إنجيل متى
1 كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم:
2 إبراهيم ولد إسحاق. وإسحاق ولد يعقوب. ويعقوب ولد يهوذا وإخوته.
3 ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار. وفارص ولد حصرون. وحصرون ولد أرام.
4 وأرام ولد عمّيناداب. وعمّيناداب ولد نحشون. ونحشون ولد سلمون.
5 وسلمون ولد بوعز من راحاب. وبوعز ولد عوبيد من راعوث. وعوبيد ولد يسّى.
6 ويسّى ولد داود الملك. وداود الملك ولد سليمان من الّتي لأوريّا.
7 وسليمان ولد رحبعام. ورحبعام ولد أبيّا. وأبيّا ولد آسا.
8 وآسا ولد يهوشافاط. ويهوشافاط ولد يورام. ويورام ولد عزّيّا.
9 وعزّيّا ولد يوثام. ويوثام ولد أحاز. وأحاز ولد حزقيّا.
10 وحزقيّا ولد منسّى. ومنسّى ولد آمون. وآمون ولد يوشيّا.
11 ويوشيّا ولد يكنيا وإخوته عند سبي بابل.
12 وبعد سبي بابل يكنيا ولد شألتئيل. وشألتئيل ولد زربّابل.
13 وزربّابل ولد أبيهود. وأبيهود ولد ألياقيم. وألياقيم ولد عازور.
14 وعازور ولد صادوق. وصادوق ولد أخيم. وأخيم ولد أليود.
15 وأليود ولد أليعازر. وأليعازر ولد متّان. ومتّان ولد يعقوب.
16 ويعقوب ولد يوسف رجل مريم الّتي ولد منها يسوع الّذي يدعى المسيح.
17 فجميع الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلا، ومن داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلا، ومن سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلا.
18 أمّا ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا: لمّا كانت مريم أمّه مخطوبة ليوسف، قبل أن يجتمعا، وجدت حبلى من الرّوح القدس.
19 فيوسف رجلها إذ كان بارّا، ولم يشأ أن يشهرها، أراد تخليتها سرّا.
20 ولكن فيما هو متفكّر في هذه الأمور، إذا ملاك الرّبّ قد ظهر له في حلم قائلا: «يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك. لأنّ الّذي حبل به فيها هو من الرّوح القدس.
21 فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع. لأنّه يخلّص شعبه من خطاياهم».
22 وهذا كلّه كان لكي يتمّ ما قيل من الرّبّ بالنّبيّ القائل:
23 «هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا، ويدعون اسمه عمّانوئيل» الّذي تفسيره: الله معنا.
24 فلمّا استيقظ يوسف من النّوم فعل كما أمره ملاك الرّبّ، وأخذ امرأته.
25 ولم يعرفها حتّى ولدت ابنها البكر. ودعا اسمه يسوع.
1 ولمّا ولد يسوع في بيت لحم اليهوديّة، في أيّام هيرودس الملك، إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم
2 قائلين: «أين هو المولود ملك اليهود؟ فإنّنا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له».
3 فلمّا سمع هيرودس الملك اضطرب وجميع أورشليم معه.
4 فجمع كلّ رؤساء الكهنة وكتبة الشّعب، وسألهم: «أين يولد المسيح؟»
5 فقالوا له: «في بيت لحم اليهوديّة. لأنّه هكذا مكتوب بالنّبيّ:
6 وأنت يا بيت لحم، أرض يهوذا لست الصّغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منك يخرج مدبّر يرعى شعبي إسرائيل».
7 حينئذ دعا هيرودس المجوس سرّا، وتحقّق منهم زمان النّجم الّذي ظهر.
8 ثمّ أرسلهم إلى بيت لحم، وقال: «اذهبوا وافحصوا بالتّدقيق عن الصّبيّ. ومتى وجدتموه فأخبروني، لكي آتي أنا أيضا وأسجد له».
9 فلمّا سمعوا من الملك ذهبوا. وإذا النّجم الّذي رأوه في المشرق يتقدّمهم حتّى جاء ووقف فوق، حيث كان الصّبيّ.
10 فلمّا رأوا النّجم فرحوا فرحا عظيما جدّا.
11 وأتوا إلى البيت، ورأوا الصّبيّ مع مريم أمّه. فخرّوا وسجدوا له. ثمّ فتحوا كنوزهم وقدّموا له هدايا: ذهبا ولبانا ومرّا.
12 ثمّ إذ أوحي إليهم في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس، انصرفوا في طريق أخرى إلى كورتهم.
13 وبعدما انصرفوا، إذا ملاك الرّبّ قد ظهر ليوسف في حلم قائلا: «قم وخذ الصّبيّ وأمّه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتّى أقول لك. لأنّ هيرودس مزمع أن يطلب الصّبيّ ليهلكه».
14 فقام وأخذ الصّبيّ وأمّه ليلا وانصرف إلى مصر.
15 وكان هناك إلى وفاة هيرودس. لكي يتمّ ما قيل من الرّبّ بالنّبيّ القائل: «من مصر دعوت ابني».
16 حينئذ لمّا رأى هيرودس أنّ المجوس سخروا به غضب جدّا. فأرسل وقتل جميع الصّبيان الّذين في بيت لحم وفي كلّ تخومها، من ابن سنتين فما دون، بحسب الزّمان الّذي تحقّقه من المجوس.
17 حينئذ تمّ ما قيل بإرميا النّبيّ القائل:
18 «صوت سمع في الرّامة، نوح وبكاء وعويل كثير. راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزّى، لأنّهم ليسوا بموجودين».
19 فلمّا مات هيرودس، إذا ملاك الرّبّ قد ظهر في حلم ليوسف في مصر
20 قائلا: «قم وخذ الصّبيّ وأمّه واذهب إلى أرض إسرائيل، لأنّه قد مات الّذين كانوا يطلبون نفس الصّبيّ».
21 فقام وأخذ الصّبيّ وأمّه وجاء إلى أرض إسرائيل.
22 ولكن لمّا سمع أنّ أرخيلاوس يملك على اليهوديّة عوضا عن هيرودس أبيه، خاف أن يذهب إلى هناك. وإذ أوحي إليه في حلم، انصرف إلى نواحي الجليل.
23 وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة، لكي يتمّ ما قيل بالأنبياء: «إنّه سيدعى ناصريّا».
1 وفي تلك الأيّام جاء يوحنّا المعمدان يكرز في برّيّة اليهوديّة
2 قائلا: «توبوا، لأنّه قد اقترب ملكوت السّماوات.
3 فإنّ هذا هو الّذي قيل عنه بإشعياء النّبيّ القائل: صوت صارخ في البرّيّة: أعدّوا طريق الرّبّ. اصنعوا سبله مستقيمة».
4 ويوحنّا هذا كان لباسه من وبر الإبل، وعلى حقويه منطقة من جلد. وكان طعامه جرادا وعسلا برّيّا.
5 حينئذ خرج إليه أورشليم وكلّ اليهوديّة وجميع الكورة المحيطة بالأردنّ،
6 واعتمدوا منه في الأردنّ، معترفين بخطاياهم.
7 فلمّا رأى كثيرين من الفرّيسيّين والصّدّوقيّين يأتون إلى معموديّته، قال لهم: «يا أولاد الأفاعي، من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي؟
8 فاصنعوا أثمارا تليق بالتّوبة.
9 ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم: لنا إبراهيم أبا. لأنّي أقول لكم: إنّ الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادا لإبراهيم.
10 والآن قد وضعت الفأس على أصل الشّجر، فكلّ شجرة لا تصنع ثمرا جيّدا تقطع وتلقى في النّار.
11 أنا أعمّدكم بماء للتّوبة، ولكن الّذي يأتي بعدي هو أقوى منّي، الّذي لست أهلا أن أحمل حذاءه. هو سيعمّدكم بالرّوح القدس ونار.
12 الّذي رفشه في يده، وسينقّي بيدره، ويجمع قمحه إلى المخزن، وأمّا التّبن فيحرقه بنار لا تطفأ».
13 حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردنّ إلى يوحنّا ليعتمد منه.
14 ولكن يوحنّا منعه قائلا: «أنا محتاج أن أعتمد منك، وأنت تأتي إليّ!»
15 فأجاب يسوع وقال له: «اسمح الآن، لأنّه هكذا يليق بنا أن نكمّل كلّ برّ». حينئذ سمح له.
16 فلمّا اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء، وإذا السّماوات قد انفتحت له، فرأى روح الله نازلا مثل حمامة وآتيا عليه،
17 وصوت من السّماوات قائلا: « هذا هو ابني الحبيب الّذي به سررت».
1 ثمّ أصعد يسوع إلى البرّيّة من الرّوح ليجرّب من إبليس.
2 فبعد ما صام أربعين نهارا وأربعين ليلة، جاع أخيرا.
3 فتقدّم إليه المجرّب وقال له: «إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزا».
4 فأجاب وقال: «مكتوب: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله».
5 ثمّ أخذه إبليس إلى المدينة المقدّسة، وأوقفه على جناح الهيكل،
6 وقال له: «إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل، لأنّه مكتوب: أنّه يوصي ملائكته بك، فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك».
7 قال له يسوع: «مكتوب أيضا: لا تجرّب الرّبّ إلهك».
8 ثمّ أخذه أيضا إبليس إلى جبل عال جدّا، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها،
9 وقال له: «أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي».
10 حينئذ قال له يسوع: «اذهب يا شيطان! لأنّه مكتوب: للرّبّ إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد».
11 ثمّ تركه إبليس، وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه.
12 ولمّا سمع يسوع أنّ يوحنّا أسلم، انصرف إلى الجليل.
13 وترك النّاصرة وأتى فسكن في كفرناحوم الّتي عند البحر في تخوم زبولون ونفتاليم،
14 لكي يتمّ ما قيل بإشعياء النّبيّ القائل:
15 «أرض زبولون، وأرض نفتاليم، طريق البحر، عبر الأردنّ، جليل الأمم.
16 الشّعب الجالس في ظلمة أبصر نورا عظيما، والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور».
17 من ذلك الزّمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول: «توبوا لأنّه قد اقترب ملكوت السّماوات».
18 وإذ كان يسوع ماشيا عند بحر الجليل أبصر أخوين: سمعان الّذي يقال له بطرس، وأندراوس أخاه يلقيان شبكة في البحر، فإنّهما كانا صيّادين.
19 فقال لهما: «هلمّ ورائي فأجعلكما صيّادي النّاس».
20 فللوقت تركا الشّباك وتبعاه.
21 ثمّ اجتاز من هناك فرأى أخوين آخرين: يعقوب بن زبدي ويوحنّا أخاه، في السّفينة مع زبدي أبيهما يصلحان شباكهما، فدعاهما.
22 فللوقت تركا السّفينة وأباهما وتبعاه.
23 وكان يسوع يطوف كلّ الجليل يعلّم في مجامعهم، ويكرز ببشارة الملكوت، ويشفي كلّ مرض وكلّ ضعف في الشّعب.
24 فذاع خبره في جميع سوريّة. فأحضروا إليه جميع السّقماء المصابين بأمراض وأوجاع مختلفة، والمجانين والمصروعين والمفلوجين، فشفاهم.
25 فتبعته جموع كثيرة من الجليل والعشر المدن وأورشليم واليهوديّة ومن عبر الأردنّ.
1 ولمّا رأى الجموع صعد إلى الجبل، فلمّا جلس تقدّم إليه تلاميذه.
2 ففتح فاه وعلّمهم قائلا:
3 «طوبى للمساكين بالرّوح، لأنّ لهم ملكوت السّماوات.
4 طوبى للحزانى، لأنّهم يتعزّون.
5 طوبى للودعاء، لأنّهم يرثون الأرض.
6 طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ، لأنّهم يشبعون.
7 طوبى للرّحماء، لأنّهم يرحمون.
8 طوبى للأنقياء القلب، لأنّهم يعاينون الله.
9 طوبى لصانعي السّلام، لأنّهم أبناء الله يدعون.
10 طوبى للمطرودين من أجل البرّ، لأنّ لهم ملكوت السّماوات.
11 طوبى لكم إذا عيّروكم وطردوكم وقالوا عليكم كلّ كلمة شرّيرة، من أجلي، كاذبين.
12 افرحوا وتهلّلوا، لأنّ أجركم عظيم في السّماوات، فإنّهم هكذا طردوا الأنبياء الّذين قبلكم.
13 «أنتم ملح الأرض، ولكن إن فسد الملح فبماذا يملّح؟ لا يصلح بعد لشيء، إلاّ لأن يطرح خارجا ويداس من النّاس.
14 أنتم نور العالم. لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل،
15 ولا يوقدون سراجا ويضعونه تحت المكيال، بل على المنارة فيضيء لجميع الّذين في البيت.
16 فليضئ نوركم هكذا قدّام النّاس، لكي يروا أعمالكم الحسنة، ويمجّدوا أباكم الّذي في السّماوات.
17 «لا تظنّوا أنّي جئت لأنقض النّاموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمّل.
18 فإنّي الحقّ أقول لكم: إلى أن تزول السّماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من النّاموس حتّى يكون الكلّ.
19 فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصّغرى وعلّم النّاس هكذا، يدعى أصغر في ملكوت السّماوات. وأمّا من عمل وعلّم، فهذا يدعى عظيما في ملكوت السّماوات.
20 فإنّي أقول لكم: إنّكم إن لم يزد برّكم على الكتبة والفرّيسيّين لن تدخلوا ملكوت السّماوات.
21 «قد سمعتم أنّه قيل للقدماء: لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجب الحكم.
22 وأمّا أنا فأقول لكم: إنّ كلّ من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم، ومن قال لأخيه: رقا، يكون مستوجب المجمع، ومن قال: يا أحمق، يكون مستوجب نار جهنّم.
23 فإن قدّمت قربانك إلى المذبح، وهناك تذكّرت أنّ لأخيك شيئا عليك،
24 فاترك هناك قربانك قدّام المذبح، واذهب أوّلا اصطلح مع أخيك، وحينئذ تعال وقدّم قربانك.
25 كن مراضيا لخصمك سريعا ما دمت معه في الطّريق، لئلاّ يسلّمك الخصم إلى القاضي، ويسلّمك القاضي إلى الشّرطيّ، فتلقى في السّجن.
26 الحقّ أقول لك: لا تخرج من هناك حتّى توفي الفلس الأخير!
27 «قد سمعتم أنّه قيل للقدماء: لا تزن.
28 وأمّا أنا فأقول لكم: إنّ كلّ من ينظر إلى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه.
29 فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك، لأنّه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كلّه في جهنّم.
30 وإن كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها وألقها عنك، لأنّه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كلّه في جهنّم.
31 «وقيل: من طلّق امرأته فليعطها كتاب طلاق.
32 وأمّا أنا فأقول لكم: إنّ من طلّق امرأته إلاّ لعلّة الزّنى يجعلها تزني، ومن يتزوّج مطلّقة فإنّه يزني.
33 «أيضا سمعتم أنّه قيل للقدماء: لا تحنث، بل أوف للرّبّ أقسامك.
34 وأمّا أنا فأقول لكم: لا تحلفوا البتّة، لا بالسّماء لأنّها كرسيّ الله،
35 ولا بالأرض لأنّها موطئ قدميه، ولا بأورشليم لأنّها مدينة الملك العظيم.
36 ولا تحلف برأسك، لأنّك لا تقدر أن تجعل شعرة واحدة بيضاء أو سوداء.
37 بل ليكن كلامكم: نعم نعم، لا لا. وما زاد على ذلك فهو من الشّرّير.
38 «سمعتم أنّه قيل: عين بعين وسنّ بسنّ.
39 وأمّا أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشّرّ، بل من لطمك على خدّك الأيمن فحوّل له الآخر أيضا.
40 ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرّداء أيضا.
41 ومن سخّرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين.
42 من سألك فأعطه، ومن أراد أن يقترض منك فلا تردّه.
43 «سمعتم أنّه قيل: تحبّ قريبك وتبغض عدوّك.
44 وأمّا أنا فأقول لكم: أحبّوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الّذين يسيئون إليكم ويطردونكم،
45 لكي تكونوا أبناء أبيكم الّذي في السّماوات، فإنّه يشرق شمسه على الأشرار والصّالحين، ويمطر على الأبرار والظّالمين.
46 لأنّه إن أحببتم الّذين يحبّونكم، فأيّ أجر لكم؟ أليس العشّارون أيضا يفعلون ذلك؟
47 وإن سلّمتم على إخوتكم فقط، فأيّ فضل تصنعون؟ أليس العشّارون أيضا يفعلون هكذا؟
48 فكونوا أنتم كاملين كما أنّ أباكم الّذي في السّماوات هو كامل.
