إنّ قيامة الرّب يسوع المسيح من الموت هي حدث فريد في التّاريخ البشري، الحدث الذي غيّر مجرى التّاريخ. هي محور الإيمان المسيحيّ، وبرهان عظيم على أنّ المسيح ليس مجرّد إنسان، وليس كأيٍّ من الأنبياء والقدّيسين، بل هو الله الظّاهر في الجسد
إنّ الكتاب المقدّس يعلن قيامة الرب يسوع المسيح بشكل واضح غير قابل للشّك، ولكن ماذا إن كان أحدهم يدرس قيامة الرّب يسوع المسيح وهو لا يؤمن بأنّ الكتاب المقدّس موحى به من الله؟ أو ماذا إن كان ملحداً؟ هل هناك براهين تاريخيّة ومنطقيّة، دون اعتبار أن الكتاب المقدّس هو كلمة الله، تؤكّد حدث قيامة المسيح؟ لذا سنستعرض معًا بعض البراهين والإثباتات من مصادر تاريخيّة، ومنطقيّة عن قيامة المسيح من الأموات
أوّلاً: إثبات موت المسيح تاريخيّاً
لقد مات المسيح بالجسد موتاً كاملاً، فإذا إردنا أن نتكلّم عن القيامة من الأموات، لا بدّ لنا أن نثبت أنّ موت المسيح كان موتًا حقيقيًّا وكاملًا قبل أن نتناول حقيقة القيامة، وأنّ المسيح لم يتظاهر بالموت ليتظاهر بعد ذلك بالقيامة، وأنّ موته وقيامته لم يكونا أسطورة أو قصّة خيالية
ولا مهرب في دراستنا هذه من أن نأخذ بعين الاعتبار ما دوّنته الأناجيل، حتّى ولو لم ننظر إلى الكتاب المقدّس كوحي إلهي، فما كتبه متّى، ومرقس، ولوقا، ويوحنا (الذي كان شاهد عيّان لحدث الصّليب وموت المسيح) هو مرجع تاريخي للحدث. وكما نأخذ بعين الاعتبار أي مؤرّخ تاريخي وأي مصدر تاريخي موجود، لا يمكننا أن نحجب صفة المصدر التاريخي عن الكتاب المقدّس، وخاصّة بِصِفَتِه الأقرب تاريخيًّا للحدث. ولكن بالإضافة إلى المرجعيّة التّاريخيّة للكتاب المقدّس، لدينا شهود من خارج الكتاب المقدّس، وخاصّة إذا أخذنا بعين الاعتبار شهادة غير المؤمنين بالمسيح أو أعداءه، ومن بين هؤلاء
(نحو 38م – 100م) Josephus يوسيفوس
المؤرّخ اليهودي غير المؤمن بالمسيح والذي حاول بكتاباته أن يدافع عن اليهوديّة لدى المثقَّفِين الرُّومان، كَتَب ذاكراً عن موت المسيح أنّ “بيلاطس البنطي حكم عليه بالموت صلباً
التّلمود
.”يَذكُر أنّهم “صلبوه في عشيّة الفصح
(نحو 56م – 120م) Tacitus تاسيتوس
، وهو عميد المؤرِّخين الرّومان، رَبَط اسم وأصل المسيحيِّين باسم “كريستوس” أي “المسيح”، وقال عنه إنّه عانى الموت في عهد طيباريوس محكوماً عليه مِن الوالي الرُّوماني بيلاطس البنطيّ
(نحو 125م – 180م) Lucian لوسيان
كَتَبَ ضِمنَ هجائه للمَسِيحيِّين ذاكرًا عن المسيح إنّه الشّخص الذي “صُلِبَ في إسرائيل بسبب بَدئِهِ لذلك المذهب الجديد” وسَخِر مِن المسيحيّين أيضاً بسبب “عبادتهم لذلك الفيلسوف المصلوب
وغيرها من شهادات تاريخيّة من خارج الكتاب المقدّس تثبت موت المسيح على الصّليب، وبما أنّ المسيح مات موتاً كاملاً بالجسد، فإنّ قيامة المسيح ليست حدثاً عابراً، كما إنها ليست يقظة من غيبوبة، بل معجزة فريدة تُظهِر مَن هو يسوع، وَتُعلِن قُدرتَه على الخلاص ومنح الحياة الأبديّة لكلّ من يَلتَجِئ إليه
ثانياً: الشّهادات المبكرة من مؤمنين وغير مؤمنين عن قيامة المسيح
