بمناسبة معموديّة المؤمنين، يوجد فرح روحي عظيم بأشخاص يعلنون الولاء للرّب يسوع المسيح. في الوقت الذي ترتفع فيه الرايات والأعلام لقضايا بشريّة ولزعماء بشرييّن، يرفع المؤمنون عَلَم المسيح فوق رؤوسهم معلنين أنّهم دفنوا معه عن الإنسان القديم وقاموا معه ليعيشوا له وله وحده، له كل المجد. لكن ماذا نقول للذين يتّخذون هذه الخطوة؟ قد نقول مبروك … الرّب يستخدمكم لمجده. ولكن الأهم قد يكون إعطائهم تنبيهات إلهيّة حول اتّباع المسيح. الرّب يسوع في محبّته يريد من كل واحد منّا أن يكون ناجحًا ومباركًا في حياته الروحيّة. ولكي نكون ناجحين ومباركين علينا أن نضطلع على تنبيهات من الرّب يسوع. إن المعموديّة هي بداية رحلة عظيمة في حياة المؤمن. لأنّ الرّب يريد أن يستخدم المؤمن. هو يريد أن يستخدم من يعلن الولاء له، لتحقيق أمور عظيمة لمجد المسيح. ولكنّ الرّب يعرف أنّ اتّباع يسوع يتخلله معوقات. وإن لم ننتبه إليها قد نتعثّر في طريقنا. لذلك ينبهنا يسوع لكي نتحضّر لحياة البركة واستخدام الرّب لنا بينما نتبعه. ولذلك كان يسوع يخاطب من يريد أن يتبعه بكلمات واضحة ومباشرة. في إحدى المرّات التقى يسوع بثلاثة أفراد، تحدث معهم في موضوع اتّباعه. وفي حديثه نبّههم على أمور أساسيّة في اتّباعه
في إنجيل لوقا 9: 57-62
وَفِيمَا هُمْ سَائِرُونَ فِي الطَّرِيقِ قَالَ لَهُ وَاحِدٌ: «يَا سَيِّدُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي». 58فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ، وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ». 59وَقَالَ لآخَرَ: «اتْبَعْنِي». فَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلاً وَأَدْفِنَ أَبِي». 60فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «دَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ فَاذْهَبْ وَنَادِ بِمَلَكُوتِ اللهِ». 61وَقَالَ آخَرُ أَيْضًا: «أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ، وَلكِنِ ائْذَنْ لِي أَوَّلاً أَنْ أُوَدِّعَ الَّذِينَ فِي بَيْتِي». 62فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللهِ
أمامنا في هذه الحادثة ثلاثة شخصيات. الأوّل جاء إلى يسوع وقال له ” يَا سَيِّدُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي “. والشخص الثاني سمع يسوع يقول له “اتبعني”، فتجاوب ولكنّه أجاب ” يَا سَيِّدُ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلاً وَأَدْفِنَ أَبِي “. والشخص الثالث سمع دعوة يسوع وتجاوب قائلا: “«أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ، وَلكِنِ ائْذَنْ لِي أَوَّلاً أَنْ أُوَدِّعَ الَّذِينَ فِي بَيْتِي
استخدم يسوع هذه الفرص لكي ينبّه كل من يريد اتّباعه. التنبيه الأوّل هو التنبّه من العثرات التي تواجه من يتّبع يسوع
أولا. انتبه لثلاث عثرات قد تعيق اتّباعك ليسوع