1 «احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدّام النّاس لكي ينظروكم، وإلاّ فليس لكم أجر عند أبيكم الّذي في السّماوات.
2 فمتى صنعت صدقة فلا تصوّت قدّامك بالبوق، كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الأزقّة، لكي يمجّدوا من النّاس. الحقّ أقول لكم: إنّهم قد استوفوا أجرهم!
3 وأمّا أنت فمتى صنعت صدقة فلا تعرّف شمالك ما تفعل يمينك،
4 لكي تكون صدقتك في الخفاء. فأبوك الّذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية.
5 «ومتى صلّيت فلا تكن كالمرائين، فإنّهم يحبّون أن يصلّوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشّوارع، لكي يظهروا للنّاس. الحقّ أقول لكم: إنّهم قد استوفوا أجرهم!
6 وأمّا أنت فمتى صلّيت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك، وصلّ إلى أبيك الّذي في الخفاء. فأبوك الّذي يرى في الخفاء يجازيك علانية.
7 وحينما تصلّون لا تكرّروا الكلام باطلا كالأمم، فإنّهم يظنّون أنّه بكثرة كلامهم يستجاب لهم.
8 فلا تتشبّهوا بهم. لأنّ أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه.
9 «فصلّوا أنتم هكذا: أبانا الّذي في السّماوات، ليتقدّس اسمك.
10 ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السّماء كذلك على الأرض.
11 خبزنا كفافنا أعطنا اليوم.
12 واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا.
13 ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجّنا من الشّرّير. لأنّ لك الملك، والقوّة، والمجد، إلى الأبد. آمين.
14 فإنّه إن غفرتم للنّاس زلاتهم، يغفر لكم أيضا أبوكم السّماويّ.
15 وإن لم تغفروا للنّاس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضا زلاتكم.
16 «ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين، فإنّهم يغيّرون وجوههم لكي يظهروا للنّاس صائمين. الحقّ أقول لكم: إنّهم قد استوفوا أجرهم.
17 وأمّا أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك،
18 لكي لا تظهر للنّاس صائما، بل لأبيك الّذي في الخفاء. فأبوك الّذي يرى في الخفاء يجازيك علانية.
19 «لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض حيث يفسد السّوس والصّدأ، وحيث ينقب السّارقون ويسرقون.
20 بل اكنزوا لكم كنوزا في السّماء، حيث لا يفسد سوس ولا صدأ، وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون،
21 لأنّه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضا.
22 سراج الجسد هو العين، فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كلّه يكون نيّرا،
23 وإن كانت عينك شرّيرة فجسدك كلّه يكون مظلما، فإن كان النّور الّذي فيك ظلاما فالظّلام كم يكون!
24 «لا يقدر أحد أن يخدم سيّدين، لأنّه إمّا أن يبغض الواحد ويحبّ الآخر، أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال.
25 «لذلك أقول لكم: لا تهتمّوا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادكم بما تلبسون. أليست الحياة أفضل من الطّعام، والجسد أفضل من اللّباس؟
26 انظروا إلى طيور السّماء: إنّها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن، وأبوكم السّماويّ يقوتها. ألستم أنتم بالحريّ أفضل منها؟
27 ومن منكم إذا اهتمّ يقدر أن يزيد على قامته ذراعا واحدة؟
28 ولماذا تهتمّون باللّباس؟ تأمّلوا زنابق الحقل كيف تنمو! لا تتعب ولا تغزل.
29 ولكن أقول لكم: إنّه ولا سليمان في كلّ مجده كان يلبس كواحدة منها.
30 فإن كان عشب الحقل الّذي يوجد اليوم ويطرح غدا في التّنّور، يلبسه الله هكذا، أفليس بالحريّ جدّا يلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان؟
31 فلا تهتمّوا قائلين: ماذا نأكل؟ أو ماذا نشرب؟ أو ماذا نلبس؟
32 فإنّ هذه كلّها تطلبها الأمم. لأنّ أباكم السّماويّ يعلم أنّكم تحتاجون إلى هذه كلّها.
33 لكن اطلبوا أوّلا ملكوت الله وبرّه، وهذه كلّها تزاد لكم.
34 فلا تهتمّوا للغد، لأنّ الغد يهتمّ بما لنفسه. يكفي اليوم شرّه.
1 «لا تدينوا لكي لا تدانوا،
2 لأنّكم بالدّينونة الّتي بها تدينون تدانون، وبالكيل الّذي به تكيلون يكال لكم.
3 ولماذا تنظر القذى الّذي في عين أخيك، وأمّا الخشبة الّتي في عينك فلا تفطن لها؟
4 أم كيف تقول لأخيك: دعني أخرج القذى من عينك، وها الخشبة في عينك؟
5 يا مرائي، أخرج أوّلا الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيّدا أن تخرج القذى من عين أخيك!
6 لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا درركم قدّام الخنازير، لئلاّ تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزّقكم.
7 «اسألوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم.
8 لأنّ كلّ من يسأل يأخذ، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يفتح له.
9 أم أيّ إنسان منكم إذا سأله ابنه خبزا، يعطيه حجرا؟
10 وإن سأله سمكة، يعطيه حيّة؟
11 فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيّدة، فكم بالحريّ أبوكم الّذي في السّماوات، يهب خيرات للّذين يسألونه!
12 فكلّ ما تريدون أن يفعل النّاس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضا بهم، لأنّ هذا هو النّاموس والأنبياء.
13 «ادخلوا من الباب الضّيّق، لأنّه واسع الباب ورحب الطّريق الّذي يؤدّي إلى الهلاك، وكثيرون هم الّذين يدخلون منه!
14 ما أضيق الباب وأكرب الطّريق الّذي يؤدّي إلى الحياة، وقليلون هم الّذين يجدونه!
15 «احترزوا من الأنبياء الكذبة الّذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنّهم من داخل ذئاب خاطفة!
16 من ثمارهم تعرفونهم. هل يجتنون من الشّوك عنبا، أو من الحسك تينا؟
17 هكذا كلّ شجرة جيّدة تصنع أثمارا جيّدة، وأمّا الشّجرة الرّديّة فتصنع أثمارا رديّة،
18 لا تقدر شجرة جيّدة أن تصنع أثمارا رديّة، ولا شجرة رديّة أن تصنع أثمارا جيّدة.
19 كلّ شجرة لا تصنع ثمرا جيّدا تقطع وتلقى في النّار.
20 فإذا من ثمارهم تعرفونهم.
21 «ليس كلّ من يقول لي: يا ربّ، يا ربّ! يدخل ملكوت السّماوات. بل الّذي يفعل إرادة أبي الّذي في السّماوات.
22 كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا ربّ، يا ربّ! أليس باسمك تنبّأنا، وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوّات كثيرة؟
23 فحينئذ أصرّح لهم: إنّي لم أعرفكم قطّ! اذهبوا عنّي يا فاعلي الإثم!
24 «فكلّ من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها، أشبّهه برجل عاقل، بنى بيته على الصّخر.
25 فنزل المطر، وجاءت الأنهار، وهبّت الرّياح، ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط، لأنّه كان مؤسّسا على الصّخر.
26 وكلّ من يسمع أقوالي هذه ولا يعمل بها، يشبّه برجل جاهل، بنى بيته على الرّمل.
27 فنزل المطر، وجاءت الأنهار، وهبّت الرّياح، وصدمت ذلك البيت فسقط، وكان سقوطه عظيما!».
28 فلمّا أكمل يسوع هذه الأقوال بهتت الجموع من تعليمه،
29 لأنّه كان يعلّمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة.
1 ولمّا نزل من الجبل تبعته جموع كثيرة.
2 وإذا أبرص قد جاء وسجد له قائلا: «يا سيّد، إن أردت تقدر أن تطهّرني».
3 فمدّ يسوع يده ولمسه قائلا: «أريد، فاطهر!». وللوقت طهر برصه.
4 فقال له يسوع: «انظر أن لا تقول لأحد. بل اذهب أر نفسك للكاهن، وقدّم القربان الّذي أمر به موسى شهادة لهم».
5 ولمّا دخل يسوع كفرناحوم، جاء إليه قائد مئة يطلب إليه
6 ويقول: «يا سيّد، غلامي مطروح في البيت مفلوجا متعذّبا جدّا».
7 فقال له يسوع: «أنا آتي وأشفيه».
8 فأجاب قائد المئة وقال: «يا سيّد، لست مستحقّا أن تدخل تحت سقفي، لكن قل كلمة فقط فيبرأ غلامي.
9 لأنّي أنا أيضا إنسان تحت سلطان. لي جند تحت يدي. أقول لهذا: اذهب! فيذهب، ولآخر: ائت! فيأتي، ولعبدي: افعل هذا! فيفعل».
10 فلمّا سمع يسوع تعجّب، وقال للّذين يتبعون: «الحقّ أقول لكم: لم أجد ولا في إسرائيل إيمانا بمقدار هذا!
11 وأقول لكم: إنّ كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتّكئون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب في ملكوت السّماوات،
12 وأمّا بنو الملكوت فيطرحون إلى الظّلمة الخارجيّة. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان».
13 ثمّ قال يسوع لقائد المئة: «اذهب، وكما آمنت ليكن لك». فبرأ غلامه في تلك السّاعة.
14 ولمّا جاء يسوع إلى بيت بطرس، رأى حماته مطروحة ومحمومة،
15 فلمس يدها فتركتها الحمّى، فقامت وخدمتهم.
16 ولمّا صار المساء قدّموا إليه مجانين كثيرين، فأخرج الأرواح بكلمة، وجميع المرضى شفاهم،
17 لكي يتمّ ما قيل بإشعياء النّبيّ القائل: «هو أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا».
18 ولمّا رأى يسوع جموعا كثيرة حوله، أمر بالذّهاب إلى العبر.
19 فتقدّم كاتب وقال له: «يا معلّم، أتبعك أينما تمضي».
20 فقال له يسوع: «للثّعالب أوجرة ولطيور السّماء أوكار، وأمّا ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه».
21 وقال له آخر من تلاميذه: «يا سيّد، ائذن لي أن أمضي أوّلا وأدفن أبي».
22 فقال له يسوع: «اتبعني، ودع الموتى يدفنون موتاهم».
23 ولمّا دخل السّفينة تبعه تلاميذه.
24 وإذا اضطراب عظيم قد حدث في البحر حتّى غطّت الأمواج السّفينة، وكان هو نائما.
25 فتقدّم تلاميذه وأيقظوه قائلين: «يا سيّد، نجّنا فإنّنا نهلك!»
26 فقال لهم: «ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان؟» ثمّ قام وانتهر الرّياح والبحر، فصار هدو عظيم.
27 فتعجّب النّاس قائلين: «أيّ إنسان هذا؟ فإنّ الرّياح والبحر جميعا تطيعه!».
28 ولمّا جاء إلى العبر إلى كورة الجرجسيّين، استقبله مجنونان خارجان من القبور هائجان جدّا، حتّى لم يكن أحد يقدر أن يجتاز من تلك الطّريق.
29 وإذا هما قد صرخا قائلين: «ما لنا ولك يا يسوع ابن الله؟ أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذّبنا؟»
30 وكان بعيدا منهم قطيع خنازير كثيرة ترعى.
31 فالشّياطين طلبوا إليه قائلين: «إن كنت تخرجنا، فأذن لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير».
32 فقال لهم: «امضوا». فخرجوا ومضوا إلى قطيع الخنازير، وإذا قطيع الخنازير كلّه قد اندفع من على الجرف إلى البحر، ومات في المياه.
33 أمّا الرّعاة فهربوا ومضوا إلى المدينة، وأخبروا عن كلّ شيء، وعن أمر المجنونين.
34 فإذا كلّ المدينة قد خرجت لملاقاة يسوع. ولمّا أبصروه طلبوا أن ينصرف عن تخومهم.
1 فدخل السّفينة واجتاز وجاء إلى مدينته.
2 وإذا مفلوج يقدّمونه إليه مطروحا على فراش. فلمّا رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج: «ثق يا بنيّ. مغفورة لك خطاياك».
3 وإذا قوم من الكتبة قد قالوا في أنفسهم: «هذا يجدّف!»
4 فعلم يسوع أفكارهم، فقال: «لماذا تفكّرون بالشّرّ في قلوبكم؟
5 أيّما أيسر، أن يقال: مغفورة لك خطاياك، أم أن يقال: قم وامش؟
6 ولكن لكي تعلموا أنّ لابن الإنسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا». حينئذ قال للمفلوج: «قم احمل فراشك واذهب إلى بيتك!»
7 فقام ومضى إلى بيته.
8 فلمّا رأى الجموع تعجّبوا ومجّدوا الله الّذي أعطى النّاس سلطانا مثل هذا.
9 وفيما يسوع مجتاز من هناك، رأى إنسانا جالسا عند مكان الجباية، اسمه متّى. فقال له: «اتبعني». فقام وتبعه.
10 وبينما هو متّكئ في البيت، إذا عشّارون وخطاة كثيرون قد جاءوا واتّكأوا مع يسوع وتلاميذه.
11 فلمّا نظر الفرّيسيّون قالوا لتلاميذه: «لماذا يأكل معلّمكم مع العشّارين والخطاة؟»
12 فلمّا سمع يسوع قال لهم: «لا يحتاج الأصحّاء إلى طبيب بل المرضى.
13 فاذهبوا وتعلّموا ما هو: إنّي أريد رحمة لا ذبيحة، لأنّي لم آت لأدعو أبرارا بل خطاة إلى التّوبة».
14 حينئذ أتى إليه تلاميذ يوحنّا قائلين: «لماذا نصوم نحن والفرّيسيّون كثيرا، وأمّا تلاميذك فلا يصومون؟»
15 فقال لهم يسوع: «هل يستطيع بنو العرس أن ينوحوا ما دام العريس معهم؟ ولكن ستأتي أيّام حين يرفع العريس عنهم، فحينئذ يصومون.
16 ليس أحد يجعل رقعة من قطعة جديدة على ثوب عتيق، لأنّ الملء يأخذ من الثّوب، فيصير الخرق أردأ.
17 ولا يجعلون خمرا جديدة في زقاق عتيقة، لئلاّ تنشقّ الزّقاق، فالخمر تنصبّ والزّقاق تتلف. بل يجعلون خمرا جديدة في زقاق جديدة فتحفظ جميعا».
18 وفيما هو يكلّمهم بهذا، إذا رئيس قد جاء فسجد له قائلا: «إنّ ابنتي الآن ماتت، لكن تعال وضع يدك عليها فتحيا».
19 فقام يسوع وتبعه هو وتلاميذه.
20 وإذا امرأة نازفة دم منذ اثنتي عشرة سنة قد جاءت من ورائه ومسّت هدب ثوبه،
21 لأنّها قالت في نفسها: «إن مسست ثوبه فقط شفيت».
22 فالتفت يسوع وأبصرها، فقال: «ثقي يا ابنة، إيمانك قد شفاك». فشفيت المرأة من تلك السّاعة.
23 ولمّا جاء يسوع إلى بيت الرّئيس، ونظر المزمّرين والجمع يضجّون،
24 قال لهم: «تنحّوا، فإنّ الصّبيّة لم تمت لكنّها نائمة». فضحكوا عليه.
25 فلمّا أخرج الجمع دخل وأمسك بيدها، فقامت الصّبيّة.
26 فخرج ذلك الخبر إلى تلك الأرض كلّها.
27 وفيما يسوع مجتاز من هناك، تبعه أعميان يصرخان ويقولان: «ارحمنا يا ابن داود!».
28 ولمّا جاء إلى البيت تقدّم إليه الأعميان، فقال لهما يسوع: «أتؤمنان أنّي أقدر أن أفعل هذا؟» قالا له: «نعم، يا سيّد!».
29 حينئذ لمس أعينهما قائلا: «بحسب إيمانكما ليكن لكما».
30 فانفتحت أعينهما. فانتهرهما يسوع قائلا: «انظرا، لا يعلم أحد!»
31 ولكنّهما خرجا وأشاعاه في تلك الأرض كلّها.
32 وفيما هما خارجان، إذا إنسان أخرس مجنون قدّموه إليه.
33 فلمّا أخرج الشّيطان تكلّم الأخرس، فتعجّب الجموع قائلين: «لم يظهر قطّ مثل هذا في إسرائيل!»
34 أمّا الفرّيسيّون فقالوا: «برئيس الشّياطين يخرج الشّياطين!».
