لا توجد فرحة على الصعيد البشري والأرضي والزمني أكبر من فرحة الزواج. يقول الكتاب المقدّس: “مَنْ يَجِدُ زَوْجَةً يَجِدُ خَيْرًا وَيَنَالُ رِضًى مِنَ الرَّبِّ.” (أم 18: 22). يعني الأمر ليس بسهل، أن يجد الشاب زوجة. ولكن متى وجد زوجة يجد خيرًا وينال رضى من الرّب. الزواج هو شهادة على معجزة لقاء قلبين
ولكن الأهمّ من المعجزة التي تحدث في اللقاء والزواج، هو استمرارية هذه المعجزة. الأهمّ هو مستقبل الزواج. ونجاح الزواج يكمن في مفهومنا للزواج
هل الزواج سرّ؟ هل هو معجزة يحدثها رجل الدين بسلطته؟ هل الزواج معجزة يحدثها الله من السماء؟ هل الزواج عقد يعقده شخصين بشروط معيّنة، بحيث يضع كل من الطرفين شروطه ومتطلباته في الزواج مع البنود الجزائيّة في حال عدم الالتزام؟ أم هل الزواج عهد؟ هل هو عهد يقطعه العروسين مع بعضهم البعض ومع الله؟ هل هو عهد يتحمّل فيه الإنسان المسؤوليّة المطلقة في نجاحه وفشله؟ الجواب على هذا السؤال أساسي لفهمنا معجزة الزواج ولاستمرارية المعجزة في حياة الزوجين. قوّة الزواج ونجاحه يعتمدان على فهمنا لطبيعة الزواج. وفي سفر ملاخي تحدث الرّب عن الزواج … وفي حديثه لشعبه في القديم أجاب عن سؤال الذي نطرحه، هل الزواج هو سرّ، عقد أم عهد؟ وفي سفر الأمثال يعلن الوحي حقائق إلهيّة عن الزواج
جاء في سفر ملاخي 2: 14، “… مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الشَّاهِدُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ امْرَأَةِ شَبَابِكَ الَّتِي أَنْتَ غَدَرْتَ بِهَا، وَهِيَ قَرِينَتُكَ وَامْرَأَةُ عَهْدِكَ.” (مل 2: 14). ويكتب الرّب في سفر الأمثال عن المرأة: “التَّارِكَةِ أَلِيفَ صِبَاهَا، وَالنَّاسِيَةِ عَهْدَ إِلهِهَا.” (أم 2: 17)
أولا. يعلن الله أن الزواج هو عهد
“… مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الشَّاهِدُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ امْرَأَةِ شَبَابِكَ الَّتِي أَنْتَ غَدَرْتَ بِهَا، وَهِيَ قَرِينَتُكَ وَامْرَأَةُ عَهْدِكَ.” (مل 2: 14). يخاطب الرّب الرجل ليقول له أنّه شاهد بينه وبين امرأة شبابه، التي هي امرأة عهده. يسمي الرّب الرابط بين الرجل والمرأة، “بالعهد”. هي امرأة عهدك. في الزواج يقطع الشاب عهده للفتاة. وتقطع الفتاة عهدها للشاب. هي تسمى “امرأة عهده” وهو يسمى “رجل عهدها
في اليوم الذي خلق فيه الله حواء، نظر إليها آدم وقطع لها عهد الزواج قائلا: “فَقَالَ آدَمُ: «هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ». لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا.” (تك 2: 23و24)
نقرأ في سفر الأمثال عن المرأة: “التَّارِكَةِ أَلِيفَ صِبَاهَا، وَالنَّاسِيَةِ عَهْدَ إِلهِهَا.” (أم 2: 17)
في رسالة بطرس الأولى 3: 5و6 نقرأ عن النساء القديسات على مثال سارة زوجة إبراهيم