ولماذا نقول عنها مبكرة؟ لأن الإنسان قد يَظنّ أنّ قيامة المسيح هي أُسطُورَة، لكن الأساطير تحتاج إلى وقتٍ لكي تَنتَشِر كَحَقِيقَة بين النّاس، أو تُصدَّق مِن النَّاس. من هنا تأتي أهمّية الشهادات المبكرة التي تُظهر إيمان أتباع المسيح بهذه الحقيقة، وهي عديدة ومنها
التلاميذ وشهاداتهم في الكتاب المقدّس
إذا تناولنا الكتاب المقدّس (الذي هو مجموعة من الكتب أو الأسْفَار) من زاويته التاريخية، وأخذنا كلّ كتاب أو سِفْرٍ منه على حِدَة، يصبح لدينا أربعة أناجيل كتبها أربعة أشخاصٍ شَهِدُوا فيها عن قيامة المسيح. منهم من عاينوه، وكانوا معه بعد القيامة، وأكلوا معه، ولمسوه، وتحدّثوا معه، وذلك بناءً على شهادتهم المدوّنة في كلّ كتاب من كُتُبِهِم على حِدَة، أو مِن تلاميذ الأشخاص الذين عاينوه بَعدَ القيامة. أضف إلى ذلك أنّ معظم أسفار العهد الجديد تَذكُر أيضًا عن قيامة الرّب يسوع من الأموات
فإذا عُدنا إلى بولس ورسالته الأولى إلى كورنثوس، نجد أنه يذكر فيها عن ظهورات الرّب يسوع العديدة بعد القيامة. كما يذكر أيضًا عن ظهور الرّب له على طريق دمشق، الأمر الذي يشير إليه أيضاً لوقا في سفر أعمال الرّسل. وشهادة بولس عن ظهورات الرّب هي من ضمن أقوال شهود العيان لها، وَقد كَتَب بولس رسالته تِلكَ بعد 20 إلى 25 سنة تقريباً من حدث القيامة، أي بعد فترة زمنيّة قليلة لا تتناسب فيها مع ما يُكتب من أساطير وخرافات مغلوطة، فمعظم الأشخاص الذين ظهر لهم الرّب حينها كانوا ما يزالون أحياء
(نحو 38م – 100م) Josephusيوسيفوس
المؤرّخ اليهودي كتب عن المسيح قائلاً: “في هذا الوقت كان هناك رجل حكيم يدعى يسوع، وكان سلوكه حسنًا، وكان معروفًا أنه فاضل. وأصبح كثيرون من اليهود والأمم الأخرى من أتباعه وتلاميذه. حَكَم عليه بيلاطس بالموت صلباً. لكن أولئك الذين أصبحوا تلاميذه لم يَتخَلّوا عن تلمذته. وَذَكرُوا أنَّه ظَهَر لهم بَعدَ صَلبِه بثلاثة أيام وأنّه كان حيّاً. وعلى ذلك، ربّما كان هو المسيا الذي روى عنه الأنبياء
بهذه الشهادة، حتى ولو كان يوسيفوس لا يؤمن بالقيامة، هو يشهد أنّ التّلاميذ منذ البدء آمنوا بها، وهي كانت بالنّسبة إليهم حقيقة وواقعًا عاينوه
(نحو 69م – وما بعد عام 122م) Gaius Suetonius Tranquillusغايوس سويتونيوس ترانكيلياس
وهو رئيس كتّاب الامبراطور هادريان، أَتَاحَت له وظيفته الاطِّلاع على سِجِلَّات الدّولة الرَّسميَّة، فَأَشَار إلى الأسباب التي أدَت إلى اضطهاد المسيحيّين، وكان مِن بينها إيمانهم بِصَلب المسيح وموته وقيامته
وَلَم يُنكِر لهم غايوس حقيقة هذه الأحداث، بل قدّم شهادة حيّة عمّا كانوا يؤمنون به وعن سبب اضطهادهم
التّلمود
أيضًاَ ذكَر عَن قيامة المسيح مِن الموت قائلاً: ” ثم ذهب أونكيلوس وأقام يسوع الناصري من القبر، ولكن من خلال السّحر واستحضار الأرواح…” وهذه تُعتَبَر شهادة صريحة من التّلمود عن القيامة، بِغَضّ النّظر عما إذا كانت بالطّريقة الصّحيحة أم لا. وكون التلمود يتكلّم عن القيامة، ولو بطريقة مغلوطة، هو يؤكّد بشكلٍ غير مباشر حدث القيامة
