذا هكذا بتجاديف؟ من يقدر أن يغفر خطايا إلاّ الله وحده؟»
8 فللوقت شعر يسوع بروحه أنّهم يفكّرون هكذا في أنفسهم، فقال لهم: «لماذا تفكّرون بهذا في قلوبكم؟
9 أيّما أيسر، أن يقال للمفلوج: مغفورة لك خطاياك، أم أن يقال: قم واحمل سريرك وامش؟
10 ولكن لكي تعلموا أنّ لابن الإنسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا». قال للمفلوج:
11 «لك أقول: قم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك!».
12 فقام للوقت وحمل السّرير وخرج قدّام الكلّ، حتّى بهت الجميع ومجّدوا الله قائلين: «ما رأينا مثل هذا قطّ!».
13 ثمّ خرج أيضا إلى البحر. وأتى إليه كلّ الجمع فعلّمهم.
14 وفيما هو مجتاز رأى لاوي بن حلفى جالسا عند مكان الجباية، فقال له: «اتبعني». فقام وتبعه.
15 وفيما هو متّكئ في بيته كان كثيرون من العشّارين والخطاة يتّكئون مع يسوع وتلاميذه، لأنّهم كانوا كثيرين وتبعوه.
16 وأمّا الكتبة والفرّيسيّون فلمّا رأوه يأكل مع العشّارين والخطاة، قالوا لتلاميذه: «ما باله يأكل ويشرب مع العشّارين والخطاة؟»
17 فلمّا سمع يسوع قال لهم: «لا يحتاج الأصحّاء إلى طبيب بل المرضى. لم آت لأدعو أبرارا بل خطاة إلى التّوبة».
18 وكان تلاميذ يوحنّا والفرّيسيّين يصومون، فجاءوا وقالوا له: «لماذا يصوم تلاميذ يوحنّا والفرّيسيّين، وأمّا تلاميذك فلا يصومون؟»
19 فقال لهم يسوع: «هل يستطيع بنو العرس أن يصوموا والعريس معهم؟ ما دام العريس معهم لا يستطيعون أن يصوموا.
20 ولكن ستأتي أيّام حين يرفع العريس عنهم، فحينئذ يصومون في تلك الأيّام.
21 ليس أحد يخيط رقعة من قطعة جديدة على ثوب عتيق، وإلاّ فالملء الجديد يأخذ من العتيق فيصير الخرق أردأ.
22 وليس أحد يجعل خمرا جديدة في زقاق عتيقة، لئلاّ تشقّ الخمر الجديدة الزّقاق، فالخمر تنصبّ والزّقاق تتلف. بل يجعلون خمرا جديدة في زقاق جديدة».
23 واجتاز في السّبت بين الزّروع، فابتدأ تلاميذه يقطفون السّنابل وهم سائرون.
24 فقال له الفرّيسيّون: «انظر! لماذا يفعلون في السّبت ما لا يحلّ؟»
25 فقال لهم: «أما قرأتم قطّ ما فعله داود حين احتاج وجاع هو والّذين معه؟
26 كيف دخل بيت الله في أيّام أبيأثار رئيس الكهنة، وأكل خبز التّقدمة الّذي لا يحلّ أكله إلاّ للكهنة، وأعطى الّذين كانوا معه أيضا».
27 ثمّ قال لهم: «السّبت إنّما جعل لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل السّبت.
28 إذا ابن الإنسان هو ربّ السّبت أيضا».

1 ثمّ دخل أيضا إلى المجمع، وكان هناك رجل يده يابسة.
2 فصاروا يراقبونه: هل يشفيه في السّبت؟ لكي يشتكوا عليه.
3 فقال للرّجل الّذي له اليد اليابسة: «قم في الوسط!»
4 ثمّ قال لهم: «هل يحلّ في السّبت فعل الخير أو فعل الشّرّ؟ تخليص نفس أو قتل؟». فسكتوا.
5 فنظر حوله إليهم بغضب، حزينا على غلاظة قلوبهم، وقال للرّجل: «مدّ يدك». فمدّها، فعادت يده صحيحة كالأخرى.
6 فخرج الفرّيسيّون للوقت مع الهيرودسيّين وتشاوروا عليه لكي يهلكوه.
7 فانصرف يسوع مع تلاميذه إلى البحر، وتبعه جمع كثير من الجليل ومن اليهوديّة
8 ومن أورشليم ومن أدوميّة ومن عبر الأردنّ. والّذين حول صور وصيداء، جمع كثير، إذ سمعوا كم صنع أتوا إليه.
9 فقال لتلاميذه أن تلازمه سفينة صغيرة لسبب الجمع، كي لا يزحموه،
10 لأنّه كان قد شفى كثيرين، حتّى وقع عليه ليلمسه كلّ من فيه داء.
11 والأرواح النّجسة حينما نظرته خرّت له وصرخت قائلة: «إنّك أنت ابن الله!».
12 وأوصاهم كثيرا أن لا يظهروه.
13 ثمّ صعد إلى الجبل ودعا الّذين أرادهم فذهبوا إليه.
14 وأقام اثني عشر ليكونوا معه، وليرسلهم ليكرزوا،
15 ويكون لهم سلطان على شفاء الأمراض وإخراج الشّياطين.
16 وجعل لسمعان اسم بطرس.
17 ويعقوب بن زبدي ويوحنّا أخا يعقوب، وجعل لهما اسم بوانرجس أي ابني الرّعد.
18 وأندراوس، وفيلبّس، وبرثولماوس، ومتّى، وتوما، ويعقوب بن حلفى، وتدّاوس، وسمعان القانويّ،
19 ويهوذا الإسخريوطيّ الّذي أسلمه. ثمّ أتوا إلى بيت.
20 فاجتمع أيضا جمع حتّى لم يقدروا ولا على أكل خبز.
21 ولمّا سمع أقرباؤه خرجوا ليمسكوه، لأنّهم قالوا: «إنّه مختل!».
22 وأمّا الكتبة الّذين نزلوا من أورشليم فقالوا: «إنّ معه بعلزبول! وإنّه برئيس الشّياطين يخرج الشّياطين».
23 فدعاهم وقال لهم بأمثال: «كيف يقدر شيطان أن يخرج شيطانا؟
24 وإن انقسمت مملكة على ذاتها لا تقدر تلك المملكة أن تثبت.
25 وإن انقسم بيت على ذاته لا يقدر ذلك البيت أن يثبت.
26 وإن قام الشّيطان على ذاته وانقسم لا يقدر أن يثبت، بل يكون له انقضاء.
27 لا يستطيع أحد أن يدخل بيت قويّ وينهب أمتعته، إن لم يربط القويّ أوّلا، وحينئذ ينهب بيته.
28 الحقّ أقول لكم: إنّ جميع الخطايا تغفر لبني البشر، والتّجاديف الّتي يجدّفونها.
29 ولكن من جدّف على الرّوح القدس فليس له مغفرة إلى الأبد، بل هو مستوجب دينونة أبديّة».
30 لأنّهم قالوا: «إنّ معه روحا نجسا».
31 فجاءت حينئذ إخوته وأمّه ووقفوا خارجا وأرسلوا إليه يدعونه.
32 وكان الجمع جالسا حوله، فقالوا له: «هوذا أمّك وإخوتك خارجا يطلبونك».
33 فأجابهم قائلا: «من أمّي وإخوتي؟»
34 ثمّ نظر حوله إلى الجالسين وقال: «ها أمّي وإخوتي،
35 لأنّ من يصنع مشيئة الله هو أخي وأختي وأمّي».

1 وابتدأ أيضا يعلّم عند البحر، فاجتمع إليه جمع كثير حتّى إنّه دخل السّفينة وجلس على البحر، والجمع كلّه كان عند البحر على الأرض.
2 فكان يعلّمهم كثيرا بأمثال. وقال لهم في تعليمه:
3 «اسمعوا! هوذا الزّارع قد خرج ليزرع،
4 وفيما هو يزرع سقط بعض على الطّريق، فجاءت طيور السّماء وأكلته.
5 وسقط آخر على مكان محجر، حيث لم تكن له تربة كثيرة، فنبت حالا إذ لم يكن له عمق أرض.
6 ولكن لمّا أشرقت الشّمس احترق، وإذ لم يكن له أصل جفّ.
7 وسقط آخر في الشّوك، فطلع الشّوك وخنقه فلم يعط ثمرا.
8 وسقط آخر في الأرض الجيّدة، فأعطى ثمرا يصعد وينمو، فأتى واحد بثلاثين وآخر بستّين وآخر بمئة».
9 ثمّ قال لهم: «من له أذنان للسّمع، فليسمع»
10 ولمّا كان وحده سأله الّذين حوله مع الاثني عشر عن المثل،
11 فقال لهم: «قد أعطي لكم أن تعرفوا سرّ ملكوت الله. وأمّا الّذين هم من خارج فبالأمثال يكون لهم كلّ شيء،
12 لكي يبصروا مبصرين ولا ينظروا، ويسمعوا سامعين ولا يفهموا، لئلاّ يرجعوا فتغفر لهم خطاياهم».
13 ثمّ قال لهم: «أما تعلمون هذا المثل؟ فكيف تعرفون جميع الأمثال؟
14 الزّارع يزرع الكلمة.
15 وهؤلاء هم الّذين على الطّريق: حيث تزرع الكلمة، وحينما يسمعون يأتي الشّيطان للوقت وينزع الكلمة المزروعة في قلوبهم.
16 وهؤلاء كذلك هم الّذين زرعوا على الأماكن المحجرة: الّذين حينما يسمعون الكلمة يقبلونها للوقت بفرح،
17 ولكن ليس لهم أصل في ذواتهم، بل هم إلى حين. فبعد ذلك إذا حدث ضيق أو اضطهاد من أجل الكلمة، فللوقت يعثرون.
18 وهؤلاء هم الّذين زرعوا بين الشّوك: هؤلاء هم الّذين يسمعون الكلمة،
19 وهموم هذا العالم وغرور الغنى وشهوات سائر الأشياء تدخل وتخنق الكلمة فتصير بلا ثمر.
20 وهؤلاء هم الّذين زرعوا على الأرض الجيّدة: الّذين يسمعون الكلمة ويقبلونها، ويثمرون: واحد ثلاثين وآخر ستّين وآخر مئة».
21 ثمّ قال لهم: «هل يؤتى بسراج ليوضع تحت المكيال أو تحت السّرير؟ أليس ليوضع على المنارة؟
22 لأنّه ليس شيء خفيّ لا يظهر، ولا صار مكتوما إلاّ ليعلن.