35 وكان يسوع يطوف المدن كلّها والقرى يعلّم في مجامعها، ويكرز ببشارة الملكوت، ويشفي كلّ مرض وكلّ ضعف في الشّعب.
36 ولمّا رأى الجموع تحنّن عليهم، إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها.
37 حينئذ قال لتلاميذه: «الحصاد كثير ولكنّ الفعلة قليلون.
38 فاطلبوا من ربّ الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده».
1 ثمّ دعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطانا على أرواح نجسة حتّى يخرجوها، ويشفوا كلّ مرض وكلّ ضعف.
2 وأمّا أسماء الاثني عشر رسولا فهي هذه: الأوّل سمعان الّذي يقال له بطرس، وأندراوس أخوه. يعقوب بن زبدي، ويوحنّا أخوه.
3 فيلبّس، وبرثولماوس. توما، ومتّى العشّار. يعقوب بن حلفى، ولبّاوس الملقّب تدّاوس.
4 سمعان القانويّ، ويهوذا الإسخريوطيّ الّذي أسلمه.
5 هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلا: «إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسّامريّين لا تدخلوا.
6 بل اذهبوا بالحريّ إلى خراف بيت إسرائيل الضّالّة.
7 وفيما أنتم ذاهبون اكرزوا قائلين: إنّه قد اقترب ملكوت السّماوات.
8 اشفوا مرضى. طهّروا برصا. أقيموا موتى. أخرجوا شياطين. مجّانا أخذتم، مجّانا أعطوا.
9 لا تقتنوا ذهبا ولا فضّة ولا نحاسا في مناطقكم،
10 ولا مزودا للطّريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصا، لأنّ الفاعل مستحق طعامه.
11 «وأيّة مدينة أو قرية دخلتموها فافحصوا من فيها مستحق، وأقيموا هناك حتّى تخرجوا.
12 وحين تدخلون البيت سلّموا عليه،
13 فإن كان البيت مستحقّا فليأت سلامكم عليه، ولكن إن لم يكن مستحقّا فليرجع سلامكم إليكم.
14 ومن لا يقبلكم ولا يسمع كلامكم فاخرجوا خارجا من ذلك البيت أو من تلك المدينة، وانفضوا غبار أرجلكم.
15 الحقّ أقول لكم: ستكون لأرض سدوم وعمورة يوم الدّين حالة أكثر احتمالا ممّا لتلك المدينة.
16 «ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب، فكونوا حكماء كالحيّات وبسطاء كالحمام.
17 ولكن احذروا من النّاس، لأنّهم سيسلمونكم إلى مجالس، وفي مجامعهم يجلدونكم.
18 وتساقون أمام ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم وللأمم.
19 فمتى أسلموكم فلا تهتمّوا كيف أو بما تتكلّمون، لأنّكم تعطون في تلك السّاعة ما تتكلّمون به،
20 لأن لستم أنتم المتكلّمين بل روح أبيكم الّذي يتكلّم فيكم.
21 وسيسلم الأخ أخاه إلى الموت، والأب ولده، ويقوم الأولاد على والديهم ويقتلونهم،
22 وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي. ولكن الّذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص.
23 ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى. فإنّي الحقّ أقول لكم: لا تكمّلون مدن إسرائيل حتّى يأتي ابن الإنسان.
24 «ليس التّلميذ أفضل من المعلّم، ولا العبد أفضل من سيّده.
25 يكفي التّلميذ أن يكون كمعلّمه، والعبد كسيّده. إن كانوا قد لقّبوا ربّ البيت بعلزبول، فكم بالحريّ أهل بيته!
26 فلا تخافوهم. لأن ليس مكتوم لن يستعلن، ولا خفيّ لن يعرف.
27 الّذي أقوله لكم في الظّلمة قولوه في النّور، والّذي تسمعونه في الأذن نادوا به على السّطوح،
28 ولا تخافوا من الّذين يقتلون الجسد ولكنّ النّفس لا يقدرون أن يقتلوها، بل خافوا بالحريّ من الّذي يقدر أن يهلك النّفس والجسد كليهما في جهنّم.
29 أليس عصفوران يباعان بفلس؟ وواحد منهما لا يسقط على الأرض بدون أبيكم.
30 وأمّا أنتم فحتّى شعور رؤوسكم جميعها محصاة.
31 فلا تخافوا! أنتم أفضل من عصافير كثيرة!
32 فكلّ من يعترف بي قدّام النّاس أعترف أنا أيضا به قدّام أبي الّذي في السّماوات،
33 ولكن من ينكرني قدّام النّاس أنكره أنا أيضا قدّام أبي الّذي في السّماوات.
34 «لا تظنّوا أنّي جئت لألقي سلاما على الأرض. ما جئت لألقي سلاما بل سيفا.
35 فإنّي جئت لأفرّق الإنسان ضدّ أبيه، والابنة ضدّ أمّها، والكنّة ضدّ حماتها.
36 وأعداء الإنسان أهل بيته.
37 من أحبّ أبا أو أمّا أكثر منّي فلا يستحقّني، ومن أحبّ ابنا أو ابنة أكثر منّي فلا يستحقّني،
38 ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقّني.
39 من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها.
40 من يقبلكم يقبلني، ومن يقبلني يقبل الّذي أرسلني.
41 من يقبل نبيّا باسم نبيّ فأجر نبيّ يأخذ، ومن يقبل بارّا باسم بارّ فأجر بارّ يأخذ،
42 ومن سقى أحد هؤلاء الصّغار كأس ماء بارد فقط باسم تلميذ، فالحقّ أقول لكم إنّه لا يضيع أجره».
1 ولمّا أكمل يسوع أمره لتلاميذه الاثني عشر، انصرف من هناك ليعلّم ويكرز في مدنهم.
2 أمّا يوحنّا فلمّا سمع في السّجن بأعمال المسيح، أرسل اثنين من تلاميذه،
3 وقال له: «أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟»
4 فأجاب يسوع وقال لهما: «اذهبا وأخبرا يوحنّا بما تسمعان وتنظران:
5 العمي يبصرون، والعرج يمشون، والبرص يطهّرون، والصّمّ يسمعون، والموتى يقومون، والمساكين يبشّرون.
6 وطوبى لمن لا يعثر فيّ».
7 وبينما ذهب هذان ابتدأ يسوع يقول للجموع عن يوحنّا: «ماذا خرجتم إلى البرّيّة لتنظروا؟ أقصبة تحرّكها الرّيح؟
8 لكن ماذا خرجتم لتنظروا؟ أإنسانا لابسا ثيابا ناعمة؟ هوذا الّذين يلبسون الثّياب النّاعمة هم في بيوت الملوك.
9 لكن ماذا خرجتم لتنظروا؟ أنبيّا؟ نعم، أقول لكم، وأفضل من نبيّ.
10 فإنّ هذا هو الّذي كتب عنه: ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الّذي يهيّئ طريقك قدّامك.
11 الحقّ أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النّساء أعظم من يوحنّا المعمدان، ولكنّ الأصغر في ملكوت السّماوات أعظم منه.
12 ومن أيّام يوحنّا المعمدان إلى الآن ملكوت السّماوات يغصب، والغاصبون يختطفونه.
13 لأنّ جميع الأنبياء والنّاموس إلى يوحنّا تنبّأوا.
14 وإن أردتم أن تقبلوا، فهذا هو إيليّا المزمع أن يأتي.
15 من له أذنان للسّمع فليسمع.
16 «وبمن أشبّه هذا الجيل؟ يشبه أولادا جالسين في الأسواق ينادون إلى أصحابهم
17 ويقولون: زمّرنا لكم فلم ترقصوا! نحنا لكم فلم تلطموا!
18 لأنّه جاء يوحنّا لا يأكل ولا يشرب، فيقولون: فيه شيطان.
19 جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب، فيقولون: هوذا إنسان أكول وشرّيب خمر، محبّ للعشّارين والخطاة. والحكمة تبرّرت من بنيها».
20 حينئذ ابتدأ يوبّخ المدن الّتي صنعت فيها أكثر قوّاته لأنّها لم تتب:
21 «ويل لك يا كورزين! ويل لك يا بيت صيدا! لأنّه لو صنعت في صور وصيداء القوّات المصنوعة فيكما، لتابتا قديما في المسوح والرّماد.
22 ولكن أقول لكم: إنّ صور وصيداء تكون لهما حالة أكثر احتمالا يوم الدّين ممّا لكما.
23 وأنت يا كفرناحوم المرتفعة إلى السّماء! ستهبطين إلى الهاوية. لأنّه لو صنعت في سدوم القوّات المصنوعة فيك لبقيت إلى اليوم.
24 ولكن أقول لكم: إنّ أرض سدوم تكون لها حالة أكثر احتمالا يوم الدّين ممّا لك».
25 في ذلك الوقت أجاب يسوع وقال: «أحمدك أيّها الآب ربّ السّماء والأرض، لأنّك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال.
26 نعم أيّها الآب، لأن هكذا صارت المسرّة أمامك.
27 كلّ شيء قد دفع إليّ من أبي، وليس أحد يعرف الابن إلاّ الآب، ولا أحد يعرف الآب إلاّ الابن ومن أراد الابن أن يعلن له.
28 تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثّقيلي الأحمال، وأنا أريحكم.
29 احملوا نيري عليكم وتعلّموا منّي، لأنّي وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم.
30 لأنّ نيري هيّن وحملي خفيف».
1 في ذلك الوقت ذهب يسوع في السّبت بين الزّروع، فجاع تلاميذه وابتدأوا يقطفون سنابل ويأكلون.
2 فالفرّيسيّون لمّا نظروا قالوا له: «هوذا تلاميذك يفعلون ما لا يحلّ فعله في السّبت!»
3 فقال لهم: «أما قرأتم ما فعله داود حين جاع هو والّذين معه؟
4 كيف دخل بيت الله وأكل خبز التّقدمة الّذي لم يحلّ أكله له ولا للّذين معه، بل للكهنة فقط.
5 أو ما قرأتم في التّوراة أنّ الكهنة في السّبت في الهيكل يدنّسون السّبت وهم أبرياء؟
6 ولكن أقول لكم: إنّ ههنا أعظم من الهيكل!
7 فلو علمتم ما هو: إنّي أريد رحمة لا ذبيحة، لما حكمتم على الأبرياء!
8 فإنّ ابن الإنسان هو ربّ السّبت أيضا».
9 ثمّ انصرف من هناك وجاء إلى مجمعهم،
10 وإذا إنسان يده يابسة، فسألوه قائلين: «هل يحلّ الإبراء في السّبوت؟» لكي يشتكوا عليه.
11 فقال لهم: «أيّ إنسان منكم يكون له خروف واحد، فإن سقط هذا في السّبت في حفرة، أفما يمسكه ويقيمه؟
12 فالإنسان كم هو أفضل من الخروف! إذا يحلّ فعل الخير في السّبوت!»
13 ثمّ قال للإنسان: «مدّ يدك». فمدّها. فعادت صحيحة كالأخرى.
14 فلمّا خرج الفرّيسيّون تشاوروا عليه لكي يهلكوه،
15 فعلم يسوع وانصرف من هناك. وتبعته جموع كثيرة فشفاهم جميعا.
16 وأوصاهم أن لا يظهروه،
17 لكي يتمّ ما قيل بإشعياء النّبيّ القائل:
18 «هوذا فتاي الّذي اخترته، حبيبي الّذي سرّت به نفسي. أضع روحي عليه فيخبر الأمم بالحقّ.
19 لا يخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحد في الشّوارع صوته.
20 قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخّنة لا يطفئ، حتّى يخرج الحقّ إلى النّصرة.
21 وعلى اسمه يكون رجاء الأمم».
22 حينئذ أحضر إليه مجنون أعمى وأخرس فشفاه، حتّى إنّ الأعمى الأخرس تكلّم وأبصر.
23 فبهت كلّ الجموع وقالوا: «ألعلّ هذا هو ابن داود؟»
24 أمّا الفرّيسيّون فلمّا سمعوا قالوا: «هذا لا يخرج الشّياطين إلاّ ببعلزبول رئيس الشّياطين».
25 فعلم يسوع أفكارهم، وقال لهم: «كلّ مملكة منقسمة على ذاتها تخرب، وكلّ مدينة أو بيت منقسم على ذاته لا يثبت.
26 فإن كان الشّيطان يخرج الشّيطان فقد انقسم على ذاته. فكيف تثبت مملكته؟
27 وإن كنت أنا ببعلزبول أخرج الشّياطين، فأبناؤكم بمن يخرجون؟ لذلك هم يكونون قضاتكم!
28 ولكن إن كنت أنا بروح الله أخرج الشّياطين، فقد أقبل عليكم ملكوت الله!
29 أم كيف يستطيع أحد أن يدخل بيت القويّ وينهب أمتعته، إن لم يربط القويّ أوّلا، وحينئذ ينهب بيته؟
30 من ليس معي فهو عليّ، ومن لا يجمع معي فهو يفرّق.
31 لذلك أقول لكم: كلّ خطيّة وتجديف يغفر للنّاس، وأمّا التّجديف على الرّوح فلن يغفر للنّاس.
32 ومن قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له، وأمّا من قال على الرّوح القدس فلن يغفر له، لا في هذا العالم ولا في الآتي.
33 اجعلوا الشّجرة جيّدة وثمرها جيّدا، أو اجعلوا الشّجرة رديّة وثمرها رديّا، لأن من الثّمر تعرف الشّجرة.
34 يا أولاد الأفاعي! كيف تقدرون أن تتكلّموا بالصّالحات وأنتم أشرار؟ فإنّه من فضلة القلب يتكلّم الفم.
35 الإنسان الصّالح من الكنز الصّالح في القلب يخرج الصّالحات، والإنسان الشّرّير من الكنز الشّرّير يخرج الشّرور.
36 ولكن أقول لكم: إنّ كلّ كلمة بطّالة يتكلّم بها النّاس سوف يعطون عنها حسابا يوم الدّين.
37 لأنّك بكلامك تتبرّر وبكلامك تدان».
38 حينئذ أجاب قوم من الكتبة والفرّيسيّين قائلين: «يا معلّم، نريد أن نرى منك آية».
39 فأجاب وقال لهم: «جيل شرّير وفاسق يطلب آية، ولا تعطى له آية إلاّ آية يونان النّبيّ.
40 لأنّه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيّام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيّام وثلاث ليال.
41 رجال نينوى سيقومون في الدّين مع هذا الجيل ويدينونه، لأنّهم تابوا بمناداة يونان، وهوذا أعظم من يونان ههنا!
42 ملكة التّيمن ستقوم في الدّين مع هذا الجيل وتدينه، لأنّها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان، وهوذا أعظم من سليمان ههنا!
43 إذا خرج الرّوح النّجس من الإنسان يجتاز في أماكن ليس فيها ماء، يطلب راحة ولا يجد.
44 ثمّ يقول: أرجع إلى بيتي الّذي خرجت منه. فيأتي ويجده فارغا مكنوسا مزيّنا.
45 ثمّ يذهب ويأخذ معه سبعة أرواح أخر أشرّ منه، فتدخل وتسكن هناك، فتصير أواخر ذلك الإنسان أشرّ من أوائله! هكذا يكون أيضا لهذا الجيل الشّرّير».
46 وفيما هو يكلّم الجموع إذا أمّه وإخوته قد وقفوا خارجا طالبين أن يكلّموه.
47 فقال له واحد: «هوذا أمّك وإخوتك واقفون خارجا طالبين أن يكلّموك».
48 فأجاب وقال للقائل له: «من هي أمّي ومن هم إخوتي؟»
49 ثمّ مدّ يده نحو تلاميذه وقال: «ها أمّي وإخوتي.
50 لأنّ من يصنع مشيئة أبي الّذي في السّماوات هو أخي وأختي وأمّي».
1 في ذلك اليوم خرج يسوع من البيت وجلس عند البحر،
2 فاجتمع إليه جموع كثيرة، حتّى إنّه دخل السّفينة وجلس. والجمع كلّه وقف على الشّاطئ.
3 فكلّمهم كثيرا بأمثال قائلا: «هوذا الزّارع قد خرج ليزرع،
4 وفيما هو يزرع سقط بعض على الطّريق، فجاءت الطّيور وأكلته.
5 وسقط آخر على الأماكن المحجرة، حيث لم تكن له تربة كثيرة، فنبت حالا إذ لم يكن له عمق أرض.
6 ولكن لمّا أشرقت الشّمس احترق، وإذ لم يكن له أصل جفّ.
7 وسقط آخر على الشّوك، فطلع الشّوك وخنقه.
8 وسقط آخر على الأرض الجيّدة فأعطى ثمرا، بعض مئة وآخر ستّين وآخر ثلاثين.