فَإِنَّهُ هكَذَا كَانَتْ قَدِيمًا النِّسَاءُ الْقِدِّيسَاتُ أَيْضًا الْمُتَوَكِّلاَتُ عَلَى اللهِ، يُزَيِّنَّ أَنْفُسَهُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ، كَمَا كَانَتْ سَارَةُ تُطِيعُ إِبْرَاهِيمَ دَاعِيَةً إِيَّاهُ «سَيِّدَهَا». الَّتِي صِرْتُنَّ أَوْلاَدَهَا، صَانِعَاتٍ خَيْرًا، وَغَيْرَ خَائِفَاتٍ خَوْفًا الْبَتَّةَ.” (1بط 3: 5و6) في الزواج عهد يقطع بين العروسين. “امرأة عهدك
ويوجد عهد يقطعه العروسان مع الرّب “عهد إلهها”. في الزواج يقطع الرجل عهده للفتاة، أن يترك أبيه وأمّه ويلتصق بها ويكونان جسدًا واحد. وتقطع الفتاة عهدها للرجل، أن تكون خاضعة وطائعة وملتصقة به طيلة أيام حياتها
الزواج ليس سرّ يحدث من الخارج، ولكنّه عهد يقطعه الرجل أمام الرّب، أن يكون زوجًا بحسب قلب الرّب وبحسب وصايا الرّب وبحسب مشيئة الرّب، وهو عهد تقطعه الفتاة أمام الرب، أن تكون زوجة بحسب قلب الرّب وبحسب وصايا الرّب وبحسب مشيئة الرّب، في كل الظروف والأحوال. نجاح الزواج واستمراريّة معجزة الزواج وتوهّج شعلة الحّب والمودة والألفة والتفاهم، هو إحياء لهذا العهد والعيش بموجبه في كل يوم من الحياة
وهنا يطرح السؤال: ما هو دور الله في الزواج؟
ثانيا. يشهد الله على عهدك لشريكك
مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الشَّاهِدُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ امْرَأَةِ شَبَابِكَ الَّتِي أَنْتَ غَدَرْتَ بِهَا، وَهِيَ قَرِينَتُكَ وَامْرَأَةُ عَهْدِكَ.” (مل 2: 14)”
الله حاضر في الزواج المسيحي. عندما يتزوّج المؤمن بحسب وصايا الرّب بالإيمان، يكون حضور الرّب ظاهر. الله هو الشاهد بينك وبين امرأة شبابك، ليس فقط في العرس ولكن في كل أيام حياتك
. هو حريص ليعطي الزوجين كل بركات العهد الذي يدخلان به، وكل وعد وعده لأولاده المؤمنين
طُوبَى لِكُلِّ مَنْ يَتَّقِي الرَّبَّ، وَيَسْلُكُ فِي طُرُقِهِ. 2لأَنَّكَ تَأْكُلُ تَعَبَ يَدَيْكَ، طُوبَاكَ وَخَيْرٌ لَكَ. 3امْرَأَتُكَ مِثْلُ كَرْمَةٍ مُثْمِرَةٍ فِي جَوَانِبِ بَيْتِكَ. بَنُوكَ مِثْلُ غُرُوسِ الزَّيْتُونِ حَوْلَ مَائِدَتِكَ. 4هكَذَا يُبَارَكُ الرَّجُلُ الْمُتَّقِي الرَّبَّ.” (مز 128: 1-4)
الذي يميّز زواج المؤمن هو حضور الرّب في الزواج. فهو سيسهر على الزوجين ويهتم بهما ويعتني بهما ويغمر بيتهما بحضوره … هو الشاهد والساهر على البيت المبارك. لذلك يستطيع الزوجان أن يدخلا الزواج بثقة وبسلام وبفرح، لأنّ الرّب هو الشاهد والحاضر في عائلتهما الجديدة
إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ.” (متى 19: 6)
.لا أحد من البشر يستطيع أن يقاوم عظمة حضور الله في العائلة
ثالثا. يضع الله مسؤوليّة استمرار معجزة الزواج على الإنسان نفسه
مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الشَّاهِدُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ امْرَأَةِ شَبَابِكَ الَّتِي أَنْتَ غَدَرْتَ بِهَا، وَهِيَ قَرِينَتُكَ وَامْرَأَةُ عَهْدِكَ.” (مل 2: 14)”
يضع الله المسؤوليّة على الإنسان في زواجه. الله يتوقّع منك كمؤمن أن تكون وفيًّا وأمينًا ومخلصًا ومحبًّا ومضحّيًا، في زواجك. يتحدث الوحي عن “امرأة شبابك” … هذه ليست المرّة الأولى التي يستخدم فيها الكتاب المقدّس تعبير “امرأة شبابك”. في سفر الأمثال 5: 18 يوصي الرّب قائلا “لِيَكُنْ يَنْبُوعُكَ مُبَارَكًا، وَافْرَحْ بِامْرَأَةِ شَبَابِكَ” (أم 5: 18). ما هي قصّة “امرأة الشباب”؟ هل هذا يشجع على الزواج المبكر؟ أن يتزوّج الإنسان في شبابه وليس في شيخوخته؟ بالطبع الرّب يريد من الإنسان أن يتمتّع بحياته الزوجيّة ويتزوج بعمر مبكر. ولكن الفكرة الأساسيّة ليست في توقيت الزواج ولكن في الوفاء لامرأة الزواج. الفكرة الكتابيّة هي أن يبقى الرجل وفيًّا لامرأة شبابه طيلة أيام حياته وأن يتمتع بامرأة شبابه طيلة أيام حياته
الله يشهد على وفاء الإنسان وعلى أمانته لعهد الزواج. “مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الشَّاهِدُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ امْرَأَةِ شَبَابِكَ الَّتِي أَنْتَ غَدَرْتَ بِهَا”
الله يشهد على الأمانة ويلاحظ الغدر. “التَّارِكَةِ أَلِيفَ صِبَاهَا، وَالنَّاسِيَةِ عَهْدَ إِلهِهَا.” (أم 2: 17)
إن الإنسان مسؤول عن أن يكون أمين وألا يغدر بعهد الزواج وعلى الإنسان أن يتحمّل مسؤوليته بأن يذكر عهد زواجه وألا ينساه. الزواج هو مسؤوليّة. الفرق بين الزواج الناجح والزواج الفاشل، هو أنّ الزواج الناجح فيه زوج وزوجة يتحملان مسؤوليّتهما تجاه الله وتجاه بعضهما البعض في كل يوم. لذلك فإن الزواج ليس سرّا يحدث من الخارج إلى الداخل، وليس عقدا بين شخصين بشروطهما وتصميمهما، ولكنّه مخطط إلهي عظيم يدخل فيه الإنسان بمسؤوليّة تامة
الزواج هو مشروع عظيم ومبارك، يتطلّب تحمل المسؤوليّة اليوميّة أمام الرّب. أنت مسؤول في كل يوم أن تبقي شعلة المحبّة والوئام والتضحية مشتعلة في بيتك. هذا لا يعني أنّه لا يوجد دور للرّب في حياتهما. ولكن الله لا يعمل بمعزل عن إرادة الإنسان. الله سيكون حاضر في زواجهما ويباركه وستكون يده معهما حيثما توجها، ولكن هذه كلها مرتبطة بمسؤوليتهما الشخصيّة وتحمل مسؤوليتهما
لا تتوقعوا من الله أن يعمل ما يجب أن تقوموا به أنتم. عندما تسهر في كل يوم على عهد زواجك، ستختبر قوّة حضوره وعمله وبركاته في عائلتك
ختامًا، الزواج عهد يُقطع مع الزوجين ومع الرّب، أن يُبنى البيت على مبادئ الرّب، لكي يكون المسيح ظاهرًا في الزواج، وتفوح رائحة المسيح من العائلة الجديدة طيلة أيام الحياة