23 إن كان لأحد أذنان للسّمع، فليسمع»
24 وقال لهم: «انظروا ما تسمعون! بالكيل الّذي به تكيلون يكال لكم ويزاد لكم أيّها السّامعون.
25 لأنّ من له سيعطى، وأمّا من ليس له فالّذي عنده سيؤخذ منه».
26 وقال: «هكذا ملكوت الله: كأنّ إنسانا يلقي البذار على الأرض،
27 وينام ويقوم ليلا ونهارا، والبذار يطلع وينمو، وهو لا يعلم كيف،
28 لأنّ الأرض من ذاتها تأتي بثمر. أوّلا نباتا، ثمّ سنبلا، ثمّ قمحا ملآن في السّنبل.
29 وأمّا متى أدرك الثّمر، فللوقت يرسل المنجل لأنّ الحصاد قد حضر».
30 وقال: «بماذا نشبّه ملكوت الله؟ أو بأيّ مثل نمثّله؟
31 مثل حبّة خردل، متى زرعت في الأرض فهي أصغر جميع البزور الّتي على الأرض.
32 ولكن متى زرعت تطلع وتصير أكبر جميع البقول، وتصنع أغصانا كبيرة، حتّى تستطيع طيور السّماء أن تتآوى تحت ظلّها».
33 وبأمثال كثيرة مثل هذه كان يكلّمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يسمعوا،
34 وبدون مثل لم يكن يكلّمهم. وأمّا على انفراد فكان يفسّر لتلاميذه كلّ شيء.
35 وقال لهم في ذلك اليوم لمّا كان المساء: «لنجتز إلى العبر».
36 فصرفوا الجمع وأخذوه كما كان في السّفينة. وكانت معه أيضا سفن أخرى صغيرة.
37 فحدث نوء ريح عظيم، فكانت الأمواج تضرب إلى السّفينة حتّى صارت تمتلئ.
38 وكان هو في المؤخّر على وسادة نائما. فأيقظوه وقالوا له: «يا معلّم، أما يهمّك أنّنا نهلك؟»
39 فقام وانتهر الرّيح، وقال للبحر: «اسكت! ابكم!». فسكنت الرّيح وصار هدوء عظيم.
40 وقال لهم: «ما بالكم خائفين هكذا؟ كيف لا إيمان لكم؟»
41 فخافوا خوفا عظيما، وقالوا بعضهم لبعض: «من هو هذا؟ فإنّ الرّيح أيضا والبحر يطيعانه!».

1 وجاءوا إلى عبر البحر إلى كورة الجدريّين.
2 ولمّا خرج من السّفينة للوقت استقبله من القبور إنسان به روح نجس،
3 كان مسكنه في القبور، ولم يقدر أحد أن يربطه ولا بسلاسل،
4 لأنّه قد ربط كثيرا بقيود وسلاسل فقطّع السّلاسل وكسّر القيود، فلم يقدر أحد أن يذلّله.
5 وكان دائما ليلا ونهارا في الجبال وفي القبور، يصيح ويجرّح نفسه بالحجارة.
6 فلمّا رأى يسوع من بعيد ركض وسجد له،
7 وصرخ بصوت عظيم وقال: «ما لي ولك يا يسوع ابن الله العليّ؟ أستحلفك بالله أن لا تعذّبني!»
8 لأنّه قال له: «اخرج من الإنسان يا أيّها الرّوح النّجس».
9 وسأله: «ما اسمك؟» فأجاب قائلا: «اسمي لجئون، لأنّنا كثيرون».
10 وطلب إليه كثيرا أن لا يرسلهم إلى خارج الكورة.
11 وكان هناك عند الجبال قطيع كبير من الخنازير يرعى،
12 فطلب إليه كلّ الشّياطين قائلين: «أرسلنا إلى الخنازير لندخل فيها».
13 فأذن لهم يسوع للوقت. فخرجت الأرواح النّجسة ودخلت في الخنازير، فاندفع القطيع من على الجرف إلى البحر. وكان نحو ألفين، فاختنق في البحر.
14 وأمّا رعاة الخنازير فهربوا وأخبروا في المدينة وفي الضّياع. فخرجوا ليروا ما جرى.
15 وجاءوا إلى يسوع فنظروا المجنون الّذي كان فيه اللّجئون جالسا ولابسا وعاقلا، فخافوا.
16 فحدّثهم الّذين رأوا كيف جرى للمجنون وعن الخنازير.
17 فابتدأوا يطلبون إليه أن يمضي من تخومهم.
18 ولمّا دخل السّفينة طلب إليه الّذي كان مجنونا أن يكون معه،
19 فلم يدعه يسوع، بل قال له: «اذهب إلى بيتك وإلى أهلك، وأخبرهم كم صنع الرّبّ بك ورحمك».
20 فمضى وابتدأ ينادي في العشر المدن كم صنع به يسوع. فتعجّب الجميع.
21 ولمّا اجتاز يسوع في السّفينة أيضا إلى العبر، اجتمع إليه جمع كثير، وكان عند البحر.
22 وإذا واحد من رؤساء المجمع اسمه يايرس جاء. ولمّا رآه خرّ عند قدميه،
23 وطلب إليه كثيرا قائلا: «ابنتي الصّغيرة على آخر نسمة. ليتك تأتي وتضع يدك عليها لتشفى فتحيا!».
24 فمضى معه وتبعه جمع كثير وكانوا يزحمونه.
25 وامرأة بنزف دم منذ اثنتي عشرة سنة،
26 وقد تألّمت كثيرا من أطبّاء كثيرين، وأنفقت كلّ ما عندها ولم تنتفع شيئا، بل صارت إلى حال أردأ.
27 لمّا سمعت بيسوع، جاءت في الجمع من وراء، ومسّت ثوبه،
28 لأنّها قالت: «إن مسست ولو ثيابه شفيت».
29 فللوقت جفّ ينبوع دمها، وعلمت في جسمها أنّها قد برئت من الدّاء.
30 فللوقت التفت يسوع بين الجمع شاعرا في نفسه بالقوّة الّتي خرجت منه، وقال: «من لمس ثيابي؟»
31 فقال له تلاميذه: «أنت تنظر الجمع يزحمك، وتقول: من لمسني؟»
32 وكان ينظر حوله ليرى الّتي فعلت هذا.
33 وأمّا المرأة فجاءت وهي خائفة ومرتعدة، عالمة بما حصل لها، فخرّت وقالت له الحقّ كلّه.
34 فقال لها: «يا ابنة، إيمانك قد شفاك، اذهبي بسلام وكوني صحيحة من دائك».
35 وبينما هو يتكلّم جاءوا من دار رئيس المجمع قائلين: «ابنتك ماتت. لماذا تتعب المعلّم بعد؟»
36 فسمع يسوع لوقته الكلمة الّتي قيلت، فقال لرئيس المجمع: «لا تخف! آمن فقط».
37 ولم يدع أحدا يتبعه إلاّ بطرس ويعقوب، ويوحنّا أخا يعقوب.
38 فجاء إلى بيت رئيس المجمع ورأى ضجيجا. يبكون ويولولون كثيرا.
39 فدخل وقال لهم: «لماذا تضجّون وتبكون؟ لم تمت الصّبيّة لكنّها نائمة».
40 فضحكوا عليه. أمّا هو فأخرج الجميع، وأخذ أبا الصّبيّة وأمّها والّذين معه ودخل حيث كانت الصّبيّة مضطجعة،
41 وأمسك بيد الصّبيّة وقال لها: «طليثا، قومي!». الّذي تفسيره: يا صبيّة، لك أقول: قومي!
42 وللوقت قامت الصّبيّة ومشت، لأنّها كانت ابنة اثنتي عشرة سنة. فبهتوا بهتا عظيما.
43 فأوصاهم كثيرا أن لا يعلم أحد بذلك. وقال أن تعطى لتأكل.

1 وخرج من هناك وجاء إلى وطنه وتبعه تلاميذه.
2 ولمّا كان السّبت، ابتدأ يعلّم في المجمع. وكثيرون إذ سمعوا بهتوا قائلين: «من أين لهذا هذه؟ وما هذه الحكمة الّتي أعطيت له حتّى تجري على يديه قوّات مثل هذه؟
3 أليس هذا هو النّجّار ابن مريم، وأخو يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان؟ أوليست أخواته ههنا عندنا؟» فكانوا يعثرون به.
4 فقال لهم يسوع: «ليس نبيّ بلا كرامة إلاّ في وطنه وبين أقربائه وفي بيته».
5 ولم يقدر أن يصنع هناك ولا قوّة واحدة، غير أنّه وضع يديه على مرضى قليلين فشفاهم.
6 وتعجّب من عدم إيمانهم. وصار يطوف القرى المحيطة يعلّم.
7 ودعا الاثني عشر وابتدأ يرسلهم اثنين اثنين، وأعطاهم سلطانا على الأرواح النّجسة،
8 وأوصاهم أن لا يحملوا شيئا للطّريق غير عصا فقط، لا مزودا ولا خبزا ولا نحاسا في المنطقة.
9 بل يكونوا مشدودين بنعال، ولا يلبسوا ثوبين.
10 وقال لهم: «حيثما دخلتم بيتا فأقيموا فيه حتّى تخرجوا من هناك.
11 وكلّ من لا يقبلكم ولا يسمع لكم، فاخرجوا من هناك وانفضوا التّراب الّذي تحت أرجلكم شهادة عليهم. الحقّ أقول لكم: ستكون لأرض سدوم وعمورة يوم الدّين حالة أكثر احتمالا ممّا لتلك المدينة».
12 فخرجوا وصاروا يكرزون أن يتوبوا.
13 وأخرجوا شياطين كثيرة، ودهنوا بزيت مرضى كثيرين فشفوهم.
14 فسمع هيرودس الملك، لأنّ اسمه صار مشهورا. وقال: «إنّ يوحنّا المعمدان قام من الأموات ولذلك تعمل به القوّات».
15 قال آخرون: «إنّه إيليّا». وقال آخرون: «إنّه نبيّ أو كأحد الأنبياء».
16 ولكن لمّا سمع هيرودس قال: «هذا هو يوحنّا الّذي قطعت أنا رأسه. إنّه قام من الأموات!»
17 لأنّ هيرودس نفسه كان قد أرسل وأمسك يوحنّا وأوثقه في السّجن من أجل هيروديّا امرأة فيلبّس أخيه، إذ كان قد تزوّج بها.