9 من له أذنان للسّمع، فليسمع»
10 فتقدّم التّلاميذ وقالوا له: «لماذا تكلّمهم بأمثال؟»
11 فأجاب وقال لهم: «لأنّه قد أعطي لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السّماوات، وأمّا لأولئك فلم يعط.
12 فإنّ من له سيعطى ويزاد، وأمّا من ليس له فالّذي عنده سيؤخذ منه.
13 من أجل هذا أكلّمهم بأمثال، لأنّهم مبصرين لا يبصرون، وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون.
14 فقد تمّت فيهم نبوّة إشعياء القائلة: تسمعون سمعا ولا تفهمون، ومبصرين تبصرون ولا تنظرون.
15 لأنّ قلب هذا الشّعب قد غلظ، وآذانهم قد ثقل سماعها. وغمّضوا عيونهم، لئلاّ يبصروا بعيونهم، ويسمعوا بآذانهم، ويفهموا بقلوبهم، ويرجعوا فأشفيهم.
16 ولكن طوبى لعيونكم لأنّها تبصر، ولآذانكم لأنّها تسمع.
17 فإنّي الحقّ أقول لكم: إنّ أنبياء وأبرارا كثيرين اشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا، وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا.
18 «فاسمعوا أنتم مثل الزّارع:
19 كلّ من يسمع كلمة الملكوت ولا يفهم، فيأتي الشّرّير ويخطف ما قد زرع في قلبه. هذا هو المزروع على الطّريق.
20 والمزروع على الأماكن المحجرة هو الّذي يسمع الكلمة، وحالا يقبلها بفرح،
21 ولكن ليس له أصل في ذاته، بل هو إلى حين. فإذا حدث ضيق أو اضطهاد من أجل الكلمة فحالا يعثر.
22 والمزروع بين الشّوك هو الّذي يسمع الكلمة، وهمّ هذا العالم وغرور الغنى يخنقان الكلمة فيصير بلا ثمر.
23 وأمّا المزروع على الأرض الجيّدة فهو الّذي يسمع الكلمة ويفهم. وهو الّذي يأتي بثمر، فيصنع بعض مئة وآخر ستّين وآخر ثلاثين».
24 قدّم لهم مثلا آخر قائلا: «يشبه ملكوت السّماوات إنسانا زرع زرعا جيّدا في حقله.
25 وفيما النّاس نيام جاء عدوّه وزرع زوانا في وسط الحنطة ومضى.
26 فلمّا طلع النّبات وصنع ثمرا، حينئذ ظهر الزّوان أيضا.
27 فجاء عبيد ربّ البيت وقالوا له: يا سيّد، أليس زرعا جيّدا زرعت في حقلك؟ فمن أين له زوان؟
28 فقال لهم: إنسان عدوّ فعل هذا. فقال له العبيد: أتريد أن نذهب ونجمعه؟
29 فقال: لا! لئلاّ تقلعوا الحنطة مع الزّوان وأنتم تجمعونه.
30 دعوهما ينميان كلاهما معا إلى الحصاد، وفي وقت الحصاد أقول للحصّادين: اجمعوا أوّلا الزّوان واحزموه حزما ليحرق، وأمّا الحنطة فاجمعوها إلى مخزني».
31 قدّم لهم مثلا آخر قائلا: «يشبه ملكوت السّماوات حبّة خردل أخذها إنسان وزرعها في حقله،
32 وهي أصغر جميع البزور. ولكن متى نمت فهي أكبر البقول، وتصير شجرة، حتّى إنّ طيور السّماء تأتي وتتآوى في أغصانها».
33 قال لهم مثلا آخر: «يشبه ملكوت السّماوات خميرة أخذتها امرأة وخبّأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتّى اختمر الجميع».
34 هذا كلّه كلّم به يسوع الجموع بأمثال، وبدون مثل لم يكن يكلّمهم،
35 لكي يتمّ ما قيل بالنّبيّ القائل: «سأفتح بأمثال فمي، وأنطق بمكتومات منذ تأسيس العالم».
36 حينئذ صرف يسوع الجموع وجاء إلى البيت. فتقدّم إليه تلاميذه قائلين: «فسّر لنا مثل زوان الحقل».
37 فأجاب وقال لهم: «الزّارع الزّرع الجيّد هو ابن الإنسان.
38 والحقل هو العالم. والزّرع الجيّد هو بنو الملكوت. والزّوان هو بنو الشّرّير.
39 والعدوّ الّذي زرعه هو إبليس. والحصاد هو انقضاء العالم. والحصّادون هم الملائكة.
40 فكما يجمع الزّوان ويحرق بالنّار، هكذا يكون في انقضاء هذا العالم:
41 يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم،
42 ويطرحونهم في أتون النّار. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان.
43 حينئذ يضيء الأبرار كالشّمس في ملكوت أبيهم. من له أذنان للسّمع، فليسمع.
44 «أيضا يشبه ملكوت السّماوات كنزا مخفى في حقل، وجده إنسان فأخفاه. ومن فرحه مضى وباع كلّ ما كان له واشترى ذلك الحقل.
45 أيضا يشبه ملكوت السّماوات إنسانا تاجرا يطلب لآلئ حسنة،
46 فلمّا وجد لؤلؤة واحدة كثيرة الثّمن، مضى وباع كلّ ما كان له واشتراها.
47 أيضا يشبه ملكوت السّماوات شبكة مطروحة في البحر، وجامعة من كلّ نوع.
48 فلمّا امتلأت أصعدوها على الشّاطئ، وجلسوا وجمعوا الجياد إلى أوعية، وأمّا الأردياء فطرحوها خارجا.
49 هكذا يكون في انقضاء العالم: يخرج الملائكة ويفرزون الأشرار من بين الأبرار،
50 ويطرحونهم في أتون النّار. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان».
51 قال لهم يسوع: «أفهمتم هذا كلّه؟» فقالوا: «نعم، يا سيّد».
52 فقال لهم: «من أجل ذلك كلّ كاتب متعلّم في ملكوت السّماوات يشبه رجلا ربّ بيت يخرج من كنزه جددا وعتقاء».
53 ولمّا أكمل يسوع هذه الأمثال انتقل من هناك.
54 ولمّا جاء إلى وطنه كان يعلّمهم في مجمعهم حتّى بهتوا وقالوا: «من أين لهذا هذه الحكمة والقوّات؟
55 أليس هذا ابن النّجّار؟ أليست أمّه تدعى مريم، وإخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا؟
56 أوليست أخواته جميعهنّ عندنا؟ فمن أين لهذا هذه كلّها؟»
57 فكانوا يعثرون به. وأمّا يسوع فقال لهم: «ليس نبيّ بلا كرامة إلاّ في وطنه وفي بيته».
58 ولم يصنع هناك قوّات كثيرة لعدم إيمانهم.
1 في ذلك الوقت سمع هيرودس رئيس الرّبع خبر يسوع،
2 فقال لغلمانه: «هذا هو يوحنّا المعمدان قد قام من الأموات! ولذلك تعمل به القوّات».
3 فإنّ هيرودس كان قد أمسك يوحنّا وأوثقه وطرحه في سجن من أجل هيروديّا امرأة فيلبّس أخيه،
4 لأنّ يوحنّا كان يقول له: «لا يحلّ أن تكون لك».
5 ولمّا أراد أن يقتله خاف من الشّعب، لأنّه كان عندهم مثل نبيّ.
6 ثمّ لمّا صار مولد هيرودس، رقصت ابنة هيروديّا في الوسط فسرّت هيرودس.
7 من ثمّ وعد بقسم أنّه مهما طلبت يعطيها.
8 فهي إذ كانت قد تلقّنت من أمّها قالت: «أعطني ههنا على طبق رأس يوحنّا المعمدان».
9 فاغتمّ الملك. ولكن من أجل الأقسام والمتّكئين معه أمر أن يعطى.
10 فأرسل وقطع رأس يوحنّا في السّجن.
11 فأحضر رأسه على طبق ودفع إلى الصّبيّة، فجاءت به إلى أمّها.
12 فتقدّم تلاميذه ورفعوا الجسد ودفنوه. ثمّ أتوا وأخبروا يسوع.
13 فلمّا سمع يسوع انصرف من هناك في سفينة إلى موضع خلاء منفردا. فسمع الجموع وتبعوه مشاة من المدن.
14 فلمّا خرج يسوع أبصر جمعا كثيرا فتحنّن عليهم وشفى مرضاهم.
15 ولمّا صار المساء تقدّم إليه تلاميذه قائلين: «الموضع خلاء والوقت قد مضى. اصرف الجموع لكي يمضوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعاما».
16 فقال لهم يسوع: «لا حاجة لهم أن يمضوا. أعطوهم أنتم ليأكلوا».
17 فقالوا له: «ليس عندنا ههنا إلاّ خمسة أرغفة وسمكتان».
18 فقال: «ائتوني بها إلى هنا».
19 فأمر الجموع أن يتّكئوا على العشب. ثمّ أخذ الأرغفة الخمسة والسّمكتين، ورفع نظره نحو السّماء وبارك وكسّر وأعطى الأرغفة للتّلاميذ، والتّلاميذ للجموع.
20 فأكل الجميع وشبعوا. ثمّ رفعوا ما فضل من الكسر اثنتي عشرة قفّة مملوءة.
21 والآكلون كانوا نحو خمسة آلاف رجل، ما عدا النّساء والأولاد.
22 وللوقت ألزم يسوع تلاميذه أن يدخلوا السّفينة ويسبقوه إلى العبر حتّى يصرف الجموع.
23 وبعدما صرف الجموع صعد إلى الجبل منفردا ليصلّي. ولمّا صار المساء كان هناك وحده.
24 وأمّا السّفينة فكانت قد صارت في وسط البحر معذّبة من الأمواج. لأنّ الرّيح كانت مضادّة.
25 وفي الهزيع الرّابع من اللّيل مضى إليهم يسوع ماشيا على البحر.
26 فلمّا أبصره التّلاميذ ماشيا على البحر اضطربوا قائلين: «إنّه خيال». ومن الخوف صرخوا!
27 فللوقت كلّمهم يسوع قائلا: «تشجّعوا! أنا هو. لا تخافوا».
28 فأجابه بطرس وقال: «يا سيّد، إن كنت أنت هو، فمرني أن آتي إليك على الماء».
29 فقال: «تعال». فنزل بطرس من السّفينة ومشى على الماء ليأتي إلى يسوع.
30 ولكن لمّا رأى الرّيح شديدة خاف. وإذ ابتدأ يغرق، صرخ قائلا: «يا ربّ، نجّني!».
31 ففي الحال مدّ يسوع يده وأمسك به وقال له: «يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟»
32 ولمّا دخلا السّفينة سكنت الرّيح.
33 والّذين في السّفينة جاءوا وسجدوا له قائلين: «بالحقيقة أنت ابن الله!».
34 فلمّا عبروا جاءوا إلى أرض جنّيسارت،
35 فعرفه رجال ذلك المكان. فأرسلوا إلى جميع تلك الكورة المحيطة وأحضروا إليه جميع المرضى،
36 وطلبوا إليه أن يلمسوا هدب ثوبه فقط. فجميع الّذين لمسوه نالوا الشّفاء.
1 حينئذ جاء إلى يسوع كتبة وفرّيسيّون الّذين من أورشليم قائلين:
2 «لماذا يتعدّى تلاميذك تقليد الشّيوخ، فإنّهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزا؟»
3 فأجاب وقال لهم: «وأنتم أيضا، لماذا تتعدّون وصيّة الله بسبب تقليدكم؟
4 فإنّ الله أوصى قائلا: أكرم أباك وأمّك، ومن يشتم أبا أو أمّا فليمت موتا.
5 وأمّا أنتم فتقولون: من قال لأبيه أو أمّه: قربان هو الّذي تنتفع به منّي. فلا يكرم أباه أو أمّه.
6 فقد أبطلتم وصيّة الله بسبب تقليدكم!
7 يا مراؤون! حسنا تنبّأ عنكم إشعياء قائلا:
8 يقترب إليّ هذا الشّعب بفمه، ويكرمني بشفتيه، وأمّا قلبه فمبتعد عنّي بعيدا.
9 وباطلا يعبدونني وهم يعلّمون تعاليم هي وصايا النّاس».
10 ثمّ دعا الجمع وقال لهم: «اسمعوا وافهموا.
11 ليس ما يدخل الفم ينجّس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هذا ينجّس الإنسان».
12 حينئذ تقدّم تلاميذه وقالواله: «أتعلم أنّ الفرّيسيّين لمّا سمعوا القول نفروا؟»
13 فأجاب وقال: «كلّ غرس لم يغرسه أبي السّماويّ يقلع.
14 اتركوهم. هم عميان قادة عميان. وإن كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة».
15 فأجاب بطرس وقال له: «فسّر لنا هذا المثل».
16 فقال يسوع: «هل أنتم أيضا حتّى الآن غير فاهمين؟
17 ألا تفهمون بعد أنّ كلّ ما يدخل الفم يمضي إلى الجوف ويندفع إلى المخرج؟
18 وأمّا ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر، وذاك ينجّس الإنسان،
19 لأن من القلب تخرج أفكار شرّيرة: قتل، زنى، فسق، سرقة، شهادة زور، تجديف.
20 هذه هي الّتي تنجّس الإنسان. وأمّا الأ كل بأيد غير مغسولة فلا ينجّس الإنسان».
21 ثمّ خرج يسوع من هناك وانصرف إلى نواحي صور وصيداء.
22 وإذا امرأة كنعانيّة خارجة من تلك التّخوم صرخت إليه قائلة: «ارحمني، يا سيّد، يا ابن داود! ابنتي مجنونة جدّا».
23 فلم يجبها بكلمة. فتقدّم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين: «اصرفها، لأنّها تصيح وراءنا!»
24 فأجاب وقال: «لم أرسل إلاّ إلى خراف بيت إسرائيل الضّالّة».
25 فأتت وسجدت له قائلة: «يا سيّد، أعنّي!»
26 فأجاب وقال: «ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب».
27 فقالت: «نعم، يا سيّد! والكلاب أيضا تأكل من الفتات الّذي يسقط من مائدة أربابها!».
28 حينئذ أجاب يسوع وقال لها: «يا امرأة، عظيم إيمانك! ليكن لك كما تريدين». فشفيت ابنتها من تلك السّاعة.
29 ثمّ انتقل يسوع من هناك وجاء إلى جانب بحر الجليل، وصعد إلى الجبل وجلس هناك.
30 فجاء إليه جموع كثيرة، معهم عرج وعمي وخرس وشل وآخرون كثيرون، وطرحوهم عند قدمي يسوع. فشفاهم
31 حتّى تعجّب الجموع إذ رأوا الخرس يتكلّمون، والشّلّ يصحّون، والعرج يمشون، والعمي يبصرون. ومجّدوا إله إسرائيل.
32 وأمّا يسوع فدعا تلاميذه وقال: «إنّي أشفق على الجمع، لأنّ الآن لهم ثلاثة أيّام يمكثون معي وليس لهم ما يأكلون. ولست أريد أن أصرفهم صائمين لئلاّ يخوّروا في الطّريق»
33 فقال له تلاميذه: «من أين لنا في البرّيّة خبز بهذا المقدار، حتّى يشبع جمعا هذا عدده؟»
34 فقال لهم يسوع: «كم عندكم من الخبز؟» فقالوا: «سبعة وقليل من صغار السّمك».
35 فأمر الجموع أن يتّكئوا على الأرض،
36 وأخذ السّبع خبزات والسّمك، وشكر وكسّر وأعطى تلاميذه، والتّلاميذ أعطوا الجمع.
37 فأكل الجميع وشبعوا. ثمّ رفعوا ما فضل من الكسر سبعة سلال مملوءة،
38 والآكلون كانوا أربعة آلاف رجل ما عدا النّساء والأولاد.
39 ثمّ صرف الجموع وصعد إلى السّفينة وجاء إلى تخوم مجدل.
1 وجاء إليه الفرّيسيّون والصّدّوقيّون ليجرّبوه، فسألوه أن يريهم آية من السّماء.
2 فأجاب وقال لهم: «إذا كان المساء قلتم: صحو لأنّ السّماء محمرّة.
3 وفي الصّباح: اليوم شتاء لأنّ السّماء محمرّة بعبوسة. يا مراؤون! تعرفون أن تميّزوا وجه السّماء، وأمّا علامات الأزمنة فلا تستطيعون!
4 جيل شرّير فاسق يلتمس آية، ولا تعطى له آية إلاّ آية يونان النّبيّ». ثمّ تركهم ومضى.
5 ولمّا جاء تلاميذه إلى العبر نسوا أن يأخذوا خبزا.