هذه الشهادات وغيرها من الشهادات المبكرة تعلن، بعد إثبات موت المسيح، إنّ قيامة المسيح حصلت وآمن بها الكثيرون وانتشر هذا الإيمان في فترة زمنيّة قليلة. إنّ أسطورة غير حقيقيّة لا يمكن أن تنتشر بهذه السرعة الكبيرة، وخاصّة إذا تكلّمنا عن قيامة من الأموات، الأمر الذي لم يحصل مثله من قبل ولا يمكن أن يُصدَّق بسهولة
ثالثاً: الشهود العيان لقيامة المسيح وسلوكهم بعد القيامة
بعيدًا عن الشّهادات النَّصِّيَّة من الكتاب المقدّس ككتاب تاريخيّ، وعن الشهادات الخارجية عن حدث القيامة، كان من أفضل البراهين على قيامة المسيح وجود كثرة من الشّهود العيّان، وسلوكهم كما سلوك المسيحيين الأوائل بعد القيامة. فقد ظهر الرّب، كما تَذكُر الأناجيل وكما يَذكُر بولس في رسالتِه الأولى إلى كورنثوس، إلى أكثر من خمسمئة أخ كان معظمهم أحياء حينها، وبعضًا منهم كان قد رقد. لقد تكلّم بولس في هذا السياق عن أشخاص كان يعرفهم جيّدا، أحياء كانوا أم أمواتًا، كما أشار إلى بطرس ويعقوب وغيرهم أيضًا. لذا فعندما كتب بولس كان يعرف عمّن يتكلّم، ولم يكن بإمكانه أن يختلق الأخبار، لأن معظم من ذكرهم كانوا ما يزالون أحياء
فالشّهود العّيان كثيرون، ولا يمكن أن الكلّ تخايل ظهور المسيح، وتخايل حدثاً واحداً شبيهاً لم يَحدُث. ولا يمكن لهذا العدد كلّه أن يُهَلوِسَ بنفس الطّريقة وبنفس الوقت، وأن يصاب الجميع بنفس نوع الجنون. لذا لا بدّ من حقيقة ظهرت فعلاً للجميع. وقد يقول قائل أنّهم اتّفقوا على ما يقولونه، لذلك يجب أن نرى إلى جانب عددهم سلوكهم بعد القيامة
فمن ناحية سلوك هؤلاء الأشخاص بعد رؤيتهم يسوع المقام، تجدر الإشارة إلى التّلاميذ والرّسل الأوائل الذين كانوا في العليّة بعد موت المسيح خائفين، ولكنهم، بعد القيامة وحلول الرّوح القدس عليهم، بدأوا يكرزون بكلّ مجاهرة بالمسيح الرّب والمخلّص الوحيد، متكلّمين بكلّ ثقة عن قيامة المسيح التي كانوا شهودَ عيان لها. ولم يتكلّم شخص واحد منهم فقط عن القيامة، بل تكلّم جميعهم وشهدوا للنّاس عنها، بالرغم من خطورة الأمر عليهم. فلا يمكن أن يكون قد اتّفق الجميع على كذبة كانت ستودي بحياتهم واحدًا تلو الآخر. أضف إلى ذلك أيضًا أنّه حتّى بعد موت البعض منهم، لم يتراجع الآخرون عن الكّرازة بقيامة المسيح من الموت. فتعرّضوا بدورهم للاضطهاد من جراء ذلك، وخُيّروا بين الموت أو التّراجع عن الشّهادة بقيامة المسيح، فاختاروا الموت متمسّكين بإيمانهم بالقيامة من الأموات. ولكن لماذا قد يفعلون ذلك؟ إن خيار الموت بسبب التمسّك بالقيامة لا يعود إلى كونهم قد سمعوا عنها عبر أحد الأشخاص، ولا كانت أسطورة متداولة، أو قصّة قد سمعوها في إحدى نشرات الأخبار – فيما لو كانت موجودة في تلك الأيّام – بل لأنّهم كانوا شهودَ عيان لقيامة المسيح. لقد رأوه، وجلسوا معه، وتكلّموا معه، ولمسوه، وأكلوا معه، وظهر لهم مدّة أربعين يوماً، وأصبحوا شهوداً لحقيقة لا يمكن أن يتراجعوا عنها