18 لأنّ يوحنّا كان يقول لهيرودس: «لا يحلّ أن تكون لك امرأة أخيك»
19 فحنقت هيروديّا عليه، وأرادت أن تقتله ولم تقدر،
20 لأنّ هيرودس كان يهاب يوحنّا عالما أنّه رجل بارّ وقدّيس، وكان يحفظه. وإذ سمعه، فعل كثيرا، وسمعه بسرور.
21 وإذ كان يوم موافق، لمّا صنع هيرودس في مولده عشاء لعظمائه وقوّاد الألوف ووجوه الجليل،
22 دخلت ابنة هيروديّا ورقصت، فسرّت هيرودس والمتّكئين معه. فقال الملك للصّبيّة: «مهما أردت اطلبي منّي فأعطيك».
23 وأقسم لها أن «مهما طلبت منّي لأعطينّك حتّى نصف مملكتي».
24 فخرجت وقالت لأمّها: «ماذا أطلب؟» فقالت: «رأس يوحنّا المعمدان».
25 فدخلت للوقت بسرعة إلى الملك وطلبت قائلة: «أريد أن تعطيني حالا رأس يوحنّا المعمدان على طبق».
26 فحزن الملك جدّا. ولأجل الأقسام والمتّكئين لم يرد أن يردّها.
27 فللوقت أرسل الملك سيّافا وأمر أن يؤتى برأسه.
28 فمضى وقطع رأسه في السّجن. وأتى برأسه على طبق وأعطاه للصّبيّة، والصّبيّة أعطته لأمّها.
29 ولمّا سمع تلاميذه، جاءوا ورفعوا جثّته ووضعوها في قبر.
30 واجتمع الرّسل إلى يسوع وأخبروه بكلّ شيء، كلّ ما فعلوا وكلّ ما علّموا.
31 فقال لهم: «تعالوا أنتم منفردين إلى موضع خلاء واستريحوا قليلا». لأنّ القادمين والذّاهبين كانوا كثيرين، ولم تتيسّر لهم فرصة للأكل.
32 فمضوا في السّفينة إلى موضع خلاء منفردين.
33 فرآهم الجموع منطلقين، وعرفه كثيرون. فتراكضوا إلى هناك من جميع المدن مشاة، وسبقوهم واجتمعوا إليه.
34 فلمّا خرج يسوع رأى جمعا كثيرا، فتحنّن عليهم إذ كانوا كخراف لا راعي لها، فابتدأ يعلّمهم كثيرا.
35 وبعد ساعات كثيرة تقدّم إليه تلاميذه قائلين: «الموضع خلاء والوقت مضى.
36 اصرفهم لكي يمضوا إلى الضّياع والقرى حوالينا ويبتاعوا لهم خبزا، لأن ليس عندهم ما يأكلون».
37 فأجاب وقال لهم: «أعطوهم أنتم ليأكلوا». فقالوا له: «أنمضي ونبتاع خبزا بمئتي دينار ونعطيهم ليأكلوا؟»
38 فقال لهم: «كم رغيفا عندكم؟ اذهبوا وانظروا». ولمّا علموا قالوا: «خمسة وسمكتان».
39 فأمرهم أن يجعلوا الجميع يتّكئون رفاقا رفاقا على العشب الأخضر.
40 فاتّكأوا صفوفا صفوفا: مئة مئة وخمسين خمسين.
41 فأخذ الأرغفة الخمسة والسّمكتين، ورفع نظره نحو السّماء، وبارك ثمّ كسّر الأرغفة، وأعطى تلاميذه ليقدّموا إليهم، وقسّم السّمكتين للجميع،
42 فأكل الجميع وشبعوا.
43 ثمّ رفعوا من الكسر اثنتي عشرة قفّة مملوّة، ومن السّمك.
44 وكان الّذين أكلوا من الأرغفة نحو خمسة آلاف رجل.
45 وللوقت ألزم تلاميذه أن يدخلوا السّفينة ويسبقوا إلى العبر، إلى بيت صيدا، حتّى يكون قد صرف الجمع.
46 وبعدما ودّعهم مضى إلى الجبل ليصلّي.
47 ولمّا صار المساء كانت السّفينة في وسط البحر، وهو على البرّ وحده.
48 ورآهم معذّبين في الجذف، لأنّ الرّيح كانت ضدّهم. ونحو الهزيع الرّابع من اللّيل أتاهم ماشيا على البحر، وأراد أن يتجاوزهم.
49 فلمّا رأوه ماشيا على البحر ظنّوه خيالا، فصرخوا.
50 لأنّ الجميع رأوه واضطربوا. فللوقت كلّمهم وقال لهم: «ثقوا! أنا هو. لا تخافوا».
51 فصعد إليهم إلى السّفينة فسكنت الرّيح، فبهتوا وتعجّبوا في أنفسهم جدّا إلى الغاية،
52 لأنّهم لم يفهموا بالأرغفة إذ كانت قلوبهم غليظة.
53 فلمّا عبروا جاءوا إلى أرض جنّيسارت وأرسوا.
54 ولمّا خرجوا من السّفينة للوقت عرفوه.
55 فطافوا جميع تلك الكورة المحيطة، وابتدأوا يحملون المرضى على أسرّة إلى حيث سمعوا أنّه هناك.
56 وحيثما دخل إلى قرى أو مدن أو ضياع، وضعوا المرضى في الأسواق، وطلبوا إليه أن يلمسوا ولو هدب ثوبه. وكلّ من لمسه شفي.

1 واجتمع إليه الفرّيسيّون وقوم من الكتبة قادمين من أورشليم.
2 ولمّا رأوا بعضا من تلاميذه يأكلون خبزا بأيد دنسة، أي غير مغسولة، لاموا.
3 لأنّ الفرّيسيّين وكلّ اليهود إن لم يغسلوا أيديهم باعتناء، لا يأكلون، متمسّكين بتقليد الشّيوخ.
4 ومن السّوق إن لم يغتسلوا لا يأكلون. وأشياء أخرى كثيرة تسلّموها للتّمسّك بها، من غسل كؤوس وأباريق وآنية نحاس وأسرّة.
5 ثمّ سأله الفرّيسيّون والكتبة: «لماذا لا يسلك تلاميذك حسب تقليد الشّيوخ، بل يأكلون خبزا بأيد غير مغسولة؟»
6 فأجاب وقال لهم: «حسنا تنبّأ إشعياء عنكم أنتم المرائين! كما هو مكتوب: هذا الشّعب يكرمني بشفتيه، وأمّا قلبه فمبتعد عنّي بعيدا،
7 وباطلا يعبدونني وهم يعلّمون تعاليم هي وصايا النّاس.
8 لأنّكم تركتم وصيّة الله وتتمسّكون بتقليد النّاس: غسل الأباريق والكؤوس، وأمورا أخر كثيرة مثل هذه تفعلون».
9 ثمّ قال لهم: «حسنا! رفضتم وصيّة الله لتحفظوا تقليدكم!
10 لأنّ موسى قال: أكرم أباك وأمّك، ومن يشتم أبا أو أمّا فليمت موتا.
11 وأمّا أنتم فتقولون: إن قال إنسان لأبيه أو أمّه: قربان، أي هديّة، هو الّذي تنتفع به منّي
12 فلا تدعونه في ما بعد يفعل شيئا لأبيه أو أمّه.
13 مبطلين كلام الله بتقليدكم الّذي سلّمتموه. وأمورا كثيرة مثل هذه تفعلون».
14 ثمّ دعا كلّ الجمع وقال لهم: «اسمعوا منّي كلّكم وافهموا.
15 ليس شيء من خارج الإنسان إذا دخل فيه يقدر أن ينجّسه، لكنّ الأشياء الّتي تخرج منه هي الّتي تنجّس الإنسان.
16 إن كان لأحد أذنان للسّمع، فليسمع».
17 ولمّا دخل من عند الجمع إلى البيت، سأله تلاميذه عن المثل.
18 فقال لهم: «أفأنتم أيضا هكذا غير فاهمين؟ أما تفهمون أنّ كلّ ما يدخل الإنسان من خارج لا يقدر أن ينجّسه،
19 لأنّه لا يدخل إلى قلبه بل إلى الجوف، ثمّ يخرج إلى الخلاء، وذلك يطهّر كلّ الأطعمة».
20 ثمّ قال: «إنّ الّذي يخرج من الإنسان ذلك ينجّس الإنسان.
21 لأنّه من الدّاخل، من قلوب النّاس، تخرج الأفكار الشّرّيرة: زنى، فسق، قتل،
22 سرقة، طمع، خبث، مكر، عهارة، عين شرّيرة، تجديف، كبرياء، جهل.
23 جميع هذه الشّرور تخرج من الدّاخل وتنجّس الإنسان».
24 ثمّ قام من هناك ومضى إلى تخوم صور وصيداء، ودخل بيتا وهو يريد أن لا يعلم أحد، فلم يقدر أن يختفي،
25 لأنّ امرأة كان بابنتها روح نجس سمعت به، فأتت وخرّت عند قدميه.
26 وكانت الامرأة أمميّة، وفي جنسها فينيقيّة سوريّة. فسألته أن يخرج الشّيطان من ابنتها.
27 وأمّا يسوع فقال لها: «دعي البنين أوّلا يشبعون، لأنّه ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب».
28 فأجابت وقالت له: «نعم، يا سيّد! والكلاب أيضا تحت المائدة تأكل من فتات البنين!».
29 فقال لها: «لأجل هذه الكلمة، اذهبي. قد خرج الشّيطان من ابنتك».
30 فذهبت إلى بيتها ووجدت الشّيطان قد خرج، والابنة مطروحة على الفراش.
31 ثمّ خرج أيضا من تخوم صور وصيداء، وجاء إلى بحر الجليل في وسط حدود المدن العشر.
32 وجاءوا إليه بأصمّ أعقد، وطلبوا إليه أن يضع يده عليه.
33 فأخذه من بين الجمع على ناحية، ووضع أصابعه في أذنيه وتفل ولمس لسانه،
34 ورفع نظره نحو السّماء، وأنّ وقال له: «إفّثا». أي انفتح.
35 وللوقت انفتحت أذناه، وانحلّ رباط لسانه، وتكلّم مستقيما.
36 فأوصاهم أن لا يقولوا لأحد. ولكن على قدر ما أوصاهم كانوا ينادون أكثر كثيرا.