6 وقال لهم يسوع: «انظروا، وتحرّزوا من خمير الفرّيسيّين والصّدّوقيّين».
7 ففكّروا في أنفسهم قائلين: «إنّنا لم نأخذ خبزا».
8 فعلم يسوع وقال لهم: «لماذا تفكّرون في أنفسكم يا قليلي الإيمان أنّكم لم تأخذوا خبزا؟
9 أحتّى الآن لا تفهمون؟ ولا تذكرون خمس خبزات الخمسة الآلاف وكم قفّة أخذتم؟
10 ولا سبع خبزات الأربعة الآلاف وكم سلا أخذتم؟
11 كيف لا تفهمون أنّي ليس عن الخبز قلت لكم أن تتحرّزوا من خمير الفرّيسيّين والصّدّوقيّين؟»
12 حينئذ فهموا أنّه لم يقل أن يتحرّزوا من خمير الخبز، بل من تعليم الفرّيسيّين والصّدّوقيّين.
13 ولمّا جاء يسوع إلى نواحي قيصريّة فيلبّس سأل تلاميذه قائلا: «من يقول النّاس إنّي أنا ابن الإنسان؟»
14 فقالوا: «قوم: يوحنّا المعمدان، وآخرون: إيليّا، وآخرون: إرميا أو واحد من الأنبياء».
15 قال لهم: «وأنتم، من تقولون إنّي أنا؟»
16 فأجاب سمعان بطرس وقال: «أنت هو المسيح ابن الله الحيّ!».
17 فأجاب يسوع وقال له: «طوبى لك يا سمعان بن يونا، إنّ لحما ودما لم يعلن لك، لكنّ أبي الّذي في السّماوات.
18 وأنا أقول لك أيضا: أنت بطرس، وعلى هذه الصّخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها.
19 وأعطيك مفاتيح ملكوت السّماوات، فكلّ ما تربطه على الأرض يكون مربوطا في السّماوات. وكلّ ما تحلّه على الأرض يكون محلولا في السّماوات».
20 حينئذ أوصى تلاميذه أن لا يقولوا لأحد إنّه يسوع المسيح.
21 من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه أنّه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألّم كثيرا من الشّيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل، وفي اليوم الثّالث يقوم.
22 فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلا: «حاشاك يا ربّ! لا يكون لك هذا!»
23 فالتفت وقال لبطرس: «اذهب عنّي يا شيطان! أنت معثرة لي، لأنّك لا تهتمّ بما لله لكن بما للنّاس».
24 حينئذ قال يسوع لتلاميذه: «إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني،
25 فإنّ من أراد أن يخلّص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلي يجدها.
26 لأنّه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟ أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟
27 فإنّ ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كلّ واحد حسب عمله.
28 الحقّ أقول لكم: إنّ من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتّى يروا ابن الإنسان آتيا في ملكوته».
1 وبعد ستّة أيّام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنّا أخاه وصعد بهم إلى جبل عال منفردين.
2 وتغيّرت هيئته قدّامهم، وأضاء وجهه كالشّمس، وصارت ثيابه بيضاء كالنّور.
3 وإذا موسى وإيليّا قد ظهرا لهم يتكلّمان معه.
4 فجعل بطرس يقول ليسوع: «يا ربّ، جيّد أن نكون ههنا! فإن شئت نصنع هنا ثلاث مظالّ: لك واحدة، ولموسى واحدة، ولإيليّا واحدة».
5 وفيما هو يتكلّم إذا سحابة نيّرة ظلّلتهم، وصوت من السّحابة قائلا: «هذا هو ابني الحبيب الّذي به سررت. له اسمعوا».
6 ولمّا سمع التّلاميذ سقطوا على وجوههم وخافوا جدّا.
7 فجاء يسوع ولمسهم وقال: «قوموا، ولا تخافوا».
8 فرفعوا أعينهم ولم يروا أحدا إلاّ يسوع وحده.
9 وفيما هم نازلون من الجبل أوصاهم يسوع قائلا: «لا تعلموا أحدا بما رأيتم حتّى يقوم ابن الإنسان من الأموات».
10 وسأله تلاميذه قائلين: «فلماذا يقول الكتبة: إنّ إيليّا ينبغي أن يأتي أوّلا؟»
11 فأجاب يسوع وقال لهم: «إنّ إيليّا يأتي أوّلا ويردّ كلّ شيء.
12 ولكنّي أقول لكم: إنّ إيليّا قد جاء ولم يعرفوه، بل عملوا به كلّ ما أرادوا. كذلك ابن الإنسان أيضا سوف يتألّم منهم».
13 حينئذ فهم التّلاميذ أنّه قال لهم عن يوحنّا المعمدان.
14 ولمّا جاءوا إلى الجمع تقدّم إليه رجل جاثيا له
15 وقائلا: «يا سيّد، ارحم ابني فإنّه يصرع ويتألّم شديدا، ويقع كثيرا في النّار وكثيرا في الماء.
16 وأحضرته إلى تلاميذك فلم يقدروا أن يشفوه».
17 فأجاب يسوع وقال: «أيّها الجيل غير المؤمن، الملتوي، إلى متى أكون معكم؟ إلى متى أحتملكم؟ قدّموه إليّ ههنا!»
18 فانتهره يسوع، فخرج منه الشّيطان. فشفي الغلام من تلك السّاعة.
19 ثمّ تقدّم التّلاميذ إلى يسوع على انفراد وقالوا: «لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه؟»
20 فقال لهم يسوع: «لعدم إيمانكم. فالحقّ أقول لكم: لو كان لكم إيمان مثل حبّة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم.
21 وأمّا هذا الجنس فلا يخرج إلاّ بالصّلاة والصّوم».
22 وفيما هم يتردّدون في الجليل قال لهم يسوع: «ابن الإنسان سوف يسلّم إلى أيدي النّاس
23 فيقتلونه، وفي اليوم الثّالث يقوم». فحزنوا جدّا.
24 ولمّا جاءوا إلى كفرناحوم تقدّم الّذين يأخذون الدّرهمين إلى بطرس وقالوا: «أما يوفي معلّمكم الدّرهمين؟»
25 قال: «بلى». فلمّا دخل البيت سبقه يسوع قائلا: «ماذا تظنّ يا سمعان؟ ممّن يأخذ ملوك الأرض الجباية أو الجزية، أمن بنيهم أم من الأجانب؟»
26 قال له بطرس: «من الأجانب». قال له يسوع: «فإذا البنون أحرار.
27 ولكن لئلاّ نعثرهم، اذهب إلى البحر وألق صنّارة، والسّمكة الّتي تطلع أوّلا خذها، ومتى فتحت فاها تجد إستارا، فخذه وأعطهم عنّي وعنك».
1 في تلك السّاعة تقدّم التّلاميذ إلى يسوع قائلين: «فمن هو أعظم في ملكوت السّماوات؟»
2 فدعا يسوع إليه ولدا وأقامه في وسطهم
3 وقال: «الحقّ أقول لكم: إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السّماوات.
4 فمن وضع نفسه مثل هذا الولد فهو الأعظم في ملكوت السّماوات.
5 ومن قبل ولدا واحدا مثل هذا باسمي فقد قبلني.
6 ومن أعثر أحد هؤلاء الصّغار المؤمنين بي فخير له أن يعلّق في عنقه حجر الرّحى ويغرق في لجّة البحر.
7 ويل للعالم من العثرات! فلا بدّ أن تأتي العثرات، ولكن ويل لذلك الإنسان الّذي به تأتي العثرة!
8 فإن أعثرتك يدك أو رجلك فاقطعها وألقها عنك. خير لك أن تدخل الحياة أعرج أو أقطع من أن تلقى في النّار الأبديّة ولك يدان أو رجلان.
9 وإن أعثرتك عينك فاقلعها وألقها عنك. خير لك أن تدخل الحياة أعور من أن تلقى في جهنّم النّار ولك عينان.
10 «انظروا، لا تحتقروا أحد هؤلاء الصّغار، لأنّي أقول لكم: إنّ ملائكتهم في السّماوات كلّ حين ينظرون وجه أبي الّذي في السّماوات.
11 لأنّ ابن الإنسان قد جاء لكي يخلّص ما قد هلك.
12 ماذا تظنّون؟ إن كان لإنسان مئة خروف، وضلّ واحد منها، أفلا يترك التّسعة والتّسعين على الجبال ويذهب يطلب الضّالّ؟
13 وإن اتّفق أن يجده، فالحقّ أقول لكم: إنّه يفرح به أكثر من التّسعة والتّسعين الّتي لم تضلّ.
14 هكذا ليست مشيئة أمام أبيكم الّذي في السّماوات أن يهلك أحد هؤلاء الصّغار.
15 «وإن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما. إن سمع منك فقد ربحت أخاك.
16 وإن لم يسمع، فخذ معك أيضا واحدا أو اثنين، لكي تقوم كلّ كلمة على فم شاهدين أو ثلاثة.
17 وإن لم يسمع منهم فقل للكنيسة. وإن لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثنيّ والعشّار.
18 الحقّ أقول لكم: كلّ ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السّماء، وكلّ ما تحلّونه على الأرض يكون محلولا في السّماء.
19 وأقول لكم أيضا: إن اتّفق اثنان منكم على الأرض في أيّ شيء يطلبانه فإنّه يكون لهما من قبل أبي الّذي في السّماوات،
20 لأنّه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم».
21 حينئذ تقدّم إليه بطرس وقال: «يا ربّ، كم مرّة يخطئ إليّ أخي وأنا أغفر له؟ هل إلى سبع مرّات؟»
22 قال له يسوع: «لا أقول لك إلى سبع مرّات، بل إلى سبعين مرّة سبع مرّات.
23 لذلك يشبه ملكوت السّماوات إنسانا ملكا أراد أن يحاسب عبيده.
24 فلمّا ابتدأ في المحاسبة قدّم إليه واحد مديون بعشرة آلاف وزنة.
25 وإذ لم يكن له ما يوفي أمر سيّده أن يباع هو وامرأته وأولاده وكلّ ما له، ويوفي الدّين.
26 فخرّ العبد وسجد له قائلا: يا سيّد، تمهّل عليّ فأوفيك الجميع.
27 فتحنّن سيّد ذلك العبد وأطلقه، وترك له الدّين.
28 ولمّا خرج ذلك العبد وجد واحدا من العبيد رفقائه، كان مديونا له بمئة دينار، فأمسكه وأخذ بعنقه قائلا: أوفني ما لي عليك.
29 فخرّ العبد رفيقه على قدميه وطلب إليه قائلا: تمهّل عليّ فأوفيك الجميع.
30 فلم يرد بل مضى وألقاه في سجن حتّى يوفي الدّين.
31 فلمّا رأى العبيد رفقاؤه ما كان، حزنوا جدّا. وأتوا وقصّوا على سيّدهم كلّ ما جرى.
32 فدعاه حينئذ سيّده وقال له: أيّها العبد الشّرّير، كلّ ذلك الدّين تركته لك لأنّك طلبت إليّ.
33 أفما كان ينبغي أنّك أنت أيضا ترحم العبد رفيقك كما رحمتك أنا؟
34 وغضب سيّده وسلّمه إلى المعذّبين حتّى يوفي كلّ ما كان له عليه.
35 فهكذا أبي السّماويّ يفعل بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كلّ واحد لأخيه زلاته».
1 ولمّا أكمل يسوع هذا الكلام انتقل من الجليل وجاء إلى تخوم اليهوديّة من عبر الأردنّ.
2 وتبعته جموع كثيرة فشفاهم هناك.
3 وجاء إليه الفرّيسيّون ليجرّبوه قائلين له: «هل يحلّ للرّجل أن يطلّق امرأته لكلّ سبب؟»
4 فأجاب وقال لهم: «أما قرأتم أنّ الّذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وأنثى؟
5 وقال: من أجل هذا يترك الرّجل أباه وأمّه ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسدا واحدا.
6 إذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالّذي جمعه الله لا يفرّقه إنسان».
7 قالوا له: «فلماذا أوصى موسى أن يعطى كتاب طلاق فتطلّق؟»
8 قال لهم: «إنّ موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلّقوا نساءكم. ولكن من البدء لم يكن هكذا.
9 وأقول لكم: إنّ من طلّق امرأته إلاّ بسبب الزّنا وتزوّج بأخرى يزني، والّذي يتزوّج بمطلّقة يزني».
10 قال له تلاميذه: «إن كان هكذا أمر الرّجل مع المرأة، فلا يوافق أن يتزوّج!»
11 فقال لهم: «ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الّذين أعطي لهم،
12 لأنّه يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون أمّهاتهم، ويوجد خصيان خصاهم النّاس، ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السّماوات. من استطاع أن يقبل فليقبل».
13 حينئذ قدّم إليه أولاد لكي يضع يديه عليهم ويصلّي، فانتهرهم التّلاميذ.
14 أمّا يسوع فقال: «دعوا الأولاد يأتون إليّ ولا تمنعوهم لأنّ لمثل هؤلاء ملكوت السّماوات».
15 فوضع يديه عليهم، ومضى من هناك.
16 وإذا واحد تقدّم وقال له: «أيّها المعلّم الصّالح، أيّ صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبديّة؟»
17 فقال له: «لماذا تدعوني صالحا؟ ليس أحد صالحا إلاّ واحد وهو الله. ولكن إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا».
18 قال له: «أيّة الوصايا؟» فقال يسوع: «لا تقتل. لا تزن. لا تسرق. لا تشهد بالزّور.
19 أكرم أباك وأمّك، وأحبّ قريبك كنفسك».
20 قال له الشّابّ: «هذه كلّها حفظتها منذ حداثتي. فماذا يعوزني بعد؟»
21 قال له يسوع: «إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السّماء، وتعال اتبعني».
22 فلمّا سمع الشّابّ الكلمة مضى حزينا، لأنّه كان ذا أموال كثيرة.
23 فقال يسوع لتلاميذه: «الحقّ أقول لكم: إنّه يعسر أن يدخل غنيّ إلى ملكوت السّماوات!
24 وأقول لكم أيضا: إنّ مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنيّ إلى ملكوت الله!».
25 فلمّا سمع تلاميذه بهتوا جدّا قائلين: «إذا من يستطيع أن يخلص؟»
26 فنظر إليهم يسوع وقال لهم: «هذا عند النّاس غير مستطاع، ولكن عند الله كلّ شيء مستطاع».
27 فأجاب بطرس حينئذ وقال له: «ها نحن قد تركنا كلّ شيء وتبعناك. فماذا يكون لنا؟»
28 فقال لهم يسوع: «الحقّ أقول لكم: إنّكم أنتم الّذين تبعتموني، في التّجديد، متى جلس ابن الإنسان على كرسيّ مجده، تجلسون أنتم أيضا على اثني عشر كرسيّا تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر.
29 وكلّ من ترك بيوتا أو إخوة أو أخوات أو أبا أو أمّا أو امرأة أو أولادا أو حقولا من أجل اسمي، يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبديّة.
30 ولكن كثيرون أوّلون يكونون آخرين، وآخرون أوّلين.
1 «فإنّ ملكوت السّماوات يشبه رجلا ربّ بيت خرج مع الصّبح ليستأجر فعلة لكرمه،
2 فاتّفق مع الفعلة على دينار في اليوم، وأرسلهم إلى كرمه.
3 ثمّ خرج نحو السّاعة الثّالثة ورأى آخرين قياما في السّوق بطّالين،
4 فقال لهم: اذهبوا أنتم أيضا إلى الكرم فأعطيكم ما يحقّ لكم. فمضوا.
5 وخرج أيضا نحو السّاعة السّادسة والتّاسعة وفعل كذلك.
6 ثمّ نحو السّاعة الحادية عشرة خرج ووجد آخرين قياما بطّالين، فقال لهم: لماذا وقفتم ههنا كلّ النّهار بطّالين؟
7 قالوا له: لأنّه لم يستأجرنا أحد. قال لهم: اذهبوا أنتم أيضا إلى الكرم فتأخذوا ما يحقّ لكم.
8 فلمّا كان المساء قال صاحب الكرم لوكيله: ادع الفعلة وأعطهم الأجرة مبتدئا من الآخرين إلى الأوّلين.
9 فجاء أصحاب السّاعة الحادية عشرة وأخذوا دينارا دينارا.
10 فلمّا جاء الأوّلون ظنّوا أنّهم يأخذون أكثر. فأخذوا هم أيضا دينارا دينارا.
11 وفيما هم يأخذون تذمّروا على ربّ البيت
12 قائلين: هؤلاء الآخرون عملوا ساعة واحدة، وقد ساويتهم بنا نحن الّذين احتملنا ثقل النّهار والحرّ!