راحتك الشخصيّة: الشخص الأوّل الذي أراد أن يتبع يسوع، على الرغم من لباقته في الكلام، كان في داخل قلبه يعاني من مشكلة وهي الأنانيّة. يظهر هذا من جواب يسوع له، عندما قال له: “لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ، وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ”. لقد نظر يسوع إلى قلبه وأدرك أن هذا الرجل ينظر إلى حياة الرفاهيّة مع يسوع. هو يريد يسوع ربما لأنّه رأى فيه قوّة الشفاء وقوّة المعجزات وقوّة إشباع الجياع. فاعتبر أن إتباع يسوع هو صفقة مريحة ومربحة له. لذلك أجابه يسوع أنّ الثعالب لها أوجرة تأوي إليها وطيور السماء لها أوكار تنام فيها لكن يسوع (ابن الإنسان) ليس له أين يسند رأسه. بكلمات صريحة أجاب يسوع أنّ اتّباعه قد يكون مكلف على الصعيد الشخصي. باتباع المسيح عليك أن تموت عن الذات لتعيش لمجد الرّب. والخطر هو أن يطلب الإنسان راحته ورفاهيّته فيتعثر في اتّباع يسوع. عندما تتبع يسوع عليك أن تقول مع بولس الرسول: ” مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ” (غل 2: 20)
كتب بولس الرسول عن خدمته قائلا: “وَأَمَّا أَنَا فَبِكُلِّ سُرُورٍ أُنْفِقُ وَأُنْفَقُ لأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ، وَإِنْ كُنْتُ كُلَّمَا أُحِبُّكُمْ أَكْثَرَ أُحَبُّ أَقَلَّ!” (2كو 12: 15). أنفق وأنفق … ليتنا ننفق حياتك ونفني حياتنا في خدمة الرّب. ولكن المشكلة الأكبر هي أن بولس يقول كلما أحبكم أكثر أُحَب أقلّ ولكن بولس لم يكن يطلب راحته الشخصيّة، بل كان يطلب مجد الرّب مهما كانت الكلفة. ستمرّ أيام في حياتك ستصطدم راحتك الشخصيّة بمشيئة الرّب. فماذا ستفعل؟ انتبه من هذه العثرة
التزاماتك العائليّة: العثرة الأخرى في اتّباع يسوع هي الالتزامات العائليّة. أن تقف عائلتك أو أفراد من عائلتك كحاجز بينك وبين ولائك للرّب. وأمامنا شخص هنا يقول للرّب. ” فَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلاً وَأَدْفِنَ أَبِي». يمكن أن يقول شخص ما: “ما أقسى قلب يسوع، لماذا لم يسمح له بدفن والده”. والجواب البسيط هو أن والده كان لم يمت بعد. وهو يتحجج بالاهتمام بوالده حتى يوم موته. الإنسان هنا يشير إلى أولويّة التزامه لعائلته على حساب ولائه للمسيح. لو مات أبو هذا الشخص لكان في الدفن أو في العزاء. ما رأيك بشخص يتحجج بدعوة إلى الدفن؟ مثلًا، تعال وتناول الغداء عندنا الأحد القادم، فيجيب “لا، فأنا مدعو إلى دفن”. هذا الأمر لا يحدث، لا يُدعى أحد إلى دفن، لأن لا أحد يعرف ساعة الموت. لذلك أجابه يسوع وقال: «دَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ فَاذْهَبْ وَنَادِ بِمَلَكُوتِ اللهِ». هنا يشير إلى الموتى روحيّا الذين ليس لهم نيّة ورغبة باتباع المسيح. دعهم يهتمون بهذه الاهتمامات. وأما أنت فاذهب وناد بملكوت الله