37 وبهتوا إلى الغاية قائلين: «إنّه عمل كلّ شيء حسنا! جعل الصّمّ يسمعون والخرس يتكلّمون».

1 في تلك الأيّام إذ كان الجمع كثيرا جدّا، ولم يكن لهم ما يأكلون، دعا يسوع تلاميذه وقال لهم:
2 «إنّي أشفق على الجمع، لأنّ الآن لهم ثلاثة أيّام يمكثون معي وليس لهم ما يأكلون.
3 وإن صرفتهم إلى بيوتهم صائمين يخوّرون في الطّريق، لأنّ قوما منهم جاءوا من بعيد».
4 فأجابه تلاميذه: «من أين يستطيع أحد أن يشبع هؤلاء خبزا هنا في البرّيّة؟»
5 فسألهم: «كم عندكم من الخبز؟» فقالوا: «سبعة».
6 فأمر الجمع أن يتّكئوا على الأرض، وأخذ السّبع خبزات وشكر وكسر وأعطى تلاميذه ليقدّموا، فقدّموا إلى الجمع.
7 وكان معهم قليل من صغار السّمك، فبارك وقال أن يقدّموا هذه أيضا.
8 فأكلوا وشبعوا. ثمّ رفعوا فضلات الكسر: سبعة سلال.
9 وكان الآكلون نحو أربعة آلاف. ثمّ صرفهم.
10 وللوقت دخل السّفينة مع تلاميذه وجاء إلى نواحي دلمانوثة.
11 فخرج الفرّيسيّون وابتدأوا يحاورونه طالبين منه آية من السّماء، لكي يجرّبوه.
12 فتنهّد بروحه وقال: «لماذا يطلب هذا الجيل آية؟ الحقّ أقول لكم: لن يعطى هذا الجيل آية!»
13 ثمّ تركهم ودخل أيضا السّفينة ومضى إلى العبر.
14 ونسوا أن يأخذوا خبزا، ولم يكن معهم في السّفينة إلاّ رغيف واحد.
15 وأوصاهم قائلا: «انظروا! وتحرّزوا من خمير الفرّيسيّين وخمير هيرودس»
16 ففكّروا قائلين بعضهم لبعض: «ليس عندنا خبز».
17 فعلم يسوع وقال لهم: «لماذا تفكّرون أن ليس عندكم خبز؟ ألا تشعرون بعد ولا تفهمون؟ أحتّى الآن قلوبكم غليظة؟
18 ألكم أعين ولا تبصرون، ولكم آذان ولا تسمعون، ولا تذكرون؟
19 حين كسّرت الأرغفة الخمسة للخمسة الآلاف، كم قفّة مملوّة كسرا رفعتم؟» قالوا له: «اثنتي عشرة».
20 «وحين السّبعة للأربعة الآلاف، كم سلّ كسر مملوّا رفعتم؟» قالوا: «سبعة».
21 فقال لهم: «كيف لا تفهمون؟»
22 وجاء إلى بيت صيدا، فقدّموا إليه أعمى وطلبوا إليه أن يلمسه،
23 فأخذ بيد الأعمى وأخرجه إلى خارج القرية، وتفل في عينيه، ووضع يديه عليه وسأله: هل أبصر شيئا؟
24 فتطلّع وقال: «أبصر النّاس كأشجار يمشون».
25 ثمّ وضع يديه أيضا على عينيه، وجعله يتطلّع. فعاد صحيحا وأبصر كلّ إنسان جليّا.
26 فأرسله إلى بيته قائلا: «لا تدخل القرية، ولا تقل لأحد في القرية».
27 ثمّ خرج يسوع وتلاميذه إلى قرى قيصريّة فيلبّس. وفي الطّريق سأل تلاميذه قائلا لهم: «من يقول النّاس إنّي أنا؟»
28 فأجابوا: «يوحنّا المعمدان. وآخرون: إيليّا. وآخرون: واحد من الأنبياء».
29 فقال لهم: «وأنتم، من تقولون إنّي أنا؟» فأجاب بطرس وقال له: «أنت المسيح!»
30 فانتهرهم كي لا يقولوا لأحد عنه.
31 وابتدأ يعلّمهم أنّ ابن الإنسان ينبغي أن يتألّم كثيرا، ويرفض من الشّيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل، وبعد ثلاثة أيّام يقوم.
32 وقال القول علانية. فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره.
33 فالتفت وأبصر تلاميذه، فانتهر بطرس قائلا: «اذهب عنّي يا شيطان! لأنّك لا تهتمّ بما لله لكن بما للنّاس».
34 ودعا الجمع مع تلاميذه وقال لهم: «من أراد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني.
35 فإنّ من أراد أن يخلّص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلّصها.
36 لأنّه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟
37 أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟
38 لأنّ من استحى بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ، فإنّ ابن الإنسان يستحي به متى جاء بمجد أبيه مع الملائكة القدّيسين».

1 وقال لهم: «الحقّ أقول لكم: إنّ من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتّى يروا ملكوت الله قد أتى بقوّة».
2 وبعد ستّة أيّام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنّا، وصعد بهم إلى جبل عال منفردين وحدهم. وتغيّرت هيئته قدّامهم،
3 وصارت ثيابه تلمع بيضاء جدّا كالثّلج، لا يقدر قصّار على الأرض أن يبيّض مثل ذلك.
4 وظهر لهم إيليّا مع موسى، وكانا يتكلّمان مع يسوع.
5 فجعل بطرس يقول ليسوع: «يا سيّدي، جيّد أن نكون ههنا. فلنصنع ثلاث مظالّ: لك واحدة، ولموسى واحدة، ولإيليّا واحدة».
6 لأنّه لم يكن يعلم ما يتكلّم به إذ كانوا مرتعبين.
7 وكانت سحابة تظلّلهم. فجاء صوت من السّحابة قائلا: «هذا هو ابني الحبيب. له اسمعوا».
8 فنظروا حولهم بغتة ولم يروا أحدا غير يسوع وحده معهم.
9 وفيما هم نازلون من الجبل، أوصاهم أن لا يحدّثوا أحدا بما أبصروا، إلاّ متى قام ابن الإنسان من الأموات.
10 فحفظوا الكلمة لأنفسهم يتساءلون: «ما هو القيام من الأموات؟»
11 فسألوه قائلين: «لماذا يقول الكتبة: إنّ إيليّا ينبغي أن يأتي أوّلا؟»
12 فأجاب وقال لهم: «إنّ إيليّا يأتي أوّلا ويردّ كلّ شيء. وكيف هو مكتوب عن ابن الإنسان أن يتألّم كثيرا ويرذل.
13 لكن أقول لكم: إنّ إيليّا أيضا قد أتى، وعملوا به كلّ ما أرادوا، كما هو مكتوب عنه».
14 ولمّا جاء إلى التّلاميذ رأى جمعا كثيرا حولهم وكتبة يحاورونهم.
15 وللوقت كلّ الجمع لمّا رأوه تحيّروا، وركضوا وسلّموا عليه.
16 فسأل الكتبة: «بماذا تحاورونهم؟»
17 فأجاب واحد من الجمع وقال : «يا معلّم، قد قدّمت إليك ابني به روح أخرس،
18 وحيثما أدركه يمزّقه فيزبد ويصرّ بأسنانه وييبس. فقلت لتلاميذك أن يخرجوه فلم يقدروا».
19 فأجاب وقال لهم: «أيّها الجيل غير المؤمن، إلى متى أكون معكم؟ إلى متى أحتملكم؟ قدّموه إليّ!».
20 فقدّموه إليه. فلمّا رآه للوقت صرعه الرّوح، فوقع على الأرض يتمرّغ ويزبد.
21 فسأل أباه: «كم من الزّمان منذ أصابه هذا؟» فقال: «منذ صباه.
22 وكثيرا ما ألقاه في النّار وفي الماء ليهلكه. لكن إن كنت تستطيع شيئا فتحنّن علينا وأعنّا».
23 فقال له يسوع: «إن كنت تستطيع أن تؤمن. كلّ شيء مستطاع للمؤمن».
24 فللوقت صرخ أبو الولد بدموع وقال: «أومن يا سيّد، فأعن عدم إيماني».
25 فلمّا رأى يسوع أنّ الجمع يتراكضون، انتهر الرّوح النّجس قائلا له: «أيّها الرّوح الأخرس الأصمّ، أنا آمرك: اخرج منه ولا تدخله أيضا!»
26 فصرخ وصرعه شديدا وخرج. فصار كميت، حتّى قال كثيرون: «إنّه مات!».
27 فأمسكه يسوع بيده وأقامه، فقام.
28 ولمّا دخل بيتا سأله تلاميذه على انفراد: «لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه؟»
29 فقال لهم: «هذا الجنس لا يمكن أن يخرج بشيء إلاّ بالصّلاة والصّوم».
30 وخرجوا من هناك واجتازوا الجليل، ولم يرد أن يعلم أحد،
31 لأنّه كان يعلّم تلاميذه ويقول لهم: «إنّ ابن الإنسان يسلّم إلى أيدي النّاس فيقتلونه. وبعد أن يقتل يقوم في اليوم الثّالث».
32 وأمّا هم فلم يفهموا القول، وخافوا أن يسألوه.
33 وجاء إلى كفرناحوم. وإذ كان في البيت سألهم: «بماذا كنتم تتكالمون فيما بينكم في الطّريق؟»
34 فسكتوا، لأنّهم تحاجّوا في الطّريق بعضهم مع بعض في من هو أعظم.
35 فجلس ونادى الاثني عشر وقال لهم: «إذا أراد أحد أن يكون أوّلا فيكون آخر الكلّ وخادما للكلّ».
36 فأخذ ولدا وأقامه في وسطهم ثمّ احتضنه وقال لهم:
37 «من قبل واحدا من أولاد مثل هذا باسمي يقبلني، ومن قبلني فليس يقبلني أنا بل الّذي أرسلني».
38 فأجابه يوحنّا قائلا: «يا معلّم، رأينا واحدا يخرج شياطين باسمك وهو ليس يتبعنا، فمنعناه لأنّه ليس يتبعنا».
39 فقال يسوع: «لا تمنعوه، لأنّه ليس أحد يصنع قوّة باسمي ويستطيع سريعا أن يقول عليّ شرّا.
40 لأنّ من ليس علينا فهو معنا.
41 لأنّ من سقاكم كأس ماء باسمي لأنّكم للمسيح، فالحقّ أقول لكم: إنّه لا يضيع أجره.