13 فأجاب وقال لواحد منهم: يا صاحب، ما ظلمتك! أما اتّفقت معي على دينار؟
14 فخذ الّذي لك واذهب، فإنّي أريد أن أعطي هذا الأخير مثلك.
15 أو ما يحلّ لي أن أفعل ما أريد بما لي؟ أم عينك شرّيرة لأنّي أنا صالح؟
16 هكذا يكون الآخرون أوّلين والأوّلون آخرين، لأنّ كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون».
17 وفيما كان يسوع صاعدا إلى أورشليم أخذ الاثني عشر تلميذا على انفراد في الطّريق وقال لهم:
18 «ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وابن الإنسان يسلّم إلى رؤساء الكهنة والكتبة، فيحكمون عليه بالموت،
19 ويسلّمونه إلى الأمم لكي يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه، وفي اليوم الثّالث يقوم».
20 حينئذ تقدّمت إليه أمّ ابني زبدي مع ابنيها، وسجدت وطلبت منه شيئا.
21 فقال لها: «ماذا تريدين؟» قالت له: «قل أن يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك».
22 فأجاب يسوع وقال: «لستما تعلمان ما تطلبان. أتستطيعان أن تشربا الكأس الّتي سوف أشربها أنا، وأن تصطبغا بالصّبغة الّتي أصطبغ بها أنا؟» قالا له: «نستطيع».
23 فقال لهما: «أمّا كأسي فتشربانها، وبالصّبغة الّتي أصطبغ بها أنا تصطبغان. وأمّا الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلاّ للّذين أعدّ لهم من أبي».
24 فلمّا سمع العشرة اغتاظوا من أجل الأخوين.
25 فدعاهم يسوع وقال: «أنتم تعلمون أنّ رؤساء الأمم يسودونهم، والعظماء يتسلّطون عليهم.
26 فلا يكون هكذا فيكم. بل من أراد أن يكون فيكم عظيما فليكن لكم خادما،
27 ومن أراد أن يكون فيكم أوّلا فليكن لكم عبدا،
28 كما أنّ ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين».
29 وفيما هم خارجون من أريحا تبعه جمع كثير،
30 وإذا أعميان جالسان على الطّريق. فلمّا سمعا أنّ يسوع مجتاز صرخا قائلين: «ارحمنا يا سيّد، يا ابن داود!»
31 فانتهرهما الجمع ليسكتا، فكانا يصرخان أكثر قائلين: «ارحمنا يا سيّد، يا ابن داود!»
32 فوقف يسوع وناداهما وقال: «ماذا تريدان أن أفعل بكما؟»
33 قالا له: «يا سيّد، أن تنفتح أعيننا!»
34 فتحنّن يسوع ولمس أعينهما، فللوقت أبصرت أعينهما فتبعاه.
1 ولمّا قربوا من أورشليم وجاءوا إلى بيت فاجي عند جبل الزّيتون، حينئذ أرسل يسوع تلميذين
2 قائلا لهما: «اذهبا إلى القرية الّتي أمامكما، فللوقت تجدان أتانا مربوطة وجحشا معها، فحلاهما وأتياني بهما.
3 وإن قال لكما أحد شيئا، فقولا: الرّبّ محتاج إليهما. فللوقت يرسلهما».
4 فكان هذا كلّه لكي يتمّ ما قيل بالنّبيّ القائل:
5 «قولوا لابنة صهيون: هوذا ملكك يأتيك وديعا، راكبا على أتان وجحش ابن أتان».
6 فذهب التّلميذان وفعلا كما أمرهما يسوع،
7 وأتيا بالأتان والجحش، ووضعا عليهما ثيابهما فجلس عليهما.
8 والجمع الأكثر فرشوا ثيابهم في الطّريق. وآخرون قطعوا أغصانا من الشّجر وفرشوها في الطّريق.
9 والجموع الّذين تقدّموا والّذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين: «أوصنّا لابن داود! مبارك الآتي باسم الرّبّ! أوصنّا في الأعالي!».
10 ولمّا دخل أورشليم ارتجّت المدينة كلّها قائلة: «من هذا؟»
11 فقالت الجموع: «هذا يسوع النّبيّ الّذي من ناصرة الجليل».
12 ودخل يسوع إلى هيكل الله وأخرج جميع الّذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب موائد الصّيارفة وكراسيّ باعة الحمام
13 وقال لهم: «مكتوب: بيتي بيت الصّلاة يدعى. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص!»
14 وتقدّم إليه عمي وعرج في الهيكل فشفاهم.
15 فلمّا رأى رؤساء الكهنة والكتبة العجائب الّتي صنع، والأولاد يصرخون في الهيكل ويقولون: «أوصنّا لابن داود!»، غضبوا
16 وقالوا له: «أتسمع ما يقول هؤلاء؟» فقال لهم يسوع: «نعم! أما قرأتم قطّ: من أفواه الأطفال والرّضّع هيّأت تسبيحا؟»
17 ثمّ تركهم وخرج خارج المدينة إلى بيت عنيا وبات هناك.
18 وفي الصّبح إذ كان راجعا إلى المدينة جاع،
19 فنظر شجرة تين على الطّريق، وجاء إليها فلم يجد فيها شيئا إلاّ ورقا فقط. فقال لها: «لا يكن منك ثمر بعد إلى الأبد!». فيبست التّينة في الحال.
20 فلمّا رأى التّلاميذ ذلك تعجّبوا قائلين: «كيف يبست التّينة في الحال؟»
21 فأجاب يسوع وقال لهم: «الحقّ أقول لكم: إن كان لكم إيمان ولا تشكّون، فلا تفعلون أمر التّينة فقط، بل إن قلتم أيضا لهذا الجبل: انتقل وانطرح في البحر فيكون.
22 وكلّ ما تطلبونه في الصّلاة مؤمنين تنالونه».
23 ولمّا جاء إلى الهيكل تقدّم إليه رؤساء الكهنة وشيوخ الشّعب وهو يعلّم، قائلين: «بأيّ سلطان تفعل هذا؟ ومن أعطاك هذا السّلطان؟»
24 فأجاب يسوع وقال لهم: «وأنا أيضا أسألكم كلمة واحدة، فإن قلتم لي عنها أقول لكم أنا أيضا بأيّ سلطان أفعل هذا:
25 معموديّة يوحنّا: من أين كانت؟ من السّماء أم من النّاس؟» ففكّروا في أنفسهم قائلين: «إن قلنا: من السّماء، يقول لنا: فلماذا لم تؤمنوا به؟
26 وإن قلنا: من النّاس، نخاف من الشّعب، لأنّ يوحنّا عند الجميع مثل نبيّ».
27 فأجابوا يسوع وقالوا: «لا نعلم». فقال لهم هو أيضا: «ولا أنا أقول لكم بأيّ سلطان أفعل هذا.
28 «ماذا تظنّون؟ كان لإنسان ابنان، فجاء إلى الأوّل وقال: يا ابني، اذهب اليوم اعمل في كرمي.
29 فأجاب وقال: ما أريد. ولكنّه ندم أخيرا ومضى.
30 وجاء إلى الثّاني وقال كذلك. فأجاب وقال: ها أنا يا سيّد. ولم يمض.
31 فأيّ الاثنين عمل إرادة الأب؟» قالوا له: «الأوّل». قال لهم يسوع: «الحقّ أقول لكم: إنّ العشّارين والزّواني يسبقونكم إلى ملكوت الله،
32 لأنّ يوحنّا جاءكم في طريق الحقّ فلم تؤمنوا به، وأمّا العشّارون والزّواني فآمنوا به. وأنتم إذ رأيتم لم تندموا أخيرا لتؤمنوا به.
33 «اسمعوا مثلا آخر: كان إنسان ربّ بيت غرس كرما، وأحاطه بسياج، وحفر فيه معصرة، وبنى برجا، وسلّمه إلى كرّامين وسافر.
34 ولمّا قرب وقت الأثمار أرسل عبيده إلى الكرّامين ليأخذ أثماره.
35 فأخذ الكرّامون عبيده وجلدوا بعضا وقتلوا بعضا ورجموا بعضا.
36 ثمّ أرسل أيضا عبيدا آخرين أكثر من الأوّلين، ففعلوا بهم كذلك.
37 فأخيرا أرسل إليهم ابنه قائلا: يهابون ابني!
38 وأمّا الكرّامون فلمّا رأوا الابن قالوا فيما بينهم: هذا هو الوارث! هلمّوا نقتله ونأخذ ميراثه!
39 فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه.
40 فمتى جاء صاحب الكرم، ماذا يفعل بأولئك الكرّامين؟»
41 قالوا له: «أولئك الأردياء يهلكهم هلاكا رديّا، ويسلّم الكرم إلى كرّامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها».
42 قال لهم يسوع: «أما قرأتم قطّ في الكتب: الحجر الّذي رفضه البنّاؤون هو قد صار رأس الزّاوية؟ من قبل الرّبّ كان هذا وهو عجيب في أعيننا!
43 لذلك أقول لكم: إنّ ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمّة تعمل أثماره.
44 ومن سقط على هذا الحجر يترضّض، ومن سقط هو عليه يسحقه!».
45 ولمّا سمع رؤساء الكهنة والفرّيسيّون أمثاله، عرفوا أنّه تكلّم عليهم.
46 وإذ كانوا يطلبون أن يمسكوه، خافوا من الجموع، لأنّه كان عندهم مثل نبيّ.
1 وجعل يسوع يكلّمهم أيضا بأمثال قائلا:
2 «يشبه ملكوت السّماوات إنسانا ملكا صنع عرسا لابنه،
3 وأرسل عبيده ليدعوا المدعوّين إلى العرس، فلم يريدوا أن يأتوا.
4 فأرسل أيضا عبيدا آخرين قائلا: قولوا للمدعوّين: هوذا غدائي أعددته. ثيراني ومسمّناتي قد ذبحت، وكلّ شيء معدّ. تعالوا إلى العرس!
5 ولكنّهم تهاونوا ومضوا، واحد إلى حقله، وآخر إلى تجارته،
6 والباقون أمسكوا عبيده وشتموهم وقتلوهم.
7 فلمّا سمع الملك غضب، وأرسل جنوده وأهلك أولئك القاتلين وأحرق مدينتهم.
8 ثمّ قال لعبيده: أمّا العرس فمستعدّ، وأمّا المدعوّون فلم يكونوا مستحقّين.
9 فاذهبوا إلى مفارق الطّرق، وكلّ من وجدتموه فادعوه إلى العرس.
10 فخرج أولئك العبيد إلى الطّرق، وجمعوا كلّ الّذين وجدوهم أشرارا وصالحين. فامتلأ العرس من المتّكئين.
11 فلمّا دخل الملك لينظر المتّكئين، رأى هناك إنسانا لم يكن لابسا لباس العرس.
12 فقال له: يا صاحب، كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لباس العرس؟ فسكت.
13 حينئذ قال الملك للخدّام: اربطوا رجليه ويديه، وخذوه واطرحوه في الظّلمة الخارجيّة. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان.
14 لأنّ كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون».
15 حينئذ ذهب الفرّيسيّون وتشاوروا لكي يصطادوه بكلمة.
16 فأرسلوا إليه تلاميذهم مع الهيرودسيّين قائلين: «يا معلّم، نعلم أنّك صادق وتعلّم طريق الله بالحقّ، ولا تبالي بأحد، لأنّك لا تنظر إلى وجوه النّاس.
17 فقل لنا: ماذا تظنّ؟ أيجوز أن تعطى جزية لقيصر أم لا؟»
18 فعلم يسوع خبثهم وقال: «لماذا تجرّبونني يا مراؤون؟
19 أروني معاملة الجزية». فقدّموا له دينارا.
20 فقال لهم: «لمن هذه الصّورة والكتابة؟»
21 قالوا له: «لقيصر». فقال لهم: «أعطوا إذا ما لقيصر لقيصر وما لله لله».
22 فلمّا سمعوا تعجّبوا وتركوه ومضوا.
23 في ذلك اليوم جاء إليه صدّوقيّون، الّذين يقولون ليس قيامة، فسألوه
24 قائلين: «يا معلّم، قال موسى: إن مات أحد وليس له أولاد، يتزوّج أخوه بامرأته ويقم نسلا لأخيه.
25 فكان عندنا سبعة إخوة، وتزوّج الأوّل ومات. وإذ لم يكن له نسل ترك امرأته لأخيه.
26 وكذلك الثّاني والثّالث إلى السّبعة.
27 وآخر الكلّ ماتت المرأة أيضا.
28 ففي القيامة لمن من السّبعة تكون زوجة؟ فإنّها كانت للجميع!»
29 فأجاب يسوع وقال لهم: «تضلّون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوّة الله.
30 لأنّهم في القيامة لا يزوّجون ولا يتزوّجون، بل يكونون كملائكة الله في السّماء.
31 وأمّا من جهة قيامة الأموات، أفما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل:
32 أنا إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب؟ ليس الله إله أموات بل إله أحياء».
33 فلمّا سمع الجموع بهتوا من تعليمه.
34 أمّا الفرّيسيّون فلمّا سمعوا أنّه أبكم الصّدّوقيّين اجتمعوا معا،
35 وسأله واحد منهم، وهو ناموسيّ، ليجرّبه قائلا:
36 «يا معلّم، أيّة وصيّة هي العظمى في النّاموس؟»
37 فقال له يسوع: «تحبّ الرّبّ إلهك من كلّ قلبك، ومن كلّ نفسك، ومن كلّ فكرك.
38 هذه هي الوصيّة الأولى والعظمى.
39 والثّانية مثلها: تحبّ قريبك كنفسك.
40 بهاتين الوصيّتين يتعلّق النّاموس كلّه والأنبياء».
41 وفيما كان الفرّيسيّون مجتمعين سألهم يسوع
42 قائلا: «ماذا تظنّون في المسيح؟ ابن من هو؟» قالوا له: «ابن داود».
43 قال لهم: «فكيف يدعوه داود بالرّوح ربّا؟ قائلا:
44 قال الرّبّ لربّي: اجلس عن يميني حتّى أضع أعداءك موطئا لقدميك.
45 فإن كان داود يدعوه ربّا، فكيف يكون ابنه؟»
46 فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة. ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله بتّة.
1 حينئذ خاطب يسوع الجموع وتلاميذه
2 قائلا: «على كرسيّ موسى جلس الكتبة والفرّيسيّون،
3 فكلّ ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا، لأنّهم يقولون ولا يفعلون.
4 فإنّهم يحزمون أحمالا ثقيلة عسرة الحمل ويضعونها على أكتاف النّاس، وهم لا يريدون أن يحرّكوها بإصبعهم،
5 وكلّ أعمالهم يعملونها لكي تنظرهم النّاس: فيعرّضون عصائبهم ويعظّمون أهداب ثيابهم،
6 ويحبّون المتّكأ الأوّل في الولائم، والمجالس الأولى في المجامع،
7 والتّحيّات في الأسواق، وأن يدعوهم النّاس: سيّدي سيّدي!
8 وأمّا أنتم فلا تدعوا سيّدي، لأنّ معلّمكم واحد المسيح، وأنتم جميعا إخوة.
9 ولا تدعوا لكم أبا على الأرض، لأنّ أباكم واحد الّذي في السّماوات.
10 ولا تدعوا معلّمين، لأنّ معلّمكم واحد المسيح.
11 وأكبركم يكون خادما لكم.
12 فمن يرفع نفسه يتّضع، ومن يضع نفسه يرتفع.
13 «لكن ويل لكم أيّها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون! لأنّكم تغلقون ملكوت السّماوات قدّام النّاس، فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الدّاخلين يدخلون.
14 ويل لكم أيّها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون! لأنّكم تأكلون بيوت الأرامل، ولعلّة تطيلون صلواتكم. لذلك تأخذون دينونة أعظم.
15 ويل لكم أيّها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون! لأنّكم تطوفون البحر والبرّ لتكسبوا دخيلا واحدا، ومتى حصل تصنعونه ابنا لجهنّم أكثر منكم مضاعفا.
16 ويل لكم أيّها القادة العميان! القائلون: من حلف بالهيكل فليس بشيء، ولكن من حلف بذهب الهيكل يلتزم.
17 أيّها الجهّال والعميان! أيّما أعظم: ألذّهب أم الهيكل الّذي يقدّس الذّهب؟
18 ومن حلف بالمذبح فليس بشيء، ولكن من حلف بالقربان الّذي عليه يلتزم.
19 أيّها الجهّال والعميان! أيّما أعظم: ألقربان أم المذبح الّذي يقدّس القربان؟
20 فإنّ من حلف بالمذبح فقد حلف به وبكلّ ما عليه!