انشغالاتك الدنيويّة: الشخص الثالث أراد أيضا أن يتبع يسوع وقال له:«أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ، وَلكِنِ ائْذَنْ لِي أَوَّلاً أَنْ أُوَدِّعَ الَّذِينَ فِي بَيْتِي». دعني أذهب لأرى أهل بيتي وأودعهم. وتخيلوا معي هذا الشخص الذي عنده مثلا ثلاثة شباب وابنتين. ذهب عند الأول قائلا ماذا تريد مني قبل أن أتبع يسوع، ويقول له: “أريد أن أتزوج، وعليك أن تساعدني ” – والثاني قال له “أريد أن أعمل وأن أنطلق في حياتي المهنيّة”، والثالث قال له: “لدي مشاكل مع إخوتي، فساعدني على حلها”. ثم ذهب عند ابنته، فقالت “يا أبي أختي أجمل مني وكل الناس يحبونها، أرجوك ساعدني”. ثم للبنت الأخرى وقالت: “سوف أصبح عانس ولا يتقدم إليّ أي شاب، أرجوك يا أبي”. وأخيرًا ذهب عند امرأته وقال لها أريد أن أتبع يسوع وها أنا أودعك: “أتحب يسوع أكثر مني؟”، “أين أنت ذاهب تاركًا إياي بمسؤولياتي؟”. دوامة الأمور الدنيويّة التي لا تنتهي في حياة الإنسان. هذا الشخص كان يريد أن يتبع يسوع بنظرة إلى الوراء. فقال له يسوع: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللهِ
لا نقدر أن نتبع يسوع بنظرة إلى الوراء. علينا أن نتخذ قرار باتّباع يسوع أولا. وثم نحن ويسوع نعتني بأهل بيوتنا. ونحن ويسوع نربي أولادنا. نحن ويسوع نرضي زوجاتنا. نحن ويسوع ندفن موتانا. المشكلة ليست في العائلة أو الاهتمامات في روتين الحياة اليوميّة. المشكلة هي عندما تضع عوائق وحجج أمام اتّباع يسوع
:ذكر الوحي في الحادثة أمامنا ثلاث عبارات يجب أن ننتبه إليها
ثانيا. انتبه لثلاث عبارات
ثلاث عبارات لا ينبغي أن يستخدمها المؤمن مع الرّب. ثلاث عبارات يجب أن تمحيها من قاموس حياتك الروحيّة. العبارات مأخوذة من حجّة الشخص الثالث: “وَلكِنِ ائْذَنْ لِي أَوَّلاً أَنْ أُوَدِّعَ الَّذِينَ فِي بَيْتِي
لكن … لا توجد استثناءات في حياة الإيمان. إياك أن تستخدم كلمة “لكن” مع الرّب. أنا أريد أن أعيش بقداسة ولكن … أريد أن أكون لطيف ولكن … أريد أن أخدم ولكن … لا توجد استثناءات في الحياة مع الرّب. عندما يأمر نحن نطيع. عندما يتكلم نحن نخضع. عندما يوصينا نحن ننفّذ. لا توجد استثناءات في حياة الإيمان. كلمة “ولكن” دمّرت حياة مؤمنين كثيرين … دعونا نقول للرّب “بأمرك”، لا شيء كثير عليك، أنت تأمر أمرًا في حياتي وأنا أطيعك بكل قلبي
ائذن لي … لا يوجد استئذان في حياة الإيمان. انتبه من عبارة “ائذن لي”. قال له أريد أن أتبعك ولكن “ائذن لي”. وهذه العبارة الثانية التي لا يجب أن تكون في قاموس المؤمن. بالإذن منّك يا ربّ … أعرف أنك تفهمني وتعرف ضعفي. بالإذن منك أريد أن أكذب اليوم … بالإذن منك أريد أن أشتهي اليوم … بالإذن منك يا رب لا تستطيع أن تذهب معي إلى هذ المناسبة. أصحابي يريدون أن يأرغلوا وأنا أعرف أنك أنت لا تأرغل … بالإذن منك … انتظرني هنا يا رب. دمار الحياة الروحيّة يحدث حين الإنسان يعتاد على أن يستأذن الرّب بلطف، حتى يقوم بالخطيّة. فيقول للرّب، الأمر الذي لا أستطيع أن أقوم به قدام عيناك وبرضاك، لن أفعله في حياتي. المكان الذي لا تدخل عليه أنت أنا لا أدخل عليه. والمجتمع الذي لا يمجدك، ولا يكرمك، لا أتشرف بأن أكون فيه. والحدث الذي يزعجك، لن أتلذذ به. أنا لك إلى الأبد ورجلي على رجلك ويدي بيدك وعيني بعينك، فهو شرف لي أن أكون معك ولو كنت لوحدي