42 «ومن أعثر أحد الصّغار المؤمنين بي، فخير له لو طوّق عنقه بحجر رحى وطرح في البحر.
43 وإن أعثرتك يدك فاقطعها. خير لك أن تدخل الحياة أقطع من أن تكون لك يدان وتمضي إلى جهنّم، إلى النّار الّتي لا تطفأ.
44 حيث دودهم لا يموت والنّار لا تطفأ.
45 وإن أعثرتك رجلك فاقطعها. خير لك أن تدخل الحياة أعرج من أن تكون لك رجلان وتطرح في جهنّم في النّار الّتي لا تطفأ.
46 حيث دودهم لا يموت والنّار لا تطفأ.
47 وإن أعثرتك عينك فاقلعها. خير لك أن تدخل ملكوت الله أعور من أن تكون لك عينان وتطرح في جهنّم النّار.
48 حيث دودهم لا يموت والنّار لا تطفأ.
49 لأنّ كلّ واحد يملّح بنار، وكلّ ذبيحة تملّح بملح.
50 الملح جيّد. ولكن إذا صار الملح بلا ملوحة، فبماذا تصلحونه؟ ليكن لكم في أنفسكم ملح، وسالموا بعضكم بعضا».

1 وقام من هناك وجاء إلى تخوم اليهوديّة من عبر الأردنّ. فاجتمع إليه جموع أيضا، وكعادته كان أيضا يعلّمهم.
2 فتقدّم الفرّيسيّون وسألوه: «هل يحلّ للرّجل أن يطلّق امرأته؟» ليجرّبوه.
3 فأجاب وقال لهم: «بماذا أوصاكم موسى؟»
4 فقالوا: «موسى أذن أن يكتب كتاب طلاق، فتطلّق».
5 فأجاب يسوع وقال لهم: «من أجل قساوة قلوبكم كتب لكم هذه الوصيّة،
6 ولكن من بدء الخليقة، ذكرا وأنثى خلقهما الله.
7 من أجل هذا يترك الرّجل أباه وأمّه ويلتصق بامرأته،
8 ويكون الاثنان جسدا واحدا. إذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد.
9 فالّذي جمعه الله لا يفرّقه إنسان».
10 ثمّ في البيت سأله تلاميذه أيضا عن ذلك،
11 فقال لهم: «من طلّق امرأته وتزوّج بأخرى يزني عليها.
12 وإن طلّقت امرأة زوجها وتزوّجت بآخر تزني».
13 وقدّموا إليه أولادا لكي يلمسهم. وأمّا التّلاميذ فانتهروا الّذين قدّموهم.
14 فلمّا رأى يسوع ذلك اغتاظ وقال لهم: «دعوا الأولاد يأتون إليّ ولا تمنعوهم، لأنّ لمثل هؤلاء ملكوت الله.
15 الحقّ أقول لكم: من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله».
16 فاحتضنهم ووضع يديه عليهم وباركهم.
17 وفيما هو خارج إلى الطّريق، ركض واحد وجثا له وسأله: «أيّها المعلّم الصّالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبديّة؟»
18 فقال له يسوع: «لماذا تدعوني صالحا؟ ليس أحد صالحا إلاّ واحد وهو الله.
19 أنت تعرف الوصايا: لا تزن. لا تقتل. لا تسرق. لا تشهد بالزّور. لا تسلب. أكرم أباك وأمّك».
20 فأجاب وقال له: «يا معلّم، هذه كلّها حفظتها منذ حداثتي».
21 فنظر إليه يسوع وأحبّه، وقال له: «يعوزك شيء واحد: اذهب بع كلّ ما لك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السّماء، وتعال اتبعني حاملا الصّليب».
22 فاغتمّ على القول ومضى حزينا، لأنّه كان ذا أموال كثيرة.
23 فنظر يسوع حوله وقال لتلاميذه: «ما أعسر دخول ذوي الأموال إلى ملكوت الله!»
24 فتحيّر التّلاميذ من كلامه. فأجاب يسوع أيضا وقال لهم: «يا بنيّ، ما أعسر دخول المتّكلين على الأموال إلى ملكوت الله!
25 مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنيّ إلى ملكوت الله»
26 فبهتوا إلى الغاية قائلين بعضهم لبعض: «فمن يستطيع أن يخلص؟»
27 فنظر إليهم يسوع وقال: «عند النّاس غير مستطاع، ولكن ليس عند الله، لأنّ كلّ شيء مستطاع عند الله».
28 وابتدأ بطرس يقول له: «ها نحن قد تركنا كلّ شيء وتبعناك».
29 فأجاب يسوع وقال: «الحقّ أقول لكم: ليس أحد ترك بيتا أو إخوة أو أخوات أو أبا أو أمّا أو امرأة أو أولادا أو حقولا، لأجلي ولأجل الإنجيل،
30 إلاّ ويأخذ مئة ضعف الآن في هذا الزّمان، بيوتا وإخوة وأخوات وأمّهات وأولادا وحقولا، مع اضطهادات، وفي الدّهر الآتي الحياة الأبديّة.
31 ولكن كثيرون أوّلون يكونون آخرين، والآخرون أوّلين».
32 وكانوا في الطّريق صاعدين إلى أورشليم ويتقدّمهم يسوع، وكانوا يتحيّرون. وفيما هم يتبعون كانوا يخافون. فأخذ الاثني عشر أيضا وابتدأ يقول لهم عمّا سيحدث له:
33 «ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وابن الإنسان يسلّم إلى رؤساء الكهنة والكتبة، فيحكمون عليه بالموت، ويسلّمونه إلى الأمم،
34 فيهزأون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه، وفي اليوم الثّالث يقوم».
35 وتقدّم إليه يعقوب ويوحنّا ابنا زبدي قائلين: «يا معلّم، نريد أن تفعل لنا كلّ ما طلبنا».
36 فقال لهما: «ماذا تريدان أن أفعل لكما؟»
37 فقالا له: «أعطنا أن نجلس واحد عن يمينك والآخر عن يسارك في مجدك».
38 فقال لهما يسوع: «لستما تعلمان ما تطلبان. أتستطيعان أن تشربا الكأس الّتي أشربها أنا، وأن تصطبغا بالصّبغة الّتي أصطبغ بها أنا؟»
39 فقالا له: «نستطيع». فقال لهما يسوع: «أمّا الكأس الّتي أشربها أنا فتشربانها، وبالصّبغة الّتي أصطبغ بها أنا تصطبغان.
40 وأمّا الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلاّ للّذين أعدّ لهم».
41 ولمّا سمع العشرة ابتدأوا يغتاظون من أجل يعقوب ويوحنّا.
42 فدعاهم يسوع وقال لهم: «أنتم تعلمون أنّ الّذين يحسبون رؤساء الأمم يسودونهم، وأنّ عظماءهم يتسلّطون عليهم.
43 فلا يكون هكذا فيكم. بل من أراد أن يصير فيكم عظيما، يكون لكم خادما،
44 ومن أراد أن يصير فيكم أوّلا، يكون للجميع عبدا.
45 لأنّ ابن الإنسان أيضا لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين».
46 وجاءوا إلى أريحا. وفيما هو خارج من أريحا مع تلاميذه وجمع غفير، كان بارتيماوس الأعمى ابن تيماوس جالسا على الطّريق يستعطي.
47 فلمّا سمع أنّه يسوع النّاصريّ، ابتدأ يصرخ ويقول: «يا يسوع ابن داود، ارحمني!»
48 فانتهره كثيرون ليسكت، فصرخ أكثر كثيرا: «يا ابن داود، ارحمني!».
49 فوقف يسوع وأمر أن ينادى. فنادوا الأعمى قائلين له: «ثق! قم! هوذا يناديك».
50 فطرح رداءه وقام وجاء إلى يسوع.
51 فأجاب يسوع وقال له: «ماذا تريد أن أفعل بك؟» فقال له الأعمى: «يا سيّدي، أن أبصر!».
52 فقال له يسوع: «اذهب. إيمانك قد شفاك». فللوقت أبصر، وتبع يسوع في الطّريق.

1 ولمّا قربوا من أورشليم إلى بيت فاجي وبيت عنيا، عند جبل الزّيتون، أرسل اثنين من تلاميذه،
2 وقال لهما: «اذهبا إلى القرية الّتي أمامكما، فللوقت وأنتما داخلان إليها تجدان جحشا مربوطا لم يجلس عليه أحد من النّاس. فحلاّه وأتيا به.
3 وإن قال لكما أحد: لماذا تفعلان هذا؟ فقولا: الرّبّ محتاج إليه. فللوقت يرسله إلى هنا».
4 فمضيا ووجدا الجحش مربوطا عند الباب خارجا على الطّريق، فحلاّه.
5 فقال لهما قوم من القيام هناك: «ماذا تفعلان، تحلاّن الجحش؟»
6 فقالا لهم كما أوصى يسوع. فتركوهما.
7 فأتيا بالجحش إلى يسوع، وألقيا عليه ثيابهما فجلس عليه.
8 وكثيرون فرشوا ثيابهم في الطّريق. وآخرون قطعوا أغصانا من الشّجر وفرشوها في الطّريق.
9 والّذين تقدّموا، والّذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين: «أوصنّا! مبارك الآتي باسم الرّبّ!
10 مباركة مملكة أبينا داود الآتية باسم الرّبّ! أوصنّا في الأعالي!».
11 فدخل يسوع أورشليم والهيكل، ولمّا نظر حوله إلى كلّ شيءٍ إذ كان الوقت قد أمسى، خرج إلى بيت عنيا مع الاثني عشر.
12 وفي الغد لمّا خرجوا من بيت عنيا جاع،
13 فنظر شجرة تينٍ من بعيدٍ عليها ورق، وجاء لعلّه يجد فيها شيئا. فلمّا جاء إليها لم يجد شيئا إلاّ ورقا، لأنّه لم يكن وقت التّين.
14 فأجاب يسوع وقال لها: «لا يأكل أحد منك ثمرا بعد إلى الأبد!». وكان تلاميذه يسمعون.
15 وجاءوا إلى أورشليم. ولمّا دخل يسوع الهيكل ابتدأ يخرج الّذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلّب موائد الصّيارفة وكراسيّ باعة الحمام.
16 ولم يدع أحدا يجتاز الهيكل بمتاعٍ.
17 وكان يعلّم قائلا لهم: «أليس مكتوبا: بيتي بيت صلاةٍ يدعى لجميع الأمم؟ وأنتم جعلتموه مغارة لصوصٍ».