21 ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالسّاكن فيه،
22 ومن حلف بالسّماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه.
23 ويل لكم أيّها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون! لأنّكم تعشّرون النّعنع والشّبثّ والكمّون، وتركتم أثقل النّاموس: الحقّ والرّحمة والإيمان. كان ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك.
24 أيّها القادة العميان! الّذين يصفّون عن البعوضة ويبلعون الجمل.
25 ويل لكم أيّها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون! لأنّكم تنقّون خارج الكأس والصّحفة، وهما من داخل مملوآن اختطافا ودعارة.
26 أيّها الفرّيسيّ الأعمى! نقّ أوّلا داخل الكأس والصّحفة لكي يكون خارجهما أيضا نقيّا.
27 ويل لكم أيّها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون! لأنّكم تشبهون قبورا مبيّضة تظهر من خارج جميلة، وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكلّ نجاسة.
28 هكذا أنتم أيضا: من خارج تظهرون للنّاس أبرارا، ولكنّكم من داخل مشحونون رياء وإثما.
29 ويل لكم أيّها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون! لأنّكم تبنون قبور الأنبياء وتزيّنون مدافن الصّدّيقين،
30 وتقولون: لو كنّا في أيّام آبائنا لما شاركناهم في دم الأنبياء.
31 فأنتم تشهدون على أنفسكم أنّكم أبناء قتلة الأنبياء.
32 فاملأوا أنتم مكيال آبائكم.
33 أيّها الحيّات أولاد الأفاعي! كيف تهربون من دينونة جهنّم؟
34 لذلك ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة، فمنهم تقتلون وتصلبون، ومنهم تجلدون في مجامعكم، وتطردون من مدينة إلى مدينة،
35 لكي يأتي عليكم كلّ دم زكيّ سفك على الأرض، من دم هابيل الصّدّيق إلى دم زكريّا بن برخيّا الّذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح.
36 الحقّ أقول لكم: إنّ هذا كلّه يأتي على هذا الجيل!
37 «يا أورشليم، يا أورشليم! يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرّة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدّجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا!
38 هوذا بيتكم يترك لكم خرابا.
39 لأنّي أقول لكم: إنّكم لا ترونني من الآن حتّى تقولوا: مبارك الآتي باسم الرّبّ!».
1 ثمّ خرج يسوع ومضى من الهيكل، فتقدّم تلاميذه لكي يروه أبنية الهيكل.
2 فقال لهم يسوع: «أما تنظرون جميع هذه؟ الحقّ أقول لكم: إنّه لا يترك ههنا حجر على حجر لا ينقض!».
3 وفيما هو جالس على جبل الزّيتون، تقدّم إليه التّلاميذ على انفراد قائلين: «قل لنا متى يكون هذا؟ وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدّهر؟»
4 فأجاب يسوع وقال لهم: «انظروا! لا يضلّكم أحد.
5 فإنّ كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أنا هو المسيح! ويضلّون كثيرين.
6 وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب. انظروا، لا ترتاعوا. لأنّه لا بدّ أن تكون هذه كلّها، ولكن ليس المنتهى بعد.
7 لأنّه تقوم أمّة على أمّة ومملكة على مملكة، وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن.
8 ولكنّ هذه كلّها مبتدأ الأوجاع.
9 حينئذ يسلّمونكم إلى ضيق ويقتلونكم، وتكونون مبغضين من جميع الأمم لأجل اسمي.
10 وحينئذ يعثر كثيرون ويسلّمون بعضهم بعضا ويبغضون بعضهم بعضا.
11 ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلّون كثيرين.
12 ولكثرة الإثم تبرد محبّة الكثيرين.
13 ولكن الّذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص.
14 ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كلّ المسكونة شهادة لجميع الأمم. ثمّ يأتي المنتهى.
15 «فمتى نظرتم «رجسة الخراب» الّتي قال عنها دانيآل النّبيّ قائمة في المكان المقدّس ليفهم القارئ
16 فحينئذ ليهرب الّذين في اليهوديّة إلى الجبال،
17 والّذي على السّطح فلا ينزل ليأخذ من بيته شيئا،
18 والّذي في الحقل فلا يرجع إلى ورائه ليأخذ ثيابه.
19 وويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيّام!
20 وصلّوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت،
21 لأنّه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون.
22 ولو لم تقصّر تلك الأيّام لم يخلص جسد. ولكن لأجل المختارين تقصّر تلك الأيّام.
23 حينئذ إن قال لكم أحد: هوذا المسيح هنا! أو: هناك! فلا تصدّقوا.
24 لأنّه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب، حتّى يضلّوا لو أمكن المختارين أيضا.
25 ها أنا قد سبقت وأخبرتكم.
26 فإن قالوا لكم: ها هو في البرّيّة! فلا تخرجوا. ها هو في المخادع! فلا تصدّقوا.
27 لأنّه كما أنّ البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب، هكذا يكون أيضا مجيء ابن الإنسان.
28 لأنّه حيثما تكن الجثّة، فهناك تجتمع النّسور.
29 «وللوقت بعد ضيق تلك الأيّام تظلم الشّمس، والقمر لا يعطي ضوءه، والنّجوم تسقط من السّماء، وقوّات السّماوات تتزعزع.
30 وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السّماء. وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض، ويبصرون ابن الإنسان آتيا على سحاب السّماء بقوّة ومجد كثير.
31 فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصّوت، فيجمعون مختاريه من الأربع الرّياح، من أقصاء السّماوات إلى أقصائها.
32 فمن شجرة التّين تعلّموا المثل: متى صار غصنها رخصا وأخرجت أوراقها، تعلمون أنّ الصّيف قريب.
33 هكذا أنتم أيضا، متى رأيتم هذا كلّه فاعلموا أنّه قريب على الأبواب.
34 الحقّ أقول لكم: لا يمضي هذا الجيل حتّى يكون هذا كلّه.
35 السّماء والأرض تزولان ولكنّ كلامي لا يزول.
36 «وأمّا ذلك اليوم وتلك السّاعة فلا يعلم بهما أحد، ولا ملائكة السّماوات، إلاّ أبي وحده.
37 وكما كانت أيّام نوح كذلك يكون أيضا مجيء ابن الإنسان.
38 لأنّه كما كانوا في الأيّام الّتي قبل الطّوفان يأكلون ويشربون ويتزوّجون ويزوّجون، إلى اليوم الّذي دخل فيه نوح الفلك،
39 ولم يعلموا حتّى جاء الطّوفان وأخذ الجميع، كذلك يكون أيضا مجيء ابن الإنسان.
40 حينئذ يكون اثنان في الحقل، يؤخذ الواحد ويترك الآخر.
41 اثنتان تطحنان على الرّحى، تؤخذ الواحدة وتترك الأخرى.
42 «اسهروا إذا لأنّكم لا تعلمون في أيّة ساعة يأتي ربّكم.
43 واعلموا هذا: أنّه لو عرف ربّ البيت في أيّ هزيع يأتي السّارق، لسهر ولم يدع بيته ينقب.
44 لذلك كونوا أنتم أيضا مستعدّين، لأنّه في ساعة لا تظنّون يأتي ابن الإنسان.
45 فمن هو العبد الأمين الحكيم الّذي أقامه سيّده على خدمه ليعطيهم الطّعام في حينه؟
46 طوبى لذلك العبد الّذي إذا جاء سيّده يجده يفعل هكذا!
47 الحقّ أقول لكم: إنّه يقيمه على جميع أمواله.
48 ولكن إن قال ذلك العبد الرّديّ في قلبه: سيّدي يبطئ قدومه.
49 فيبتدئ يضرب العبيد رفقاءه ويأكل ويشرب مع السّكارى.
50 يأتي سيّد ذلك العبد في يوم لا ينتظره وفي ساعة لا يعرفها،
51 فيقطّعه ويجعل نصيبه مع المرائين. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان.
1 «حينئذ يشبه ملكوت السّماوات عشر عذارى، أخذن مصابيحهنّ وخرجن للقاء العريس.
2 وكان خمس منهنّ حكيمات، وخمس جاهلات.
3 أمّا الجاهلات فأخذن مصابيحهنّ ولم يأخذن معهنّ زيتا،
4 وأمّا الحكيمات فأخذن زيتا في آنيتهنّ مع مصابيحهنّ.
5 وفيما أبطأ العريس نعسن جميعهنّ ونمن.
6 ففي نصف اللّيل صار صراخ: هوذا العريس مقبل، فاخرجن للقائه!
7 فقامت جميع أولئك العذارى وأصلحن مصابيحهنّ.
8 فقالت الجاهلات للحكيمات: أعطيننا من زيتكنّ فإنّ مصابيحنا تنطفئ.
9 فأجابت الحكيمات قائلات: لعلّه لا يكفي لنا ولكنّ، بل اذهبن إلى الباعة وابتعن لكنّ.
10 وفيما هنّ ذاهبات ليبتعن جاء العريس، والمستعدّات دخلن معه إلى العرس، وأغلق الباب.
11 أخيرا جاءت بقيّة العذارى أيضا قائلات: يا سيّد، يا سيّد، افتح لنا!
12 فأجاب وقال: الحقّ أقول لكنّ: إنّي ما أعرفكنّ.
13 فاسهروا إذا لأنّكم لا تعرفون اليوم ولا السّاعة الّتي يأتي فيها ابن الإنسان.
14 «وكأنّما إنسان مسافر دعا عبيده وسلّمهم أمواله،
15 فأعطى واحدا خمس وزنات، وآخر وزنتين، وآخر وزنة. كلّ واحد على قدر طاقته. وسافر للوقت.
16 فمضى الّذي أخذ الخمس وزنات وتاجر بها، فربح خمس وزنات أخر.
17 وهكذا الّذي أخذ الوزنتين، ربح أيضا وزنتين أخريين.
18 وأمّا الّذي أخذ الوزنة فمضى وحفر في الأرض وأخفى فضّة سيّده.
19 وبعد زمان طويل أتى سيّد أولئك العبيد وحاسبهم.
20 فجاء الّذي أخذ الخمس وزنات وقدّم خمس وزنات أخر قائلا: يا سيّد، خمس وزنات سلّمتني. هوذا خمس وزنات أخر ربحتها فوقها.
21 فقال له سيّده: نعمّا أيّها العبد الصّالح والأمين! كنت أمينا في القليل فأقيمك على الكثير. ادخل إلى فرح سيّدك.
22 ثمّ جاء الّذي أخذ الوزنتين وقال: يا سيّد، وزنتين سلّمتني. هوذا وزنتان أخريان ربحتهما فوقهما.
23 قال له سيّده: نعمّا أيّها العبد الصّالح الأمين! كنت أمينا في القليل فأقيمك على الكثير. ادخل إلى فرح سيّدك.
24 ثمّ جاء أيضا الّذي أخذ الوزنة الواحدة وقال: يا سيّد، عرفت أنّك إنسان قاس، تحصد حيث لم تزرع، وتجمع من حيث لم تبذر.
25 فخفت ومضيت وأخفيت وزنتك في الأرض. هوذا الّذي لك.
26 فأجاب سيّده وقال له: أيّها العبد الشّرّير والكسلان، عرفت أنّي أحصد حيث لم أزرع، وأجمع من حيث لم أبذر،
27 فكان ينبغي أن تضع فضّتي عند الصّيارفة، فعند مجيئي كنت آخذ الّذي لي مع ربا.
28 فخذوا منه الوزنة وأعطوها للّذي له العشر وزنات.
29 لأنّ كلّ من له يعطى فيزداد، ومن ليس له فالّذي عنده يؤخذ منه.
30 والعبد البطّال اطرحوه إلى الظّلمة الخارجيّة، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان.
31 «ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القدّيسين معه، فحينئذ يجلس على كرسيّ مجده.
32 ويجتمع أمامه جميع الشّعوب، فيميّز بعضهم من بعض كما يميّز الرّاعي الخراف من الجداء،
33 فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار.
34 ثمّ يقول الملك للّذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المعدّ لكم منذ تأسيس العالم.
35 لأنّي جعت فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني. كنت غريبا فآويتموني.
36 عريانا فكسوتموني. مريضا فزرتموني. محبوسا فأتيتم إليّ.
37 فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين: يا ربّ، متى رأيناك جائعا فأطعمناك، أو عطشانا فسقيناك؟
38 ومتى رأيناك غريبا فآويناك، أو عريانا فكسوناك؟
39 ومتى رأيناك مريضا أو محبوسا فأتينا إليك؟
40 فيجيب الملك ويقول لهم: الحقّ أقول لكم: بما أنّكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي فعلتم.
41 «ثمّ يقول أيضا للّذين عن اليسار: اذهبوا عنّي يا ملاعين إلى النّار الأبديّة المعدّة لإبليس وملائكته،
42 لأنّي جعت فلم تطعموني. عطشت فلم تسقوني.
43 كنت غريبا فلم تأووني. عريانا فلم تكسوني. مريضا ومحبوسا فلم تزوروني.
44 حينئذ يجيبونه هم أيضا قائلين: يا ربّ، متى رأيناك جائعا أو عطشانا أو غريبا أو عريانا أو مريضا أو محبوسا ولم نخدمك؟
45 فيجيبهم قائلا: الحقّ أقول لكم: بما أنّكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر، فبي لم تفعلوا.
46 فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبديّ والأبرار إلى حياة أبديّة».
1 ولمّا أكمل يسوع هذه الأقوال كلّها قال لتلاميذه:
2 «تعلمون أنّه بعد يومين يكون الفصح، وابن الإنسان يسلّم ليصلب».
3 حينئذ اجتمع رؤساء الكهنة والكتبة وشيوخ الشّعب إلى دار رئيس الكهنة الّذي يدعى قيافا،
4 وتشاوروا لكي يمسكوا يسوع بمكر ويقتلوه.
5 ولكنّهم قالوا: «ليس في العيد لئلاّ يكون شغب في الشّعب».
6 وفيما كان يسوع في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص،
7 تقدّمت إليه امرأة معها قارورة طيب كثير الثّمن، فسكبته على رأسه وهو متّكئ.
8 فلمّا رأى تلاميذه ذلك اغتاظوا قائلين: «لماذا هذا الإتلاف؟
9 لأنّه كان يمكن أن يباع هذا الطّيب بكثير ويعطى للفقراء».
10 فعلم يسوع وقال لهم: «لماذا تزعجون المرأة؟ فإنّها قد عملت بي عملا حسنا!
11 لأنّ الفقراء معكم في كلّ حين، وأمّا أنا فلست معكم في كلّ حين.
12 فإنّها إذ سكبت هذا الطّيب على جسدي إنّما فعلت ذلك لأجل تكفيني.
13 الحقّ أقول لكم: حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كلّ العالم، يخبر أيضا بما فعلته هذه تذكارا لها».
14 حينئذ ذهب واحد من الاثني عشر، الّذي يدعى يهوذا الإسخريوطيّ، إلى رؤساء الكهنة
15 وقال: «ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلّمه إليكم؟» فجعلوا له ثلاثين من الفضّة.
16 ومن ذلك الوقت كان يطلب فرصة ليسلّمه.
17 وفي أوّل أيّام الفطير تقدّم التّلاميذ إلى يسوع قائلين له: «أين تريد أن نعدّ لك لتأكل الفصح؟»
18 فقال: «اذهبوا إلى المدينة، إلى فلان وقولوا له: المعلّم يقول: إنّ وقتي قريب. عندك أصنع الفصح مع تلاميذي».
19 ففعل التّلاميذ كما أمرهم يسوع وأعدّوا الفصح.
20 ولمّا كان المساء اتّكأ مع الاثني عشر.
21 وفيما هم يأكلون قال: «الحقّ أقول لكم: إنّ واحدا منكم يسلّمني».
22 فحزنوا جدّا، وابتدأ كلّ واحد منهم يقول له: «هل أنا هو يا ربّ؟»
23 فأجاب وقال: «الّذي يغمس يده معي في الصّحفة هو يسلّمني!
24 إنّ ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه، ولكن ويل لذلك الرّجل الّذي به يسلّم ابن الإنسان. كان خيرا لذلك الرّجل لو لم يولد!».
25 فأجاب يهوذا مسلّمه وقال: «هل أنا هو يا سيّدي؟» قال له: «أنت قلت».
26 وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز، وبارك وكسّر وأعطى التّلاميذ وقال: «خذوا كلوا. هذا هو جسدي».
27 وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلا: «اشربوا منها كلّكم،
28 لأنّ هذا هو دمي الّذي للعهد الجديد الّذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا.