لي أولا … لا يمكن أن يكون الرّب ثانيا في حياة الإيمان. العبارة الثالثة “أنا أولا” قال ليسوع “ائذن لي أولا”. “لي أولا” هي مشكلة المشاكل. الكثير من الناس يفتخرون بأن الله له موقع في حياتهم. ولكن الرب واضح. المسيح لا يمكن أن يكون ثانيا في حياتك. إما أن يكون أوّلا أو لا يكون. “اطلبوا اوّلا ملكوت الله وبرّه …” أولا يعني ليس خامسا ولا رابعا ولا ثالثا ولا حتى ثانيا. أولا يعني أولا. وحين أنت تضع راحتك وكرامتك واهتماماتك ومشاعرك أولا وثم المسيح ثانيا، أنت في خطر الموت الروحي
:ذكر النصّ أمامنا ثلاثة هفوات يقع فيها من يريد أن يتبع يسوع
ثالثا. انتبه لثلاث هفوات
أن تحب الرّب بشفتيك وليس من كل قلبك … “«يَا سَيِّدُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي». «أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ، وَلكِنِ ائْذَنْ لِي أَوَّلاً أَنْ أُوَدِّعَ الَّذِينَ فِي بَيْتِي». اتباع المسيح ليس بالكلام ولكنّه يجب أن ينبع من القلب بعلاقة شخصيّة مع الرّب
أن تتبع الرّب بمزاجك وليس بحسب توجيهاته … وَقَالَ لآخَرَ: «اتْبَعْنِي». فَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلاً وَأَدْفِنَ أَبِي». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «دَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ فَاذْهَبْ وَنَادِ بِمَلَكُوتِ اللهِ». اتباع المسيح ليس أن تكون مؤمنًا يخلق لنفسه أجواء روحيّة يعيش فيها، ولكن اتّباع المسيح هو أن تتّبع تعليماته ومشيئته. هو أن تأتي كل يوم إلى كتابه وتطلب وجهه وقيادته في حياتك
أن تضع يدك على المحراث وتنظر إلى الوراء … فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللهِ». أن تعيش حياتك الروحيّة بنظرة إلى الوراء. أكبر مشكلة موجودة عند المؤمنين اليوم هي الحياة الروحيّة بنظرة إلى العالم وبنظرة إلى الماضي. إياكم النظر إلى الماضي. كان الحرّاث يعمل جاهدًا في فلاحة الأرض استعدادا لموسم الزراعة. كان ينبغي أن يضع يده على المحراث وأن ينطلق إلى الأمام لكي يعدّ الأرض للزراعة. لكي يكون التلم صحيح عليه أن ينظر إلى الأمام. فعندما ينظر الفلاح إلى الوراء كان يعوّج التلم أمامه. من يعيش حياته الروحيّة بنظرة إلى العالم وبنظرة إلى الماضي يعوّج حياته الروحيّة ولذلك لا يصلح لملكوت الله. إياك يا مؤمن النظر إلى الوراء
في الختام، جاء الرّب إلى إبراهيم وقال له “أخرج من أرضك ومن عشيرتك إلى الأرض التي أريك” – تبع إبراهيم الرّب ولم ينظر إلى الوراء … فصنع الرّب من خلال ومن خلال نسله خلاصا عظيما في العالم
جاء الرّب إلى شاول الطرسوسي وقال له: “شاول شاول …” فقال له “ماذا تريد أن أفعل – تبع شاول الرّب وأصبح بولس الرسول ولم ينظر إلى الوراء … فصنع الرّب من خلاله أمورا عظيما أثّرت على قارات بأكملها. اليوم يأتي يسوع إليك ويقول اتبعني … لا يوجد حدود لما يريد أن يصنعه الرّب من خلالك. ولكن انتبه من العثرات، من العبارات، من الهفوات
وانظر بالإيمان، لأمور عظيمة يريد أن يصنعها الرّب من خلالك