18 وسمع الكتبة ورؤساء الكهنة فطلبوا كيف يهلكونه، لأنّهم خافوه، إذ بهت الجمع كلّه من تعليمه.
19 ولمّا صار المساء، خرج إلى خارج المدينة.
20 وفي الصّباح إذ كانوا مجتازين رأوا التّينة قد يبست من الأصول،
21 فتذكّر بطرس وقال له: «يا سيّدي، انظر! التّينة الّتي لعنتها قد يبست!»
22 فأجاب يسوع وقال لهم : «ليكن لكم إيمان بالله.
23 لأنّي الحقّ أقول لكم: إنّ من قال لهذا الجبل: انتقل وانطرح في البحر! ولا يشكّ في قلبه، بل يؤمن أنّ ما يقوله يكون، فمهما قال يكون له.
24 لذلك أقول لكم: كلّ ما تطلبونه حينما تصلّون، فآمنوا أن تنالوه، فيكون لكم.
25 ومتى وقفتم تصلّون، فاغفروا إن كان لكم على أحدٍ شيء، لكي يغفر لكم أيضا أبوكم الّذي في السّماوات زلاتكم.
26 وإن لم تغفروا أنتم لا يغفر أبوكم الّذي في السّماوات أيضا زلاتكم.
27 وجاءوا أيضا إلى أورشليم. وفيما هو يمشي في الهيكل، أقبل إليه رؤساء الكهنة والكتبة والشّيوخ،
28 وقالوا له: «بأيّ سلطانٍ تفعل هذا؟ ومن أعطاك هذا السّلطان حتّى تفعل هذا؟»
29 فأجاب يسوع وقال لهم: «وأنا أيضا أسألكم كلمة واحدة. أجيبوني، فأقول لكم بأيّ سلطانٍ أفعل هذا
30 معموديّة يوحنّا: من السّماء كانت أم من النّاس؟ أجيبوني».
31 ففكّروا في أنفسهم قائلين: «إن قلنا: من السّماء، يقول: فلماذا لم تؤمنوا به؟
32 وإن قلنا: من النّاس». فخافوا الشّعب. لأنّ يوحنّا كان عند الجميع أنّه بالحقيقة نبيّ.
33 فأجابوا وقالوا ليسوع: «لا نعلم». فأجاب يسوع وقال لهم: «ولا أنا أقول لكم بأيّ سلطانٍ أفعل هذا».

1 وابتدأ يقول لهم بأمثال: «إنسان غرس كرما وأحاطه بسياج، وحفر حوض معصرة، وبنى برجا، وسلّمه إلى كرّامين وسافر.
2 ثمّ أرسل إلى الكرّامين في الوقت عبدا ليأخذ من الكرّامين من ثمر الكرم،
3 فأخذوه وجلدوه وأرسلوه فارغا.
4 ثمّ أرسل إليهم أيضا عبدا آخر، فرجموه وشجّوه وأرسلوه مهانا.
5 ثمّ أرسل أيضا آخر، فقتلوه. ثمّ آخرين كثيرين، فجلدوا منهم بعضا وقتلوا بعضا.
6 فإذ كان له أيضا ابن واحد حبيب إليه، أرسله أيضا إليهم أخيرا، قائلا: إنّهم يهابون ابني!
7 ولكنّ أولئك الكرّامين قالوا فيما بينهم: هذا هو الوارث! هلمّوا نقتله فيكون لنا الميراث!
8 فأخذوه وقتلوه وأخرجوه خارج الكرم.
9 فماذا يفعل صاحب الكرم؟ يأتي ويهلك الكرّامين، ويعطي الكرم إلى آخرين.
10 أما قرأتم هذا المكتوب: الحجر الّذي رفضه البنّاؤون، هو قد صار رأس الزّاوية؟
11 من قبل الرّبّ كان هذا، وهو عجيب في أعيننا!»
12 فطلبوا أن يمسكوه، ولكنّهم خافوا من الجمع، لأنّهم عرفوا أنّه قال المثل عليهم. فتركوه ومضوا.
13 ثمّ أرسلوا إليه قوما من الفرّيسيّين والهيرودسيّين لكي يصطادوه بكلمة.
14 فلمّا جاءوا قالوا له: «يا معلّم، نعلم أنّك صادق ولا تبالي بأحد، لأنّك لا تنظر إلى وجوه النّاس، بل بالحقّ تعلّم طريق الله. أيجوز أن تعطى جزية لقيصر أم لا؟ نعطي أم لا نعطي؟»
15 فعلم رياءهم، وقال لهم: «لماذا تجرّبونني؟ ايتوني بدينار لأنظره».
16 فأتوا به. فقال لهم: «لمن هذه الصّورة والكتابة؟» فقالوا له: «لقيصر».
17 فأجاب يسوع وقال لهم: «أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله». فتعجّبوا منه.
18 وجاء إليه قوم من الصّدّوقيّين، الّذين يقولون ليس قيامة، وسألوه قائلين:
19 «يا معلّم، كتب لنا موسى: إن مات لأحد أخ، وترك امرأة ولم يخلّف أولادا، أن يأخذ أخوه امرأته، ويقيم نسلا لأخيه.
20 فكان سبعة إخوة. أخذ الأوّل امرأة ومات، ولم يترك نسلا.
21 فأخذها الثّاني ومات، ولم يترك هو أيضا نسلا. وهكذا الثّالث.
22 فأخذها السّبعة، ولم يتركوا نسلا. وآخر الكلّ ماتت المرأة أيضا.
23 ففي القيامة، متى قاموا، لمن منهم تكون زوجة؟ لأنّها كانت زوجة للسّبعة».
24 فأجاب يسوع وقال لهم: «أليس لهذا تضلّون، إذ لا تعرفون الكتب ولا قوّة الله؟
25 لأنّهم متى قاموا من الأموات لا يزوّجون ولا يزوّجون، بل يكونون كملائكة في السّماوات.
26 وأمّا من جهة الأموات إنّهم يقومون: أفما قرأتم في كتاب موسى، في أمر العلّيقة، كيف كلّمه الله قائلا: أنا إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب؟
27 ليس هو إله أموات بل إله أحياء. فأنتم إذا تضلّون كثيرا!».
28 فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون، فلمّا رأى أنّه أجابهم حسنا، سأله: «أيّة وصيّة هي أوّل الكلّ؟»
29 فأجابه يسوع: «إنّ أوّل كلّ الوصايا هي: اسمع يا إسرائيل. الرّبّ إلهنا ربّ واحد.
30 وتحبّ الرّبّ إلهك من كلّ قلبك، ومن كلّ نفسك، ومن كلّ فكرك، ومن كلّ قدرتك. هذه هي الوصيّة الأولى.
31 وثانية مثلها هي: تحبّ قريبك كنفسك. ليس وصيّة أخرى أعظم من هاتين».
32 فقال له الكاتب: «جيّدا يا معلّم. بالحقّ قلت، لأنّه الله واحد وليس آخر سواه.
33 ومحبّته من كلّ القلب، ومن كلّ الفهم، ومن كلّ النّفس، ومن كلّ القدرة، ومحبّة القريب كالنّفس، هي أفضل من جميع المحرقات والذّبائح».
34 فلمّا رآه يسوع أنّه أجاب بعقل، قال له: «لست بعيدا عن ملكوت الله». ولم يجسر أحد بعد ذلك أن يسأله!
35 ثمّ أجاب يسوع وقال وهو يعلّم في الهيكل: «كيف يقول الكتبة إنّ المسيح ابن داود؟
36 لأنّ داود نفسه قال بالرّوح القدس: قال الرّبّ لربّي: اجلس عن يميني، حتّى أضع أعداءك موطئا لقدميك.
37 فداود نفسه يدعوه ربّا. فمن أين هو ابنه؟» وكان الجمع الكثير يسمعه بسرور.
38 وقال لهم في تعليمه: «تحرّزوا من الكتبة، الّذين يرغبون المشي بالطّيالسة، والتّحيّات في الأسواق،
39 والمجالس الأولى في المجامع، والمتّكآت الأولى في الولائم.
40 الّذين يأكلون بيوت الأرامل، ولعلّة يطيلون الصّلوات. هؤلاء يأخذون دينونة أعظم».
41 وجلس يسوع تجاه الخزانة، ونظر كيف يلقي الجمع نحاسا في الخزانة. وكان أغنياء كثيرون يلقون كثيرا.
42 فجاءت أرملة فقيرة وألقت فلسين، قيمتهما ربع.
43 فدعا تلاميذه وقال لهم: «الحقّ أقول لكم: إنّ هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت أكثر من جميع الّذين ألقوا في الخزانة،
44 لأنّ الجميع من فضلتهم ألقوا. وأمّا هذه فمن إعوازها ألقت كلّ ما عندها، كلّ معيشتها».

1 وفيما هو خارج من الهيكل، قال له واحد من تلاميذه: «يا معلّم، انظر! ما هذه الحجارة! وهذه الأبنية!»
2 فأجاب يسوع وقال له: «أتنظر هذه الأبنية العظيمة؟ لا يترك حجر على حجر لا ينقض».
3 وفيما هو جالس على جبل الزّيتون، تجاه الهيكل، سأله بطرس ويعقوب ويوحنّا وأندراوس على انفراد:
4 «قل لنا متى يكون هذا؟ وما هي العلامة عندما يتمّ جميع هذا؟»
5 فأجابهم يسوع وابتدأ يقول: «انظروا! لا يضلّكم أحد.
6 فإنّ كثيرين سيأتون باسمي قائلين: إنّي أنا هو! ويضلّون كثيرين.
7 فإذا سمعتم بحروب وبأخبار حروب فلا ترتاعوا، لأنّها لابدّ أن تكون، ولكن ليس المنتهى بعد.
8 لأنّه تقوم أمّة على أمّة، ومملكة على مملكة، وتكون زلازل في أماكن، وتكون مجاعات واضطرابات. هذه مبتدأ الأوجاع.
9 فانظروا إلى نفوسكم. لأنّهم سيسلّمونكم إلى مجالس، وتجلدون في مجامع، وتوقفون أمام ولاة وملوك، من أجلي، شهادة لهم.
10 وينبغي أن يكرز أوّلا بالإنجيل في جميع الأمم.