29 وأقول لكم: إنّي من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديدا في ملكوت أبي».
30 ثمّ سبّحوا وخرجوا إلى جبل الزّيتون.
31 حينئذ قال لهم يسوع: «كلّكم تشكّون فىّ في هذه اللّيلة، لأنّه مكتوب: أنّي أضرب الرّاعي فتتبدّد خراف الرّعيّة.
32 ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل».
33 فأجاب بطرس وقال له: «وإن شكّ فيك الجميع فأنا لا أشكّ أبدا».
34 قال له يسوع: «الحقّ أقول لك: إنّك في هذه اللّيلة قبل أن يصيح ديك تنكرني ثلاث مرّات».
35 قال له بطرس: «ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك!» هكذا قال أيضا جميع التّلاميذ.
36 حينئذ جاء معهم يسوع إلى ضيعة يقال لها جثسيماني، فقال للتّلاميذ: «اجلسوا ههنا حتّى أمضي وأصلّي هناك».
37 ثمّ أخذ معه بطرس وابني زبدي، وابتدأ يحزن ويكتئب.
38 فقال لهم: «نفسي حزينة جدّا حتّى الموت. امكثوا ههنا واسهروا معي».
39 ثمّ تقدّم قليلا وخرّ على وجهه، وكان يصلّي قائلا: «يا أبتاه، إن أمكن فلتعبر عنّي هذه الكأس، ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت».
40 ثمّ جاء إلى التّلاميذ فوجدهم نياما، فقال لبطرس: «أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة؟
41 اسهروا وصلّوا لئلاّ تدخلوا في تجربة. أمّا الرّوح فنشيط وأمّا الجسد فضعيف».
42 فمضى أيضا ثانية وصلّى قائلا: «يا أبتاه، إن لم يمكن أن تعبر عنّي هذه الكأس إلاّ أن أشربها، فلتكن مشيئتك».
43 ثمّ جاء فوجدهم أيضا نياما، إذ كانت أعينهم ثقيلة.
44 فتركهم ومضى أيضا وصلّى ثالثة قائلا ذلك الكلام بعينه.
45 ثمّ جاء إلى تلاميذه وقال لهم: «ناموا الآن واستريحوا! هوذا السّاعة قد اقتربت، وابن الإنسان يسلّم إلى أيدي الخطاة.
46 قوموا ننطلق! هوذا الّذي يسلّمني قد اقترب!».
47 وفيما هو يتكلّم، إذا يهوذا أحد الاثني عشر قد جاء ومعه جمع كثير بسيوف وعصيّ من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشّعب.
48 والّذي أسلمه أعطاهم علامة قائلا: «الّذي أقبّله هو هو. أمسكوه».
49 فللوقت تقدّم إلى يسوع وقال: «السّلام يا سيّدي!» وقبّله.
50 فقال له يسوع: «يا صاحب، لماذا جئت؟» حينئذ تقدّموا وألقوا الأيادي على يسوع وأمسكوه.
51 وإذا واحد من الّذين مع يسوع مدّ يده واستلّ سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة، فقطع أذنه.
52 فقال له يسوع: «ردّ سيفك إلى مكانه. لأنّ كلّ الّذين يأخذون السّيف بالسّيف يهلكون!
53 أتظنّ أنّي لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي فيقدّم لي أكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة؟
54 فكيف تكمّل الكتب: أنّه هكذا ينبغي أن يكون؟».
55 في تلك السّاعة قال يسوع للجموع: «كأنّه على لصّ خرجتم بسيوف وعصيّ لتأخذوني! كلّ يوم كنت أجلس معكم أعلّم في الهيكل ولم تمسكوني.
56 وأمّا هذا كلّه فقد كان لكي تكمّل كتب الأنبياء». حينئذ تركه التّلاميذ كلّهم وهربوا.
57 والّذين أمسكوا يسوع مضوا به إلى قيافا رئيس الكهنة، حيث اجتمع الكتبة والشّيوخ.
58 وأمّا بطرس فتبعه من بعيد إلى دار رئيس الكهنة، فدخل إلى داخل وجلس بين الخدّام لينظر النّهاية.
59 وكان رؤساء الكهنة والشّيوخ والمجمع كلّه يطلبون شهادة زور على يسوع لكي يقتلوه،
60 فلم يجدوا. ومع أنّه جاء شهود زور كثيرون، لم يجدوا. ولكن أخيرا تقدّم شاهدا زور
61 وقالا: «هذا قال: إنّي أقدر أن أنقض هيكل الله، وفي ثلاثة أيّام أبنيه».
62 فقام رئيس الكهنة وقال له: «أما تجيب بشيء؟ ماذا يشهد به هذان عليك؟»
63 وأمّا يسوع فكان ساكتا. فأجاب رئيس الكهنة وقال له: «أستحلفك بالله الحيّ أن تقول لنا: هل أنت المسيح ابن الله؟»
64 قال له يسوع: «أنت قلت! وأيضا أقول لكم: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوّة، وآتيا على سحاب السّماء».
65 فمزّق رئيس الكهنة حينئذ ثيابه قائلا: «قد جدّف! ما حاجتنا بعد إلى شهود؟ ها قد سمعتم تجديفه!
66 ماذا ترون؟» فأجابوا وقالوا : «إنّه مستوجب الموت».
67 حينئذ بصقوا في وجهه ولكموه، وآخرون لطموه
68 قائلين: «تنبّأ لنا أيّها المسيح، من ضربك؟».
69 أمّا بطرس فكان جالسا خارجا في الدّار، فجاءت إليه جارية قائلة: «وأنت كنت مع يسوع الجليليّ!».
70 فأنكر قدّام الجميع قائلا: «لست أدري ما تقولين!»
71 ثمّ إذ خرج إلى الدّهليز رأته أخرى، فقالت للّذين هناك: «وهذا كان مع يسوع النّاصريّ!»
72 فأنكر أيضا بقسم: «إنّي لست أعرف الرّجل!»
73 وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس: «حقّا أنت أيضا منهم، فإنّ لغتك تظهرك!»
74 فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف: «إنّي لا أعرف الرّجل!» وللوقت صاح الدّيك.
75 فتذكّر بطرس كلام يسوع الّذي قال له: «إنّك قبل أن يصيح الدّيك تنكرني ثلاث مرّات». فخرج إلى خارج وبكى بكاء مرّا.
1 ولمّا كان الصّباح تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشّعب على يسوع حتّى يقتلوه،
2 فأوثقوه ومضوا به ودفعوه إلى بيلاطس البنطيّ الوالي.
3 حينئذ لمّا رأى يهوذا الّذي أسلمه أنّه قد دين، ندم وردّ الثّلاثين من الفضّة إلى رؤساء الكهنة والشّيوخ
4 قائلا: «قد أخطأت إذ سلّمت دما بريئا». فقالوا: «ماذا علينا؟ أنت أبصر!»
5 فطرح الفضّة في الهيكل وانصرف، ثمّ مضى وخنق نفسه.
6 فأخذ رؤساء الكهنة الفضّة وقالوا: «لا يحلّ أن نلقيها في الخزانة لأنّها ثمن دم».
7 فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخّاريّ مقبرة للغرباء.
8 لهذا سمّي ذلك الحقل «حقل الدّم» إلى هذا اليوم.
9 حينئذ تمّ ما قيل بإرميا النّبيّ القائل: «وأخذوا الثّلاثين من الفضّة، ثمن المثمّن الّذي ثمّنوه من بني إسرائيل،
10 وأعطوها عن حقل الفخّاريّ، كما أمرني الرّبّ».
11 فوقف يسوع أمام الوالي. فسأله الوالي قائلا: «أأنت ملك اليهود؟» فقال له يسوع: «أنت تقول».
12 وبينما كان رؤساء الكهنة والشّيوخ يشتكون عليه لم يجب بشيء.
13 فقال له بيلاطس: «أما تسمع كم يشهدون عليك؟»
14 فلم يجبه ولا عن كلمة واحدة، حتّى تعجّب الوالي جدّا.
15 وكان الوالي معتادا في العيد أن يطلق للجمع أسيرا واحدا، من أرادوه.
16 وكان لهم حينئذ أسير مشهور يسمّى باراباس.
17 ففيما هم مجتمعون قال لهم بيلاطس: «من تريدون أن أطلق لكم؟ باراباس أم يسوع الّذي يدعى المسيح؟»
18 لأنّه علم أنّهم أسلموه حسدا.
19 وإذ كان جالسا على كرسيّ الولاية أرسلت إليه امرأته قائلة: «إيّاك وذلك البارّ، لأنّي تألّمت اليوم كثيرا في حلم من أجله».
20 ولكنّ رؤساء الكهنة والشّيوخ حرّضوا الجموع على أن يطلبوا باراباس ويهلكوا يسوع.
21 فأجاب الوالي وقال لهم: «من من الاثنين تريدون أن أطلق لكم؟» فقالوا: «باراباس!».
22 قال لهم بيلاطس: «فماذا أفعل بيسوع الّذي يدعى المسيح؟» قال له الجميع: «ليصلب!»
23 فقال الوالي: «وأيّ شرّ عمل؟» فكانوا يزدادون صراخا قائلين: «ليصلب!»
24 فلمّا رأى بيلاطس أنّه لا ينفع شيئا، بل بالحريّ يحدث شغب، أخذ ماء وغسل يديه قدّام الجمع قائلا: «إنّي بريء من دم هذا البارّ! أبصروا أنتم!».
25 فأجاب جميع الشّعب وقالوا: «دمه علينا وعلى أولادنا».
26 حينئذ أطلق لهم باراباس، وأمّا يسوع فجلده وأسلمه ليصلب.
27 فأخذ عسكر الوالي يسوع إلى دار الولاية وجمعوا عليه كلّ الكتيبة،
28 فعرّوه وألبسوه رداء قرمزيّا،
29 وضفروا إكليلا من شوك ووضعوه على رأسه، وقصبة في يمينه. وكانوا يجثون قدّامه ويستهزئون به قائلين: «السّلام يا ملك اليهود!»
30 وبصقوا عليه، وأخذوا القصبة وضربوه على رأسه.
31 وبعد ما استهزأوا به، نزعوا عنه الرّداء وألبسوه ثيابه، ومضوا به للصّلب.
32 وفيما هم خارجون وجدوا إنسانا قيروانيّا اسمه سمعان، فسخّروه ليحمل صليبه.
33 ولمّا أتوا إلى موضع يقال له جلجثة، وهو المسمّى «موضع الجمجمة»
34 أعطوه خلا ممزوجا بمرارة ليشرب. ولمّا ذاق لم يرد أن يشرب.
35 ولمّا صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها، لكي يتمّ ما قيل بالنّبيّ: «اقتسموا ثيابي بينهم، وعلى لباسي ألقوا قرعة».
36 ثمّ جلسوا يحرسونه هناك.
37 وجعلوا فوق رأسه علّته مكتوبة: «هذا هو يسوع ملك اليهود».
38 حينئذ صلب معه لصّان، واحد عن اليمين وواحد عن اليسار.
39 وكان المجتازون يجدّفون عليه وهم يهزّون رؤوسهم
40 قائلين: «يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيّام، خلّص نفسك! إن كنت ابن الله فانزل عن الصّليب!».
41 وكذلك رؤساء الكهنة أيضا وهم يستهزئون مع الكتبة والشّيوخ قالوا:
42 «خلّص آخرين وأمّا نفسه فما يقدر أن يخلّصها! إن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصّليب فنؤمن به!
43 قد اتّكل على الله، فلينقذه الآن إن أراده! لأنّه قال: أنا ابن الله!».
44 وبذلك أيضا كان اللّصّان اللّذان صلبا معه يعيّرانه.
45 ومن السّاعة السّادسة كانت ظلمة على كلّ الأرض إلى السّاعة التّاسعة.
46 ونحو السّاعة التّاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا: «إيلي، إيلي، لما شبقتني؟» أي: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟
47 فقوم من الواقفين هناك لمّا سمعوا قالوا: «إنّه ينادي إيليّا».
48 وللوقت ركض واحد منهم وأخذ إسفنجة وملأها خلا وجعلها على قصبة وسقاه.
49 وأمّا الباقون فقالوا: «اترك. لنرى هل يأتي إيليّا يخلّصه!».
50 فصرخ يسوع أيضا بصوت عظيم، وأسلم الرّوح.
51 وإذا حجاب الهيكل قد انشقّ إلى اثنين، من فوق إلى أسفل. والأرض تزلزلت، والصّخور تشقّقت،
52 والقبور تفتّحت، وقام كثير من أجساد القدّيسين الرّاقدين
53 وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدّسة، وظهروا لكثيرين.
54 وأمّا قائد المئة والّذين معه يحرسون يسوع فلمّا رأوا الزّلزلة وما كان، خافوا جدّا وقالوا: «حقّا كان هذا ابن الله!».
55 وكانت هناك نساء كثيرات ينظرن من بعيد، وهنّ كنّ قد تبعن يسوع من الجليل يخدمنه،
56 وبينهنّ مريم المجدليّة، ومريم أمّ يعقوب ويوسي، وأمّ ابني زبدي.
57 ولمّا كان المساء، جاء رجل غنيّ من الرّامة اسمه يوسف، وكان هو أيضا تلميذا ليسوع.
58 فهذا تقدّم إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع. فأمر بيلاطس حينئذ أن يعطى الجسد.
59 فأخذ يوسف الجسد ولفّه بكتّان نقيّ،
60 ووضعه في قبره الجديد الّذي كان قد نحته في الصّخرة، ثمّ دحرج حجرا كبيرا على باب القبر ومضى.
61 وكانت هناك مريم المجدليّة ومريم الأخرى جالستين تجاه القبر.
62 وفي الغد الّذي بعد الاستعداد اجتمع رؤساء الكهنة والفرّيسيّون إلى بيلاطس
63 قائلين: «يا سيّد، قد تذكّرنا أنّ ذلك المضلّ قال وهو حيّ: إنّي بعد ثلاثة أيّام أقوم.
64 فمر بضبط القبر إلى اليوم الثّالث، لئلاّ يأتي تلاميذه ليلا ويسرقوه، ويقولوا للشّعب: إنّه قام من الأموات، فتكون الضّلالة الأخيرة أشرّ من الأولى!»
65 فقال لهم بيلاطس: «عندكم حرّاس. اذهبوا واضبطوه كما تعلمون».
66 فمضوا وضبطوا القبر بالحرّاس وختموا الحجر.
1 وبعد السّبت، عند فجر أوّل الأسبوع، جاءت مريم المجدليّة ومريم الأخرى لتنظرا القبر.
2 وإذا زلزلة عظيمة حدثت، لأنّ ملاك الرّبّ نزل من السّماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب، وجلس عليه.
3 وكان منظره كالبرق، ولباسه أبيض كالثّلج.
4 فمن خوفه ارتعد الحرّاس وصاروا كأموات.
5 فأجاب الملاك وقال للمرأتين : «لا تخافا أنتما، فإنّي أعلم أنّكما تطلبان يسوع المصلوب.
6 ليس هو ههنا، لأنّه قام كما قال! هلمّا انظرا الموضع الّذي كان الرّبّ مضطجعا فيه.
7 واذهبا سريعا قولا لتلاميذه: إنّه قد قام من الأموات. ها هو يسبقكم إلى الجليل. هناك ترونه. ها أنا قد قلت لكما».
8 فخرجتا سريعا من القبر بخوف وفرح عظيم، راكضتين لتخبرا تلاميذه.
9 وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال: «سلام لكما». فتقدّمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له.
10 فقال لهما يسوع: «لا تخافا. اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل، وهناك يرونني».
11 وفيما هما ذاهبتان إذا قوم من الحرّاس جاءوا إلى المدينة وأخبروا رؤساء الكهنة بكلّ ما كان.
12 فاجتمعوا مع الشّيوخ، وتشاوروا، وأعطوا العسكر فضّة كثيرة
13 قائلين: «قولوا إنّ تلاميذه أتوا ليلا وسرقوه ونحن نيام.
14 وإذا سمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه، ونجعلكم مطمئنّين».
15 فأخذوا الفضّة وفعلوا كما علّموهم، فشاع هذا القول عند اليهود إلى هذا اليوم.
16 وأمّا الأحد عشر تلميذا فانطلقوا إلى الجليل إلى الجبل، حيث أمرهم يسوع.
17 ولمّا رأوه سجدوا له، ولكنّ بعضهم شكّوا.
18 فتقدّم يسوع وكلّمهم قائلا: «دفع إليّ كلّ سلطان في السّماء وعلى الأرض،
19 فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والرّوح القدس.
20 وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كلّ الأيّام إلى انقضاء الدّهر». آمين.