وليس فقط التّلاميذ والرّسل الأوائل، ولكن أيضاً المؤمنين الأوائل تعرّضوا للاضطهاد، وكانوا مستعدّين أن يواجهوا الاضطهاد الرّومانيّ، والاضطهاد اليهوديّ، بسبب إيمانهم بقيامة المسيح ومناداتهم بها. وكانوا من أولئك الذين لا يمكن أن يَنخَدِعُوا بالأكاذيب، بل ثابتين في حقيقة واضحة لا يمكن أن يشكّوا بها أمام أي موقف صعب يعترضهم
كما لا يمكن تجاهل ما تعرّض له بولس الرّسول من اضطهادات كثيرة ذكرها في بعض رسائله والتي كانت معروفٌ عنها، عند الكثيرين منهم، أنّها حدثت معه بالفعل. فذكر تعرّضه للرجم، والجلد، والضربات، والسجون، والموت، ولمخاطر في البحر، ومخاطر في السّفر، ومخاطر من لصوص، ومخاطر من اليهود الذين أقسموا في إحدى المرّات أنهم لا يأكلون خبزاً حتّى يقتلوا بولس. وغير ذلك من أمور ذكرها أمام الآخرين وهم يعرفونها. والسؤال المهم الذي يُطرح، لماذا كان بولس مستعدًا أن يحتمل كلّ هذه الأمور فيما لو كان المسيح لم يقم من الأموات؟
إنّ عدد الشّهود العيان، وسلوكهم، إضافة الى سلوك التّلاميذ والمؤمنين الأوائل حيال قيامة المسيح، وثباتهم عليها رغم كلّ الأخطار والاضطهادات وخطر الموت (كما نعلم فإنّ معظمهم تعرّض للموت بسبب إيمانه وكرازته بناء على ما يذكره الكتاب المقدّس عن ذلك إضافة إلى التقليد) يُظهِر أنّ ما ثَبتوا عليه وما نَاضَلُوا وَجَاهدُوا واحتَمَلُوا الخَطَر حتّى الموت من أجله، لم يكن ولا يمكن أن يكون إلّا حقيقةً وواقعًا اختبروه ورأوه وعاشوه، وبناءً على تأكّدهم منه شهدوا عنه رغم كلّ التّحدّيات
رابعاً: البراهين المنطقيّة للقيامة
:القبر الفارغ
عندما تُذكر عبارة “القبر الفارغ”، قد يظنّ أو يقول البَعض إنّ الجسد ربّما لم يُوضَع في القبر مِن الأسَاس، بِحِجَّة أن المجرِمِين الذي يُعدَمُون بالصّلب لا يُسمّح بدفنهم في قبرٍ، بل يتركونهم معلّقين على الأخشاب. ولكن بحسب القانون الرّوماني إنّ الأموات بالصّلب يمكن أن يُدفَنُوا في القبور، عدا عن أنّ الاكتشافات الآثارية قد أظهرت وجود جُثَث مِن القرن الأول في قبور، ظَهَر مِن خلال فَحص العظام أنّها لأشخاصٍ مَاتُوا بالصَّلب وكانوا مدفونين. لذا لا يمكن نكران أنّ المسيح دُفِن كما يُعلِن الكتاب المقدّس، وهذا يُظهِر أنّ القَبر الفَارِغ لم يَكُن فَارِغًا قبل القيامة، بل بِالقِيَامَة المجيدة أصبح القبر فارغاً
أمّا بالنّسبة للقبر فكيف نعرف أنّه فارغ؟ وما الإثبات على ذلك؟
:لسنا نتكلّم هنا عن دلائل من علم الآثار، بل نتكلّم عن براهين منطقيّة واضحة ألا وهي
الحجّة التي تبنّاها اليهود لنكران خبر قيامة المسيح من الموت بعد حدوثها والتي تقوم على أن جسد يسوع قد تمّت سَرِقَتُه مِن قبل التّلاميذ، ونشروا ذلك الخبر بين اليهود حينها، هذه الحجّة تثبت بطريقة غير مباشرة حقيقة أن القبر كان فارغاً من جسد يسوع بعد أن دُفن فيه. قد يقول البعض إنّ هذه المعلومة مأخوذة من الكتاب المقدّس، ولكن ما أورده متّى في إنجيله عن هذا الموضوع يذكر فيه أنّ هذا الخبر “شاع عند اليهود إلى هذا اليوم”. وبما أنه كان يكتب بعد حادثة القيامة بسنوات عديدة وينقل ما كان متداولا أو شائعا بين اليهود في ذلك الوقت، فهو بذلك ينقل واقعا كان معروفا عند اليهود غير المؤمنين في ذلك الوقت وبالتالي لا يمكن دحض هذه المعلومة حتى ولو كانت مذكورة في الانجيل