11 فمتى ساقوكم ليسلّموكم، فلا تعتنوا من قبل بما تتكلّمون ولا تهتمّوا، بل مهما أعطيتم في تلك السّاعة فبذلك تكلّموا. لأن لستم أنتم المتكلّمين بل الرّوح القدس.
12 وسيسلم الأخ أخاه إلى الموت، والأب ولده، ويقوم الأولاد على والديهم ويقتلونهم.
13 وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي. ولكنّ الّذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص.
14 فمتى نظرتم «رجسة الخراب» الّتي قال عنها دانيآل النّبيّ، قائمة حيث لا ينبغي. ­ليفهم القارئ­ فحينئذ ليهرب الّذين في اليهوديّة إلى الجبال،
15 والّذي على السّطح فلا ينزل إلى البيت ولا يدخل ليأخذ من بيته شيئا،
16 والّذي في الحقل فلا يرجع إلى الوراء ليأخذ ثوبه.
17 وويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيّام!
18 وصلّوا لكي لا يكون هربكم في شتاء.
19 لأنّه يكون في تلك الأيّام ضيق لم يكن مثله منذ ابتداء الخليقة الّتي خلقها الله إلى الآن، ولن يكون.
20 ولو لم يقصّر الرّبّ تلك الأيّام، لم يخلص جسد. ولكن لأجل المختارين الّذين اختارهم، قصّر الأيّام.
21 حينئذ إن قال لكم أحد: هوذا المسيح هنا! أو: هوذا هناك! فلا تصدّقوا.
22 لأنّه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة، ويعطون آيات وعجائب، لكي يضلّوا لو أمكن المختارين أيضا.
23 فانظروا أنتم. ها أنا قد سبقت وأخبرتكم بكلّ شيء.
24 «وأمّا في تلك الأيّام بعد ذلك الضّيق، فالشّمس تظلم، والقمر لا يعطي ضوءه،
25 ونجوم السّماء تتساقط، والقوّات الّتي في السّماوات تتزعزع.
26 وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتيا في سحاب بقوّة كثيرة ومجد،
27 فيرسل حينئذ ملائكته ويجمع مختاريه من الأربع الرّياح، من أقصاء الأرض إلى أقصاء السّماء.
28 فمن شجرة التّين تعلّموا المثل: متى صار غصنها رخصا وأخرجت أوراقا، تعلمون أنّ الصّيف قريب.
29 هكذا أنتم أيضا، متى رأيتم هذه الأشياء صائرة، فاعلموا أنّه قريب على الأبواب.
30 الحقّ أقول لكم: لا يمضي هذا الجيل حتّى يكون هذا كلّه.
31 السّماء والأرض تزولان، ولكنّ كلامي لا يزول.
32 «وأمّا ذلك اليوم وتلك السّاعة فلا يعلم بهما أحد، ولا الملائكة الّذين في السّماء، ولا الابن، إلاّ الآب.
33 انظروا! اسهروا وصلّوا، لأنّكم لا تعلمون متى يكون الوقت.
34 كأنّما إنسان مسافر ترك بيته، وأعطى عبيده السّلطان، ولكلّ واحد عمله، وأوصى البوّاب أن يسهر.
35 اسهروا إذا، لأنّكم لا تعلمون متى يأتي ربّ البيت، أمساء، أم نصف اللّيل، أم صياح الدّيك، أم صباحا.
36 لئلاّ يأتي بغتة فيجدكم نياما!
37 وما أقوله لكم أقوله للجميع: اسهروا».

1 وكان الفصح وأيّام الفطير بعد يومين. وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يمسكونه بمكر ويقتلونه،
2 ولكنّهم قالوا: «ليس في العيد، لئلاّ يكون شغب في الشّعب».
3 وفيما هو في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص، وهو متّكئ، جاءت امرأة معها قارورة طيب ناردين خالص كثير الثّمن. فكسرت القارورة وسكبته على رأسه.
4 وكان قوم مغتاظين في أنفسهم، فقالوا: «لماذا كان تلف الطّيب هذا؟
5 لأنّه كان يمكن أن يباع هذا بأكثر من ثلاثمئة دينار ويعطى للفقراء». وكانوا يؤنّبونها.
6 أمّا يسوع فقال: «اتركوها! لماذا تزعجونها؟ قد عملت بي عملا حسنا!
7 لأنّ الفقراء معكم في كلّ حين، ومتى أردتم تقدرون أن تعملوا بهم خيرا. وأمّا أنا فلست معكم في كلّ حين.
8 عملت ما عندها. قد سبقت ودهنت بالطّيب جسدي للتّكفين.
9 الحقّ أقول لكم: حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كلّ العالم، يخبر أيضا بما فعلته هذه، تذكارا لها».
10 ثمّ إنّ يهوذا الإسخريوطيّ، واحدا من الاثني عشر، مضى إلى رؤساء الكهنة ليسلّمه إليهم.
11 ولمّا سمعوا فرحوا، ووعدوه أن يعطوه فضّة. وكان يطلب كيف يسلّمه في فرصة موافقة.
12 وفي اليوم الأوّل من الفطير. حين كانوا يذبحون الفصح، قال له تلاميذه: «أين تريد أن نمضي ونعدّ لتأكل الفصح؟»
13 فأرسل اثنين من تلاميذه وقال لهما: «اذهبا إلى المدينة، فيلاقيكما إنسان حامل جرّة ماء. اتبعاه.
14 وحيثما يدخل فقولا لربّ البيت: إنّ المعلّم يقول: أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي؟
15 فهو يريكما علّيّة كبيرة مفروشة معدّة. هناك أعدّا لنا».
16 فخرج تلميذاه وأتيا إلى المدينة، ووجدا كما قال لهما. فأعدّا الفصح.
17 ولمّا كان المساء جاء مع الاثني عشر.
18 وفيما هم متّكئون يأكلون، قال يسوع: «الحقّ أقول لكم: إنّ واحدا منكم يسلّمني. الآكل معي!»
19 فابتدأوا يحزنون، ويقولون له واحدا فواحدا: «هل أنا؟» وآخر: «هل أنا؟»
20 فأجاب وقال لهم: «هو واحد من الاثني عشر، الّذي يغمس معي في الصّحفة.
21 إنّ ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه، ولكن ويل لذلك الرّجل الّذي به يسلّم ابن الإنسان. كان خيرا لذلك الرّجل لو لم يولد!».
22 وفيما هم يأكلون، أخذ يسوع خبزا وبارك وكسّر، وأعطاهم وقال: «خذوا كلوا، هذا هو جسدي».
23 ثمّ أخذ الكأس وشكر وأعطاهم، فشربوا منها كلّهم.
24 وقال لهم: «هذا هو دمي الّذي للعهد الجديد، الّذي يسفك من أجل كثيرين.
25 الحقّ أقول لكم: إنّي لا أشرب بعد من نتاج الكرمة إلى ذلك اليوم حينما أشربه جديدا في ملكوت الله».
26 ثمّ سبّحوا وخرجوا إلى جبل الزّيتون.
27 وقال لهم يسوع: «إنّ كلّكم تشكّون فيّ في هذه اللّيلة، لأنّه مكتوب: أنّي أضرب الرّاعي فتتبدّد الخراف.
28 ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل».
29 فقال له بطرس: «وإن شكّ الجميع فأنا لا أشكّ!»
30 فقال له يسوع: «الحقّ أقول لك: إنّك اليوم في هذه اللّيلة، قبل أن يصيح الدّيك مرّتين، تنكرني ثلاث مرّات».
31 فقال بأكثر تشديد: «ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك!». وهكذا قال أيضا الجميع.
32 وجاءوا إلى ضيعة اسمها جثسيماني، فقال لتلاميذه: «اجلسوا ههنا حتّى أصلّي».
33 ثمّ أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنّا، وابتدأ يدهش ويكتئب.
34 فقال لهم: «نفسي حزينة جدّا حتّى الموت! امكثوا هنا واسهروا».
35 ثمّ تقدّم قليلا وخرّ على الأرض، وكان يصلّي لكي تعبر عنه السّاعة إن أمكن.
36 وقال: «يا أبا الآب، كلّ شيء مستطاع لك، فأجز عنّي هذه الكأس. ولكن ليكن لا ما أريد أنا، بل ما تريد أنت».
37 ثمّ جاء ووجدهم نياما، فقال لبطرس: «يا سمعان، أنت نائم! أما قدرت أن تسهر ساعة واحدة؟
38 اسهروا وصلّوا لئلاّ تدخلوا في تجربة. أمّا الرّوح فنشيط، وأمّا الجسد فضعيف».
39 ومضى أيضا وصلّى قائلا ذلك الكلام بعينه.
40 ثمّ رجع ووجدهم أيضا نياما، إذ كانت أعينهم ثقيلة، فلم يعلموا بماذا يجيبونه.
41 ثمّ جاء ثالثة وقال لهم: «ناموا الآن واستريحوا! يكفي! قد أتت السّاعة! هوذا ابن الإنسان يسلّم إلى أيدي الخطاة.
42 قوموا لنذهب! هوذا الّذي يسلّمني قد اقترب!».
43 وللوقت فيما هو يتكلّم أقبل يهوذا، واحد من الاثني عشر، ومعه جمع كثير بسيوف وعصيّ من عند رؤساء الكهنة والكتبة والشّيوخ.
44 وكان مسلّمه قد أعطاهم علامة قائلا: «الّذي أقبّله هو هو. أمسكوه، وامضوا به بحرص».
45 فجاء للوقت وتقدّم إليه قائلا: «يا سيّدي، يا سيّدي!» وقبّله.
46 فألقوا أيديهم عليه وأمسكوه.
47 فاستلّ واحد من الحاضرين السّيف، وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه.
48 فأجاب يسوع وقال لهم: «كأنّه على لصّ خرجتم بسيوف وعصيّ لتأخذوني!
49 كلّ يوم كنت معكم في الهيكل أعلّم ولم تمسكوني! ولكن لكي تكمل الكتب».
50 فتركه الجميع وهربوا.
51 وتبعه شابّ لابسا إزارا على عريه، فأمسكه الشّبّان،
52 فترك الإزار وهرب منهم عريانا.
53 فمضوا بيسوع إلى رئيس الكهنة، فاجتمع معه جميع رؤساء الكهنة والشّيوخ والكتبة.
54 وكان بطرس قد تبعه من بعيد إلى داخل دار رئيس الكهنة، وكان جالسا بين الخدّام يستدفئ عند النّار.
55 وكان رؤساء الكهنة والمجمع كلّه يطلبون شهادة على يسوع ليقتلوه، فلم يجدوا.
56 لأنّ كثيرين شهدوا عليه زورا، ولم تتّفق شهاداتهم.
57 ثمّ قام قوم وشهدوا عليه زورا قائلين:
58 «نحن سمعناه يقول: إنّي أنقض هذا الهيكل المصنوع بالأيادي، وفي ثلاثة أيّام أبني آخر غير مصنوع بأياد».
59 ولا بهذا كانت شهادتهم تتّفق.
60 فقام رئيس الكهنة في الوسط وسأل يسوع قائلا: «أما تجيب بشيء؟ ماذا يشهد به هؤلاء عليك؟»
61 أمّا هو فكان ساكتا ولم يجب بشيء. فسأله رئيس الكهنة أيضا وقال له: «أأنت المسيح ابن المبارك؟»
62 فقال يسوع: «أنا هو. وسوف تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوّة، وآتيا في سحاب السّماء».
63 فمزّق رئيس الكهنة ثيابه وقال: «ما حاجتنا بعد إلى شهود؟
64 قد سمعتم التّجاديف! ما رأيكم؟» فالجميع حكموا عليه أنّه مستوجب الموت.
65 فابتدأ قوم يبصقون عليه، ويغطّون وجهه ويلكمونه ويقولون له: «تنبّأ». وكان الخدّام يلطمونه.
66 وبينما كان بطرس في الدّار أسفل جاءت إحدى جواري رئيس الكهنة.
67 فلمّا رأت بطرس يستدفئ، نظرت إليه وقالت: «وأنت كنت مع يسوع النّاصريّ!»
68 فأنكر قائلا: «لست أدري ولا أفهم ما تقولين!» وخرج خارجا إلى الدّهليز، فصاح الدّيك.
69 فرأته الجارية أيضا وابتدأت تقول للحاضرين: «إنّ هذا منهم!»
70 فأنكر أيضا. وبعد قليل أيضا قال الحاضرون لبطرس: «حقّا أنت منهم، لأنّك جليليّ أيضا ولغتك تشبه لغتهم!».
71 فابتدأ يلعن ويحلف: «إنّي لا أعرف هذا الرّجل الّذي تقولون عنه!»
72 وصاح الدّيك ثانية، فتذكّر بطرس القول الّذي قاله له يسوع: «إنّك قبل أن يصيح الدّيك مرّتين، تنكرني ثلاث مرّات». فلمّا تفكّر به بكى.

1 وللوقت في الصّباح تشاور رؤساء الكهنة والشّيوخ والكتبة والمجمع كلّه، فأوثقوا يسوع ومضوا به وأسلموه إلى بيلاطس.
2 فسأله بيلاطس: «أأنت ملك اليهود؟» فأجاب وقال له: «أنت تقول».
3 وكان رؤساء الكهنة يشتكون عليه كثيرا.
4 فسأله بيلاطس أيضا قائلا: «أما تجيب بشيء؟ انظر كم يشهدون عليك!»
5 فلم يجب يسوع أيضا بشيء حتّى تعجّب بيلاطس.
6 وكان يطلق لهم في كلّ عيد أسيرا واحدا، من طلبوه.
7 وكان المسمّى باراباس موثقا مع رفقائه في الفتنة، الّذين في الفتنة فعلوا قتلا.
8 فصرخ الجمع وابتدأوا يطلبون أن يفعل كما كان دائما يفعل لهم.
9 فأجابهم بيلاطس: «أتريدون أن أطلق لكم ملك اليهود؟».
10 لأنّه عرف أنّ رؤساء الكهنة كانوا قد أسلموه حسدا.
11 فهيّج رؤساء الكهنة الجمع لكي يطلق لهم بالحريّ باراباس.
12 فأجاب بيلاطس أيضا وقال لهم: «فماذا تريدون أن أفعل بالّذي تدعونه ملك اليهود؟»
13 فصرخوا أيضا: «اصلبه!»
14 فقال لهم بيلاطس: «وأيّ شرّ عمل؟» فازدادوا جدّا صراخا: «اصلبه!»
15 فبيلاطس إذ كان يريد أن يعمل للجمع ما يرضيهم، أطلق لهم باراباس، وأسلم يسوع، بعدما جلده، ليصلب.
16 فمضى به العسكر إلى داخل الدّار، الّتي هي دار الولاية، وجمعوا كلّ الكتيبة.
17 وألبسوه أرجوانا، وضفروا إكليلا من شوك ووضعوه عليه،
18 وابتدأوا يسلّمون عليه قائلين: «السّلام يا ملك اليهود!»
19 وكانوا يضربونه على رأسه بقصبة، ويبصقون عليه، ثمّ يسجدون له جاثين على ركبهم.
20 وبعدما استهزأوا به، نزعوا عنه الأرجوان وألبسوه ثيابه، ثمّ خرجوا به ليصلبوه.
21 فسخّروا رجلا مجتازا كان آتيا من الحقل، وهو سمعان القيروانيّ أبو ألكسندرس وروفس، ليحمل صليبه.
22 وجاءوا به إلى موضع «جلجثة» الّذي تفسيره موضع «جمجمة».
23 وأعطوه خمرا ممزوجة بمرّ ليشرب، فلم يقبل.
24 ولمّا صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها: ماذا يأخذ كلّ واحد؟
25 وكانت السّاعة الثّالثة فصلبوه.
26 وكان عنوان علّته مكتوبا: «ملك اليهود».
27 وصلبوا معه لصّين، واحدا عن يمينه وآخر عن يساره.
28 فتمّ الكتاب القائل: «وأحصي مع أثمة».
29 وكان المجتازون يجدّفون عليه، وهم يهزّون رؤوسهم قائلين: «آه يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيّام!
30 خلّص نفسك وانزل عن الصّليب!»
31 وكذلك رؤساء الكهنة وهم مستهزئون فيما بينهم مع الكتبة، قالوا: «خلّص آخرين وأمّا نفسه فما يقدر أن يخلّصها!
32 لينزل الآن المسيح ملك إسرائيل عن الصّليب، لنرى ونؤمن!». واللّذان صلبا معه كانا يعيّرانه.
33 ولمّا كانت السّاعة السّادسة، كانت ظلمة على الأرض كلّها إلى السّاعة التّاسعة.
34 وفي السّاعة التّاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا: «إلوي، إلوي، لما شبقتني؟» الّذي تفسيره: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟
35 فقال قوم من الحاضرين لمّا سمعوا: «هوذا ينادي إيليّا».
36 فركض واحد وملأ إسفنجة خلا وجعلها على قصبة وسقاه قائلا: «اتركوا. لنر هل يأتي إيليّا لينزله!»
37 فصرخ يسوع بصوت عظيم وأسلم الرّوح.
38 وانشقّ حجاب الهيكل إلى اثنين، من فوق إلى أسفل.
39 ولمّا رأى قائد المئة الواقف مقابله أنّه صرخ هكذا وأسلم الرّوح، قال: «حقّا كان هذا الإنسان ابن الله!»
40 وكانت أيضا نساء ينظرن من بعيد، بينهنّ مريم المجدليّة، ومريم أمّ يعقوب الصّغير ويوسي، وسالومة،
41 اللّواتي أيضا تبعنه وخدمنه حين كان في الجليل. وأخر كثيرات اللّواتي صعدن معه إلى أورشليم.
42 ولمّا كان المساء، إذ كان الاستعداد، أي ما قبل السّبت،
43 جاء يوسف الّذي من الرّامة، مشير شريف، وكان هو أيضا منتظرا ملكوت الله، فتجاسر ودخل إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع.
44 فتعجّب بيلاطس أنّه مات كذا سريعا. فدعا قائد المئة وسأله: «هل له زمان قد مات؟»
45 ولمّا عرف من قائد المئة، وهب الجسد ليوسف.
46 فاشترى كتّانا، فأنزله وكفّنه بالكتّان، ووضعه في قبر كان منحوتا في صخرة، ودحرج حجرا على باب القبر.
47 وكانت مريم المجدليّة ومريم أمّ يوسي تنظران أين وضع.

1 وبعدما مضى السّبت، اشترت مريم المجدليّة ومريم أمّ يعقوب وسالومة، حنوطا ليأتين ويدهنّه.
2 وباكرا جدّا في أوّل الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشّمس.
3 وكنّ يقلن فيما بينهنّ: «من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟»
4 فتطلّعن ورأين أنّ الحجر قد دحرج! لأنّه كان عظيما جدّا.
5 ولمّا دخلن القبر رأين شابّا جالسا عن اليمين لابسا حلّة بيضاء، فاندهشن.
6 فقال لهنّ: «لا تندهشن! أنتنّ تطلبن يسوع النّاصريّ المصلوب. قد قام! ليس هو ههنا. هوذا الموضع الّذي وضعوه فيه.
7 لكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس: إنّه يسبقكم إلى الجليل. هناك ترونه كما قال لكم».
8 فخرجن سريعا وهربن من القبر، لأنّ الرّعدة والحيرة أخذتاهنّ. ولم يقلن لأحد شيئا لأنّهنّ كنّ خائفات.
9 وبعدما قام باكرا في أوّل الأسبوع ظهر أوّلا لمريم المجدليّة، الّتي كان قد أخرج منها سبعة شياطين.
10 فذهبت هذه وأخبرت الّذين كانوا معه وهم ينوحون ويبكون.
11 فلمّا سمع أولئك أنّه حيّ، وقد نظرته، لم يصدّقوا.
12 وبعد ذلك ظهر بهيئة أخرى لاثنين منهم، وهما يمشيان منطلقين إلى البرّيّة.
13 وذهب هذان وأخبرا الباقين، فلم يصدّقوا ولا هذين.
14 أخيرا ظهر للأحد عشر وهم متّكئون، ووبّخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم، لأنّهم لم يصدّقوا الّذين نظروه قد قام.
15 وقال لهم: «اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلّها.
16 من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدن.
17 وهذه الآيات تتبع المؤمنين: يخرجون الشّياطين باسمي، ويتكلّمون بألسنة جديدة.
18 يحملون حيّات، وإن شربوا شيئا مميتا لا يضرّهم، ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون».
19 ثمّ إنّ الرّبّ بعدما كلّمهم ارتفع إلى السّماء، وجلس عن يمين الله.
20 وأمّا هم فخرجوا وكرزوا في كلّ مكان، والرّبّ يعمل معهم ويثبّت الكلام بالآيات التّابعة. آمين.