كما أنّ معظم دفاعات اليهود ضدّ قيامة المسيح لم تكن مبنيّة على ما إذا كان القبر فارغاً أم لا، بل كانت تتمحور حول كيف أصبح القبر فارغًا من جسد المسيح. لذا، فشهادة أعدائه الذين صلبوه والتي هي ضدّ القيامة، تشهد بطريقة غير مباشرة أنّ القبر كان فارغاً، نافيةً بذلك أيّ شكّ بالأمر
وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ الحرّاس الموجودون أمام القبر كانوا يشكّلون خطراً كبيراً على التّلاميذ إذا ما أرادوا سَرِقَة الجسد. فالتّلاميذ الذين تركوا المسيح قبل موته عند الصّليب، لن يتجرأوا على المجيء إلى القبر مجازفين بحياتهم لكي يسرقوا الجسد ويختلقوا قصّة القيامة. أضف إلى ذلك أيضاً أنّهم، لو كانوا قد فعلوا ذلك، لما تجرّأوا على الذهاب لرؤية القبر فارغًا (كما حدث وتكلّم عنه يوحنّا بالتّفصيل في انجيله عن ذهابه مع بطرس ورؤيته الأكفان والمنديل) خوفا من اعتقالهم من قِبل الجنود ومحاكمتهم. وإذا ظَنّ أحدٌ ما أنّ هناك من قد جاء ليلا (من غير التلاميذ) وسرق الجسد، الأمر الذي كان وراء مجيء التلاميذ الى القبر، فهذا لا يمكن أن يكون صحيحًا، لأن وجود الأكفان والمنديل ملفوفاً في موضع وحده يُظهران أنّ الجسد لم يُسرق، ولم يكن هناك أي أمر يستدعي العجلة فيما حصل، بل كلّ شيء كان بترتيب القدير الذي قام منتصراً على الموت وترك القبر فارغاً
يضاف إلى ذلك أن اليهود لم يحاولوا أيضاً أن يَبحَثُوا عن دليلٍ ما يُثبت أنّ التّلاميذ سَرَقُوا الجسد، فكلّ ما كانوا يحتاجون إليه لكي يحاربوا القيامة هو إيجاد جسد يسوع في مكان ما، فيثبتون بذلك حجّتهم بالقبر الفارغ. ولكن أين كان يمكن أن يجدوا الجسد مع وجود حرّاس لم يروا أحداً جاء ليسرقه، بل عاينوا القيامة وصاروا كالأموات من خوفهم لما حدث؟
لذلك لم يحاول اليهود إثبات قِصَصِهم بواسطة أيّ دليل، بل اكتفوا بالإشاعات عن سرقة جسد يسوع. ولكن عدم محاولتهم لإثبات أفكارهم حول القبر الفارغ يُظهِر أنّهم كانوا يعرفون أنّ كلامهم عن قصة السرقة للجسد غير صحيح، وهذا ما يثبت أن السبب وراء القبر الفارغ هو قيامة جسد يسوع من الأموات. لأن المسيح قد قام منتصراً ظافراً على الموت
:القصص المتنوّعة في الأناجيل حول حدث القيامة
إنّ ما نقرأه في الأناجيل الأربعة حول حادثة القيامة يختلف بين إنجيل وآخر من ناحية التّفاصيل والأحداث المذكورة. ولكن هذه ليست نقطة ضعف، بل مصدر قوّة. فلو كان التّلاميذ فعلاً سرقوا الجسد، أو اختلقوا قصّة القيامة، فالأحداث التي دوّنوها كان يجب أن تكون متطابقة بين الجميع، لأنّه لا بدّ أنّ يكونوا قد اّتفقوا عليها. وحتّى لو اعتبرنا خلاف ذلك، فنحن نعلم أنّ الأناجيل كُتِبَت على فترات زمنية مختلفة، الأمر الذي يدفع الكاتب المتأَخِّر أن يَكتُب ناقلاً عن الكاتب الذي سبقه ليتطابق مع ما دوّنوه عن الحادثة
ولكن بما أنّ الأحداث التي دوّنها الرّسل بحسب قيادة الرّوح القدس لهم أتت مختلفة بين كاتب وآخر، فهذا الاختلاف يُظهِر أنّ القيامة حَصلَت ولم يُتَّفَق على قصّة ما بين التّلاميذ. وما دُوِّن في الكتاب المقدّس كان الحقيقة الكاملة بحسب قيادة الرّب لكلّ من كَتَب عن هذه الحادثة
استخدام شهادة المرأة للقيامة
يَذكُر التَّلمود أنّ أيّ دليل قَدَّمته امرأة كشاهدة لا يُؤخَذ بِعَين الاعتبار كَمِصدَاقِيّة في الكلام والشهادة، ونحن نَعلَم في الكتاب المقدّس أنّ المرأة كانت أوّل الشُّهود على قيامة المسيح، لِذَلِك نَقُول: إذا كان التَّلاميذ يَنشُرُون كِذبِة وَيُرِيدُون مِن النَّاس أنْ يُصَدِّقُوها، فَلِمَاذا يَذكرُون النِّساء كَأوَّل من شهد عن القبر الفارغ وعلى ظهور الرّب القائم من بين الأموات؟ فَهذا سَيَكُون نُقطَة ضُعف لَهم في سَردِهِم للأحداث، فَلِمَاذا يَفعَلُون ذلك؟ إن السَّبب المنطقي الوحيد للقيام بذلك هو أنّ ما دوّنوه كان الحقيقة عينها، وكانوا ببساطة يسردون الحقائق كما هي
:تَغَيُّر شاول الطّرسوسي ليصبح بولس الرّسول وشهادته أمام الجميع
تكلّم شاول الطّرسوسي أمام الكثيرين عن اختباره مع المسيح، وكيف بعدما كان مُضطّهِدًا للكنيسة، أصبح كارزاً بالمسيح، ومؤسّسَ كنائس في العالم، ومُضطَّهَدًا مع الكنيسة. لقد ذكر بولس هذا الأمر في عدة رسائل له كما تكلّم لوقا عنها أيضا في أعمال الرّسل. ولكن هذه الشّهادة التّي تكلّم بها بولس ولوقا أمام كثيرين، وأمام عدّة كنائس، لا بدّ أن تكون معروفة جدًا عندهم. كما أن حياة بولس السّابقة، واضطّهاده للكنيسة، ثمّ التّغيُّر الذي حدث معه، لا بدّ وأن تكون كلها معروفة أيضا عند الكثيرين، لذلك لم يكن بإمكان بولس أن يكذب فيها. ولكن هذا التّغيُّر الذي نقل شاول من إنسان مضطَّهِد للمؤمنين بالمسيح لأن يكون مضطَّهَد من اليهود، ما كان ليحدث في حياته إلّا من خلال اختبار حقيقي حصل له مع المسيح المقام من الأموات على طريق دمشق. فعندما عاين بولس حقيقةً المسيح المقام من الأموات، عرف الحقّ وآمن بالمسيح، فتغيّرت حياته جذريّاً وأصبح بولس رسول الأمم. وهكذا تغيير في حياة الإنسان لا يمكن حدوثه إلّا إذا كان المسيح حقيقةً قد قام من الأموات وهو عن يمين العظمة في الأعالي. لقد غَيَّر المسيح بولس، وهو حاضر أيضًا ليخلّص النّاس وينقلهم من ملكوت الظّلمة إلى ملكوت النّور
:تغيُّر إخوة الرّب ومنهم يعقوب ويهوذا وإيمانهم بالمسيح بعد القيامة
رغم شهادة الكتاب المقدّس عن إخوة الرّب أنّهم لم يكونوا مؤمنين به كما يذكر في (يوحنا 7: 5)، ورغم أنّهم لم يكونوا معه عند الصّليب، مما دفع الرّب ليوصي تلميذه يوحنا بالاهتمام بمريم، نرى أنّه بين حدث الصّليب وقبل حلول الرّوح القدس على التّلاميذ في اليوم الخمسين، آمن به إخوتَه بحسب ما تُظهِر الأحداث. فقد ذكر سفر أعمل الرّسل: “هؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ، مَعَ النِّسَاءِ، وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ، وَمَعَ إِخْوَتِهِ.” فما الذي يجعل إخوته يؤمنون به ويشاركون التّلاميذ في الصّلاة مُنتَظِرين موعد الآب بحلول الرّوح القدس عليهم إلّا حدث عظيم مثل قيامة الرّب يسوع المسيح من الأموات؟ فكما نعلم من رسالة بولس إلى كورنثوس بأنّ الرّب ضمن ظهوراته ظهر ليعقوب (والمرجّح هنا أنّه يتكلّم عن يعقوب أخي الرّب) لأن بولس بينما كان يعدّد ظهورات الرّب، أشار إلى التّلاميذ والرّسل أجمعين، ولكن ذكر على حدة بطرس ويعقوب. فقد يكون يعقوب قد أخبره عن هذا الظّهور الخاص به عندما زاره بولس في أورشليم بعد ثلاث سنوات من إيمان هذا الأخير بالرّب. ففي ذلك الوقت التقى بولس ببطرس ويعقوب أخا الرّب فقط. ولكن في جميع الأحوال، وحتّى لو لم يكن ذلك الظّهور خاص بيعقوب أخي الرّب، لا بدّ أنّ تغيُّر إخوة الرّب في فترة ما بين الصّلب وحلول الرّوح القدس يوم الخمسين، كان نتيجة أمر أكيد وعظيم، فالقيامة كانت حقيقية وقد أُعلنت لهم فآمنوا به وأنار قلوبهم
:نموّ الكنيسة أوّلاً في أورشليم
لو كانت قصّة القيامة أسطورة لكان التّلاميذ سيذهبون إلى مكان بعيد في اليهوديّة أوّلاً ليبدأوا بالكرازة، لأنّهم سيتكلّمون عن أمور حصلت في أورشليم لن يصدّقها النّاس في تلك المدينة لأنّهم يعلمون بكل ما حصل هناك. فعندما يُخبِرُهم أحد عن موت المسيح من أجل خطاياهم، وعن قيامته، بإمكانهم أن يجيبوا “من أين اخترعتم هذه الأساطير”. ولكن بما أن التلاميذ بدأوا بالكرازة في أورشليم، أي في المنطقة التي مات فيها المسيح ودُفِن وقام في اليوم الثّالث، وبدأت الكنيسة بالنّموّ هناك، وآمن 3000 شخص، ثمّ بعد قليل أصبح عدد التّلاميذ 5000 شخص، فإن ذلك يؤكّد على أن القيامة قد حصلت بالحقيقة. أضف إلى ذلك النّمو الكبير في الكنيسة الأولى رغم مواجهة العداء والمعارضة والأكاذيب والإشاعات من رجال الدّين، والاضطّهاد من القادة اليهود، والنبذ من المجتمع لكل يهودي آمن بالمسيح، كلّ هذه الأمور تؤكّد أنّ القيامة قد حصلت بالفعل. ناهيك عن تجاوب النّاس في أورشليم مع الكرازة الأمر الذي يؤكّد على حقيقة هذا الحدث
إنّ قيامة الرّب يسوع المسيح من الأموات هي حقيقة ساطعة في الكتاب المقدّس وخارجه، فكلّ الأحداث والتّقارير التّاريخيّة، من مؤمنين وغير مؤمنين، بالإضافة إلى البراهين المنطقيّة العديدة، كلّ ذلك يجعل من القيامة حقيقة لا يمكن للإنسان أن يدحضها أو أن يتجاهلها. إن قيامة المسيح ليست مجرّد معلومات، إنما هي إعلان عن فرادة المسيح، وقدرة الرّب الحيّ المقام على إعطاء الحياة لكلّ من يؤمن به بحسب وعده. إن هذا الأمر يضع القارئ أمام مسؤولية التعامل الصحيح مع هذه الحقيقة، وضرورة عدم التردّد أو التأخّر في اللجوء إلى الرب المقام القادر أن يمنح الخلاص والحياة الأبديّة. إن التوبة والإيمان الحقيقيين بموت المسيح الكفاري عن الخطايا، وقيامته الواهبة للحياة، شرطان أساسيّان للاستفادة من عمل المسيح والنجاة من العذاب الأبدي
أمام قيامة المسيح لا بدّ وأن يكون هناك خيار جازم يحدّد مصير حياتك الأبدية، فهل ستكون قيامتك مع المسيح للحياة الأبدية، أم بعيدًا عنه للعذاب الأبدي؟